الزبيدي يهدد بطرد العليمي من عدن        صنعاء تدشن العام العاشر باوسع هجوم بجري وجوي ضد اهداف امريكية واسرائيلية       صنعاء تدشن العام العاشر باوسع هجوم بجري وجوي ضد اهداف امريكية واسرائيلية       صنعاء تدشن العام العاشر باوسع هجوم بجري وجوي ضد اهداف امريكية واسرائيلية     
    مقابلات /
النعمان لـ"الوسط": تعز تعيش انبعاث روح وارتفاع صوت وبتهمة الطائفية انتزعت جنسية النعمان وابنه

2011-04-13 16:19:24


 
حاوره/جمال عامر   ضيفنا هذا العدد السفير مصطفى أحمد نعمان وهو أحد المثقفين والسياسيين اليمنيين الذي يعد الامتداد للمنهج الفكري والسياسي للأستاذ احمد النعمان، وهو الابن الأصغر له وقد وصل إلى سن الخامسة والخمسين هذا العام، ويعمل سفيرا لليمن في أسبانيا وكان لموقفه الأخير بالنسبة للثورة التي أيدها دون أن يقدم استقالته بعض اللغط نظرا لمواقفه المعارضة لسياسات يعتقد أنها غير صحيحة يقولها ويعبر عنها ولذا كان سؤالنا الأول كاتالي:  * ربما كان ينتظر منك تقديم استقالتك من منصبك كما فعل آخرون إلا أنك لم تفعل هل هو حرص على المنصب ؟  - أولا أنا أدرك أن موقعي كسفير لليمن في أسبانيا هو تمثيل للبلد وليس لشخص أو حتى لنظام بعينه  مع أني أعلنت موقفي المساند للشباب في النضال من أجل الوصول إلى الحقوق في الكرامة والحرية ولذا أنا اعتبر أن المسارعة في تقديم الاستقالات -وبالذات الدبلوماسية- هو جزء من الخلل الحاصل في بنية الدولة وكذا في المفاهيم التي تعتبر أن الولاء هو للشخص الجالس على كرسي الحكم وليس للدولة التي ينبغي أن نمثلها، باعتبار أن الحاكم يستمد شرعيته من الدستور وهو العقد الذي يجب أن نحترمه حتى يأتي ماينقض هذا التعاقد وبالنسبة لي يعلم الكثير مواقفي في ما أؤمن به وأقوله بصراحة لكل أركان النظام دون استثناء، حيث يؤخذ بالبعض ويترك البعض الآخر وكل مايهمني أني لم أكن يوما شيطاناً أخرس.  * يبدو أن الوضع أصبح أقرب  للانسداد كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد من التعقيد ؟  - الوضع الذي تمر به اليمن هو محصلة طبيعية لعقود من الركود الذي كان افترضه الحاكم استقرارا. لنتذكر ان البناء المؤسسي للدولة ليس أكثر من حديث مجرد تعلكه الصحف والبيانات كجزء من الدعاية الممجوجة٫ وذلك قاد حتما إلى اختلال في اداء الهياكل الحكومية وارتباك شديد في الأداء الوظيفي.  دعني اضرب لك مثالا بالمؤسسة التي اعمل فيها وهي وزارة الخارجية. لقد تحولت هذه المؤسسة التي يفترض فيها أن تكون واجهة للبلاد وممثلة لها في المحافل الدولية٫ومدافعة عن سياسات تقرها الحكومة٫وتعمل على تحسين صورة البلاد في الخارج والسعي لجلب موارد إضافية تسهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية٫تحولت إلى مؤسسة للرعاية الاجتماعية يتسابق العاملون فيها إلى الحصول على فرص للابتعاث ليس كواجب وطني وخدمة تستوجبان الكفاءة والأهلية٫ وإنما وسيلة للتوفير إن أمكن والحصول على إجازة طويلة من معاناة الداخل.  أنا لا أرى في هذا تقليلاً من قيمة كثير من العاملين فيها٫ولكنه توصيف لواقع مختل في مؤسسة هي في الأصل جزء أصيل من سيادة البلاد ويفترض أن تفوق في أهميتها أجهزة أمنية يجهل الناس حقيقة وظيفتها٫ وربما حتى أن العاملين فيها لا يدركون حدود مسئولياتهم وواجباتهم.  أعود إلى سؤالك فأقول٫أن الجهل الفاضح في مسئوليات الدولة بمكوناتها وحدود صلاحيتها٫جعل الأمر يبدو كمن ينام غير عابئ بما سيصنعه في صباح اليوم التالي٫ولا يعمل حسابا لمن يعيشون معه في المنزل٫ ولا يتصور ولا يرغب في أن يكون مسئولاً عنهم..  عندما يتأصل شعور القائم على أمر المؤسسة أيا كان حجمها أنه بعيد عن المساءلة ويتملكه إحساس بملكيته لها٫فإنه حتما سيبدأ الاهتمام بتحصين وجوده فيه٫متأثرا بالرغبة الشخصية للاستئثار بمواردها والتحكم بأسلوب عملها٫ ويقوده ذلك إلى العمل الدؤوب للتخلص من كل ما يمكن أن ينزع عنه ملكيته الافتراضية لها.  محصلة ذلك ان يتحول العمل المؤسسي المفترض الى اجتهادات شخصية٫وتحقيق لرغبات خاصة٫ واحساس متزايد بضرورة البحث عن الأمان الشخصي وطرد كل من تتملكه طموحات مشروعة او غير مشروعة والحرص على إبعاد كل قوى جديدة قد تفترض في نفسها الكفاءة والأفضلية...  هذه الحالة تجعل القائم على الأمر حاكما يهتم بيومه كما يقول المثال اليمني (يومي عيدي).. وهو بهذا يختلف كلية عن رجل الدولة الذي تتحكم في تصرفاتة رؤية بعيدة المدى، لها خططها ولها رجالاتها ولها وسائلها المشروعة لتنفيذها بما يتفق وطموح ورغبة المواطن.  * ولكن ألم يحدث أي بناء لمؤسسات الدولة خلال العقود الماضية ؟  - إذا أعدنا النظر إلى العقود الثلاث الماضية٫فلا أتصور أن هناك من يستطيع أن يجادل أنها لم تحقق البناء المؤسسي لدولة يتفيأ ظلها المواطن وتحقق له الحد الأدنى من أحلامه وأمانيه... بل إنه على العكس من ذلك٫ فقد جرت خلال العقود الثلاث عملية تدمير منظمة لكل محاولة جادة لبناء دولة حقيقية يصونها عقد اجتماعي كمرجعية للحاكم والمحكوم والمؤسف أن الذين كان من المفترض بهم النضج والمعرفة والقدرة قد ساهموا في هذه العملية بالصمت المخزي والمذل وكذا الانكسار الداخلي.  * كيف ؟  - لقد كان كل شيء يتم دونما دراسة أو تمحيص وإنما تنفيذا لرغبات آنية ولأسباب كانت في معظمها مستندة الى هوى ورغبة ذاتيتين.. وآْعود هنا لأوجه أصابع الاتهام إلى تلك القوى التي وصمت بالتكنوقراط وبالليبرالية واعتقدها المواطن حامية لها٫فإذا بها تقف إما خانعة دون حياء او خاضعة لمصلحة شخصية ضيقة... فقدت هذه القوى كل رغبة٬ دونما احترام لذواتها، في إبداء رأي قد يعكر صفو الحاكم أو يكدر مزاجه..  * ماهي الأسباب التي جعلت من هؤلاء بهذه السلبية ؟  - كان من المحتم في ظل طرف يمسك بكل خيوط المال والسلطة و لايدرك أهمية الدولة ومؤسساتها ولا يقوى على فهم وجوب وجود قواعد تنظم سيرها وتضبط علاقات مكوناتها٫وطرف يدرك كل ذلك لكنه مصاب بالذعر من فقد مكانته او مصلحته٫أن تحدث ردة عنيفة في مسار النمو الطبيعي للمجتمع اليمني٫ وصارت الغلبة فيه للقوى التي لا تؤمن إلا بالقوة أسلوبا للتعامل والمال والوظيفة العامة أداة للتحكم في مسار الحياة الطبيعية للمواطنين.  * هل تريد القول إن سلبية المثقفين أو خنوع حماة الليبرالية قد ساعد على هيمنة قوى الرجعية إن صح التعبير ؟  - قد يكون ذلك صحيحا  ولذلك حدث تحالف عجيب بين كل القوى التي تنتمي إلى القبيلة كمكون وحيد للمجتمع اليمني٫وبين القوى التي تتحكم في مفاصل الدولة٫ وشكل ذلك نموذجا متخلفا لا يمت إلى العصر الحديث بصلة، بل إنه كان كابحا فاعلا في لجم كل محاولات النهوض والخروج من الركود والتقوقع على الماضي، واستطاعت القوى المتحكمة في مسار المجتمع أن تنشب مخالبها في كل هياكل الدولة التي لم يقو عودها وصارت مصابة بفقدان المناعة.  إذ كان الصراع الحقيقي والخفي يدور بين مكونات المجتمع حول مفهوم المواطنة وحقوقها وواجباتها.. وكلنا يدرك أن المسألة تحولت إلى نضال مرير بين فئة حاولت٬وللأسف٬تمكنت من هضم حقوق الآخرين وتحديد هوامش المواطنة وتوزيع حقوقها واستلابها بمقدار الخنوع الذي يبدونه وتقبلهم للأمر،وأخرى لم تعد تجد إلا الفتات مما يفيض عن حاجات هؤلاء،وفقدت الأمل في مستقبل أقل سوادا، ولم يعد لها من منفذ للتعبير إلا اللجوء إلى الرفض المطلق..  وقد استمر الأمر عقودا طويلة نشأت خلالها أجيال جديدة عان آباؤهم  من الاغتراب داخل الوطن، والكفر بكل مقدساته، واليأس من أي بصيص لأمل قد يبعث فيهم ملمحا سعيدا يعيد إليهم ابتسامة فقدوها...  هنا يجب أن نتذكر إن مايو ٩٠ كان الشرارة التي بعثت الأمل ولكنها سرعان ما انطفأت في يوليو ٩٤ وخنقت معها كل حلم جميل... لكنها في المقابل لم تستطع أن تقضي على الفكرة التي ناضل من اجلها النعمان منذ مطلع الثلاثينات: المواطنة المتساوية.  هنا يجب الاعتراف أن الشباب من الصحفيين من جيل ما بعد الثورة هم الذين تحملوا العبء ودفعوا الثمن كي يعيدوا جذوة الأمل إلى كل النفوس.. ونجحوا في كسر كل محرم اجتماعي وسياسي٫وهم –يقينا- من شحن أذهان شباب الثورة الحقيقة الجديدة٫ بضرورة التضحية والبذل والسعي الجاد لتغيير مجتمعي يعيد الحقوق إلى أصحابها الحقيقيين.  لن اذكر اسماءً بعينها لكنها تعلم يقينا أن الكل يعرفها وينظر إليها بازدراء... انني قد التمس العذر لجاهل في الالتحاق بركب ذلك النفر الذي ابتذل نفسه حرصا على قوت يومه٫ لكني لا اعلم إن كان حملة المباخر من المثقفين وحتى المثقفات يستحقون أكثر من النظر بشيء من الحزن والألم حتى لا استخدم ألفاظا اشد قسوة.  * في الساحات شباب يدعون إلى إسقاط النظام بينما آخرون في التحرير يتشبثون به كيف تفسر هذا التفاوت في وقت كانت أنظمة أخرى غير قادرة على أن تحشد مثل هذا العدد من المناصرين؟  - لا يحتاج الأمر إلى تفسيرات كثيرة. أنا أرى أن الفارق الجوهري هو أن من يتواجدون في ساحات التغيير هم شباب يبحثون عن المستقبل ويتوقعون أن تكون تلك الساحات هي الحامل الأساسي لمشروعهم الذي افترض انه مشروع اليمن القادم.. بينما تجد أن من يحتلون الساحات المقابلة – وهم أيضا مواطنون اصيلون – حضروا للدفاع عن وضع قائم ليسوا شركاء فيه ولكنهم اجراء لديه.  من اللافت أن التفسير الذي أطلقته وسائل الإعلام الرسمية في اليوم الأول لخيام القاطنين في ميدان التحرير، كان أنها معارض للفنون التشكيلية والمنتجات الحرفية! ألا يشير هذا إلى أن الذين اشرفوا عليها كانوا حينها يبحثون عن تبرير لاحتلالهم تلك الساحة.  نقطة أخيرة في هذا الموضع: في المجتمعات الديموقراطية  الحقة ليس لحكومة مسئولة وراشدة أن تنفق المال العام لحشد الناس تأييدا لها٫إذ أن من واجبها اللجوء إلى المؤسسات التي تديرها لمواجهة حنق المعارضين وتلبية رغبات المواطنين٫ أما استخدام هذه الأساليب البدائية المفضوحة والإنفاق عليها من الخزانة العامة فمردوده سلبي ولا يفي بالغرض السياسي المطلوب لكنه حتما يملأ جيوب النفر القليل من الذين يديرون هذه المشاهد.  * مازالت القبيلة هي القوة التي يحسب لها النظام والمعارضة ألف حساب ومعلوم أن النعمان الأب كان له موقف من قبيلة الدولة.. الآن وبعد ٤٢ عاما ألا تخشى من أن حشد هؤلاء داخل العاصمة قد يؤدي إلى اجترار الثارات واستخدامها كما حدث في ٤٨؟  - القبيلة في اليمن مكون أصيل من مكونات المجتمع وخصوصا في المناطق الشمالية٫ولكنها ليست كذلك في مناطق اليمن الأسفل أو مناطق الرعية كما كان الشهيد محمد النعمان يصفها.. القبيلة في الشمال تحكمت في أمر الحكم منذ قيام الثورة بدرجات متفاوتة لكنها صارت المتفرد الوحيد في تحديد مسار الأمور داخل اليمن منذ نهاية السبعينات٫وانشبت مخالبها في المؤسستين العسكرية والأمنية وبالتالي صارت متحكمة في مسار السياسة العامة للبلاد٫ مبتعدة عن المجتمع المدني والنخبة المتعلمة وفارضة لفكرها وأسلوبها عليهما.  لكن التحول اللافت كان في اندفاع الرموز القبلية إلى ساحة الاقتصاد بل والسيطرة على أهم أنشطته التجارية والفوز بالعقود سريعة المردود وفي ذات الوقت امتنعت عن تقديم واجباتها تجاه المجتمع الذي تعيش فيه.  العجيب أن هؤلاء الطفيليين على العمل الاقتصادي تمكنوا من تنمية مواردهم بصورة غير طبيعية٫ برضا الحاكم الذي تصور انه بذلك سيتمكن من السيطرة على مداراتهم وربما أيضا المشاركة في أرباحهم..  هكذا وجدنا زعماء القبيلة في الشمال يزدادون سطوة وثروة، في ذات الوقت كان سقف طموحات البعض منهم يرتفع عن الحد الذي قدره الحاكم٫ وذاك أمر يتفق مع المسار الطبيعي لطموحات الفرد الذي يحقق الثروة لأنه بعد ذلك لابد ان تزداد طموحاته وآماله.  رغم ذلك فإني لا اخشى من تكرار لمأساة 48 والاجتياح الذي شهدته العاصمة صنعاء٫لسبب بسيط.. أن الدولة في اليمن لا تتحكم بمسار الأمور الآن وإنما هي تنساق وراء الواقع الذي فرضته ساحات التغيير،... صحيح أننا نشهد حشودا قبلية بين الفترة والأخرى في ساحات التغيير والتحرير ولكنني اعتبر ذلك قوة ردع متبادلة رغم أني أخشى أن تحاول الزعامات القبلية التي جاءت إلى هذه الساحة او تلك لأهداف لا علاقة لها بمشروع شباب التغيير٫ أن تحدد المسار القادم لليمن وتعيده الى مربعه القديم بل وتعمل على ترسيخه.  * من خلال تواجد الوسط في ساحة التغيير كان واضحا وجود اصطفاف بين من هم مع الداعين لقيام دولة مدنية وآخرين هم من المحسوبين على القبيلة والعسكر وهو ماشكك بنجاح الثورة وأهدافها كيف تقيم هذا الموقف ؟  - القوى التي التحقت بساحات التغيير جاءت لأهداف لا علاقة لها بما كان الشباب يدعون إليه٫وذلك ليس استخفافا بدورهم وحقهم في التعبير عن أفكارهم وطموحاتهم٫ لكنني أضع تساؤلا عن غياب هؤلاء خلال العقود الماضية من الفعل السياسي المعارض لسياسات التهميش  والإهمال وغياب التنمية.  صحيح أن وجود هؤلاء قد قدم غطاء حاميا لساحات التغيير لكنني انظر بحذر إلى ما بعد هذه المرحلة٫ ولا استسيغ الخطاب المتقلب لبعض زعماء القبائل الذين تحولوا من طرف إلى آخر لأسباب وأهداف غير خافية على احد..  