صحيفة امريكية ,, بايدن يدمر امريكا بانحيازة لإسرائيل        صنعاء تواصل عملياتها العسكرية ضد السفن العسكرية والتجارية المرتبطة باسرائيل        البنك المركزي اليمني بصنعاء يفي بوعده ,, ألية استبدال العملة تبدا مهامها في في الراهده وعفار       فلسطين ... مجزرة النصيرات جريمة جديدة للاحتلال ضحايها اكثر من 600 قتيل وجريح      
    كتابات /
اليمن في الربيع العربي

20/02/2013 16:14:21
محمد عمر غرس الله
في طريقها للثورة، لم تكن اليمن في حاجة سوى لعود ثقاب البوعزيزي - في قرية سيدي بوزيد التونسية - لتتلقف الشرارة التي أشعلت بنزين الثورة المسكوب بالظروف المأساوية للمجتمع اليمني، فعجت الساحات، وتوالى الحشد للجمع، جمعة بعد جمعة في حماس دفع فيه الشباب الثائر الأرواح في سبيل تحقيق أهدافه، ورحل رأس النظام وبقي النظام أو ما تبقى منه في المشهد السياسي يلعب دوراً متمثلاً في الحزب الحاكم وأذرعه، ومقربيه، حتى من التيارات السياسية الأخرى، فكيف تميزت الحالة اليمنية في الربيع العربي عن أخواتها؟
لا تختلف أسباب الربيع العربي في بلدان المنطقة في الكثير حول أسبابها، رغم بعض التباينات هنا أوهناك، إلا أن القاسم المشترك بينها جميعا كان الواقع التنموي وغياب التحديث والعصرنة، حيث كان الواقع المعاش تنمويا - بامتياز- الوقود الأكبر الذي حرك قاع المجتمع لتلك الهبة الملتهبة من حضرموت شمال أفريقيا( سوسة التونسية) الى حضرموت الربع الخالي ( المكلا) ببحر من البسطاء الذين أضناهم التخلف التنموي وتخشب الأنظمة المهترئة، غير أن مسيرة الثورة ونتائجها في بلدان الربيع العربي لم تكن متساوية او في نفس الاتجاه، حيث أفضت الثورة اليمنية إلى صفقة ومساومة - بمباركة إقليمية وقيادة أممية - أكثر منها إطاحة بنظام سياسي متكامل، وبقت مطالب الثورة الأساسية - معلقة - عبر التفاوض بين يدي (بن عمر وسعادة السفير) ومرهونة بالأيادِ الكثيرة المنغمسة في الطبخة اليمنية.
ولعل طبيعة اليمن الاجتماعية وطبيعة مراكز القوى، وطبيعة الاختناقات فيها، وواقع الفعل الثوري يمنياً - مثل بقية بلدان الربيع العربي بعدم وجود رؤية أو مشروع واضح للثورة بعد كلمة (ارحل) - ساقت الأمور إلى ما سارت عليه، حيث قفزت من عمق الأزمة الاجتماعية إلى واجهة الثورة - في لحظة واحدة معا - ( قوى قبلية أسرية - الحوثيون - الحراك الجنوبي - تكتل اللقاء المشترك - وحدات عسكرية مُنشَقة) الذين صاروا فيما بعد هم المفاوض باسم الثورة ومطالبها والمتحدث باسمها كلاً بما لديه من نزعة ومطالب - تتقاطع مع بعضها البعض - فلم يعد للثورة يد ولسان ومطلب مشترك بعد رحيل رأس النظام، وصارت أقرب للتقاطع منها للاتفاق، من أجل تحقيق مطالب خاصة.
ولعله من المنصف القول إن الثورة اليمنية ( بصفقتها) تفادت فداحة الفعل الثوري والتدخلات الخارجية فيه بالمقارنة بالنموذج الليبي الأكثر فداحة عربياً ( حجم الخسائر في الارواح والخسائر المادية)، ويمكن أن يحسب للصفقة تخفيف الأضرار على بلد هو في أمس الحاجة لتبقى فوهات البنادق والمدافع بعيدة عن التجاذبات رغم الحوادث المأساوية التي حدثت في عدن، والحصبة أو في الساحات، والتي تعد ضريبة مقبولة - ربما - لو حسبت في حساب الفعل الثوري الوطني وليس في حساب أحد الاطراف المطلة برأسها من وسط الثورة لتجني مطالبها الفئوية، رغم صدقية وموضوعية مطالبها، ولعله من المنصف أن لا توضع جميعها في سلة واحدة من التقييم، فثمة تراكمات اجتماعية ومطلبية كبيرة وعميقة وحقيقية في مسيرة البلاد تاريخياً وخاصة في موضوع الحراك الجنوبي وأبعاده وأسبابه الجوهرية، وموضوع الحوثيين وأبعاده وأسبابه أيضاً.
