تقرير / رشيد الحداد
رغم التهديد الخطير الذي أصدرته تنظيم القاعدة ضد الشركات الأجنبية العاملة في القطاع النفطي في اليمن، إلا أن حكومة خالد بحاح تجاهلت التهديد رغم إدراكها مخاطره على بيئة الأعمال وعلى الاقتصاد الوطني برمته، وعقب ما يعده مراقبون أخطر بيان للقاعدة، والتي أعلنت من خلاله الحرب على القطاع النفطي، أكد رئيس الوزراء خالد بحاح حرص الحكومة على تهيئة كافة العوامل المحفزة والمشجعة للشركات النفطية للاستثمار في اليمن خلال الفترة المقبلة، وفي المقدمة ما يتعلق بالجانب الأمني.. ودعا الشركات إلى العمل الدؤوب من أجل استكمال برامجها وخططها المرسومة في مناطق امتيازها.
ولم تتخذ الجهات الأمنية أي إجراءات أمنية في المناطق النفطية ردًّا على تهديد القاعدة، وهو ما يتيح أكثر من خيار أمام عناصر القاعدة لاستهداف القطاعات النفطية، والتي بدأتها الأسبوع الماضي باستهداف شركة الغاز الطبيعي المسال في بلحاف شبوة بصاروخين، وهو ما دفع الشركة إلى إجلاء موظفيها، وأكدت شركة (بلحاف) سقوط عبوتين ناسفتين تم إطلاقهما بواسطة صاروخين، سقط أحدهما في مياه البحر، والآخر على اليابسة، دون أن يسفر القصف عن أي أضرار في الأرواح أو في الممتلكات، وقالت الشركة - في بلاغ صحفي - إن الأعمال التشغيلية بالمحطة مستمرة بشكل طبيعي.. لافتة إلى أنه "تم تعزيز الإجراءات الأمنية لضمان مراقبة حثيثة للمحطة والمنطقة المحيطة به".
توقف نكسن
وفي ظل توقف 34 شركة دولية عن العمل في اليمن، خلال الفترة الماضية؛ نتيجة التدهور الأمني في البلاد أعلنت شركة "نكسين" أنشطتها في إنتاج وتكرير النفط في المشغل للقطاع النفطي 51 بمحافظة حضرموت، والذي تنتج منه الشركة نحو 1500 برميل يوميًّا على خلفية تلقيها تهديد أمني.. وأشارت المصادر إلى أن الشركة بدأت بإجلاء عمالها وأخلت موقع العمليات في القطاع والمكتب الرئيس بالعاصمة صنعاء.
وذكرت المتحدثة باسم نكسين: أن الشركة تراقب الوضع، وستستأنف أنشطتها حين يكون الوضع آمنًا لعودة العاملين.. وأكد مسؤول أمني يمني: أن الشركة أبلغت السلطات بأنها ستوقف أنشطتها بعد تلقيها تهديدات من مقاتلي القاعدة.. وقال المسؤول - الذي طلب عدم نشر اسمه - إن شركات أجنبية أخرى لم تنسحب من اليمن، حيث يحمي الجيش المنشآت النفطية وغيرها من المنشآت الاستراتيجية.
القاعدة تعُلن الحرب الاقتصادية على السنوات الماضية لم تُعلن القاعدة في اليمن وقوفها وراء أي أعمال أو عمليات تستهدف المنشآت النفطية أو أبراج الكهرباء، بل نفت وقوفها وراء أعمال مشابهة، لكنها استهدفت مواقع عسكرية تابعة لحماية شركات نفطية في شبوة ومأرب وحضرموت، وكانت الأهداف من تلك العمليات استهداف الجيش والأمن في ظل حربها على المؤسستين العسكرية والأمنية، وعلى الرغم من اتهام السلطات للقاعدة بمحاولة استهداف ميناء الضبة النفطي في حضرموت العام الماضي، إلا أن القاعدة لم تعلّق على ذلك الاتهام.
وكما يبدو أن تلك الاتهامات كانت جزافية في حينه، ولم تبدِ القاعدة أية نوايا لاستهداف القطاعات النفطية رغم تواجدها في المحافظات النفطية شبوة ومأرب وحضرموت، إلا أنها - مؤخراً - أعلنت الحرب على القطاعات الاقتصادية النفطية بصورة علنية، وهي سابقة خطيرة تتهدد الاقتصاد اليمني برمته؛ سيما وأن عائدات النفط تُمثّل أحد أبرز المصادر الرئيسة للموازنة العامة للدولة.
والملاحظ من خلال بيان القاعدة ضد الشركات الأجنبية العاملة في اليمن أنها لم تستثنِ أية شركة على الرغم من تركيز بيانها على شركة (توتال) الفرنسية، التي تعمل في مجال استخراج الغاز في اليمن، أصبحت "هدفاً مشروعاً لعملياته".. إلا أنها قالت إنها أشارت إلى أن الشركات الأخرى ستكون مشاريع لعملياتها، مبررة بأن العمليات ستأتي ردًا على تهجير المسلمين من المناطق المحيطة من المواقع التابعة لها.
وأكدت القاعدة وقوفها وراء الهجوم الصاروخي - الخميس الماضي - الذي استهدف ميناء بلحاف الاقتصادي بصاروخي كاتيوشا، وأن العملية كانت انتقامًا لدماء عناصرها، التي قالت: إن دماءهم تسفك من قِبل الطائرات بدون طيار، وفي ما يُعد اتهامًا خطيرًا اتهمت القاعدة شركة الغاز الطبيعي المسال بانطلاق الطائرات الأمريكية بدون طيار من الميناء الاقتصادي، وبررت مهاجمتها بإيقاف نزيف ثروات المسلمين التي تنهبها الشركة.. وأضافت: أن الهجوم يأتي في إطار جهاد الأمة الإسلامية ضد الصليبيين ومصالحهم على امتداد العالم، وحذّر التنظيم العاملين في شركة بلحاف من التواجد فيها، وتوعد بالمزيد من العمليات.. وقال: إن هذه المنشأة الفرنسية، بالإشارة إلى شركة الغاز الطبيعي المسال، هدف مشروع لعمليات المجاهدين - حد قوله.
تراجع إنتاج النفط
ومع إعلان القاعدة الحرب على الشركات النفطية أظهر تقرير حكومي حديث تراجُع عائدات اليمن من صادرات النفط الخام 35.5 بالمئة في الأشهر العشرة الأولى من العام لتصل إلى 1.454 مليار دولار من 2.254 مليار في نفس الفترة من العام 2013.
وعزا التقرير - الصادر عن البنك المركزي اليمني - استمرار انخفاض العائدات إلى تراجع حصة الحكومة من إجمالي إنتاج النفط في الفترة من يناير إلى أكتوبر 2014 إلى 13.820 مليون برميل من 20.72 مليون برميل في نفس الفترة من العام الماضي.
وأشار التقرير إلى أن استمرار انخفاض إنتاج اليمن من النفط - والذي كان له تأثير سلبي على حصة الحكومة من الصادرات - أجبر الحكومة على استيراد 1.6 مليون برميل من المشتقات النفطية في أكتوبر تشرين الأول بقيمة 140.6 مليون دولار لتغطية الاستهلاك المحلي من الوقود.. وأضاف: أن إجمالي قيمة واردات اليمن من الوقود خلال الفترة من يناير كانون الثاني إلى أكتوبر تشرين الأول بلغ نحو 1.771 مليار دولار.
وقال التقرير: إن كمية الإنتاج المخصصة للاستهلاك المحلي واصلت انخفاضها بفعل تكرار الأعمال التخريبية التي تعرض لها أنبوب النفط الرئيس، الواصل بين حقول الإنتاج في مأرب ومصفاة التكرير في محافظة الحديدة - غرب البلاد.
الفقر والبطالة
أكدت حكومة الكفاءات في برنامجها العام عددًا من التحديات الاقتصادية الكبيرة، وأظهرت الحكومة في المؤشرات الرقمية، التي تضمنها برنامجها، اتساع نطاق الفقر بمفهومه العام إلى (54%) من إجمالي السكان، وتفاقم مشكلة البطالة، حيث ارتفعت نسبتها بين الشباب للفئة العمرية (15 - 24) سنة إلى (33.7%) من إجمالي السكان.
ركود اقتصادي
وكشفت الحكومة عن انخفاض كبير في مستوى النشاط الاقتصادي واقتراب الاقتصاد من هوة الركود الاقتصادي، مبينة في هذا الشأن أن انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي عام 2011م بما نسبته (15.1%)، وما تلاه من انخفاض معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الثلاث سنوات (2012 - 2014م) في المتوسط إلى (2.82%) في ظل معدل نمو مرتفع للسكان بلغ (3%)، أدى إلى انخفاض قيمة الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للعام 2014م عن مستواه عام 2010م، بما نسبته (9.1%).
وأكدت الحكومة تفاقم مشكلة اختلالات المالية العامة، حيث بلغت نسبة العجز النقدي الصافي إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات (2011 - 2014م) نحو (5%)، و(4.7%)، و(8%)، و(6%) على التوالي، وقالت: "هذا إلى جانب تفاقم الاختلالات الهيكلية في الموازنة، حيث تراجع حجم النفقات الاستثمارية إلى إجمالي النفقات العامة إلى ما نسبته (8%)، و(11%)، و(8%) على التوالي للسنوات (2011 - 2013م)، وذلك لصالح النفقات الجارية، وبالأخص نفقات الأجور والمرتبات والتي استحوذت على ما نسبته في المتوسط خلال الثلاث السنوات الأخيرة (31%)، وأوجه الدعم للمشتقات النفطية، والتي استأثرت بما نسبته في المتوسط خلال نفس الفترة (23%)".
كارثة الدين العام
ارتفعت المديونية العامة الخارجية والداخلية إلى ما يقارب 22,5 مليار دولار ديون، متجاوزة الحد الآمن، كما ارتفعت مدفوعات فوائد الدين العام الداخلي إجمالي النفقات من (10.4%) عام 2011م إلى (16.5%) عام 2013، ويتوقع تجاوزها (21%) عام 2014م؛ وذلك بسبب ارتفاع حجم الدين العام بما نسبته (111%) من إجمالي الإيرادات الذاتية عام 2011م إلى بما نسبته (141%) من إجمالي الإيرادات الذاتية عام 2013م، ويتوقع تجاوز النسبة (150%) عام 2014م.
واستنفذت وزارة المالية خلال الفترة الماضية كافة الوسائل للحصول على قروض وسلفيات من البنوك التجارية والإسلامية منذ مطلع يناير الماضي، وفي الوقت الذي اعتمدت المالية - خلال السنوات الماضية - على إصدار أذون خزانه للأجل القصير المحدد بثلاثة أشهر، والأجل المتوسط المحدد بستة أشهر، والأجل الطويل المحدد بسنَة، للحصول على تمويلات وتغطية العجز في الموازنة العامة للدولة، وكانت تعتمد على فتح أحد الآجال أو أجلين في الغالب خلال السنوات الماضية، سعت العام الجاري إلى استخدام كافة الآجال المحددة في أذون الخزانة التي تعد آلية لجذب التمويلات المالية للبنك المركزي مقابل أرباح تتراوح ما بين 18% - 15%.
قلق حكومي من انخفاض الاحتياطي النقدي
سُحب مليار ونصف المليار دولار من الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة لليمن منذ العام 2012م.. وذكرت أن الاحتياطي النقدي لليمن تراجع حتى وصل 3 مليارات و900 مليون دولار نهاية سبتمبر الماضي، وعبرت الحكومة عن مخاوفها من التراجع الكبير من تراجع الاحتياطي النقدي، كما عبرت عن قلقها من التراجع الكبير في أسعار النفط الخام في السوق وانخفاض الإنتاج في ظل عدم قدرة الأنشطة الاقتصادية الموجهة نحو التصدير على تعويض النقص في عائدات الصادرات النفطية وتزايد حجم اعتماد الاقتصاد الوطني على توفير احتياجاته من المشتقات النفطية خاصة والسلع الأساسية عامة، يشكل خطورة ليس على عائدات الخزينة العامة من الموارد العامة فحسب، بل وعلى عائدات الاقتصاد الوطني من النقد الأجنبي أيضاً، مما يترتب عليه استنـزاف احتياطيات الجهاز المصرفي، وبالأخص البنك المركزي من العملات الأجنبية والانعكاسات الخطيرة لذلك على فاتورة الاستيراد الضرورية وعلى أسعار الصرف، وبالتالي معدلات التضخم، وصولاً إلى انعدام الاستقرار الاقتصادي.