لا أعلم حقيقة التكوينات التي تقود ساحات التغيير لكنني اشعر بحزن وألم عندما أرى أن فصيلا واحدا يحاول بأساليب قامعة ومتخلفة أن يحتكر لنفسه وأنصاره أن يكون معبرا وحيدا وناطقا منفردا داخل الساحات.. كنت أتمنى أن يقتدي هؤلاء بما حدث في مصر عندما كان ميدان التحرير فضاء رائعا للتعبير عن الأفكار والآراء بحرية مطلقة دونما محاولة للتضييق عليها..  من العجيب أن تحدث احتكاكات بين جموع يفترض فيها أن تسعى لهدف مشترك٫وإذ بالأمر يتحول إلى تهشيم للخيم التي تختلف فكريا٫ بل واختطاف متبادل بينهم وضرب وتمزيق لصور رموز هذا الفصيل أو ذاك.  ان هذه الوقائع تخيفني وتفزعني عندما احتمل أن يتمكن هذ الفصيل المتشدد الذي يرى انه يمثل الحق ولا يقبل برأي يختلف معه٫ من الوصول إلى الحكم وربما أيضا التفرد به.  * طالما اعتبرت تعز أنها جذوة التغيير في اليمن وحتى في هذا المشهد نجد أنها في مقدمة الداعين له من خلال تواجد أبنائها في أغلب الساحات اليمنية، بل إن شهداء التغيير كان اغلبهم من محافظة تعز مع أن النظام الحالي طوال العقود الماضية حاول وربما نجح في مسألة انهاء رموز محافظة تعز فهل مثل هذا التدمير المنهجي له تأثير على دور المحافظة في قيادة التحول نحو المدنية في اليمن ؟  - سؤالك فيه الجواب.... نعم حاول النظام الحالي تهميش تعز سياسيا وتنمويا واجتماعيا واشهد له بالنجاح والفشل في آن...  هو نجح لأنه صنع وأنتج أشخاصا تصور انهم يستطيعون أن يعينوه في مسعاه لتهميش تلك المنطقة التي لم تبخل يوما بتقديم الكثير من أجل اليمن، واضرب مثالا واحدا هو النجاح الاقتصادي الذي قدمته بيتوتاتها التجارية وفي مقابل ما حققته من أرباح أنشأت المعاهد والمدارس وحفرت الآبار وابتعثت الطلبة وعالجت المرضى٫أي أنها قامت بمهمة الدولة، ليس مع أبناء تعز فقط ولكن خيرهم عم كل ركن في أنحاء اليمن حتى وصل إلى مناطق تتمتع بنصيب وافر من الأثرياء والمسئولين لكنهم لم يعتادوا العمل الاجتماعي والخيري...  أقول إن النظام نجح في إنتاج زعامات صورة عونا له على بسط سيطرته٫لكنه اغفل أن للتاريخ حساباته وأنا لا أدعي ولا اقبل أن لأي أحد الحق في أن ينصب نفسه ممثلا لهذه المنطقة أو تلك٫ لكن منطق التاريخ كان يفترض أن يستعين النظام بأشخاص لهم حضور واحترام بين الناس. في هذا السياق اذكر إني نبهت على مسامع الكثيرين انه من المهم بل ومن الضروري أن تشعر كل منطقة يمنية بتواجدها في حياض المركز المقدس أو حتى في أطرافه لكني حذرت من الحاصل أن المركز يختار أسوأ من في كل منطقة والأقل حضورا واحتراما ليقول للناس إنهم متواجدون... فلا المركز استفاد من هؤلاء النفر لأنهم لا يمثلون إلا أنفسهم ولا المناطق رضيت بهم ممثلين عنها...  في تعز بالذات تعمد المركز المقدس٫كما سماه الدكتور ياسين سعيد نعان٫ان يبذل كل جهد ووقت ومال لجعلها قرية مترامية الأطراف ليس فيها إلا بؤس أبنائها وانعدام خدماتها لكنه في ذات الوقت حرص على استنزاف أصوات ناخبيها... لذلك نجد أن تعز تشعر وللمرة الأولى٬منذ ما سماه علي الوزير فتح تعز٫تعيش نسمات جديدة من انبعاث الروح فيها وارتفاع صوتها مطالبة بحقوقها الطبيعية في المواطنة المتساوية.. لا يكفي تعز ان يكون في سدة الحكم عدد من أبنائها وبعضهم من خيرة أبنائها وأبناء اليمن٫ لكنه يعيشون قمعا داخليا وهزيمة نفسية مروعة.  لا شك أن عددا من أبناء تعز سينبرون دفاعا عن المركز وكيل تهم الطائفية التي يرزحون تحتها٫ ولكن لا تنس أن النعمان احمد الأب والنعمان محمد الابن تعرضا -وهما يبتسمان ويسخران- لهذه التهم في الستينات ونزعت من كليهما الجنسية اليمنية في العام ٦٨م.  الحديث عن تعز محزن لما وصل إليه حالها من تهالك كامل لبنيتها التحتية وإهمال متعمد لاحتياجاتها واختيار دقيق لمن يتولون أمرها ويقومون بتمثيلها حاليا. واذكر في هذا المقام تلك المجموعة التي حاولت الدفاع عن ابسط متطلبات تعز التنموية في العام ٩٢ وكان على رأسهم الصديق الحبيب المرحوم عبدا لحبيب سالم والأعزاء طاهر علي سيف والمرحوم منصور احمد سيف ومحدثك وسميت اللجنة حينها بلجنة إضراب تعز... المؤسف أن من قام بتشويه سمعة اللجنة والسعي الحثيث لإفشالها ودمغها بكل التهم المعلبة من الطائفية والمناطقية والشللية٫ كان من أبنائها ،اغلبهم مازال في مواقع رفيعة في الدولة.  كان المرحوم الفليسوف السعودي عبدالله القصيمي يقول: لا يمكن أن تصنع من الفأر أسدا مهما بذلت له من المقويات.  * على ضوء المبادرات التي تطرح من قبل الكثيرين لحل الازمة العالقة أصبح الأمر محصورا في مسألة توقيت تنحي الرئيس بصورة آمنة لا تترتب عليها فوضى أو وصول قوى غير مدنية للحكم وهي نفس المعركة التي كان الأستاذ النعمان الأب والشهيد محمد النعمان يقودانها ضد قوى التخلف باعتبارك -كما يرى الكثيرون- امتدادا لهما هل تتصور أن المعركة مازالت قائمة؟  - المشهد الحالي يذكرني بالفترة التي تلت ثورة سبتمبر ٦٢.. صحيح أن كثيرين ساهموا فيها وقدموا الكثير من اجل نجاحها لكن الأكيد أن كل طرف كان ينطلق من مدار فكري مختلف ولغاية مختلفة...  كان في جسد الثورة من يريد تثبيت حق الهي في الحكم وانحصاره في منطقة جغرافية واحدة وآخر كان يرى فيها فرصة تاريخية لمحاولة تثبيت مفهوم المواطنة.. وآخرون كانوا يريدون ملء خزائنهم بالمال يأتي من أي مصدر كان.. الأستاذ النعمان كتب أول مناشدة لولي العهد احمد بن يحي حميد الدين رحمه الله اسماها "الأنة الأولى" في مطلع الثلاثينات وسرد فيها المظالم التي يتعرض لها أبناء اليمن الأسفل خصوصا واليمن الكبير عموما٫فهل يعقل أننا مازلنا نسعى للحصول على بعض ما نادى به النعمان حتى هذه اللحظة.. أنا لا أعلم إلى أي مدى  أغلب المتواجدين في ساحات الحرية يعلمون من هو النعمان أو عن أفكاره٫ ذاك أن مناهج الدراسة عندنا لا تؤمن إلا بالحاضر أما الماضي فلا حديث عنه ولا ذكر له.  المعركة المعرفية مازالت مفتوحة في اليمن ولن تنتصر فيها قوى التحديث الحقيقية إلا حين تلتف كلها حول مشروع لا يستوطن الماضي وإنما يستذكره للعبرة وتجنب أخطائه ومآسيه.. نحن أمامنا مرحلة فاصلة في تاريخ اليمن بين من يحاولون أن يستولوا على مشروع المستقبل ويمتطونه صهوة لمطامحهم وبين شباب ضحى وقدم بنبل وشجاعة نادرتين كي ينال وابناءه وأحفاده يمناً يشعر فيه الجميع بأنهم متساوون في حقوقهم وواجباتهم وعندها فقط ستنحسر كل الأصوات التي نادت حنقا وغضبا من انعدام بصر وبصيرة المركز المقدس.




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign