قالت مواطنة لحقوق الإنسان في بيان لها الاسبوع الماضي ، أنه قد عُثر على مجموعة من جثث المهاجرين اليمنيين والإثيوبيين متكدسة بالقرب من مرفق احتجاز غير رسمي في جنوب السعودية. كان المهاجرون قد عبروا الحدود من شمال اليمن إلى المملكة العربية السعودية في اليوم السابق، وفقا لأولئك الذين جمعوا الجثث. وقام طبيب بفحص جثث سبعة يمنيين عثر عليها مع المجموعة، وكشف التقرير الطبي أن اثنتين من الجثث كانت مصابة بطلقات نارية، وأن الجثث الخمس المتبقية عليها آثار تعذيب.
على مدى سنوات، أخفقت السعودية في منع الانتهاكات ضد المهاجرين في أراضيها وإجراء تحقيقات موثوقة في هذه الانتهاكات. إن الإخفاق في التحقيق في الانتهاكات الجسيمة المرتكبة ضد المهاجرين من قبل أفراد أو مسؤولين عموميين ضد المهاجرين ومقاضاة مرتكبيها من شأنه أن ينتهك التزامات المملكة العربية السعودية بموجب القانون الدولي. وإنه يتعين على الدول اتخاذ خطوات فورية لضمان إجراء تحقيقات ذات مصداقية، ومساءلة جنائية، وجبر ضرر عن الانتهاكات والاعتداءات التي ارتكبت في هذه الحادثة المروعة.
وفي سياق النزاع المسلح، أخفقت السعودية، وكذلك الأطراف المتحاربة الأخرى، في إجراء تحقيقات ذات مصداقية في الانتهاكات، ومعاقبة المسؤولين عنها، وتقديم جبر ضرر للضحايا. ودعت "مواطنة" وعشرات المنظمات الحقوقية الأخرى الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى إنشاء آلية دولية مستقلة للمساءلة الجنائية في اليمن.
وقالت رضية المتوكل، رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان: "هذه الطريقة الوحشية في التعامل مع مجموعة من المهاجرين الإثيوبيين واليمنيين داخل الأراضي السعودية وتعرضوا للقتل والتعذيب هي واحدة ضمن سلسلة انتهاكات يتعرض لها المدنيين في المناطق الحدودية بين اليمن والسعودية. على المجتمع الدولي أن يعرف بأن غياب آلية دولية مستقلة للمساءلة الجنائية في اليمن هي ضوء أخضر لسلسلة لا تتوقف من الجرائم بحق المدنيين "
زار فريق من مواطنة مدينة صعدة ومنطقة سوق الرقو في شمال اليمن في الفترة بين 14 و 18 مايو/آيار 2022، للتحقيق في الحادث. التقت مواطنة مع 5 شهود، بما في ذلك 3 شهود نقلوا الجثث من جانب مركز الاحتجاز غير الرسمي في السعودية إلى سوق الرقو في اليمن ، بالقرب من الحدود بين البلدين، كما التقت مواطنة 2 من أقارب الذين قتلوا. حصلت "مواطنة " على صور ومقاطع فيديو لجثث مدنيين يمنيين سبعة تم نقلهم وتجميعهم في المستشفى الجمهوري بصعدة. وكانت "مواطنة"، قد زارت المستشفى الجمهوري في صعدة في 15 مايو/آيار، وعاينت الجثث السبع لليمنيين الذين قتلوا، وحصلت على أسماء ستة منهم، والذين تتراوح أعمارهم بين (20 - 40) عامًا عند الوفاة. كما حصلت "مواطنة " أيضًا على تقرير الطبيب الشرعي الذي فحص الجثث السبع في مشرحة المستشفى. وبحسب شهود عيان فإن جثث الإثيوبيين دفنت بالقرب من الحدود، على الجانب اليمني، في مقبرة يستخدمها السكان الأثيوبيين.
الطبيب الذي فحص جثث الضحايا اليمنيين السبعة خلص في تقرير من 14 صفحة إلى أنهم تعرضوا "لعنف خارجي شديد للغاية باستخدام أداة أو أجهزة صلبة" وأن "هناك علامات على إصابة حيوية ومتكررة بالتيار الكهربائي. وكلها علامات تظهر عادة في حالات الوفاة الناتجة عن التعرض للتعذيب ... "كما وجد الطبيب أن جثتين من الجثث تبين أنه قد تم إطلاق النار على اصحابهما، أحدهما في الرأس والأخر في الجانب الأيمن من الجسم. وأن اثنتان على الأقل من الجثث تعرضتا لصدمة كهربائية، وإحداهما على الأقل تعرضت لشق "حول العضوي الذكر نتيجة ربطه بضمادة ضاغطة".
