قبل الدخول إلى ما له علاقة بعنوان المقال، تبدو العودة ضرورية إلى البيان الذي حدد على ضوئه النظام السعودي الأهداف التي قرر دخول الحرب من أجل تحقيقها في اليمن، في الـ25 من مرس 2015، تحت مسمى عملية "عاصفة الحزم"، والمتمثلة بالقضاء على الإنقلاب واستعادة الشرعية؛ حيث أكدت حينها دول مجلس التعاون الخليجي ما عدا عُمان، في بيان، قرار "تقديم مساندة فورية بكافة الوسائل بما فيها التدخل العسكري في اليمن"، وكان لافتاً أن أعلن السفير السعودي في واشنطن حينها، عادل الجبير، في مؤتمر صحافي مستعجل، أن السعودية شنت عملية عسكرية في اليمن، مؤكداً "(أننا) سنعمل على حشد الدعم لإنقاذ اليمن من قبضة الحوثيين وتشاورنا بصورة مكثفة مع حلفائنا حول هذا القرار". بدأت الحرب بغارات جوية مكثفة، كان أول ما استهدفت قاعدة الديلمي الجوية ومخازن الأسلحة في جبلي نقم وعطان في العاصمة، لتعلن وزارة الدفاع السعودية بعد ما يقارب الشهر من غاراتها المتواصلة بمختلف أنواع القنابل والصواريخ بما فيها المحرمة انتهاء عملية "عاصفة الحزم" في 21 أبريل، مبررة قرارها بتحقيق أهدافها بالقضاء على الأسلحة البالستية والثقيلة التي تشكل تهديداً لأمن السعودية والدول المجاورة بحسب بيانها. وتسهل هنا الملاحظة أن الهدف المذكور أعلاه هو غير الذي كان بيان الحرب قد أعلنه والمتمثل باستعادة شرعية هادي. بيان الدفاع السعودي الذي يذاع في العادة تحت لافتة التحالف أعلن أيضاً بدء مرحلة جديدة تحت مسمى عملية "إعادة الأمل". وعلى الرغم من سلمية التسمية إلا أنها مثلت إيذاناً بالإنتقال إلى الخيار الثاني المتمثل بالتهيئة والتحشيد لحرب برية، عقب فشل الحرب الجوية لوحدها في تحقيق أي إنجاز يذكر. ولمن يتذكر فإن البيان قد جعل من أهداف عملية "إعادة الأمل" بمثابة تسوية الأرض للتصعيد العسكري، من خلال الهدف الأساس المتمثل بتيسير إجلاء الرعايا الأجانب في ظل تأكيد بيان الدفاع السعودي أن التحالف سيستمر في حماية المدنيين ووقف تحركات الحوثيين، وهي ذرائع استغلها لتصعيد عدوانه الجوي الذي توج بإعلانه في 14 يوليو انطلاق عملية برية في عدن، أطلق عليها اسم "عملية السهم الذهبي" وانتهت بإخراج الحوثيين من محافظات الجنوب باستثناء مديريات في شبوة ولحج. اليوم، وخلال 20 شهراً من الحرب، ما هو الهدف الذي يمكن أن يدعي النظام السعودي أنه صار منجزاً وواقعاً على الأرض، بما في ذلك الحديث عن الإنجاز في الجنوب الذي لم يتجاوز كونه احتلالاً إماراتياً سعودياً لم يفض إلى بسط سلطة الشرعية التي يدعمها، فضلاً عن الإعتراف بها حتى في العاصمة المؤقتة عدن التي تتنازعها عشرات الفصائل المسلحة ومنها "القاعدة" و"داعش"، فيما القوة الأمنية النظامية التي تسيطر عليها وعلى عدد من المحافظات الجنوبية هي ألوية "الحزم" المشكلة من جماعات سلفية يشرف عليها وزير الدولة، القيادي السلفي المدعوم من الإمارات، هاني بن بريك، بينما تتلقى توجيهاتها من القيادة العسكرية الإماراتية ولم يصدر بها قرار من سلطة هادي. لا زالت السعودية تراهن على خنق صنعاء ومحافظات الشمال أما في الشمال، وباختصار شديد، فإن قاعدة الديلمي الجوية لا زالت تستهدف، ومثلها عطان ونقم، وكأنما نحن في ليلة القصف الأولى، فيما لا زال القتال يراوح مكانه بين الجيش والمقاتلين الحوثيين من جهة والقوات المدعومة من التحالف من جهة أخرى، في بيحان بشبوة وصرواح بمأرب ونهم بصنعاء وكرش بلحج وميدي بحجة، وفي محافظات الجوف وتعز والبيضاء، قبل أن ينتقل إلى المدن السعودية في عسير ونجران وجيزان. لا شك أن طول أمد الحرب دون تحقيق ولو العشر مما تم الوعد به قد تجاوز بحكومة المملكة من حالة الإرباك إلى اضطراب لم يتوقف عند الجانب العسكري، بل تعداه إلى السياسي وما له علاقة بتحالفاتها على المستوى العربي والإسلامي والدولي، أدى إلى فقدانها أهم الخيارات التي كانت تراهن عليها، وعلى الرأس منها استقطاب المجتمع الدولي إلى صفها لخلق ما يوحي بالإجماع على حربها في اليمن، فإذا هي تفقد تحالفها الرئيس حيث لم يتبق من المشاركين الفاعلين سوى الإمارات التي تختلف معها حول هادي وحكومته، وباستثناء السودان الذي يتواجد جنوده في قاعدة العند الجنوبية، فقد اقتصر دور البحرين والكويت وقطر على مشاركة رمزية بعشرات الجنود على الحدود مع اليمن فيما صار دور الدول الأخرى ينحصر في المساندة السياسية. وعلى المستوى الدولي، لا زالت الرياض تجهد في مقاومة فقدانها أهم ركائزها في شرعنة الحرب على صنعاء، عقب تبني الأمم المتحدة لاقتراح أميركي يقضي بالإطاحة بهادي ونائبه علي محسن وحكومته، تم تمريره أولاً من قبل وزير الخارجية الأمريكي في اجتماع دول الرباعية (أمريكا ـ بريطانيا ـ الإمارات ـ السعودية) في جدة. فشل الدبلوماسية السعودية في جر الدول العظمى إلى مساندة علنية في حربها على اليمن، حتى مع استدعاء ايران بكونها الطرف المستتر في المواجهة، جعل النظام يبحث عن خيارات لا يحتاج فيها للغرب أو حتى لدول إسلامية خذلته مثل باكستان، على الرغم من استخدام الكعبة باعتبارها مستهدفة يتوجب دينياً حمايتها. ولعل من أهم هذه الخيارات نقل الحرب إلى الداخل اليمني بقيادة يمنية متوافق عليها، وأسندت قيادة هذه المرحلة إلى اللواء علي محسن حين تم تعيينه نائباً لهادي قبل عودة مكوني صنعاء والرياض للمفاوضات في الكويت، باعتباره سيكون جزءاً من تسوية سياسية، وحينها لن تكون المملكة في واجهة المساءلة كما هي الآن، بعد أن يقتصر دورها على التوجيه والتمويل والدعم حتى القضاء على خصومها. إلا أنه وحين تم إسقاط هذا الخيار بحسب الخارطة الأممية التي أطاحت بهادي ونائبه وحكومتهما، فقد سعت المملكة إلى القضاء على عدوها الأساس المتمثل بالحوثيين وضرب معقلهم على حدودها الجنوبية في صعدة. ولتحقيق ذلك فتحت جبهة البقع باتجاه مديرية كتاف، وجيشت لها السلفيين والمتطرفين من جنوب اليمن تحديداً، وتم دعمهم بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة وبإسناد جوي كثيف، إلا أن النتيجة لم تزد عن إعلان انتصار في وسائل إعلام التحالف وهزيمة مدوية على الأرض. ونظراً لكون هذا الخيار يمثل استراتيجية للنظام السعودي، فقد اعتبر إسقاطه بمثابة خطر لن يتوقف عند حدود أقاليم نجران وجيزان وعسير ذات الأصل اليمني، ولذا فقد خاطر بفتح جبهة أخرى عند منفذ علب باتجاه مديرية باقم بصعدة، إلا أنها وبعد أسابيع من دخولها المواجهات لا يبدو أن حظها أفضل من سابقتها. مع كل ما سبق، فإن خيارات السعودية لم تنته بعد، حيث لا زالت تعمل على رهانات تتمثل بخنق صنعاء ومحافظات الشمال بسد منافذها البحرية إلى العالم الخارجي، من خلال محاولات الإعداد للسيطرة على مدن الساحل بامتدادها من المخا إلى الحديدة وحتى ميدي، بعد أن فشلت بالرهان على كسر المركز في العاصمة عبر انتفاضات شعبية واقتتال شوارع، جهز له عشرات الخلايا المسلحة التي تم اكتشاف أغلبها حتى الآن. عن موقع العربي