دانييل بيمان أستاذ بكلية الشؤون الخارجية بجامعة جورج تاون الأميركية
يعد التدخُّل العميق للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية في اليمن انتصاراً للأمل على الخبرة؛ إذ بدأت الرياض، عام 2015، حملتها الأخيرة في اليمن للإطاحة بالمتمردين الحوثيين المنتصرين آنذاك، الذين اعتبرهم القادة السعوديون مقربين للغاية من إيران. وبدلاً من إثناء رفقائهم الأعزاء في السعودية عن هذا المسار الخطير، غرقت الإمارات أيضاً في المستنقع ذاته، آملة بالمثل في تراجع إيران. وعلى عكس ما حدث في مصر، حيث ساعدت الدولتان (السعودية والإمارات) في حدوث انقلابٍ جاء بالرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، فإن النتيجة صارت كارثية ليس بالنسبة لليمن- التي يبدو أن الحرب والأزمة الإنسانية فيها تزداد سوءاً يوما بعد يوم- وإنما أيضاً للإمارات والسعودية أنفسهما، خاصة مع كسب إيران مزيداً من النفوذ على حسابهما. نمط التدخل تتدخل السعودية بشكل منتظم في اليمن منذ بداية الحقبة الحديثة (المُعاصرة) للمملكة؛ إذ سيطرت الإمامة الزيدية في اليمن، لقرون عديدة، على جزء مما يُعرف حالياً بمنطقة عسير في المملكة العربية السعودية، وخاضت الدولتان حرباً حدوديةً في عام 1934. ويشكل أحفاد قادة الزيدية، إحدى الطوائف الشيعية، في اليمن جوهر المعارضة الحوثية حالياً. واستمرت الاشتباكات الحدودية بين الجانبين حتى منتصف التسعينات، ولم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن الحدود إلا في عام 2000. وفضلاً عن الخلافات الإقليمية، خشيت السعودية من صعود الفصيل الخاطئ إلى السلطة في صنعاء. ففي عام 1962، عندما غرقت اليمن في حرب أهلية بين الإمامة والفصائل القومية العربية من الجيش اليمني، تدخل السعوديون (بالإضافة إلى إيران والأردن) لصالح الإمامة، بينما تدخلت مصر لدعم الفصائل القومية، معتمدة على دعم الاتحاد السوفيتي سابقاً. وفي درس مُستفاد لم يعِره الأجانب اهتماماً في المستقبل، أدى ذلك التدخل إلى تأجيج الحرب لكنه ترك القوى الخارجية منهكة. وفي عام 1970، منح الاتفاق التفاوضي المسؤولية للقوميين العرب، فيما حصلت الإمامة الزيدية على عدة مناصب رفيعة ونصيب من المحاباة. وفي عام 1990، اتحد جنوب وشمال اليمن تحت قيادة رجل الشمال القوي المخضرم علي عبدالله صالح، الذي أثبت براعته في التهرب من أعدائه الكُثُر وتوطيد سلطته - أو كما يُقال: «الرقص على رؤوس الثعابين»، ومع ذلك ظلت اليمن ضعيفة؛ إذ لم يندمج الجنوب بشكل كامل أبداً، فيما عانت البلاد من الفقر الشديد، واشتد السخط والغضب ضد صالح. تدخلت السعودية، خلال تلك السنوات، بين الحين والآخر، في محاولة للمساومة مع القادة المحليين، لوقف الإرهابيين المرتبطين بالقاعدة في شبه الجزيرة العربية، وإضعاف القوات الماركسية في الجنوب، وتقويض الحكومة في صنعاء عندما عارضت رغبات الرياض أو نشر نفوذها. وبدا أن سياسة اليمن وقادتها يمثلون إزعاجاً لعائلة آل سعود. ورغبة في تغيير اليمن من القاعدة وصولاً للقمة، شجعت الرياض انتشار السلفية في اليمن، ومولت المساجد والوعاظ، في محاولة للترويج إلى تفسيرها الإسلامي المتشدد المعادي للشيعة. على الرغم من انتصار السعودية، في بعض الأحيان، على قائد معين أو قتل أو اعتراض إرهابي، فإن معظم اليمنيين ظلوا قوميين بشراسة ومتشككين إزاء الرياض. فلقد كانوا سعداء بأخذ المال السعودي، لكنهم، في الغالب، لم يحققوا طموحات الرياض. وعصف (اشتد) انعدام الاستقرار باليمن خلال العقد الأول من الألفية (القرن الحادي والعشرين)؛ إذ مثل المتمردون الحوثيون- الذين تمركزا بشكل أساسي في منطقة صعدة- مشكلة، لا سيما في ظل شعورهم بالاستياء من سوء معاملة صنعاء لهم وافتقارهم لرعاية الدولة. وحارب الحوثيون، لسنوات عديدة، للحصول على بعض غنائم الدولة بدلاً من الانفصال أو استبدال صالح. ومع ذلك، صاروا أكثر تطرفاً عندما أدركوا أن سنوات المفاوضات والثورة خلال الربيع العربي عام 2011 لن تعيد هيكلة السلطة في اليمن حسبما كانوا يأملون. علاوة على ذلك، أدت رسالة السلفيين المريرة المعادية للشيعة لإثارة غضبهم. دخول الحوثيين بدأت الجولة الأخيرة من التدخل عام 2015، بعدما امتد الربيع العربي إلى اليمن عام 2011، ما أجبر صالح على التنازل عن منصبه لنائبه، عبد ربه منصور هادي، إلا أن استمرار عنف تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والمشاعر الانفصالي، ومحاولة صالح تقويض هادي واستعادة وضع عائلته، وانهيار الاقتصاد، وغير ذلك من المعوقات، أبقى حكومة هادي ضعيفة رغم النوايا الدولية الحسنة. استغل المتمردون الحوثيون الفوضى لغزو صنعاء ومعظم اليمن بنهاية المطاف في عامي 2014 و2015، وهرب هادي إلى عدن في الجنوب أولاً ثم اتجه إلى المملكة العربية السعودية، أما صالح -الانتهازي دوماً- تحالف والقوات العسكرية -التي كانت لا تزال موالية له- مع الحوثيين، على الرغم من محاربته لهم بشراسة حينما كان في السلطة. في الوقت ذاته، ارتبط الحوثيون بصلات محدودة لكن قوية بإيران، ما أثار قلق الرياض وأبوظبي، اللتين شاهدتا صعود إيران ليس في اليمن فحسب، وإنما في العراق ولبنان وسوريا أيضاً. تمتد منطقة الحوثيين الأساسية أيضاً إلى الحدود اليمنية مع السعودية، ما تفسره الرياض المرتابة، في الأغلب، على أنه تواجد إيراني على حدودها. تدخلت السعودية والإمارات لإعادة هادي إلى السلطة، وأعلن المسؤولون السعوديون أن التدخل سوف ينتهي خلال أسابيع. وانضمت كل من البحرين ومصر والأردن والكويت والمغرب والسودان إلى النزاع، كان ذلك إلى حدٍ كبير نتيجة للإحساس بالالتزام تجاه الإمارات والسعودية بدلاً من المخاوف الحقيقية بشأن اليمن. فتحت جيبوتي وإريتريا والصومال مجالها الجوي ومرافقها للتحالف. كما كانت قطر أيضاً عضواً في الائتلاف بصورة رمزية حتى حدوث التوتر بين الدوحة من جهة والإمارات والسعودية من الجهة الأخرى، مما أدى إلى طردها. بالإضافة إلى الدور السعودي والإماراتي العسكري، دفعت الإمارات المال لمرتزقة كولومبيين، بينما قامت السعودية بتجنيد الآلاف من الجنود السودانيين. كما تدعي الأمم المتحدة أن إريتريا نشرت بعضاً من قواتها هناك، بالإضافة لاستخدام الإمارات لمطار أسمرة في بعض عملياتها. دعمت الولايات المتحدة التدخل بهدوء من خلال الاستخبارات وإعادة التزود بالوقود والذخيرة. في البداية، بدا أن الحملة السعودية والإماراتية تحقق تقدماً، إذ ساعدت القوات الموالية لهادي على الاستيلاء على عدن ومن ثم الجزء الأكبر من الجنوب اليمني. ودعمت الرياض مجموعة من القوات القبلية والعسكرية المتعاملة مع حزب الإصلاح، أهم الأحزاب الإسلامية السنية في اليمن، والمنبثق من جماعة الإخوان المسلمين. تكره الإمارات الإخوان (وقد قوضت قوتهم في ليبيا ومصر وأماكن أخرى) وتدعم الانفصاليين الجنوبيين والسلفيين الذين لا يثقون في الإصلاح ويرون الحوثيين مرتدين. لكن التقدم تباطأ ثم توقف بعد ذلك إلى حد كبير، مع محاولات القوات السعودية والإماراتية التحرك في مساحات أقرب إلى قلب مناطق الحوثيين. اتضح أن الآمال السعودية في تحقيق نصرٍ سريع كانت وهمًا مثل معظم آمالهم في اليمن. وبعد أكثر من ثلاث سنوات، نفذت الرياض أكثر من 100,000 طلعة جوية بالإضافة لإنفاقها مليارات الدولارات شهرياً على الحرب. تمكنت الغارات الجوية من تدمير الكثير من البنية التحتية -المهترئة بالفعل- في اليمن وقتل الآلاف من المدنيين، لكن الحوثيين صمدوا. (انظر هنا لترى من يسيطر على