الوسط تنشر رثاء نجل شهيد اليمن الكبير جمال عامر باستشهادة        صنعاء تتوعد اسرائيل برد مؤلم على جريمة استهداف الحكومة        صنعاء تودع شهدائها في موكب جنائزي مهيب        بيان نعي ــ رئيس التحرير جمال عامر شهيداً على طريق القدس      
    كتابات /
وداعا جمال عامر

01-09-2025 20:24:41


 
بقلم ــ الصحفي عامر الدميني

بات مؤكدا مقتل الزميل جمال عامر في عملية الاستهداف لإسرائيل في صنعاء، وهي العملية التي شملت عدة قيادات من حكومة الحوثيين.

وبعيدا عن هذه العملية ورؤية البعض لها، لكني سأتحدث عن جمال عامر، كزميل صحفي، عملتُ معه كسكرتير تحرير لصحيفة الوسط، لمدة عامين، والتي كان جمال صاحب الامتياز فيها، ورئيس تحريرها، وهي فترة أعتبرها من الفترات المهمة في حياتي المهنية.

التحقتُ بصحيفة الوسط بعد فترة قضيتها في الصحافة المتخصصة، وتحديدا في الإعلام الصحي الخاص، من خلال مجلات طبية كانت تصدر في صنعاء، ومثل ذلك لي تجربة جيدة، عرفتُ خلالها كثير من المعلومات عن هذا الجانب محليا وخارجيا، وسيأتي اليوم الذي نتحدث فيه عن تلك التجربة، وروادها، وأثرها.

ومع مضي الوقت شعرتُ بالحنين للصحافة السياسية، وبدأت التحرك للحصول على فرصة في أي صحيفة، وجاءت الفرصة من خلال الزميل رشاد الشرعبي الذي رشحني للعمل في صحيفة الوسط، فغادرت الإعلام الصحي رغم الأجر المادي المرتفع فيه، وذهبتُ للوسط، على الرغم من قلة راتبها وقتذاك، والذي كان أقل من النصف، مما كنت استلمه في الإعلام الصحي.

هناك بدأتُ التجربة مع جمال، والإصدار الأسبوعي من الصحيفة، وسهرات التحرير والإخراج، وعرفتُ هناك زملاء لأول مرة، مثل خالد عبدالهادي، الذي حللتُ مكانه، وانتقل للثوري، وأنيس الجهلاني، ومحمد غزوان رحمه الله، وسامي نعمان، والمصحح اللغوي عبدالحكيم الشريحي، وغيرهم من مراسلين ومتعاونين، وصحفيين كانوا يترددون على الصحيفة يوميا، أو يأتون من محافظات أخرى.

توليتُ تحرير صفحة "قضايا" وكانت صفحة تعني بالحقوق والحريات، وقضايا الناس، التي كانت تصل عبر الفاكس، أو الحضور من أصحابها، ويتم تحرير أكثر من عشر قضايا أسبوعيا، ومنحني ذلك علاقات واسعة مع قطاع كبير من الناس، خاصة مع تجاوب السلطات مع تلك الحقوق، وتلمس فرحة الناس بالاستجابة لمطالبهم، مثلما كنتُ أشعر بالرضا، في الانتصار لقضاياهم، وحل مشاكلهم.

وإلى جانب تلك الصفحة كنت مكلفا بتحرير الأخبار الدولية والعربية، وكل واحدة منها في صفحة مستقلة أسبوعيا، ناهيك عن المشاركة في كتابة التقارير، وتحرير الأخبار، وإجراء الحوارات، وأبرز من حاورتهم للوسط كان عبدالعزيز جباري عضو مجلس النواب، والشاعر الراحل قاسم الشهلي، وآخرون.

كان جمال خلال كل تلك الفترة زميلا صحفيا متمكنا، وصاحب علاقات واسعة، ولديه مصادره، وأسلوبه الخاص في التناول، واحتفظ بعلاقة مميزة مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وأجرى حوار معه، ليدخل مع النظام في علاقة رضا، بعد علاقة سابقة اتسمت بالصدام، تعرض خلالها جمال للاعتداء، وكانت تلك الحادثة سببا لاختياره ضمن أربعة صحفيين شجعان حول العالم، من قبل لجنة حماية الصحفيين الدولية، عام 2006م، وكُرم في واشنطن في احتفال خاص تسلم خلالها الجائزة.

كان لجمال علاقة قطيعة وكراهية تامة للسعودية في اليمن، وكانت الوسط مصدرا صحفيا مزعجا للسفارة السعودية في صنعاء، ولا يخلو عدد أسبوعي من مواد تنتقد السعودية، سواء على المستوى المحلي أو الخارجي، وشكل هذا جزء من تفكيره المهني والصحفي، وربما يعود ذلك للدعوى القضائية التي رفعتها السفارة ضده في وقت مبكر عندما كان مراسلا لصحيفة الوحدوي التابعة للتنظيم الناصري من محافظة إب، وفق ما أتذكر.

