ما الذي أراده "أنصار الله" و"المؤتمر" من ائتلافهما؟
2017-03-20 21:42:58
كتب جمال عامر
المخاوف من تصدع الجبهة الداخلية المؤتلفة من "المؤتمر الشعبي العام" و"أنصار الله" صارت حقيقة لا يمكن القفز عليها أو التغاضي عنها أو حتى مداراتها بتصريحات تطمينية من هذا الطرف أو ذاك، كون الخطر هنا يتجاوز المؤتلفين ككيانين تنظيميين إلى ما تبقى من المحافظات التي يتقاسمان السيطرة عليها. لقد كانت الإيجابية الوحيدة لهذا الاصطفاف التكتيكي الذي لم يصل إلى مرحلة التحالف يوماً أنه حد من الفرز المذهبي الذي كان يمكن أن يطبع به الصراع الجاري في اليمن. إلا أن القضية لن تتوقف عند هذا الحد، باعتبار أن للحكم قانونه غير القابل لأن تكون داخله سلطتان متوازيتان، حتى وإن جمعهما ذات الهدف وذات العدو المشترك الواحد. فمنذ البدء، استفاد رئيس "المؤتمر"، علي عبد الله صالح، من انعدام الخبرة السياسية لـ"أنصار الله"، واستغل هياجهم ليكونوا اليد الطولى غير العاقلة التي يمكنه بها ضرب خصومه وتصفية حساباته عبرهم، دون أن يتحمل تبعات طيشهم وتحمسهم الثوري. وعبر رجاله الذين انتقلوا إلى صفوفهم أو من أولئك الذي دفع بهم كسند وعون للمساعدة في هذا المجال أو ذاك، تمكن من تصفية الجزء الأكبر من حساباته مع خصومه، والانتقام منهم، دون أن يكون في الواجهة، بل وأكثر من ذلك، منحته صور التقطها "أنصار الله" لأنفسهم كتوثيق ساذج لانتصارات غير أخلاقية داخل غرف نوم البعض صك براءة دون ثمن يذكر، حتى أوصلهم إلى مرحلة لم يروا فيها بداً من مد أيديهم له رغم ما فيه من وجع. إلا أنه، ومع ذلك، لا يمكن الحديث عن تحالف أو حتى شراكة بين "المؤتمر" والحوثيين، لسبب بديهي؛ يتمثل في أن الحكم وبالذات في اليمن مثل المركب الذي لا يحتمل غير ربان واحد، يمتلك السلطة المطلقة للتحكم بقيادته، وقد سبقت تجارب فاشلة منذ ما بعد الثورة وعقب تحقيق الوحدة، تمثلت بائتلاف ثنائي أولا بسلطة الرئيس والنائب، ثم بثلاثي تمثل بمجلس رئاسة انتهى بحرب أعادت صيغة القائد الأوحد. وتجربة المجلس السياسي وحكومة الإئتلاف التي توصل إليها "المؤتمر" و"أنصار الله" بعد مخاض عسير، والتي جاءت كضرورة وأمر واقع فرضه تعامل السعودية والإمارات مع الحزبين بجعلهما عدوين دون تفريق، لا يمكن أن تكون أحسن حالاً من سابقتها، إن لم تكن أكثر تعقيداً؛ إذ إن موجبات هذا الاتفاق قامت على رمال رخوة، لا تمتلك أي بعد وطني، بقدر ما هي ترحيل للصراع إلى ما بعد مواجهة العدو المتحفز للنيل من كليهما، بل إن أسوأ ما في هذا التقاسم أنه تم بناء على ذهنية تربص كل بالآخر والتوسع على حسابه. فصالح أراد أن يعود أولاً إلى السلطة مستفيداً من قاعدته المؤهلة في مختلف مؤسسات الدولة، بعد أن ضاقت ذرعاً بإدارتها من مشرفين قدموا من خارج الإطار المؤسسي، وأيضاً بعدما مورس ضد المحسوبين عليه من إقصاء طال معظم المناصب في مرافق الدولة المختلفة، بينما أراد الحوثي مغادرة اتهامه بالانقلاب والاستحواذ على الدولة، والاستفادة من كوادر "المؤتمر" باعتبارهم مشاركين لا شركاء كتمهيد لاستقطاب شامل لهؤلاء، بعد أن أدركت قيادة "أنصار الله" قدرة صالح عبر "المؤتمر" على تعطيل معظم مؤسسات الدولة، باعتباره المسيطر الفعلي على المجالس المحلية ومعظم الكادر الوظيفي في العاصمة والمحافظات. إلا أن محاولات مثل هذه فشلت بسبب الأسلوب المنفر والبدائي الذي اتخذته الجماعة ضد المستهدفين من قيادات المؤسسات والوزرات، والذين يتم قسرهم على المشاركة في ندوات تتخذ طابع الإملاء والتلقين بما جاء في ملازم حسين الحوثي، واجترار مآسي الحروب الست في صعدة، في دورة تتم بحجرات أشبه بسجون جماعية تشجع على التمرد أكثر من الاستجابة، لأنها لا تراعي الخلفيات الثقافية أو حتى الفكرية التي جاء منها هؤلاء، وهو ما جعل اللجنة الثورية تعود بقوة عبر مشرفيها إلى المؤسسات حتى لا تفقد سيطرتها. يتعقد المشهد في صنعاء أكثر فأكثر، وهو نتيجة طبيعية لحجم المصالح التي تكونت عقب اجتياحها بمقابل انعدام كلي لمشروع وطني يمكن أن يكون جامعاً لليمنيين. كما أن افتقاد النخب التي تحكم للحساسية تجاه معاناة الناس وظروفهم المعيشية الصعبة قد ضخم من حجم المأساة، وبلغ الإستخفاف بهؤلاء إلى حد أصبح معه الصراع على المناصب مكشوفاً وفاضحاً؛ إذ إنه وفي الوقت الذي لم يتسلم فيه الموظفون مرتباتهم منذ خمسة أشهر، يتم إصدار قرارات بتعيينات وبترقيات جديدة في السلكين العسكري والمدني في سباق محموم لتسوية الأرض لصراع محتمل، إن لم يكن مؤكداً. لقد مثل الإئتلاف بشقيه، المجلس السياسي والحكومي، صدمة غير متوقعة لجموع الشعب الذي انتظر أن يكون تشكيله بمثابة استعادة للدولة، التي من خلالها ستتم إدارة الأزمة بشقيها الإقتصادي والسياسي ومواجهة العدوان، فإذ به يدير فقط عجلة صراع داخلي، ويشرعن لفساد مفضوح، ويتاجر بجوع الناس، ويستخدمهم للكسب السياسي، لا فرق بينه وبين السلطة الإنتهازية المدعومة من الرياض.