إن عملية إسقاط النظام وصعود المعارضة ربما لا يعني انتصار الثورة بالمعنى الحقيقي -إلى الآن- الأمر الواضح جداً في بلدان الربيع العربي، حيث تم تبادل المواقع بين الحكم السابق والمعارضة السابقة، بل إن الأمر في اليمن سار في اتجاه تقاسم المناصب مع الحزب الحاكم نفسه، وبقت الثورة تمور في الساحات والميادين وحناجر الشباب الثائر التواق للتنمية والعمل والبناء والحرية، وهذا الأمر يبدو واضحاً في الحالة اليمنية التي قاد فيها (أحزاب اللقاء المشترك) دفة الثورة السياسية مما جعل الثورة تكريساً لتجاذبات قديمة أكثر منها حالة شعبية جارفة تطالب بالتغيير الكامل، فتم تثمير الفعل الثوري على الصورة التي نراها، هذا على المستوى المحلي، أما الاقليمي فإن الثورة اليمنية -نتيجة لفقدان الرؤية- فوتت فرصة كبيرة في الضغط والمساومة بقبول التدخل الخليجي بثمن الانضمام لمجلس التعاون الخليجي أو حتى جدولته زمنياً لمنطقيته، هذا الانضمام الذي يعتبر طبيعياً (ديموغرافياً وجغرافياً) بكل المعايير، خاصة بالمقارنة بما قيل عن مشروع انضمام الأردن والمغرب إلى مجلس التعاون.
إن الثورة اليمنية في تاريخيتها ليست مفصولاً عن التاريخ السياسي اليمني الزاخر جداً بالمفاوضات والتفاوض، بل وإن القوة الوطنية اليمنية تمتلك إرثاً كبيراً في التعامل مع الأزمات والاحتقانات، وهو راجع الى خبرة القوة الوطنية وتجذرها وإلى الموروث القبلي وطبيعة العلاقات الاجتماعية وتراتبيتها ووطنيتها المتميزة، وهي من جهة أُخرى الأكثر سيلاً في الإنتاج الفكري الناضج عبر وسائل الاتصال الحديثة والصحف الصادرة، ورغم كل حالات النشاز التي اعترت المسيرة الثورية وفتاوى التكفير للكثير من الكاتبات اليمنيات، إلا أن الثورة اليمنية تمتلك عمقاً شبابياً ناضجاً له رؤية ونشاط وحيوية، الأمر الذي يعد بعبور واثق للأزمة الحالية بأقل الخسائر الوطنية، خاصة وأن الدولة بمعناها المؤسسي قائمة بالمعنى اليمني للمؤسسة، وأيضا القوة الأمنية والعسكرية متماسكة، مما حافظ على هيبة الدولة وإطارها العام، وهي في حالة مخاضها التاريخي، فيبقى على القوة الوطنية اليمنية مطلب العمل على التنمية كهدف أول وأساس من أجل العصرنة والتحديث، فالتنمية هي الحرية، وهي الديمقراطية، وهي التقدم، وهي الوحدة، ولا يجب إغفال وإهمال السبب التنموي للثورة التي قام بها الفقراء المعدمون أكثر منها تعبيراً انتلجنسيا سابحة في عالم المثل وتنميق العبارات.
إن الثورة وأهدافها ستبقى معلقة بين واقع الفقر والعوز والإقطاعية القبلية، وحلم التنمية والعصرنة والتحديث، فالمعنى العصري للثورة ليس فقط شعراً ونثراً وهتافات، أو شعارات خطابية صارخة، بل تنمية وبنية تحتية وتدفق أموال واستثمارات ورخاء اقتصادي، والذي ينعكس على الإنسان والأُسرة والارض (وهو ما تحتاجه اليمن)، الأمر المطلوب اليوم العمل عليه وتثمير العلاقات الخارجية وتدخلاتها- خليجياً وعربياً ودولياً- من أجله، ولعل اليمن أقرب إلى النموذج الخليجي التنموي المبهر - وخاصة في الإمارات العربية المتحدة - بما تملكه اليمن من موقع جغرافي وكفاية ديموغرافية، وخصوبة أرض وإرادة إنسان كادح لا تقهر، وتاريخ وموروث وإرث عميق من الحضارة ضاربة في جذور التاريخ منذ عصر أرض الجنتين.
كاتب ليبي/ بريطانيا
15 فبراير 2013




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign