صحيفة امريكية ,, بايدن يدمر امريكا بانحيازة لإسرائيل        صنعاء تواصل عملياتها العسكرية ضد السفن العسكرية والتجارية المرتبطة باسرائيل        البنك المركزي اليمني بصنعاء يفي بوعده ,, ألية استبدال العملة تبدا مهامها في في الراهده وعفار       فلسطين ... مجزرة النصيرات جريمة جديدة للاحتلال ضحايها اكثر من 600 قتيل وجريح      
    كتابات /
قراءة في أداء سيكيولوجية الذات الواهمة المحافظات الجنوبية بين بؤس القاعدة ووهم وانتهازية القيادة

05/06/2013 10:24:28
د.ناصر محمد ناصر
تُرى ما مدى عقلانية وواقعية المشاريع التقسيمية؟.. هل تكمن المشكلة في شكل وحجم الدولة، أم في موارد وإمكانات، وكيفية إدارة الدولة ومواردها؟.. كيف قِيدت الجماهير في الماضي، وكيف تُقاد اليوم؟، وما هو المصير الذي ينتظرها؟ للإجابة على هذه الأسئلة.. دعونا ننظر في الآتي:
د
كانت ثمرة الاستعمار البريطاني لمدة قرن وثلث القرن في جنوب اليمن، مدرسة ومستشفى في مدينة عدن، ومثلها في حضرموت لتلبية حاجات الإدارة الاستعمارية من الموظفين، وعلاج كبار العاملين فيها، هذا ما ورثته الدولة الوليدة في جنوب اليمن عام 1967م. بناء الدولة ينبغي أن يتم بوعي للمقومات الموضوعية لواقع الدولة نفسها ولمعطيات محيطها الإقليمي والدولي، وكانت المعطيات في جنوب اليمن وقتها، تشير بجلاء إلى أن المعطيات الايكيولوجية المتمثلة في ندرة المياه، وندرة الثروات المخزونة في باطن الأرض، وانعدام القدرة التكنولوجية، وسيادة الأمية وانعدام المهارات الاجتماعية التي يمكن أن تنهض عليها قاعدة صناعية وإنتاجية، كلها لا تؤهلها لإقامة دولة قابلة للحياة تعتمد في بقائها على ذاتها. تم تجاهل كل هذه المعطيات من قبل النخبة الماركسية المؤدلجة حينها، وتم اختزال المشكلة في كونها تتلخص في الوجود الاستعماري والمتعاونين معه من أبناء الجنوب، وأن الحل يكمن في التخلص منهما معاً. كانت المشكلة المرئية بالنسبة لهم وقتها تتمثل في كيفية اقتسام الموارد والثروات الشحيحة الموجودة، وليس في كيفية خلقها، وعلى هذا الأساس تم تفريغ مؤسسة الدولة من أفضل كفاءاتها وكوادرها بحجة ولاء هؤلاء للاستعمار، كما تم تفريغ الجيش من أكفأ ضباطه وقياداته وكوادره، وإحلال المليشيات بدلاً منهم، فكانت النتيجة وصول شخص مثل علي أحمد ناصر عنتر إلى قمة المؤسسة العسكرية، الرجل قبل أن يلتحق بحركة المقاومة ضد الاستعمار كان يعمل حمالاً في ميناء الكويت، تصوروا مستقبل ومصير جيش ودولة يديرها عتال؟، الإجابة جسدتها أحداث 13 يناير 1986م. لا أدعي بأن الوضع في شمال اليمن كان أفضل حالاً فأحمد حسين الغشمي وعلي عبدالله صالح كانا شبه أمّيين، وأوصلنا الأخير إلى ما نحن فيه اليوم. انتقلت رؤية القسمة من مؤسسات الدولة إلى الاقتصاد فتم ضرب المشروع الخاص وهاجر الحضارم برؤوس أموالهم ليعمروا في شتى أصقاع الأرض، وتم قفل باب الاستثمار في جنوب اليمن، كما تم انتهاج سياسة العِداء المطلق لكل دول المحيط الثرية بدعوى الحرب بين التقدمية والرجعية فحوصر وخُنق المواطن في الجنوب، وكانت النتيجة أن خُنقت التجربة في مهدها، وأخذت تتدحرج في طريق الفشل، وخلق الفشل في بناء الدولة بيئة صراعية داخل الحزب والدولة، فالكل يوجه تهمة الفشل إلى الكل، وظلت التجربة عالة على الاتحاد السوفييتي طوال عمرها القصير، الذي لم يتجاوز 23 عاماً، إلى أن لاقت حتفها في 13 يناير 1986م، حين تبين للعالم أجمع أن ما في جنوب اليمن لم تكن سوى قبائل همجية متناحرة، وليس مجتمعاً قادراً على بناء دولة. لأن المشكلة التي لم يفكروا فيها كانت في خلق الثروة، في الاقتصاد. إذاً المحصلة أن إخواننا في الجنوب أخفقوا في تجربة بناء الدولة، كما أخفقوا في القدرة على العيش المشترك فيما بينهم رغم ادعاءاتهم الأممية، فقادوا الجماهير المعدمة المتعطشة إلى الكرامة والعيش الكريم إلى مهالك الذبح والتشرد والضياع. وهذه هي محصلة الوهم الأول.
هربوا من الدولة المنهارة إلى الوحدة متوهمين أن شمال اليمن هو ألمانيا الغربية التي ستتمكن بمواردها الخرافية من حل كل مشكلاتهم الاقتصادية، والتي سيتمكنون برؤيتهم الأيديولوجية التقدمية، التي ذبحت وشردت أبناء الجنوب، من إنقاذ الشمال من بنيتها الاجتماعية المتخلفة الضاربة في أعماق التاريخ، متناسين بأن المنقذ نفسه يعاني من كل علل وأمراض ونواقص من يريد إنقاذه، ولو كان هذا المنقذ يستطيع أن ينقذ أحداً غير ذاته، لما قتلها في واضحة النهار؟ أصر الرفاق على وحدة اندماجية كاملة، في الوقت الذي كان كل طرف يرى في الآخر نقيضه الذي لا يمكن احتماله، فكانت المحصلة هي حرب صيف عام 1994م التي دارت رحاها بين أسرة علي عبدالله صالح وقبائل الضالع وردفان التي ظلت ممسكة بزمام المؤسسة العسكرية في الجنوب، والتي لو لم يتبرع البيض بإهداء قضية لعلي عبدالله صالح بإعلانه الانفصال لما وجد الأخير قضية يحارب من أجلها، فتلك الحرب بمقدماتها ونتائجها أضرت بالجميع شمالاً وجنوباً، ولم يجن ثمارها سوى المخلوع وأسرته وبعض المتسكعين تحت أقدامه، وهم من كافة مناطق اليمن شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، لم يلتفت الإخوة إلى أن الأسباب التي أضرت بالشعب والوحدة تكمن في المصالح الضيقة للقوى التي أدارت دولة الوحدة وليس في الوحدة ذاتها، النتيجة النهائية بالنسبة لهم والتي لا تقبل الجدال هي أن الوحدة التي قادوا الجماهير المسحوقة إليها قد فشلت، في حين أن ما فشلت هي عقولهم الصدئة التي عجزت عن استيعاب الحدث وسبر مسبباته، وعلى الجماهير العمياء في كل الحالات أن تتبع فلا منقذ لها سواهم، وهذا هو الوهم الثاني.
الآن ومنذ سنوات أخذوا يمهدون للوهم الثالث بسلسلة من الأوهام أولها إجراء مصالحة بين أبناء المحافظات الجنوبية، لكنها مصالحة بين جلاد لم يعترف قط بخطئه ولا يزال مصراً على المضي فيه حتى النهاية، وبين ضحية لم يتم الاعتذار لها ولم يتم تعويضها عما لحق بها من أضرار، وثانيها الادعاء بأنهم أصحاب هوية وحضارة متميزة عن الشمال الذي قام بطمسها، من يقنع هؤلاء "الفايكنج" أو "الأنجلو ساكسون" بأنهم ليسوا طوال القامة، ولا يمتلكون شعراً أشقر، ولا عيوناً زرقاء، وبأنهم جزء من نسيج ومن ثقافة ومن حضارة اليمن والمنطقة العربية برمتها؟، لا أحد يقوى على إقناعهم بذلك، فهم مصممون على إنشاء دويلة في جنوب اليمن، وهذه الدويلة ليست يمنية. أين الحضارة وهم ما زالوا يرفعون صور الذئبين علي سالم البيض وعلي ناصر محمد على أكتاف الجموع في الساحات العامة، بدلاً من أن يطالبوا بمحاكمتهما، هما وكل من تعاون معهما في إدارة كل تلك المذابح القذرة؟.. هل هؤلاء طلاب حرية، وطلاب كرامة؟، وما هو شكل ومضمون الدولة التي يريدون بناءها؟، من يقدس من يستعبده لا بد أن مضمونه العبودية، هو مشروع جلاد محتمل، هو جلاد في حالة كمون، ما أن يتحرر من استعباد الآخرين حتى يستعبدهم. هؤلاء البؤساء يحتاجون إلى من يوجههم، إلى من يأخذ بأيديهم، لا إلى من يمتطي ظهورهم، ما يحتاجونه هو إعادة تنشئة تقتلع فكرة العبودية من رؤوسهم، وتؤهلهم لتقبل القيم الإنسانية وقيم العيش المشترك، كم من القيادات الانتهازية نبهت هذه الجموع إلى أن تقديس الجلادين هو عين الخطأ؟، لا أرى الواهمين والمؤدلجين، في كل أصقاع الأرض، يتميزون عن الآخرين في شيء سوى في سوء تصرفاتهم وبلادة تفكيرهم وشطحاتهم التي لا تضع وزنًا لمعطيات الواقع. من الواضح أن القيادات المؤدلجة والمتطلعة إلى السلطة، التي تمتطي ظهور الجموع البائسة والمعدمة وتستغلها أبشع استغلال، تتجاهل طبيعة المعادلة المحلية والإقليمية والدولية، ولا تجيد التعامل مع معطياتها، فهذه القيادات لم تبرع سوى في استغلال بؤس وفقر وغرائز الأميين وأشباه المتعلمين، والقفز على ظهورهم. الحل المطروح بالنسبة لهم ليوم يتمثل في أن يهربوا مرة أخرى إلى التجزئة من قبيل ضرورة إعادة تجريب المجرب. التجزئة لن تجلب الثروة ولن تحل مشكلة فقر وبؤس الجماهير، الذين تتلاعب بهم النخب المؤدلجة وتنتقل بهم من وهم إلى وهم، المشكلة مرة أخرى في الاقتصاد. على الجماهير التي لا ترى أن تتبع مرة أخرى فليس من حقها أن تسأل هؤلاء إلى أية مهلكة سيقودونها، وكم بقي في جعبتهم من المهالك؟، وهذا هو الوهم الثالث.
المشكلة يا سادة لا تكمن في حجم الدولة، فإمكان المرء أن يعيش في حالة من الرفاه والاستقرار والكرامة في امبراطورية بحجم الولايات المتحدة أو الهند، أو في دولة مدنية مثل الكويت أو قطر أو البحرين، المشكلة التي تعجزون عن رؤيتها ليست هنا، المشكلة تمكن فيما أخفقنا فيه جميعاً منذ القضاء على الإمامة ورحيل الاستعمار، في ظل التجزئة والوحدة، المشكلة تكمن في خلق الثروة، وفي صناعة النظام الذي يكفل للجميع حقوقاً وواجبات متساوية، هنا مربط الفرس يا سادة، تخلوا عن أوهامكم الأيديولوجية وعن أنانيتكم في التلاعب بمصير الأجيال المعدمة ترون الحقيقة عيانية شاخصة. إن كنتم تريدون رؤيتها، فعلينا أن ننجز في ميدان التنمية وأن نصنع نظاماً يضمن لنا حقوقاً متساوية دون تمييز، على دعاة وهواة مشاريع التجزئة أن يتعلموا فن العيش المشترك، الذين هم في أمسّ الحاجة إليه، فلو كانوا يجيدون فن التعايش مع المختلف والآخر، مع العالم والمحيط المباشر، لما اقتتلوا فيما بينهم بالأمس القريب. على الجميع أن يدرك بأن التجزئة لن تحل مشكلة فقر الجماهير بل ستنقلها من مأزق إلى آخر، ولا تعني سوى العودة إلى حالة من الاقتتال الداخلي، والاحتراب بين دويلات تنشأ على أرض اليمن، لن تجذر الفقر والبؤس فقط، وإنما تدمرنا وتدمر المنطقة برمتها، وأن من الأجدى لنا أن نتعايش مع حركة انفصالية لعقود قادمة، فالبديل هو تسليم رقابنا ورقاب الأجيال القامة للمجهول. كفوا عن الحديث عن وهم التمايز في الهوية والحضارة، هذه أيديولوجية جديدة، آلة قتل جديدة، لا هوية ولا حضارة لكم إلا هوية اليمنيين التي هي جزء من هوية وحضارة المنطقة برمتها، التي عاشت تحت وطاف الأتراك لقرون طويلة من الزمن، ثم تحت وطاف الاستعمار البريطاني والإمامة، ثم تحت وطاف الحزب والمنطقة والأسرة والطائفة، بالأمس القريب فقط نفض العرب الوطاف عن ظهورهم لا لكي يخرجوا إلى رحاب العصر بقيمه الإنسانية التي لا تفرق بين بني البشر، فلم يحن الوقت بعد لذلك، وإنما لتكتشف عقولهم، عند هذا المستوى المتدني من الوعي، بأنه قد نبتت لهم تحت هذا الوطاف هويات وأيديولوجيات وحضارات مناطقية ومذهبية وأصولية يوظفونها في قتل بعضهم البعض، من العراق إلى سوريا واليمن ومصر والمغرب، ليس بوسع هؤلاء البحث عن حلول، فالحلول لا تتمثل في بناء دويلات على أشلاء دويلات، ما يبحثون عنه هو وطاف جديد لمرحلة جديدة من الدماء والدموع. دعاة الانفصال وطلاب التجزئة أخفقوا في بناء الدولة وإدارتها عندما كانت لديهم دولة، وأخفقوا في العيش المشترك فيما بينهم، كما أخفقوا في العيش بسلام مع محيطهم الإقليمي، وتوجوا كل إخفاقاتهم بتسليم الدولة طواعية للشعب اليمني الذي هو أقدر على إدارتها، إذاً هم بكل بساطة لا يستحقون دولة، فالفرص ليست ملقية على قارعة الطريق تنتظر من يهتبلها، وبقي أمامهم حل وحيد، وهو الحل العملي الذي لا بديل له والذي يقبل به اليمنيون والمنطقة والعالم ولا يقبلون بسواه، وهو العمل مع إخوانهم اليمنيين كشركاء أنداد في بناء الدولة التي تسع الجميع دون تمييز.




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign