نعى الوسط الصحفي اليمني استشهاد الأستاذ جمال عامر وزير الخارجية في حكومة التغيير والبناء ورئيس تحرير صحيفة الوسط اليمنية المستقلة بغارة إسرائيلية استهدف اجتماع حكومي في العاصمة صنعاء يوم الخميس الموافق 28 أغسطس 2025.
الأستاذ الشهيد، جمال عامر، الذي وصفته اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، بالصحافي الشجاع في العام 2006، باعتباره أحد أربعة صحفيين، حصلوا على جائزة لجنة حماية الصحفيين الدولية في العام نفسه، عرف بمواقفه الوطنية القوية، ومواجهة الفساد والفاسدين والتضحية من أجل القيم الإنسانية والوطنية التي أمن بها وجسدها خلال مسيرته النضالية في المجالات الصحفية والسياسية.
ولد جمال عامر في مدينة إب عام 1968، ودرس الثانوية العامة في مدرسة النهضة في المدينة نفسها، كما واصل دراسته الجامعية ليتخرج من كلية الآداب عام 1990.
وبدأ مشواره المهني في صحيفة «الوحدوي» الناطقة بلسان التنظيم الوحدوي الناصري. واشتهر بالعديد من التحقيقات والتقارير المميزة على مدى التسعينات. وفي 1999 اعتقل في مدينة إب على إثر نشره مقالاً يتناول مستجدات العلاقات اليمنية السعودية جراء تدهور صحة الملك السعودي السابق فهد بن عبدالعزيز.
وبسبب المقال ثم إحالته إلى المحاكمة بتهمة الاضرار بالصالح العام. وفي فبراير 2000 صدر في حقه حكم بحرمانه من الكتابة مدى الحياة، وهو الحكم الذي اعتبر الأغرب في تاريخ القضاء اليمني. غادر جمال جريدة «الوحدوي» بعد قرار غريب صدر من قيادة التنظيم الناصري قضى بمنعه من الكتابة في الصحيفة. وفي مايو 2000 انتقل للعمل في صحيفة «الاسبوع» المستقلة، سكرتيراً لتحريرها. لكنه استقال بعد ذلك، ليتجه نحو التحضير لتأسيس صحيفة «الوسط» اليمنية المستقلة التي بدأت الصدور في مايو 2004، واستمرت بالصدور حتي منتصف العام 2015، قبل ان تتوقف بسبب تصاعد الحرب التي قادتها السعودية على اليمن وشاركت فيها الامارات وعدد من الدول العربية.
تعرض الأستاذ الشهيد جمال عامر ، لعدد من الانتهاكات من قبل السلطات في اليمن خلال الفترة 2004 ـ 2015 ، ابرز تلك الانتهاكات تعرضه للاختطاف اثناء خروجه من مقر صحيفة الوسط وسط العاصمة صنعاء في اغسطس 2005، من قبل مجهولين استخدموا سيارة تحمل لوحة «حرس جمهوري» ، واقتاده الخاطفون إلى أماكن خارج العاصمة معصوب العينين ، ومارسوا بحقه شتى أنواع التنكيل البدني والنفسي، وبعد عدة ساعات أفرجوا عنه بعد تهديده بالقتل في حال عاود تغطية قضايا فساد أو «المساس بأسياده في الدولة حد زعمهم , ويُعتقد أن الخاطفين يتبعون مراكز نفوذ داخل المؤسستين العسكرية والأمنية ، وجاء اختطاف رئيس تحرير صحيفة الوسط بعد أيام من نشر الصحيفة تحقيقاً صحافيا كشفت فيه عن استحواذ أبناء وأقارب كبار القادة في الدولة على منح دراسية رفيعة تقدمها حكومات وشركات غربية لطلبة الثانوية المتفوقين.
ورغم ادانة نقابة الصحفيين للجريمة، إلا ان نتائج عن التحقيقات التي أجرتها الأجهزة المختصة بشأن الاعتداء لم تظهر، لكن جمال عامر لم يتوقف عن كشف المزيد من الملفات المتعلقة بالفساد، بل عرفت صحيفة الوسط بانحيازها إلى جانب الوطن والمواطن، ومقارعتها للفساد وكشفها الكثير من الحقائق السياسية والاقتصادية، وكان خطابها موجة الى عامة الشعب، فاكتسبت شعبية واسعة وكانت أحد اهم الصحف المؤثرة في الجمهورية اليمنية.
وتجدر الإشارة إلى أن جمال عامر من الشخصيات السياسية الإعلامية التي تصادمت مع نظام صالح بسبب جرأة الطرح الذي تميزت به صحيفة الوسط الأسبوعية التي يصدرها ويملكها، إذ سبق وخضع عامر للمحاكمة لأكثر من مرة، يضاف إلى المضايقات والتحريض من قبل الأحزاب السياسية التي كانت في صف معارضة النظام السابق ، ويعود ذلك لكون الشهيد جمال عامر ، كان يعمل كصحفي مستقل ورئيس تحرير صحيفة أهلية متحررة من كافة القيود الحزبية ، فكان الخط التحريري السياسي لصحيفة الوسط ضد كل ما يتعارض مع مصلحة الوطن والمواطن ، فكان انتقاد الصحيفة انتقاداً بناءً وليس العكس ، إلى جانب دورها في تغطية الاحداث من زاوية مستقلة مختلفة عن الصحف الحزبية ، فكان لها دور بارز في تغطية مستقلة لحروب صعدة الست التي جرت بين نظام صالح وحركة الحوثيين ، ولان التغطية كانت مختلفة عن سردية السلطة وحلفائها ، تعرضت الصحيفة لحملات تحريض من قبل الأحزاب السياسية اليمنية سلطة ومعارضة خلال الفترة 2004ـ 2015 .
يضاف إلى أن العلاقة الابوية بين السعودية واليمن كانت من القضايا التي احتلت أولوية في سياسية صحيفة الوسط اليمنية المستقلة، لتجاوز تلك العلاقة العرف الدبلوماسي المتعارف عليه بين الدول ذات السيادة، يضاف إلى علاقة اليمن بالولايات المتحدة الامريكية والتي كانت قائمة على الوصاية ايضاً
على مدى العقدين الماضيين عمل الأستاذ الشهيد جمال عامر، على أعلاء كلمة الحق ومناصرة مظلومية اليمنيين ، وكان صحيفة الوسط منبر اعلامي متاح لكل اليمنيين تنقل معاناتهم وقضاياهم وتفتح ملفات حقوقية وإنسانية واقتصادية هامة ، وعلى نهج الوسطية والاعتدال مضى رئيس التحرير الشهيد جمال عامر، في التعامل مع كل الأطراف السياسية اليمنية، فقد كان رحمة الله صاحب فكر وراي ورؤية ثاقبة للأحداث، فاكتسب علاقات واسعة مع مختلف اطراف الصراع ، مكنته من لعب أدوار سياسية متعددة ، وعندما تعرضت اليمن لعدوان خارجي بقيادة السعودية ، انحاز الشهيد إلى جانب وطنه وشعبة في احلك الظروف ، رافضاً للعدوان الخارجي على اليمن ، ومناهضاً له ، وهو موقف كل الاحرار الذين رفضوا ان يكونوا ادوات للخارج على حساب سيادة واستقلال الوطن مقابل المال ، كما حدث مع العشرات من الكتاب والصحفيين الذين انظموا الى صف العدوان الخارجي على حساب الوطن .
وخلال العشر السنوات الماضية ، كرس الشهيد جمال عامر ، معظم جهوده للجانب الإنساني والحقوقي ، وكان لاعباً سياسياً في تقريب وجهات النظر حول العديد من الملفات السياسية ، فتم اختياره كعضو في وفد صنعاء المفاوض في جولة المفاوضات التي أجرتها الأمم المتحدة في استكهولم وكان له دور بارز في ما يعرف باتفاق استكهولم الذي ابرم برعاية الأمم المتحدة في أواخر العام 2018 .
عُين الأستاذ الشهيد جمال عامر وزيراً للخارجية والمغتربين بحكومة التغيير والبناء في 12 أغسطس 2024، وكان من الأسماء اللافتة للانتباه، وتم الإشادة في اختياره بهذا المنصب من قبل عدد من النخبة السياسية اليمنية في الداخل والخارج، لما له من علاقاته واسعة على المستوى المحلي الدولي .
ــ رشيد الحداد رفيق الشهيد في صحيفة الوسط منذ العام 2008