قال شاهد لـ"مواطنة " ، أنه في يوم الأربعاء 11 مايو/ أيار 2022 ، في ساعة مبكرة من مساء ذلك اليوم ، انطلق حشد من حوالي 30 يمنيا وإثيوبيًا سيرا على الأقدام صوب الحدود السعودية، متجهين نحو شرق منطقة سوق الرقو. تعتبر منطقة سوق الرقو الواقعة على الحدود اليمنية مع السعودية نقطة انطلاق غير رسمية لتهريب البشر ونقل المواد المهربة وخاصة نبتة "القات" إلى الأراضي السعودية. يتوجه العديد من المهاجرين الأفارقة واليمنيين إلى هذه المنطقة من أجل عبور الحدود والبحث عن فرص اقتصادية أفضل في المملكة السعودية.
لم يتضح ما حدث بعد دخول المجموعة إلى الأراضي السعودية. في اليوم التالي عثر شاب إثيوبي على مجموعة من الجثث المكدسة على تل "أبو علي" بمنطقة شويرة بمحافظة الداير بمنطقة جازان في المملكة السعودية. كانت الجثث بالقرب من مرفق غير رسمي يستخدمها حرس الحدود السعودي كمركز احتجاز. ذهب الرجل لتنبيه أولئك الموجودين على الجانب اليمني من الحدود بشأن ما وجده.
ذهب حوالي ستة أشخاص للمعاينة ورأوا كومة الجثث. أطلق أحد عناصر حرس الحدود السعودي طلقات تحذيرية في اتجاه المجموعة. بعد فترة، عادت المجموعة إلى اليمن. بعد حوالي ربع ساعة، غادر حرس الحدود وعاد الأشخاص الستة إلى نفس المكان لنقل الجثث إلى اليمن. ودفنوا جثث الاثيوبيين قرب سوق الرقو ونقلت جثث اليمنيين الى مدينة صعدة.
قال "نبيل" (اسم مستعار)، 31 عامًا، ساعد في نقل الجثث: في صباح يوم الخميس 12 مايو/آيار، كنت نائمًا في سوق الرقو، عندما استيقظت مذعورا من صياح شاب إثيوبي يخبر الناس أن هناك جثثًا ملقاة على الأرض بجوار منزل قريب. يقع هذا المنزل على تل أبو علي على الحدود الجنوبية للسعودية. ويستخدمه [حرس الحدود السعودي] كمركز احتجاز.
اندفعنا أنا وشباب يمنيون آخرون كانوا في السوق إلى المكان في حالة من الصدمة والذهول. كانت مسافة المشي أقل من عشر دقائق. عندما وصلنا، رأيت بأم عيني جثث عدد من اليمنيين والإثيوبيين بلا روح، وكلهم كانوا ميتين، وجثثهم ملقاة فوق بعضها البعض.
وجدنا جندياً [سعوديا] كان على بعد أمتار يرتديً زياً عسكرياً. بادرنا بإطلاق رصاصات تحذيرية بالقرب منا عندما رأى أننا نتقدم لأخذ الجثث. قال لنا، "لن تأخذوا أيًا من تلك الجثث الآن. دعوهم يتعفنوا! " صرخت في وجهه: "اتق الله" وأطلق علينا وابلًا آخر من طلقات التحذير علينا.
بعد ربع ساعة عدنا إلى الأراضي السعودية لأخذ الجثث. كان الجندي قد غادر المكان. وكانت جميع الجثث التي ألقيت على الأرض متيبسة وعليها آثار التعذيب
قال رجل إثيوبي يبلغ من العمر 21 عاما ساعد في نقل الجثث:ذهبت لأخذ الجثث مع صديق آخر. قمنا بفرز جثث أصدقائنا. عرفناهم من لون بشرتهم. كان البعض مبللا بالماء، وكان بعضهم عارياً والبعض الآخر يرتدي ملابس داخلية. كانت أجسادهم متيبسة وبدأنا في نقلهم لدفنهم. قمنا بدفن أكثر من جثة في قبر واحد في سوق الرقو. تم دفن كل اثنين معروفين معًا.
"صالح"، رجل يبلغ من العمر 30 عاما ساعد أيضا في نقل الجثث، بما في ذلك جثتان من أقاربه، قال: كانت آثار الدم في آذان وأنفي أخي وابن عمي. أخذناهم إلى الجانب اليمني، مع خمسة آخرين لا أعرفهم، بينهم اثنان فقط تمكنت من العثور على بطاقات الهوية وأرقام الهواتف في جيوبهم. اتصلت بعائلاتهم في منطقة الزهرة بالحديدة، وأخبرتهم أن هناك جثتين باسم فلان وفلان على الحدود السعودية. لم يصدقوني وكانوا في حالة صدمة. بعد فترة، اتصلوا بي وقالوا لي، "من فضلك قل لنا أن هذا ليس صحيحًا".
مواطنة التقت بشقيق أحد الرجال اليمنيين الذين قتلوا. سافر من منزله في محافظة الحديدة في اليمن بمجرد تلقيه مكالمة هاتفية لإبلاغه بوفاة شقيقه. فحص جثة شقيقه في مشرحة المستشفى وتحقق منها. قال لـ"مواطنة":كان أخي عماد (35 عامًا) المعيل الوحيد لنا لأكثر من خمس سنوات بعد وفاة والدي. كان آخر اتصال لنا معه في اليوم السابق لوفاته، حين اتصل للاطمئنان على صحة أمنا. أخبرته أنها مريضة في المستشفى وليس لدينا مالاً، وهي بحاجة إلى لوح شمسي وبطارية لتشغيل المروحة لأن مدينة الحديدة حارة للغاية. أجابني بنبرة حزينة على صوته وقال لي: حسنا يا أخي. سأدخل السعودية غدًا وسيستغرق الأمر بضعة أيام قبل أن أرسل لك المال لشراء لوح شمسي وبطارية.
وفقاً للمقابلات التي أجرتها "مواطنة"، أحد الرجال الذين قتلوا كان سائق دراجة نارية لكسب لقمة العيش، و قام آخرون بأعمال بدنية كعمال بناء. عادة، إذا لم يتمكن الأشخاص من إيجاد فرص عمل لائقة في اليمن لتلبية الاحتياجات الأساسية لأنفسهم وأسرهم، قد يقررون الهجرة إلى السعودية وعبور الحدود للعمل هناك كمزارعين ورعاة للماشية والإبل، وأداء العمل البدني مثل البناء.يعتبر معظم المهاجرين الأفارقة واليمنيين الهجرة إلى المملكة العربية السعودية وسيلة لتحسين مستويات معيشتهم. قد يتطلب تدهور الأوضاع المعيشية وصعوبة الحصول على عمل في اليمن من الناس البحث عن مصادر دخل عبر الحدود.
تُظهر المعلومات التي جمعتها "مواطنة" أن بعض الضحايا قد دخلوا السعودية من قبل. بشكل عام، فإن المهاجرين الذين يعبرون إلى الأراضي السعودية يقودهم مهربون يساعدونهم على التهرب من حرس الحدود السعوديين، وإدخالهم إلى السعودية.
يجب على السلطات السعودية واليمنية التحقيق على الفور في مزاعم الانتهاكات ضد المهاجرين اليمنيين والإثيوبيين، بما في ذلك القتل غير المشروع والتعذيب وغيره من صنوف سوء المعاملة. وينبغي أن تكون التحقيقات فعالة وسريعة وشاملة ونزيهة. وينبغي مقاضاة المسؤولين ومحاكمتهم محاكمة عادلة وفقا للمعايير الدولية. ويجب توفير سبل انتصاف فعالة لأسر الضحايا ومن يعيلون، بما في ذلك التعويضات.
إن الحظر المطلق للتعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة مكفول في القانون الدولي، بما في ذلك أثناء النزاعات المسلحة. المملكة العربية السعودية واليمن ملزمتان باتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، والتي تؤكد كذلك التزاماتهما باتخاذ خطوات ذات مصداقية نحو المساءلة والجبر عن أعمال التعذيب أو غيرها من ضروب سوء المعاملة. يستحق جميع المهاجرين التمتع بحماية حقهم في الحياة، والدول ملزمة بضمان عدم حرمان المهاجرين تعسفا من هذا الحق في أي إقليم يخضع لولايتها. يجب على سلطات الدول التحقيق في انتهاكات الحق في الحياة ومقاضاة مرتكبيها، بما في ذلك عمليات القتل غير القانونية التي تحدث أثناء رحلة المهاجرين عبر الحدود.
واجه المهاجرون وطالبو اللجوء الأفارقة واليمنيون تهديدات خطيرة لحياتهم وسلامتهم في المناطق الحدودية بين اليمن والسعودية. منذ بدء النزاع المسلح في اليمن في أواخر عام 2014، وثقت "مواطنة" ما لا يقل عن 55 واقعة قصف بري من قبل حرس الحدود السعودي في هذه المناطق، أسفر عن مقتل 64 مهاجراً أفريقياً ويمنياً، بينهم 25 طفلاً و 3 نساء، وإصابة 145 مهاجراً أفريقيًا ويمنيا بينهم 53 طفلا و 9 نساء. كما وثقت "مواطنة " 20 واقعة إطلاق نار على الحدود من قبل حرس الحدود السعودي نتج عنها 6 قتلى بينهم 3 أطفال و 3 سيدات، وإصابة 28 مهاجرًا أفريقيًا ويمنيًا، بينهم 10 أطفال و 9 نساء