أي مناطق في يونيو/حزيران 2018). في هذه الأثناء، غالباً ما كانت الفصائل تنقلب على بعضها البعض. حول صالح وجهته ووافق على العمل مع السعوديين في عام 2017، لكن الحوثيين قتلوه قبل أن ينجح هذا التوجه. لكن على الأقل بعض القوات التي كانت تحت أمرته تعمل الآن مع الإمارات، مع استمرار انقسام القوات المناهضة للحوثيين. وفي عدن، قاتلت القوات المدعومة من الإمارات المقاتلين الموالين لهادي، الذي تدعمه السعودية، للسيطرة على القواعد والمرافق. وأفادت التقارير أن قادة الإمارات يعتبرون هادي مسلسلاً غير كفء، بينما لدى السعوديين استعداد أكثر للعمل مع حزب الإصلاح، والذي حاول بدوره أن ينأى بنفسه عن الإخوان المسلمين لإرضاء الإمارات والرياض. لأسباب واضحة، تركز الرياض أكثر على أمن الحدود أكثر من الإمارات. التدخل اليوم: الإمارات تمسك بزمام المبادرة على الرغم من أن المملكة العربية السعودية هي اللاعب الخارجي التاريخي في الشئون اليمنية، وكثيراً ما يوصف الائتلاف بأنه «بقيادة سعودية»، فإن الإمارات تلعب اليوم دوراً مهماً، وقيادياً في كثير من الأحيان. أكثر من 1000 من القوات الإماراتية نشرت في جميع أنحاء اليمن، معظمهم في الجنوب، وقاموا بتدريب الآلاف من السكان المحليين، بما في ذلك العديد من الانفصاليين الجنوبيين الذين يحاولون اغتنام الفرصة وإنهاء هيمنة الشمال. تتولى المملكة العربية السعودية قيادة الحملة الجوية وتوفر تمويلاً كبيراً، لكن ذلك لا يقارع وجود الإمارات العربية المتحدة على أرض الواقع. تعتمد القوات الإماراتية في اليمن على تجربة مكافحة التمرد التي اكتسبتها من القتال مع قوات الناتو في أفغانستان. ليس من المستغرب إذن أن تكون الإمارات قد تلقت خسائر في الأرواح - أكثر من 100 شخص. اليوم، تحاول القوات التي تقودها الإمارات العربية المتحدة القيام شن هجوم حاسم وإنهاء حالة الجمود، من خلال الاستيلاء على ميناء الحديدة، وهو أهم ميناء للحوثي، والذي يعبر من خلاله الطعام والإمدادات الأخرى إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. (يزعم السعوديون أن الأسلحة الإيرانية تتدفق أيضاً عبر هذا الميناء). الإمارات العربية المتحدة جمعت ما يصل إلى 25،000 مقاتل مدعومين بغطاء جوي ومركبات مدرعة ضد بضعة آلاف من الحوثيين، ومعظمهم حديثو التجنيد. تضم القوات التي تدعمها الإمارات المقاتلين الذين قاتلوا في وقت ما حلفاء الإمارات العربية المتحدة؛ لأنهم كانوا مخلصين لصالح، والآن يتبعون ابن أخيه، الذي يعتقد أن الأمر يسير لصالح أبوظبي والرياض. بالإضافة إلى ذلك، فإن القوات الإماراتية قد تدربت بشكل أفضل مما كانت عليه في عام 2015. ومع ذلك، يحابي ميدان القتال في المدينة المدافعين بشكل كبير، وربما علّمت إيران وحزب الله الحوثيين كيفية استغلال هذه التضاريس. علاوة على ذلك، ليس ميناء الحديدة هو المنفذ الوحيد المتاح للحوثيين، والتهريب هو تقليد يفتخر به اليمنيون. على هذا النحو، من المرجح أن يحصل الحوثيون على السلاح في كل الأحوال. بالإضافة إلى ذلك، فهم لديهم صواريخ باليستية من الإمدادات الإيرانية، يمكن أن تضايق المملكة العربية السعودية. ماذا بعد؟ الانتصار العسكري المباشر للائتلاف يبدو أمراً غير محتمل، على الرغم من أن القوات المدعومة من الإمارات تتمتع بتفوق هائل في السلاح والأعداد والأموال، مما يجعل الاستيلاء على الحديدة يبدو أمراً وشيكاً. ومع ذلك، سيواصل الحوثيون التمسُّك بالأراضي في المناطق الحيوية، حيث يعيش الكثير من سكان اليمن. بالإضافة إلى ذلك، فحتى لو خسروا صنعاء والمدن الكبرى الأخرى، فقد أثبتوا أنهم قادرون على شن حرب عصابات لا هوادة فيها. ولا يزال لديهم عشرات الآلاف من الرجال المسلحين تحت الطلب لدعم قضيتهم.
ــ يصعب وصف الحوثيين بدمى إيران، إلا أنهم يعملون معها بدافع الضرورة
وحتى إذا وضعنا الحوثيين جانباً، فليس من الواضح ما هو الحل السياسي الذي قد يُرضي الأطياف المختلفة التي تشكل التحالف الذي تقوده الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. حتى لو تجاهلنا الكارثة الإنسانية في اليمن، فإن التدخل الإماراتي السعودي قد فشل في تحقيق أهدافه الخاصة. أصبحوا الآن عالقين في المستنقع اليمني، هادي ليس في السلطة، حلفاؤهم يقاتلون بعضهم البعض، القاعدة أصبحت أقوى، واليمن أصبح أقل استقراراً من ذي قبل. بالإضافة إلى ذلك، والأهم من وجهة نظر السعوديين والإماراتيين، أن إيران أصبحت أقوى. على الرغم من أنه يصعب وصف الحوثيين بدمى إيران، إلا أنهم يعملون مع إيران بدافع من الضرورة، ونتيجة لذلك فقد نما نفوذ إيران، فقد أصبح الآن، لدى طهران حليف يمكن أن يهدد السعودية والشحن البحري في البحر الأحمر. لقد أدت الحرب الأهلية إلى تفاقم الفقر المدقع في اليمن، مما دفع البلاد إلى الاقتراب من حافة الهاوية (أو، لتحرّ الدقة، يدفعها أكثر إلى الهاوية نفسها). حوالي 10000 شخص لقوا حتفهم في الحرب، ما يقرب من نصفهم من المدنيين. ومع ذلك، يتضاءل هذا العدد أمام سجلّ الموت الهائل وغير المحدد لمسببات الأخرى التي ترافق الحرب: المرض والمجاعة. أكثر من 50.000 طفل قضوا نحبهم بسبب الجوع والمرض في عام 2017، ومئات الآلاف من الأطفال اليمنيين يعانون من سوء التغذية الحاد. ثلاثة ملايين يمني هجروا وشردوا من منازلهم. ووفقاً للأمم المتحدة، فإن 75% من سكان اليمن البالغ عددهم 22 مليون نسمة يحتاجون إلى المساعدة، وأكثر من 11 مليون شخص يصنفون بأنهم يعيشون في «فقر مدقع»، بانتظار مجاعة وشيكة تفتك بهم. علاوة على ذلك، عانت البلاد في العام الماضي من أكبر تفشي للكوليرا في العالم. تقدم الإمارات العربية المتحدة بعض المساعدات الإنسانية في بعض أنحاء البلاد، كما توفر المملكة العربية السعودية دعماً محدوداً، ولكن ليس بما يكفي لتعويض الكارثة التي تواجه البلد بأكمله. محاولات الأمم المتحدة المتكررة للتفاوض تعثّرت، واليوم أصبحت اليمن موطناً لأسوأ أزمة إنسانية في العالم. استفاد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية (AQAP) من هذه الفوضى. بدأت الضربات الجوية السعودية والإماراتية مؤخراً بضرب قواعد التنظيم، وحاولت القوى المتداخلة إقامة تحالف من القوات العسكرية والقبلية اليمنية، ونجحوا بالفعل في إقصاء التنظيم من عدن والعديد من المناطق المهمة الأخرى، بما في ذلك ميناء المكلا. ومع ذلك، استمرت القاعدة في شبه الجزيرة العربية، تعمل مع القبائل، وتستفيد من غضب السكان المحليين من الأجانب والسلطة المركزية. تفتقد المملكة العربية السعودية والإمارات وحلفائهما للقوة اللازمة لاحتلال أجزاء ضخمة من اليمن، للتأكد من أن تنظيم القاعدة لا يتمتع بملاذ آمن أو بالقدرة على العودة إلى المناطق التي تم تطهيرها. تظهر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة كلاهما بمظهر غير الكفؤ عديم الشفقة، وهو مزيج قاتل. إن إنهاء تدخلهما العسكري في اليمن ستجعلهما، واليمن معهما، أفضل حالاً بكثير.
الموضوع مترجم عن موقع LAWFARE.