الكهرباء والوظائف الوهمية
تُعد فاتورة شراء الطاقة الكهربائية، وعدم البت في الوظائف الوهمية، من أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد اليمني برمته؛ فأكثر من ملياري دولار تذهب كتمويل لمحطات الطاقة المشتراة، ناهيك عن أجور تلك المحطات التي بلغت أواخر العام 2013م، وفق مصادر مؤكدة، "600" ميجاوات، وحتى الآن يستحوذ الدعم على المشتقات المخصصة لإنتاج الطاقة الكهربائية، والذي ما زال قائمًا يستحوذ ما نسبته (34%) في المتوسط من إجمالي دعم المشتقات النفطية، أي ما نسبته (7.8%) من إجمالي النفقات العامة، وهو ما يقارب نسبة الإنفاق الاستثماري، وركزت الحكومة على تشغيل محطة مأرب 2، التي تُعد شبه جاهزة، ولم تقدم أي بدائل في سبيل التخلص من الطاقة المشتراة التي تكبّد الخزينة العامة مبالغ فادحة، بل وتهدد الاستقرار الاقتصادي للبلد.
وفي ذات الاتجاه ظل فشل الحكومة السابقة في الحد من الوظائف الوهمية ورفع فاتورة الأجور والمرتبات من 900 مليار ريال إلى تريليون و300 مليار لا يزال دور الحكومة الحالية يكتنفه الغموض من قيامها بوقف نزيف الاقتصاد اليمني وترشيد الإدارة العامة وإنهاء الوظائف الوهمية من خلال تطبيق نظام البصمة والصورة، إلا أن هناك تحديات تواجه تطبيق النظام، ومنها أن النظام الحالي الذي تبنته شركة ألمانية صغير، ولا يستوعب إجمالي الموظفين، بل إن قدرته الاستيعابية لا تتجاوز الـ 500 ألف موظف، وبأمسّ الحاجة للتحديث والتوسيع، ووفق مصادر مؤكدة فإن الوزارة بجاجة إلى عودة الشركة مرة أخرى وتحديث النظام، بالإضافة إلى شراء سيرفرات كبيرة تستوعب أكثر من مليون ونصف موظف حتى يتم التخلص من الأسماء الوهمية، البالغة أكثر من 200 ألف وظيفة، وفق التقديرات الأولية.
تحذيرات
حذر البروفيسور أيوب الحمادي من أن اليمن مقْدِمة على أيام صعبة، مرجعًا ذلك لعجز في ميزانية الدولة، وقال الحمادي، في منشور على صفحته في الفيس بوك، أن العجز يصل إلى 14% من حجم الناتج المحلي، أي ما يقارب 5 مليار دولار.
وأكد أن القواعد الاقتصادية والموارد للدولة معرضة للانهيار، وأوضح أن المبالغ المعتمدة في الميزانية للعام 2014م لرئاسة الجمهورية ولمجلس النواب وللدفاع والداخلية ولجهازي الأمن السياسي والقومي كثيرة بالنظر إلى العمل الذي يقومون أو قاموا به في خلق بيئة طبيعية جاذبة للاستثمارات، وإلى الظرف الاقتصادي الحرج الذي تمر به اليمن.
واعتبر أن طلب رفع مرتبات الجيش والأمن 100%، وأن يكون مرتب الجندي لا يقل عن ستين ألف ريال ممن مضى على خدمتهم عشر سنوات، وتزيد بزيادة مدة الخدمة، طلبًا غير واقعي؛ مرجعًا ذلك إلى أن بند المرتبات والأجور بلغت 977 مليار ريال، أي نفس عجز الميزانية 5 مليارات دولار للعام 2014م.
وأشار الحمادي إلى أن موازنة صندوق التقاعد العسكري ارتفعت أكثر من 21 مليارًا في الثلاث سنوات الأخيرة لتصل إلى 73 مليارًا في موازنة 2014، وارتفعت بنفس الوتيرة لتصل الى 54 مليار ريال تقريبًا.
ولفت إلى أن مرتبات موظفي جهاز الدولة المدني والعسكري تستحوذان على نصيب الأسد في انهيار الدولة، لا سيما على العمل الذي يقومون به.. وأكد أن رفع المرتبات في قطاعات الدولة في الوقت الحالي نكتة لا يضحك لسماعها أحد.