صحيفة امريكية ,, بايدن يدمر امريكا بانحيازة لإسرائيل        صنعاء تواصل عملياتها العسكرية ضد السفن العسكرية والتجارية المرتبطة باسرائيل        البنك المركزي اليمني بصنعاء يفي بوعده ,, ألية استبدال العملة تبدا مهامها في في الراهده وعفار       فلسطين ... مجزرة النصيرات جريمة جديدة للاحتلال ضحايها اكثر من 600 قتيل وجريح      
    كتابات /
الشريعة والديمقراطية..قراءة أولية في إمكانية فض الاشتباك

04/04/2013 16:56:20
د. ناصر محمند ناصر
إذا كانت الشريعة هي مرجعية النص فإن الديمقراطية هي مرجعية الشعب، فالأولى تمثل الثابت والثانية تمثل المتغير، إذاً نحن إزاء معادلة ذات قطبين متعارضين، فثقافة الموروث لها حاملها الاجتماعي المتمثل في الشرائح التقليدية في المجتمع التي تحتكم إلى الموروث والمقدس ولا تضع وزناً لإرادة الشعوب، وثقافة الجديد باتت حاضرة وبقوة والمتمثلة في الشرائح الاجتماعية الحداثية التي تغترف من بحر ثقافة كونية معاصرة، صحيح أن الجديد يطوي القديم، وأن ما هو اليوم جديد سيصبح غداً قديماً، ولكن هذه الآلية تعمل بمقياس عمر وتاريخ النوع البشري الذي يمتد عمره على هذا الكوكب لأكثر من خمسة ملايين عام، فقيم ومقدسات الحضارات البائدة كالطوطمية والوثنية كلها اندثرت وحلت محلها قيم ومقدسات أخرى لن تلبث أن تندثر، لكن عمر الإنسان قصير مقارنة بعمر النوع البشري، وهو غالباً لا ينظر ولا يقيم معتقداته وقيمه انطلاقا من رؤية شمولية كهذه، ولا حتى بمنظار التحقيب التاريخي الذي يعطي صوراً مقطوعة من تاريخ البشرية، مبتورة عما سبقها وعما سيلحقها، والنتيجة لهذا الوعي الجزئي والمبتور هو تأبيد المؤقت انطلاقاً من معايير غيبية لا تدعمها وقائع تاريخ النوع البشري. والنتيجة أننا أمام إشكالية مزدوجة، فالتعارض بين طرفي معادلة الموروث والمعاصر قائم وأساس هذا الخلل القار والراسب في فهم الإنسان لتاريخه لا يمكن حله بتغيير الوعي حتى في أرقى المجتمعات الإنسانية فما بالك بأكثرها تخلفاً، الأمر الذي يحتم على الحاملين الاجتماعيين لثقافتي الموروث والمعاصر أن يتعايشا، فكيف يتم هذا التعايش؟.. هناك عدة مدارس حاولت أن تدلي بدلوها للإجابة على هذا السؤال، وهي:
1- مدرسة رفض النص الموروث: وهذه المدرسة ترى أن الصراع بين القديم والجديد مسألة أزلية وجزء من مركب وكينونة الوجود البشري نفسه، وأن الطبيعي أن يتصارع القديم الموروث مع الجديد المعاصر، ففي خضم هذا الصراع يستبين جوهر الجديد وخواء القديم، ومن ثم تبرز النتيجة المتوخاة وهي تآكل مشروعية الموروث، ومن ثم انسلاخ وتغيُّر الشرائح الاجتماعية الحاملة له بتحديث نفسها وانخراطها في خضم الجديد الذي لن يلبث بدوره أن يتقادم وهكذا، فالصراع بين القطبين -من وجهة نظر هذه المدرسة- أزلي وصحي في الوقت نفسه، وأية محاولة توفيقية بين الضدين -من وجهة نظر هذه المدرسة- هي محاولة تلفيقية، لن يكون نتاجها أكثر من إعاقة الجديد ومد عمر القديم، ومن ثم ديمومة الصراع بكل ما يحمل من مآسٍ.
2- مدرسة التوفيق والإصلاح: وترى أن ضرورة العيش الاجتماعي المشترك تحتم على الأضداد أن تتعايش ولو مؤقتاً، وترى أن التوفيق بين ضدي القديم والجديد أمر ممكن بل ومطلوب، وأن ذلك ممكن بفتح النص المقدس على الواقع، بآليات التأويل والتفسير، وأن هذا التوفيق مسألة ضرورية وحيوية ليس لضرورة الاجتماع البشري وحسب، وإنما للنص المقدس ذاته، الذي قد يؤدي غلقه وعزله عن الواقع المتطور إلى انفصاله عن حياة واحتياجات الناس المتغيرة والمتطورة، ومن ثم اندثاره، ويرون بأن من الأجدى النظر إلى النص المقدس كهيكل أو قالب مفرغ، يقوم كل جيل بملئه بالمضامين التي تتناسب مع عصره وزمانه، والتي تلبي احتياجاته المتغيرة والمتطورة، فهم يشبهون النص المقدس بالماء الذي يجري في النهر ويشبهون الواقع الموضوعي بتضاريس وتعرجات النهر، فالماء يجري باستمرار ولكن تعاريج وتضاريس النهر هي التي تحدد مساره وتعرجاته ومنعطفاته.
3- مدرسة أزلية الموروث: ويرى أقطاب هذه المدرسة أن الموروث صادر عن ذات متعالية ومطلقة وكلية القدرة ولها طابع قدسي، ومن ثم لا يمكن إعادة تأويله ولا تحويره ليتناسب مع تغير وتطور الواقع، فضلاً عن تنحيته عن حياة البشر، وان الحق كل الحق يكمن في ضرورة إعادة تغيير وتكييف الواقع طبقاً لمتطلبات النص المقدس، وأن التأويل بحجة التكيف مع الواقع هو بمثابة تعطيل، فالنصوص المقدسة لها مضامينها الكامنة في ذاتها، ولا يجب أن تعطل منها ليعاد ملؤها بواسطة البشر، لكن مشكلة هذه المدرسة أنها لا تفسر سبب اندثار الديانات والمقدسات القديمة التي لم يعمر أطولها عمراً أكثر من ثلاثة آلاف سنة، وهي لا شيء مقارنة بعمر النوع البشري، ولا سبب انفصال نصوص الموروث وانسلاخها عن حياة البشر في ديانات كثيرة معاصرة، بما فيها الديانات التوحيدية، حيث باتت كل شعوب الأرض تدير شؤون حياتها في الميادين السياسية والاقتصادية وغيرها انطلاقاً من التجارب والخبرات الإنسانية المتراكمة، وليس انطلاقاً من مضامين ما سطرته النصوص المقدسة التي يؤمن بها أفرادها، كما أنها لا تجيب على مخاوف المدرسة الإصلاحية التي ترى في عدم تكيف النص مع الواقع المتغير سيؤدي إلى تهميش المقدس نفسه واندثاره ومن ثم اندثار فكرة المطلق في ثقافة الشعوب.
ولا أريد هنا أن أرجح أياً من المدارس الثلاث، فالمرجح ليس مبدعاً، كما ليس بوسعي المجازفة بالتصدي لحل إشكالية لها أبعادها الثقافية والنفسية والسياسية والاجتماعية، وأكتفي بطرح عدة تساؤلات علها تزيح الستار عن واقع وأداء بعض القوى الاجتماعية، من قبيل: لماذا غاب الاجتهاد عن هذه المجتمعات في وقتنا الحاضر؟، ما وظيفة الرموز الدينية؟.. أليس من صميم اختصاصها التصدي لمثل هذه الإشكاليات بمحاولة حلها تجنباً للفتن والحروب والصراعات ذات الجذور الأيديولوجية؟: لماذا يجهد بعض رجال الدين أنفسهم في البحث عن علاج لمرض نقص المناعة مثلاً، بدلاً من الاشتغال على تخصصاتهم والإبداع فيها؟، كيف يمكن لطالب صيدلة فاشل وهاوي فتوى لم يدرس ولم يتخصص في أصولها أن يبدع في كلا الأمرين معاً؟، ما دور الجامعات الدينية التي ينظر شيوخها إلى أنفسهم نظرة اصطفائية، ويجعلون من أنفسهم أوصياء على أفراد المجتمع، بتكفير وتسفيه أفراده، في حين أنهم في واقع الأمر عناصر غير منتجة، بل هم عبء وعالة على المجتمع الذين يدعون التميز عليه.. أليس من واجبهم التصدي لمثل هذه الإشكاليات؟، أم أن وظيفتهم محصورة في السير في ركاب السلطان، والتكسب من المال العام كما فعل شيوخ أو لصوص شركة (المنقذ)، وإثارة الفتن وتسعير الحروب عبر سلاح الفتوى، الفتوى كما يجيدونها أمرها سهل، بإمكان أي أمي يحفظ آية وحديث أن يفتي، وأن يُكفِّر، وأن يُجرِّم غيره، وكل من علي عبدالله صالح وحميد الأحمر وغيرهم أفتوا وكفَّروا وجرَّموا اجتماع شباب وشابات الثورة في ساحات التغيير.




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign