صنعاء تشن عمليات هجومية ضد سقناً امريكية واسرائيلية في خليح عدن والمحيط الهندي        صنعاء تنهي الجدل الدائر حول شحنات المبيدات الزراعية        واشنطن تقر حزمة مساعدات عسكرية جديدة للكيان        المدمرة الالمانية الحريية " هيسن "تغادرالبحر الأحمر بعد تعرضها لاكثر من هجوم      
    جدل وأصداء /
مسعد :لا يستقيم الظل والعود أعوج ..حل القضية الجنوبية مرهون بتغيير حقيقي على الواقع

2011-06-01 13:14:08


 
كتب/صالح محمد مسعد (أبو أمجد)   خلق الله السموات والأرض بالحق ووضع الميزان، وخلق الكون بنواميسه وصنع الحياة بقوانينها ومقوماتها وأسسها، وأوجد متناقضاتها، وبين الخير والشر، والحق والباطل، والظلم والعدل... الخ يفتعل الشيطان ألاعيبه. وقبل كل ذلك – الكون والمادة والحياة- خلق الله العقل، وبالعقل تستقيم الحياة وتتوازن، لأنه سيد الكون، وبه بنا الإنسان حضارته ورجح قيمه في الحياة.   من هذا المنطلق نستهل فحوى الموضوع ليس لأن لدينا قضية فحسب بل لأن هكذا قضية غائرة في غمار السياسة، مثل القضية الجنوبية في محل من المزايدة والشطحات وبين ركام التجاهل والتأويل ومن يصعد لتحقيق المكاسب السياسية على مناكبها بعيدا عن نظرة العقل وحلوله باعتباره ميزان الحق والعدل.   شهيرة تلك الحكمة المتألقة في تراثنا العربي الإسلامي، والتي تقول (العدل أساس الملك). ولقد فصل أسلافنا إيجاز هذه الحكمة بحكمة أخرى تقول (إنه لا دولة إلا برجال، ولا رجال إلا بمال، ولا مال إلا بعمران، ولا عمران إلا بالعدل).. فنقيض (العدل) هو الظلم والعدوان، وهما محرمان في ديننا على المسلم حتى مع أعدائه، فما بالك أن يكون هذا التعامل مع الإخوة في الدين والملة. إذا موجبات حل القضية الجنوبية يتطلب من الجميع النظر إليها من باب العقل والحكمة والحقوق الإنسانية وعن طريق العدل.   إذا نظرنا إلى أساسيات هذه القضية فإنها: عقد وميثاق لشراكة وحدة بين دولتين لا يجوز شرعا ولا عرفا ولا قانونا نقض الميثاق المتفق عليه من قبل أي طرف، وبعد تنصل الطرف الأول (إخواننا في سلطة ج ع ي) أعيدت صياغة وثيقة جديدة في فبراير عام 1992م لتأكيد الاتفاق الأول لعام 1990م، ولكن هذه الوثيقة التي سميت بوثيقة العهد والاتفاق وبرعاية خارجية والتي تم توقيعها في الأردن لم يجف حبرها إلا وقد تم الاحتيال عليها تبريرا لطمسها بالحرب، وفعلا تم تجاهل الشراكة والاتفاق ونقض العهد من قبل إخواننا في سلطة ( ج ع ي) متجاهلين بذلك أهم مقومات الوحدة التي هي الوحدة الوطنية وأسس الشراكة السياسية بين الدولتين ومن ثم اللجوء لحسم الخلاف بالحرب في 1994م وهنا تم نقض الشراكة الوحدوية.   الغاية والمقصد من الوحدة هو التكامل الاقتصادي والسياسي والجغرافي لإيجاد الدولة القوية التي تحقق مصالح أكبر لشعبيها كي يصبح شعبا متكاملا بقواه، على أن تكون وراء ذلك وحدة حقيقية من حيث الدولة المدنية المؤسسية الحديثة التي تتوفر فيها حقوق المواطنة المتساوية والعدالة والحرية والمساواة والديمقراطية وغيرها.. وفي حين لا تتحقق الغاية والمقاصد من الوحدة في إيجاد مستقبل أفضل ومشاركة سياسية وعدالة ومساواة، وتصبح بالتالي دولة عشائرية أو سيطرة أسرية وانتماءات وولاءات فردية وسلالية وسطوة قروية وقبلية تعزز التمايز وتضيع الكفاءة وتفرض التعصب والتخلف وغير ذلك، فإن شروط وأسس قيامها تنتفي بانتفاء الغايات والمقاصد والآمال والطموحات التي كان يتطلع إليها الشعب.   الأسس التي قامت عليها الوحدة بدون دراسة ولا تمعن ولا ترتيب، تمخض عنه وحدة اندماجية وقسرية لا تراعي الخصوصيات للمكونات الاجتماعية ولا الطائفية أو الإثنية ولا ثقافتها وإرثها ولم تعد ترتيب أوضاع القبيلة وتحويلها إلى مكون اجتماعي بدلا من طغيانها وسيطرتها السياسية، كما لم تقم الوحدة بشروط المشاركة في الثروة والسلطة على أسس جغرافية وسكانية تحقق عدالة الحقوق المفروضة للسكان الأقل وللثروة والمساحة الأكبر كما هو متعارف عليه في العالم أجمع، وبالتالي أصبحت تلك الأسس عكسية تلغي وتناقض نفسها بشروط الحق الإنساني والقانوني من أجل وحدة متوازنة كان أحد شروطها الأخذ بالأفضل في أي من الدولتين.   نستخلص مما سبق أن الوحدة وأسس قيامها لم يستخدم العقل والمنهج العلمي في تأسيسها وقيامها واعتمد على العواطف والأهواء أكثر من الدراسة والبحث لتحقيق شروط نجاحها والتي كان المفروض أن تردم الفجوات، وأن تمهد للتباينات وحلها، وأن تجسد روح المشاعر الوطنية وتنمي ثقافة التعدد والاختلاف من أجل التعايش وغيرها حتى تصبح لدينا قوة الوحدة لا وحدة القوة والسيطرة الفئوية والمناطقية والقبلية لتتمتع القلة بخيرات الشعب دون غيرها. والتاريخ قد شهد كثيرا في فتراته المختلفة صراعا طويلا بين العقل والقوة، فعندما تكون السيادة للعقل وتصبح القوة أداة من أدواته يكون هناك تقدم حقيقي، وعندما يكون العكس فتصبح السيادة للقوة وخاصة إذا كانت في طرف بين الدولتين ولواحدة منها فإن النتيجة كارثية. تنتفي معها شروط الشراكة وتستبيح القوة حقوق الآخرين ويكون الحق ليس سياسيا فقط بل وإنسانيا فهي تمزق الوحدة ويفصم عراها لأن القسمة البشرية متغالبة ومختلة، والبشر هم من يكونون قد خلقوا الوحدة وليست الوحدة هي التي خلقتهم، ولا قداسة لوحدة تنتزع الحقوق وتبدد مصالحهم لأن المقاصد والمصالح في الشرع وفي القوانين هي الأساس التي تقوم عليها حياة الإنسان وتطوره وتحقق كرامته في الوجود.   حل القضية الجنوبية مرهون بتغيير حقيقي   هناك من يعترف بوجود قضية في الأساس لكنها مرهونة بتغيير نظام الحكم، وهناك من لا يعترف بأن هناك قضية جنوبية، وإنما السيطرة الفردية هي التي خلقت هذه القضية. لكن أبناء الجنوب أنفسهم هم من يعاني وجودها الحقيقي لأن فيهم المسرح من العمل ومن يواجه تهم الانفصال ليحرم من وراء ذلك من حقوقه المعنوية والعملية، ومن الجنوبيين من يعاني من التمييز ومنهم من يلاقي التخوين ومنهم من سلبت أرضه ومنهم من لم يجد قطعة أرض يبني عليها منزلا لأولاده رغم أن الأراضي تنهب بجانب منزله ومنهم كذلك من لم يجد وظيفة ولا عمل لأن المحسوبية التهمت كل الوظائف، ومنهم ومنهم... كثيرة هي الشواهد والوقائع، ومن ينكر ذلك فهو جاحد ومكابر.. والذين لا يعترفون بوجود قضية على الواقع إلا بفعل النظام أو سلطة الفرد، وعند زوالهما ستزول هذه القضية، هؤلاء لا يريدون الحق والعدل أن يسود بين الناس والغرض هو إزالة الخصم أو الوصول إلى السلطة، وليس قرارهم الاعتراف أن الشريك في الوحدة أقصي ودمرت الدولة، وكأن لم تكن فيها إيجابيات ومقومات الدولة الحقيقية، لأن شروط الاتفاق تنص على مبدأ الأخذ بالأفضل في كلتا الدولتين، لكنها جيرت إلى الأخذ بالأقوى والأعنف ولصالح الجمهورية العربية اليمنية، كما سلبت الأرض وحرم منها أغلب أبنائها الجنوبيين وصودرت الثروة فكان المستفيد منها القلة المتغلبة والمتسلطة، ووزعت المناصب فكانت لصالح الغالب ولم تعط المناصب إلا شكليا لتمثيل الجنوب، وحكم أبناء الجنوب في أرضهم ومناطقهم من قبل ولاة بل ولاءات ونافذين من أبناء المناطق الشمالية في المواقع الرئيسية والحساسة كي يحكموا السيطرة ويفرضوا واجب الطاعة والولاء للسلطة القهرية، وغيرها كثيرة من درجات التهميش والإقصاء والتمييز والانفراد بمصالح شعب ودولة دخلت الشراكة وتطمح بمستقبل أفضل لهذا الشعب.   عندما يكون عدم الاعتراف بالقضية الجنوبية من قبل إخواننا في التغيير أو بعضهم أو من قياداتهم، فإن ذلك لا يبشر أن هناك تغييرا حقيقيا يسري لمصلحة الشعب الذي يعاني سواء في الشمال أو الجنوب وهم أكثر معاناة من القلة المسيطرة، وطالما أن التغيير لا يسري لمصلحة هؤلاء الأغلبية ولم يطل التغيير كل جذور النظام وأزلامه وأنصاره في جهاز الدولة في النظام الجديد، فإن المعاناة لكل أبناء الشعب ستستمر وستظل هناك قضية حية ومتوسعة إلى أن تزول أسباب وجودها، كما هي أيضا مشكلة صعدة. لكن الأكيد أن هناك نظرة شمولية تسري الآن، أن القضية الجنوبية ليس لها وجود إلا بوجود النظام وبمجرد سقوط النظام تنتهي هذه القضية، ونبدأ بسريان نظرة أصولية هي الأمة الواحدة ولا وجود للتعدد أو الهويات أو الخصوصيات أو الثقافات بين أبناء الأمة الواحدة، من منطلق أن الدولة الإسلامية كانت دولة خلافة واحدة.   النظرة الأصولية والتقليدية للتغيير والدولة   لا يعرف التاريخ من يقول إن الدولة الإسلامية، هي دولة واحدة منذ القرن الأول لظهور الإسلام والبعثة المحمدية واستمرت القرون بعدها كحالة تأسيسه لدولة الخلافة لتصبح نظرية المنهج التقليدي للإخوان الأصوليين الذين يتشبثون اليوم بمسمى دولة الخلافة أو الدولة الإسلامية التي يطمح الجهاديون اليوم لتأسيسها في العالم العربي أو الإسلامي. صحيح أنها كانت في البداية لانطلاق الدعوة وتأسيس دولة المدنية وعهد الوحي ثم خلافة أبو بكر وعمر هي دولة خلافة إسلامية، لكنها كانت دولة يوحدها التوسع في الفتوحات، وهي كذلك مؤسسة على وحدة اللسان العربي والعقيدة ولكنها في الأساس كانت دول وإمارات رغم انتشارها وتوسعها بفعل الفتوحات الإسلامية. وعندما سيطرت العصبية والولاءات، تمزقت ليس إلى دول بل وإلى دويلات وكيانات طائفية، وإلى أقليات مجتمعية متحاربة ابتداء من النصف الثاني وفي نهايته من القرن الأول، حتى حكمها وسيطر عليها الأجانب من شعوب صغيرة ومن أقوام أصغر، إلى أن جاء الغزو الأوروبي واستعمر شعوبنا العربية بعد أن تواكلنا على الرجل المريض (الدولة العثمانية) ليحكمنا تحت مظلة دولة الخلافة. كل ذلك كان بسبب أننا كعرب موهومون بتبعية الولاء لدولة الخلافة، ومخالفين بذلك سنة التعايش التي أرادها الله للبشر (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا). وعندما عاند الأتراك –الذين سيطروا على معظم العالم العربي الإسلامي- وحده اللسان العربي وحاولوا تتريك اللغة العربية تفسخت كيانات الأمة العربية ودولها، وتسلل الغزاة من خلال دولة الخلافة العثمانية واستعمروا شعوبنا، وعندما ناهضنا القوميات أو الدول الوطنية في إطار العالم العربي استمر احتلال البلدان العربية وتعزز أكثر، دون أن نعطي للدول الوطنية والقومية استقلاليتها واعتمادها على قواها الداخلية لتكتمل في إطار العروبة، ولا زال الخارج يسيطر علينا سيطرة سياسية واقتصادية وهكذا، فنحن لم نتعظ من حكمة الاختلاف والتعدد والخصوصيات لدولنا القومية لتنهض بدورها في كيان الأمة الواحدة، واليوم لا زالت النظرة الشمولية لدينا للبشر والعيش المقموع بقوة الواحدية والكلية للناس دون تفصيل للفعل الإنسانية في إطار الاختلاف والتنوع والهوية والخصوصية التي يمكن أن تصب في بوتقة الجامعة الإسلامية أو العربية لتمثل في النهاية القوة والحماية من الاختراق لجدار الجامعة الشاملة للأمة، وفعلها فعل الكيانات أو التكتلات أو التجمعات التي تقوم اليوم سواء سياسية أو اقتصادية أو غيرها لحماية دولها وشعوبها ضد مخاطر الغزو أو الهيمنة السياسية أو الاقتصادية، مع وجود تلك التجمعات بدولها قائمة ومستقلة ولكنها ممانعة وتحمي نفسها من خارجها والذي سيؤثر سلبا عليها بدون هذا الاحتماء في التكتل.   إن النظرة الشمولية العالقة في أذهان الأصوليين والمتأثر بها كذلك المجتمع الإرثي المتخلف باعتبارها تعميما لنظرة دينية راسخة في عقول العامة خاصة المنغلقة والمقيدة بإرث الماضي التقليدي والذي كان يهدف فيها وحدة الجهود والوحدة العقدية لتجنب التمزق والتباين أكثر منها الجمع القسري لكيان المجتمعات المختلفة حتى تتوحد جهودها تحت راية إسلامية تدافع عن العقيدة وتحمي بالتالي دولة الإقليمية. هذه النظرة في الوقت الحاضر هي التي أصبحت تقيد وتعرقل حركة التغيير وتلغي التنوع والاختلاف والخصوصيات، وبالتالي تقتل الإبداع لدينا، حتى أنها أصبحت تجعل من الحاكمية والسيطرة الفردية للحاكم شأنا مقدسا يجب التسليم والقبول به، وإن صادر حريتنا وحقوقنا الإنسانية وأركسنا في التخلف. وهو ما يجد فيه الحاكم والمستفيدين من حوله أريحيتهم وتحقيق أهدافهم والتي يكسرون من خلالها الثقافة المنهزمة والبالية بين الناس لتكريس الولاء والتبعية والطاعة العمياء التي تختزل الوعي وتلجم حريته في شعاراتها البراقة –طاعة ولي الأمر- أو السمع والطاعة وإن أمر عليكم عبد حبشي لأنها طاعة تخدم مصالح الحاكم ولا تخدم مصالح الشعب هذه الشعارات مرهونة بالأبعاد وبالمواقف وبالمواقيت الزمنية وليس بالجمل الصماء، لأن الدين هو جذر الثورات وأساس تشريعي لمصالح العامة قبل الخاصة ومن أراد منهما فعليه العودة إلى أحاديث وآيات كثيرة تحثه على التحرر والعيش بكرامة وتمنحه الحقوق الإنسانية المختلفة ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وليس هناك من مقدس غير الكتاب والسنة، لكن الجهل يجعل الحاكم والنافذين يستغفلون عقول الدهماء وبسطاء الناس.     النظرة الحقيقية للتغيير   الأساس في التغيير أنه يقوم على الانقلاب الجذري للواقع المتفسخ والفاسد وأن يقوم على تحويل البنية المجتمعية الكلية من حالتها الراكدة والمتعفنة، بعد أن أصبحت تقاوم تطور الحياة وتقدم الإنسان، إلى حالة جديدة تحرك السكون والركود وتصنع الجديد للإنسان ولمستقبله، وتعمل بالتالي إلى القضاء على كل معيقات التطور وبناء الدولة الحديثة، كما تنشد قيما جديدة للإنسان، عوضا عن القيم المتخلفة والمتكلسة والمتصلبة والارتدادية نحو الماضي أو المشدود بحبائله، كي يستطيع الإنسان من خلال ذلك صنع واقع جديد ومستقبل أفضل، ومسايرة التغيرات الجارية في عالم اليوم. ونتطلع من خلال التغيير إلى مجتمع تسود العقلانية حياته الفكرية والسياسية، ونؤلف القسمات المختلفة والمتعددة والمتنوعة الغنية بهذا التنوع والمبرأ من العرقية والتعصب بين جميع أبنائها على اختلاف مذاهبهم وثقافاتهم.   إن مؤشرات التغيير الملموحة من خلال ثورة التغيير وساحات التغيير لا تبشر بتغيير حقيقي، وتكاد الثورة أن توأد في مهدها، بعد أن تحولت هذه الثورة من فعل وحدث ثوري تجذيري إلى مساومات سياسية، وتحويل طابعها الثوري إلى متاهات نحو الأزمة السياسية، والاشتباكات المسلحة التي جرت في الثلث الأخير من شهر مايو بين قوات حكومية وقبائل مسلحة من بيت الأحمر فرضت لدى الجميع ضبابية في رؤية المسار الحقيقي لثورة التغيير السلمية، وأصبح الإرباك والتشوش لمطالب التغيير من قبل الساسة هو الحالة المبهمة وغير المدرك النتائج. في ظل عوامل التدخل المسلح، بالإضافة إلى عوامل وعوائق التخلف في المجتمع، فإنها تفرض على فعل التغيير هنا محاولة الانحراف عن المسار السلمي وطابعه اللاعنفي في ثورة التغيير.   اليوم تبدو المبادرة الخليجية كأنها السبيل الوحيد للمخرج من الأزمة، مع أنها بمعناها القريب والبعيد هي أداة قتل الثورة الشبابية ومحوها من الواقع، وكأن التغيير تحول إلى أزمة سياسية، وأصبحت حلولها مرهونة بالتوافق السياسي، مما يعيدنا إلى الواقع القديم الجديد، الذي لم يستطع في الماضي القريب أن يضع حتى برنامجا للإصلاح السياسي والاقتصادي، فهو كذلك لا يستطيع أن يصنع اليوم التغيير الحقيقي، وكأن المسألة أصبحت عملية قلب للملف القديم أو تبديله بلون وشكل آخر، لأن بقاء النظام هو بقاء في عدم التغيير، وهذا النظام لم يقدر في تاريخه السياسي منذ عقدين من الزمن أن يحل مشاكل البلد المختلفة، وأهمها على الإطلاق هي القضية الجنوبية واليوم ثورة التغيير في الساحات جعلت من أول شعار لها هو حل القضية الجنوبية في مقارنة واضحة أن النظام خلال عهده القديم لم يقدم أبسط المقاربات لحل هذه القضية ولم يصل إلى حد الاعتراف بها، بل زادها تعقيدا وتوسعا، تكاد تسابق الزمن الممهور بشعار التغيير وتتعداه إذا استمر الحال على هذا التأرجح والتعقيد.   في ظل وضع مبهم كهذا يصبح التغيير شعارا أكثر منه خطوات عملية ملموسة ويبقى الحال مقيد بالطموحات والأماني، وإن كان هناك مقدمات نحو التغيير فلا يعتبر كذلك مدخلا حقيقيا لحل القضية الجنوبية، لأن هذه القضية أصبحت اليوم في محل نضج تام يمكن أن يتم الحل الآني لها بالتماهي مع شروط التغيير الجذرية، ولكنها تتخلف عند المراوحات الجارية على الواقع، كون البدائل في الحل لا تنعدم على الشعب الجنوبي ...... ، وهو ما يخلق ظروفا ووقائع جديدة على الأرض، يفرضها طبيعة الصراع القبلي الرافض للتغيير والتمترس بثقافته القديمة حول الذات والمصلحة واللادولة والبقاء للأقوى، لتبقى القضية الجنوبية ومعاناة الشعب الجنوبي مرهونة بخيار الوحدة أو الموت، وهو شعار يكرس الاستهتار في حقوق الشعب الجنوبي. ولأن التجربة والمعاناة لأوضاع الشعب اليمني أثبتت أن لا سبيل إلى حل مشكلاته والتخلص من معاناته هذه بغير طريق التغيير والتخلص من طرق الهيمنة والسيطرة الفردية والفئوية والقبلية والأسرية. وأن الدولة المدنية الحديثة والديمقراطية هي السبيل الوحيد لهذا الشعب في ثورته هذه، من أجل حل كل مشكلاته، والتي يكمن فيها حل القضية الجنوبية على أساس التصور التالي:   1-      تفكيك المشكلة إلى عناصرها الأولية وتحديد الأسباب التي أدت إلى ظهور القضية الجنوبية والعودة على أساس ذلك إلى مربع الشراكة وتقييم وتصحيح أسس اتفاقات الوحدة باتباع طريق العقلانية ومبدأ العدالة الإنسانية لإيجاد الحلول.   2-      اعتماد الحوار كأساس ومبدأ لطريقة الحل، وليس هناك طريق آخر غيره، وبالعودة إلى جذر المشكلة ونقاط الخلل في الوحدة، ويكون الحوار بين الطرفين المؤسسين كدولتين لشراكة الوحدة، وليس بتمييع الحوار في حوار وطني عام وشامل تغيب فيه المحددات الرئيسية للقضية المراد حلها، وهي قضية الجنوب باعتبارها قضية شعب ودولة وشراكة قائمة على أسس ومعايير محددة باختلالها تبرز المشكلة كما برزت في اللحظة الراهنة وتجلت هذه القضية منذ عدة سنوات.   3-      إعادة الاعتبار إلى الجنوب ولشعبه فيما لحق به من ظلم. وأول رد للاعتبار يتمثل في رد الحقوق لأهلها سواء أفرادا أو جماعات أو مؤسسات أو هيئات اعتبارية، كما هي للدولة أو تحت مسمياتها أو بهيئاتها الاعتبارية، كون كل ما يدخل في ملكية جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقا هو رصيد وحقوق مكتسبة لشعبها مع دراسة وتقييم التعويض المناسب لجيل تقريبا سحق تحت وحدة الدم والقوة، سواء أكان بالتعويض المادي أو المعنوي أو الإرضاء الصادق لإقناع المعنيين، بما يحقق عودة الروح الوطنية ويبعد الشحناء والضغينة، على اعتبار أن لا وحدة بالقوة، أو وحدة جغرافية بدون وحدة بشرية، حتى نقاس الوحدة بالتالي بدرجة المواطنة والانتماء الذي ينبع من وجدان وقلوب الناس، بغير ذلك ستظل المشكلة قائمة والتوحد مجرد عملية تختفي وراءها المظالم.   4-      الاعتراف الرسمي بالظلم الذي لحق بشعب الجنوب، مع تقديم الاعتذار الرسمي بكل الوسائل وبمختلف الأساليب التي تضفي على نفوس الجنوبيين مشاعر المودة وتظهر أن هناك مصداقية في التوجه لحل القضية بكل أبعادها. كما يقدم اعتذارا خاصا للجنوبيين من قبل من طعنوا وأساءوا إلى مشاعرهم وأفتوا بكفرهم وإباحة دمائهم بمبررات عقائدية دينية أو أيديولوجية ومن ذات المسيئين بصفتهم الشخصية وبدون إنابة من غيرهم، على أن تكون بنفس الوسائل التي استخدموها في تلك الإساءة، حتى تمحى الآثار ومترتباتها جراء ذلك ربما يرضي ضمائر الجنوبيين عامة.   5-      أخذ رأي الجنوبيين جميعا بمقررات لقاء القاهرة بداية مايو هذا العام، ومقترحات الدولة الاتحادية القائمة على الفيدرالية وسيكون موافقتهم على ذلك هو الحل الممكن، فمن الضرورة بمكان أن تكون هناك فترة انتقالية تعطى للجنوبيين لترتيب أوضاعهم السياسية، وإعادة المظالم الجنوبية لما قبل الوحدة بسبب الأوضاع السياسية وحل آثار التأميم وإعادة الحقوق المختلفة والمصالح الجنوبية الجنوبية قبل الدخول في مشاكل الوحدة الاندماجية تفاديا للخطأ الذي وقعوا فيه. حتى يتم الشروع في الحوار الجديد على أساس المناخ الملائم الذي يعطي كل ذي حق حقه ويضع الأمور في نصابها بعقلانية ودقة متكاملة.   في الأخير.. إن كل من يتهور ويدفع بالظلم إلى مداه في عدم إتباع أسس المعالجة الحقيقية من قبل الجنوبيين أو من الذين يعتبرون أنفسهم قياديين في الحراك الجنوبي ويكرسون بتصريحاتهم سلوك الوحدة الخطأ البعيدة عن معايير وحقوق التوحد أو من يوفقون بدون اعتبار لحقوق الإنسان وكرامته وعقلانية الأسس التي تخلق الوحدة الحقيقية فهم لا يوفقون بل يلفقون في مسعى لمطامح شخصية فلا يمثلون إلا أنفسهم لأن ما بني على الخطأ ستكون نتيجته خطأ ولا يستقيم الظل والعود أعوج.   والله من وراء القصد




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign