حاوره/ عبدالله عبدالحميد فرحان:
لقراءة أعمق عن اهمية الموانئ كان لقاؤنا بأحد الوجوه اليمنية المشرقة في الخارج، الأستاذ السفير عبدالعزيز عثمان المخلافي، وهو الدبلوماسي والاقتصادي والأمين العام لغرفة التجارة العربية الألمانية، ومقرها برلين.. محدثا إيانا بحس السياسي وتطلعات الاقتصادي.. وهم المواطن.
- لنبدأ أولًا مما تمثله الموانئ للاقتصاد؟
تمثل الكثير.. قطاع اللوجيستية والموانئ البحرية بشكل خاص يعد من أهم القطاعات الاقتصادية التي تساهم بشكل فاعل في دعم ونمو أي اقتصاد وطني. الموانئ هي الرئة التي تتنفس من خلالها أية دولة في علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع العالم الخارجي؛ لأنها تستقبل النسبة الأكبر من حركة الصادرات والواردات حول العالم. الموانئ لها تأثير مباشر على الأسواق المحلية، كما أن لها تأثيراتها الثقافية بين الحضارات عبر العصور. لعبت هذا الدور قديمًا وما زالت تقوم به بتفوّق رغم المنافسة التي نشأت عبر حركة النقل البري وحركة الطيران.
الموانئ كانت ولا تزال تشكّل كيانات متكاملة تدعم الاقتصاد القومي وتساعد على نموّه، ولا يمكن أن ينهض اقتصاد أي بلد دون توافر موانئ حديثة تخدم حركة التطور الاقتصادي في البلد وارتباطاته بالعالم الخارجي. إن نظرة سريعة لخارطة الموانئ الرئيسة في العالم تعد مؤشرًا واضحًا للدور الذي تلعبه هذه الموانئ في اقتصاديات البلدان التي تتواجد فيها أو في الاقتصاد العالمي، ولنأخذ على سبيل المثال الدور الذي لعبته بعض الموانئ الرئيسة في العالم مثل هامبورغ، روتردام، مارسيليا، شنغهاي، سنغافورة، ميامي، جدة، ودبي. - هناك من يفترض أن تطوير ميناء المخا سيكون له تأثيرات سلبية على ميناء عدن وميناء الحديدة.. ما تعليقكم؟
هذه الافتراضات تأتي من عقليات ليس لها والاقتصاد من علاقة.. مثل هذه العقليات أضاعت اليمن وطنًا وحضارة.. اليمن في مرحلة تغيير، والأهم من تغيير النظام السياسي الأخذ بمنطق العقل والاعتماد على الدراسات العلمية لبناء اليمن حاضرًا ومستقبلًا.
الإجابة ببساطة على هذا السؤال يمكن استنباطها عبر إجراء مقارنة مع دولة الإمارات العربية المتحدة التي تبلغ مساحتها الجغرافية 83.600 كليومتر مربع، أي ما يعادل 12 في المائة من مساحة اليمن، ويبلغ طول سواحلها 730 كيلومترًا، أي ما يقارب الربع من الشريط الساحلي لليمن. يوجد في دولة الإمارات بخلاف موانئ تصدير النفط 12 ميناء تجاريًا، هي: (الرويس، زايد، جبل علي، راشد، خور دبي، الحمرية، خالد، خورفكان، عجمان وأم القويين)، ويزيد عدد الأرصفة في هذه الموانئ عن 310 أرصفة، طولها مجتمعة نحو 45 كيلو متر.
وعلينا أن لا ننسى أنه بإهمال ميناء المخاء تنشأ موانئ منافسة تابعة لدول أخرى مطلة على ذات الخط الملاحي، بمعنى أن البلد تفقد العديد من الفرص والموارد، وهو ما يعرض موانئ الحديدة وعدن للمنافسة من تلك الموانئ الأجنبية.
وللقارئ أن يقارن بين دول تتقدم وأخرى تتخلف عن ركب الحضارة والبناء. الحكومات اليمنية المتعاقبة افتقدت الرؤية في كل شيء، وأضاعت على اليمن كل المزايا النسبية التي كان يمكن أن تلعبها الموانئ التجارية لدعم الاقتصاد الوطني.
- ما أهمية الموانئ - ومنها المخا - بالنسبة للأمن القومي لليمن، والتي تشرف على أحد أهم الممرات المائية وعلى خطوط الملاحة الدولية؟
الموانئ البحرية هي بوابة الدولة مع العالم الخارجي، بحكم أنها المواقع التي تبدأ منها وتنتهي إليها وسائل النقل في خدمة التجارة مع العالم الخارجي. بفضل الموانئ تنشأ مناطق نشاط اقتصادي لها تأثيرها المباشر وغير المباشر على الأمن القومي. ببساطة الأمن القومي عادة ما يعرّف بقدرة الدولة على رعاية قيمها الداخلية بتأمين مصادر قدرتها الاقتصادية والثقافية والعسكرية.
وإذا ما أخذنا البعد الاقتصادي للموانئ في ترسيخ الأمن القومي فإننا يمكن أن نذهب إلى بُعدين. الأول يتمثل في إنشاء مناطق اقتصادية تساعد على الاستقرار الاجتماعي، وبُعد أمني يساعد على سهولة التحكم ومراقبة الحدود البحرية. وبُعد آخر يتمثل في الروابط الاقتصادية والاجتماعية بين المدن اليمنية.
شخصيًا وفي إطار بحثي في أسباب فشل السياسات الاقتصادية اليمنية؛ وجدت أن اليمن لا تملك شركة للنقل البحري للسلع أو للأفراد تؤمن حركة التنقلات بين الموانئ اليمنية والموانئ في المنطقة. هذا شيء محزن!.. اليمن بلد زراعي ونعرف الاختناقات في عملية نقل المنتجات الزراعية إلى الخارج؛ لأن لا طريق آخر أمام المصدرين سوى المنافذ البرية. كيف لنا أن نفكر بالأسواق الخارجية ونحن لا نملك وسائل نقل لتسويق منتجاتنا. جغرافية اليمن مناسبة للاعتماد على النقل البحري للأفراد والسلع داخليًا وخارجيًا، وهذه الميزة لم يُستفد منها بعد.
- يقطن معظم سكّان اليمن الجبال وتوصف "بالبلد الجبلية" فيما السواحل مكشوفة.. تعليقاتكم؟
هذا صحيح فقد ارتبط اليمني على مر العصور العيش قريبًا من مصادر توافر وسائل ومقومات الحياة؛ لذلك تجده تفوق في بناء المدرجات الزراعية وحافظ على الرقعة الزراعية. مع الأسف تغير هذا الأمر في السنوات الأخيرة بشكل جذري. خذ على سبيل المثال مدينة صنعاء التي توسعت أفقيًا بحدود غير معقولة، ملتهمة أهم الوديان الزراعية ومصادر الحياة بينما الجبال القفراء شهدت عشوائيات لم تستطع معها الدولة توفير الخدمات الأساسية لسكانها. اليمن لديها من السواحل - كما أشرت سابقًا - ما يمكن أن يستوعب سكانًا بالملايين، ويخلق فرص عمل لأعداد هائلة من البشر. مع الأسف حتى الموانئ القائمة أُهملت وأصبح التجار اليمنيون يستوردون البضائع عبر موانئ أخرى في المنطقة. خذ على سبيل المثال ميناء صلالة الذي تأسس قبل 12 عامًا، وأصبح من أهم موانئ التفريغ والشحن في المنطقة وفي العالم. جغرافية اليمن لم يُستفد منها الكثير بسبب سوء وعجز الإدارة والصراعات السياسية التي قادت اليمن إلى ما نحن عليه.
- ما الفرص الاستثمارية والاقتصادية التي تفقدها اليمن بإهمال المخا؟
الفرص الاستثمارية والاقتصادية لم تفقدها اليمن بإهمال المخا فقط، وإنما في الكثير من القطاعات الاقتصادية، ومنها قطاع الموانئ والمناطق الحرة. كما نعرف جميعًا التعثرات التي صاحبت إنشاء المنطقة الحرة في عدن، والتي كان من أسبابها فقدان عدن واليمن بشكل عام للكثير من المزايا الاقتصادية التي كان يمكن لها أن تخلق فرص عمل لمئات الآلاف من أبناء عدن واليمنيين بشكل عام.
الأتراك اكتشفوا مبكرًا أهمية ميناء المخا لرسوّ السفن العابرة لباب المندب وكانوا يأخذون رسومًا على هذه السفن قبل العبور. هذا الأمر غير ممكن الآن لأن باب المندب مضيق طبيعي، لكن كان ممكن على جانبيه أن تنشأ موانئ خدمات تؤمّن مصادر دخل لعشرات الآلاف من البشر وتخلق مناطق جذب اقتصادي للحياة. هذا الأمر يمكن تداركه ونأمل أن تبادر السلطة المحلية في تعز إلى إدراك أهمية المخا وإعادة الحياة إليها فقد كانت بوابة للتجارة مع العالم في القرنين السابع عشر والثامن عشر عبر تجارة البن الذي اشتهر باسمها، ولا يزال اسمه مرتبطًا بأفضل أنواع القهوة العالمية.
السواحل اليمنية بإمكانها أن تستوعب العشرات من الموانئ وأن توفر فرص حياة كريمة للملايين من اليمنيين إذا توافرت الرؤية الصحيحة لبناء اليمن