وأتذكر هنا عندما مات والده في إب، سافر جمال، وأشرفتُ حينها على العدد الأسبوعي، ثم تحركتُ من صنعاء إلى إب لتقديم العزاء في منزلهم بالمدينة، وقابلتُ هناك عبدالكريم الخيواني، وسامي غالب، وآخرين، وكان معي نسخة من الإصدار الجديد في ذلك الأسبوع، وبعدما تصفحها نظر الخيواني إلى جمال ممازحا، وقال: هذه المرة الأولى التي يصدر عدد من الوسط دون أي مواد على السعودية، في إشارة لغياب جمال، وإشرافه على مثل تلك المواد، وتجاهلها مع غيابه.

وربما كان لهذا الموقف من جمال تجاه السعودية مدخلا له في العلاقة مع الحوثيين منذ وقت مبكر، وتظهر رسالة لبدرالدين الحوثي إلى مسؤول إيراني بشر بها بقرب ولادة صحيفة اسمها الوسط، وسيكون لديها موقفها المناهض للوهابية السعودية، حسب تلك الرسالة، وهذي العلاقة بقت وتطورت مع سقوط صنعاء، وظهر جمال في موقفه الصحفي معهم، ثم جرى استدعاء بعد تقديمه طلبا للجوء في هولندا، ليعمل معهم كوزير للخارجية.

اعتبر جمال من الصحفيين القلائل في اليمن الذين كان لصحفهم دورا في عملية التأثير السياسي والإعلامي، وتمكنوا من حجز مكانة جيدة لدى الجمهور، في المسار الصحفي الذي ساروا عليه، والقضايا التي تمت تغطيتها، والتي كانت تمتاز بالمشاغبة السياسية الذكية، وحضور مختلف الأطراف في مواقفهم من مجمل القضايا السياسية التي كانت تطفو في تلك الأيام، سواء من النظام أو المعارضة، وكان جمال محاورا جيدا كما أظهرت اللقاءات الصحفية التي أجراها مع عدة شخصيات يمنية، بينهم صالح كما تحدثتُ سابقا، وبدر الدين الحوثي، وغيرهم الكثير.

كان السبت والأحد من كل أسبوع موعدا لتحرير الصفحات الثابتة، وتلك التي كنتُ أعدها، والإثنين موعدا مع تحرير 12 صفحة، في وقت يبدأ من العصر حتى الصباح، والثلاثاء يوم الانتهاء من باقي الصفحات، وتشمل الأولى والثانية، والـ15 والأخيرة، ولاتزال تحضر كثير من الذكريات عن العمل في صحيفة الوسط، والملفات التي عملنا عليها، ولحظات الذروة التي تقتضي سرعة الإنجاز، وتكثيف العمل، خاصة مع مخرج الصحيفة السابق، الذي لا أتذكر اسمه، وكان له معاملة خاصة، كغيره من مخرجي الصحف الذي كان يجب المحافظة على مزاجهم، ثم جاء خلفا له الزميل ياسر شحرة، كما لا أنسى ساعات المقيل، التي كانت مليئة بالزبج - وفق توصيف الذماريين - والمناكفات السياسية، التي كانت تتسم بالجرأة، والاحترام أيضا.
تلك الفترة من العمل معه شكلت علاقة صداقة وزمالة مع جمال عامر، ومنحتني فرصة للعمل الصحفي المستقل، الذي وجدتُ فيه ذاتي من جديد، وأكسبتني علاقات واسعة مع زملاء في العمل الصحفي، والسياسي، وجمهور كبير ممن ترددوا على القناة، وكان جمال حاضرا كزميل، وأخ.
وبعد تلك التجربة انتقلتُ أنا للعمل في صحيفة الناس، وغادرتُ الوسط، وظل جمال على رأس صحيفته، حتى توقفت كل تلك الصحف الأسبوعية، التي كان انتظام صدورها، وتنافسها، وتعدد اتجاهاتها، ربيعا زاهيا للصحافة اليمنية، وانتهى كل ذلك مع انقلاب الحوثيين، واسقاطهم لصنعاء، وبقائهم حتى اليوم.
أكتب هذا تذكرا لتلك الفترة والتجربة، بأشخاصها ومكانها، ووسيلتها، وعن زميل مهما كان يبقى له التذكار في حياتنا، والذكرى لا تموت، رحم الله جمال عامر، والتعازي، والمواساة لعائلته، وأبنائه، وذويه.