علاقة إنشاء المجلس العسكري بالتوتر الحاصل بين صالح والحوثيين
14/01/2015 1554:02
المحرر السياسي
ظل الرئيس السابق - رئيس المؤتمر الشعبي - طوال الفترة الماضية يقاوم ضغوطات غير مسبوقة من حلفائه في المملكة السعودية لدفعه لتحديد موقف واضح معادٍ للحوثيين، والدخول في تحالف مع الإصلاح والمشترك تحت رعاية الرئيس بغية استئصالهم تحت لافتة الاصطفاف الوطني.. واشتدت وتيرة مثل هذه الضغوطات مع حرب عمران لتصبح، مع اقتراب دخول مسلحيهم العاصمة، بمثابة طلب تحديد موقف واضح لا يحتمل معه الحياد المعلن من قِبل المؤتمر، أو تحمّل النتائج المترتبة على قراره بالاستمرار في خياره المحايد، وهو ما حصل حين دفع صالح الثمن بأكثر مما توقع تصعيدًا إعلاميًّا تجاوز انتقاد المواقف إلى التشهير الشخصي وإبداء الندم على يد سعودية امتدت له بالخير في زمن سابق، وبالذات بعد أن رفض الرد على مكالمات لرئيس الاستخبارات العسكرية السعودية. قناعة قيادة المملكة كانت، ولا زالت، من أنّ أنصار الله لم يكن ليحققوا انتصاراتهم المشهودة في حال وقف صالح بعلاقاته وتحالفاته وبحزبه المؤتمر ضد توسعهم.. وقناعة مثل هذه ساعد في ترسيخها الرئيس هادي وقيادات في المشترك، وبالذات الإصلاح.. وهو تصور يمكن تفهّمه؛ نظرًا لعلاقة الرئيس السابق بمشايخ القبائل، وكذا احترام كثير من القيادات العسكرية لشخصه بعد أن عجز خلفه عن خلق مثل هذه العلاقة، وبالذات بعد تفكيك الجيش بدعوى الهيكلة.. إلا أنه مع ذلك كله لا يمكن إثبات أو تأكيد وجود تنسيق ومشاركة ميدانية لحلفاء صالح للسيطرة على صنعاء وقبلها عمران، مع أن ما يمكِن تأكيده يتمثل في أن صالح حث حلفاءه من القبائل على عدم التدخل والوقوف على الحياد، وبالذات في عمران؛ كون المواجهات هناك كانت أشبه ما تكون بين الإصلاح وحلفائه، اللواء علي محسن وأولاد الشيخ الأحمر، وبين الحوثيين، وبالذات بعد أن ظهرت الدولة ممثلةً بوزارة الدفاع على الحياد، حيث اقتصر دورها على إرسال لجان وساطة، وعقب السيطرة على المحافظة اتهم الإصلاح وموالون له هادي ووزير دفاعه بالخيانة.. وما يمكن عدّه يقينًا أن دخول صالح طرفًا في الحرب لم يكن ليهزم الحوثيين، ولكن تدخلاً مثل هذا كان كفيلاً بعرقلة الدخول وتطويل أمد الحرب مع ما يعنيه من زيادة كلفتها ماديًّا وبشريًّا.. وهو ما كان يرمي إليه هادي لإضعاف كل الأطراف، وأسقطه سلفه صالح. وفي ما له علاقة بالسيطرة السهلة على العاصمة فإنه لا يمكن إغفال مقدمات أوصلت إلى هذه الهزيمة المدوية للدولة، ويتحملها هادي ووزير دفاعه حين تعاملوا مع ألوية الحرس الجمهوري باعتبارها مجرد جيش عائلي، انتمائه فقط لصالح ونجله، وهو اجترار لما كرسه الإصلاح وحلفاؤه أثناء أزمة 2011، وكانت من نتائجه أن تم تسريح عدد كبير من المنتمين إليه، وعدد من هؤلاء قاتل في صفوف الحوثيين انتقامًا لكرامتهم، ولما لحِق بهم من ازدراء لا يستحقونه. أيضًا تعامُل الرئيس مع قيادات الجيش بتعالٍ وعدم احترام فرضه الشك القائم بولائها له، وهو ما جعله يتعامل بردود أفعال ناتجة عن أحكام مسبقة، حيث ظل يواجه أي اقتراحات تُقدم من كبار القيادات، وبالذات تلك التي تختلف مع قراراته غير المنطقية بمطالبتهم بتقديم استقالاتهم في حال لم تعجبهم، ولا يمكن القفز هنا على أن هادي لم يشكّل طول الحرب، منذ بدأت بكتاف وحتى السيطرة على صنعاء، غرفة عمليات كما هو مفترض مثلما لم يتواصل مع أيّ من قيادات الألوية ليوجههم بما يتوجب عليهم فعله، وهو ما أوجد شعورًا بتواطؤ القائد الأعلى في ما يجري، كما لا يمكن إغفال ضعف شخصية هادي وعقدة النقص التي حاول تجاوزها من خلال فرض قراراته التي لا يشاور فيها أحدًا، اتكاءً على دعم المجتمع الدولي والبند السابع من قانون العقوبات، ثم أنه وبالإضافة إلى تداخلات وتعقيدات كثيرة كان ضرب جامعة الإيمان وكسر نفوذ علي محسن الأحمر في الفرقة الأولى مدرع، المنحلة بقرار لم يُنفذ على الواقع، يُعد مكسبًا لهادي؛ للتفرد بالقرار، وبالذات وأنّ ضرب خصمه الأساس، الذي ينازعه قيادة المؤتمر، كان ضمن المتفق عليه، وربما لظرف أوجبه عدم ضرب كل الخصوم بسهم واحد، عرقل التنفيذ، وكان ذلك بمثابة الصدمة التي افقدته توازنه، وبالذات بعد أن تبخرت آمال هادي بتدخل المجتمع الدولي بإرغام الحوثيين على مغادرة العاصمة عقب قرارهم بالبقاء فيها، ما يؤكد أن الرجل لم يتعلم مما حدث في عمران، ربما باعتبار أن تعامله وتكتيكاته كانت فقط مع انتهازيين لا مع أصحاب مشاريع، وكانت النتيجة غير المتوقعة التي جعلت كل سلطته في يد غيره. ولكن ومع ما بدا يرشَّح من تغيّر، وإنْ على مستوى التصعيد في الخطاب الإعلامي إزاء صالح ونظامه السابق.. هل يمكن عده بدء مرحلة جديدة لتصفية حسابات كانت في قائمة الانتظار، أم مجرد سد للأفواه التي بدأت تتساءل عن سر استثناء صالح ومن معه ليس من المحاسبة فقط، وإنما - أيضًا - من توجيه تهم الفساد إليهم. أتذكر تخريجة ذكية للناطق الرسمي حول هذه المسألة، قال فيها: إن صالح لم يقم بما يوجب مواجهته بعد 2011 باعتبار أنه لم يعد في الحكم، وما قبل هذا التأريخ فإنها مرحلة لها علاقة بمخرجات الحوار، وما تم التوافق عليه بين مختلف المكونات السياسية.. ولهذا فإن مسألة اتخاذ قرار بخوض مواجهات مع صالح، وبالذات في حال لم يُبنْ عنه ما يمكن أن يمثّل لأنصار الله تهديدًا ضد وجودهم أمر خارج المنطق والمصلحة؛ باعتبار ما يمثّله صالح من تواجد وتأثير على المستوى القبلي ورمزية لكثير من أبناء الشعب.. وفي هذا الإطار ربما خلَق إشهار "الهيئة الوطنية للحفاظ على القوات المسلحة والأمن" شكوكًا عن الغاية من إنشائها باعتبارها نواة لمجلس عسكري سيكون موجهًا ضدهم أكثر منه إلى هادي الذي لم يعد يملك ثقلاً في القوات المسلحة، كما أن توقيت الإشهار جاء في لحظة ملتبسة في ظل الوضع المتأزم في اليمن الذي صار فيه الاستقطاب الإقليمي علنيًّا وواضحًا، وهو ما لا يمكن أن يكون رسالة طمأنة لا للرئيس ولا للحوثيين، حتى مع مراعاة المتبنين لهذه الهيئة أن لا يكون على رأسها عسكري من سنحان، مع أن المؤسسين من عسكريين وأمنيين وصلوا إلى ما يزيد عن الثلاثين لواء وعميدًا، ومئات من كبار الضباط العسكريين والأمنيين، العدد الأكبر منهم ممن تم إقالتهم خلال السنوات الثلاث الأخيرة، والقليل الباقي ممن لا زالوا في الخدمة. قد تكون حساسية المرحلة وخطورة التوقيت هي من أعطت هذا الإشهار أبعادًا مؤامراتية، بالذات من قِبل السلطة العسكرية الحاكمة، التي سرعان ما نفى الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة سعيد الفقيه أن تكون هناك أية صلة أو علم لوزير الدفاع أو لقيادة وزارة الدفاع والقوات المسلحة بهيئة كهذه.. مذكّرًا المنظمين بأهمية الانضباط والربط العسكري ونظام التسلسل القيادي في إيصال المقترحات والمطالب إلى المستوى القيادي الأعلى.. معتبرًا أن القضايا والمسائل المتعلقة باستعادة هيبة القوات المسلحة ومحاربة كافة مظاهر الاختلالات المالية والإدارية والتنظيمية قد اشتملت عليها مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل واتفاق السلم والشراكة الوطنية، وتم استيعابها في برنامج الحكومة المقدم إلى مجلس النواب. ولذا كان لا بد لزعيم أنصار الله من التوقف للتفكير في الضرورة التي أدت إلى إشهار هيئة عسكرية هي أشبه إلى حد كبير بمجلس عسكري أعلن حضوره في وقت تتراجع فيه الكيانات السياسية والحزبية المدنية بعد تأكد عدم فعاليتها أمام منطق القوة التي امتلكها من خلال تواجده العسكري على الأرض.. وهنا كان لا بد أن تُثار تساؤلات عن أبعاد إنشاء هيئة كهذه تؤكد من أن علي عبدالله صالح ليس بعيدًا عنها، وبالذات في ظل الواقع المهين الذي وصلت إليه القوات المسلحة بشقيها الأمني والعسكري كمؤسسة وألوية، بما فيها من أفراد فقدوا ذلك الاحترام والقيمة الذي يوفره لهم الانتماء لهذه المؤسسة بما فيه من رمزية الاضطلاع بشرف واجب الدفاع عن الوطن وحمايته، وهو ما تبخر خلال ثلاث سنوات فقط ما يعني أن قوة موازية تستعد لإعلان وجودها تحت شعار الانتصار للجيش واستعادة الدولة. ومن البديهي أن التفكير بإنشاء هذه الهيئة لم يكن بعيدًا عن واقع كهذا وجب استغلاله والبناء عليه، وهو تصور لا بد له من خطة توصل إلى الهدف المراد تحقيقه بعد أن وجدت الأرضية الصالحة للبناء عليها، وفي هذه الحيثية لا بد أن الحوثيين توقفوا كثيرًا للوصول إلى إجابة واضحة ودقيقة عن ماهية هذا الهدف وأبعاده، ومن يمكن أن يقف خلفه إقليميًّا بعد أن فقد هادي ذلك التأييد الإقليمي والدولي عقب فشله في المحافظة على البلد التي تسلّمها عليلة فأوصلها إلى الموت السريري ليصبح الرضا بالبديل الجاهز ضرورة لمواجهة خصم قائم. ولعل الوصول إلى إجابة شافية ومطمئنة حول المغزى من تشكيل مثل هذه الهيئة سيكون بمثابة تحديد لمستقبل علاقة المؤتمر وصالح بأنصار الله، وإلى أيّة وجهة ستولّي قِبلتها.