هل تختلف عصابة السلطة عن عصابات المعارضة ؟!..إلى كل الأحرار اليمنيين داخل الساحات وخارجها
2011-10-12 17:35:36
كتب/عبد العزيز البغدادي
في البداية أرجو أن لا يتبادر إلى ذهن أي قارئ أن مضمون العنوان يعبر عن رغبة في كسب ود السلطة الهالكة لا محالة والتي أسقطت نفسها بكل تأكيد وأسقطتها تضحيات الشهداء والشرفاء من أبناء هذا الوطن داخل الأحزاب والفئات والانتماءات وخارجها.. أرجو أن لا يتبادر ذلك لأي ذهن لسببين أساسيين :
الأول : أن هذه السلطة بكل أسف لم تترك مجالاً لأي عنصر شريف أو يدعي الشرف اختيار الوقوف في صفها أو الانتماء إليها بكامل الإرادة والحرية لأنها حرصت في نهجها أن لا تقبل إلا من يخلع إرادته وحريته إن لم يخلع أكثر منهما عند بوابة دخول قفصها المحكم خاصة بعد أن أحالت المال العام والوظيفة العامة إلى أكثر من خاصة وأقول أكثر من خاصة لأن المال الخاص والوظيفة الخاصة تقتضيان وتحفزان مالكهما على الحرص على تنميتهما لذلك ينتقي من الكفاءات من يحقق ذلك الهدف أما من يحول المال العام إلى خاص فإنه يتعامل معه ومع الوظيفة العامة تعامل اللصوص الذين يبيعون ويشترون باستخفاف ! !؛
السبب الثاني : أني أزعم بأنه ليس من اللياقة أو اللباقة أن ينتمي إنسان أو يبحث عن الانتماء إلى سلطة هذه صفاتها .
إذاً فأنا معارض مجاهر بمعارضتي سواء قبل أن أحسب حزبياً أم بعد انتمائي للحزب الاشتراكي أم بعد أن تركت النشاط الحزبي إن كان هناك ثمة نشاط حزبي حقيقي في هذا الوطن العزيز !! وأعتقد أنه ليس الانتماء لحزب أو الخروج منه مجالاً للتباهي أو لإعلان البراءة لأن المفترض في الانتماء إلى حزب سياسي أن لا يكون عصبوياً بالمفهوم المتخلف للعصبية بل هو حق مدني وسياسي عظيم يتيح المجال لممارسة العمل السياسي بشكل أكثر إيجابية أو هذا هو المفترض خاصة إذا كانت القوة الأساسية في الحزب الذي تنتمي إليه يؤمن بتعددية المنابر والآراء داخل الحزب أو بمعنى آخر يؤمن بالتعددية في إطار الوحدة أي تعددية الآراء التي تصنع رأياً معبراً عن الحزب ورؤى المنتمين إليه وأزعم أنني وجدت الحزب الاشتراكي اليمني بما احتواه من مميزات وعيوب قياساً ببقية الأحزاب في البيئة الحزبية والسياسية اليمنية كان ضمن الأحزاب التي تحاول امتلاك القدرة على استيعاب مقتضيات جوهر التعدد كمبدأ هام من المبادئ التي تساعد على خلق الرؤى الناضجة في واقع العمل السياسي والحزبي الذي يدفع بالشأن العام في الاتجاه البناء ومدى إخفاقه أو نجاحه في هذا المنحى وهذا موضوع دراسة يفترض أن تكون متاحة لكل باحث مهتم سواء من داخل الحزب أو من خارجه ، وكان المرحوم المناضل جار الله عمر ضمن الأوائل الذين مارسوا حركة نقدية من داخل الحزب سواء قبل انهيار الاتحاد السوفيتي أو بعده وكذلك بعض الشخصيات مثل الدكتور ياسين سعيد نعمان والأستاذ / محمد حيدرة مسدوس وكثيرين غيرهم ممن تشكل رؤاهم مادة يستفاد منها في دراسة متخصصة ؛.
ولعل ياسين سعيد نعمان وجار الله عمر يعدان من أبرز الشخصيات الديمقراطية في الحزب بل على مستوى الحركة الوطنية اليمنية من حيث امتلاك الرؤية القادرة على خلق جبهات عريضة في العمل الوطني بهدف العمل على تحقيق منجزات سياسية تاريخية ولهذا وصف جار الله عمر من قبل الكثير من المتابعين بمهندس المشترك الذي لا شك أنه لعب دوراً مهماً منذ تأسيسه وحتى اليوم وكان نقطة تحول تاريخية في حياة المعارضة اليمنية .
لكن هذا التوصيف لا يمنع القول بأن لهذا التكوين التحالفي أخطاء بعضها جسيمة يمكن أن تستغل ضد المعارضة الوطنية ومع أن هذا الموضوع أيضاً هو موضوع دراسة لا بد أن يبذل فيها جهد يستقصي الكثير من الجوانب ويستند إلى المعطيات والوثائق بحيث تشمل الدراسة جميع جوانب النجاح والإخفاق في حياة هذا التكوين إلا أنني في هذه المقالة سوف أتناوله بالنقد العام الانطباعي وليس التحليلي الدقيق وذلك من زاوية حواره مع السلطة ودوره في ثورة الشباب والمبادرة الخليجية وأخيراً في تشكيل المجلس الوطني الانتقالي .
ونتناول هذه المسائل باختصار شديد في الآتي :
1- الحوار مع السلطة :
من بديهيات العمل السياسي المدني البنَّاء أن يكون الحوار عنصراً أساسياً في عملية التنمية السياسية والشاملة باعتبار الحوار الأداة الفاعلة للمشاركة سواء بين الأحزاب السياسية في السلطة والمعارضة أو على أي مستوى في الأمور المتعلقة بالشأن العام السياسي أو الاقتصادي أو حتى الاجتماعي وعلى مستوى المركز أو المحليات فالمشاركة في الفعل توجب المشاركة في المسؤولية ؛
ولكن هل كل حوار له نفس الخصائص الايجابية؟!
لمحاولة الإجابة أرى أن الأمر يرجع إلى نوع الحوار وطبيعته وأطرافه، فالحوار إما أن يكون معرفياً بحتاً أو سياسياً أو اجتماعياً الخ .
أي بمعنى آخر قد ينشد الحوار نشر التوعية العامة وقد يكون خاصاً بقضية معينة من قضايا السياسة أو المجتمع وينطلق الحوار بغرض الوصول إلى حل المشكلات ، وهنا يتضح أن الحوار المعرفي العام مفيد إجمالاً بغض النظر عن مستوى الحوار أو مستوى رؤى المتحاورين أي أنه لا ضرر منه أما الحوار السياسي فالمفترض أن يكون بين أطراف سياسية وأن يهدف إلى غاية محددة إستراتيجية أو آنية تكتيكية وأن يكون كل طرف مدركاً لما يريد وما يراد منه وحريصاً على تحقيق أهدافه وحاسماً فيما يتعلق بآلية الحوار ومداه الزمني أما أن يترك الحبل على الغارب ويظل الحوار أشبه بحوار الطرشان فهذا معيب بالتأكيد، خاصة إذا كانت السلطة تعرف ما تريد من الحوار والمتحاور معها يجر إلى الحوار في الوقت غير المناسب ولتحقيق هدف السلطة وحدها من حيث الظهور بأنها سلطة ديمقراطية وأنها تشارك المعارضة في مختلف جوانب الشأن العام وبالتأكيد تظهر المعارضة كشريك في عمل السلطة و من ثم شريك في المسؤولية عن أخطائها الفادحة والخطيرة بحق الشعب والمجتمع !! وهذا يشبه حوار السلطة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني منذ أوسلو إلى اليوم، ذلك الحوار كشف أن السلطة الفلسطينية إنما هي سلطة حوار لا سلطة قرار الأمر الذي أدى إلى تمييع القضية الفلسطينية وصرف الأنظار عنها إقليمياً ودولياً ناهيك عن الأضرار الأخرى ومنها على سبيل المثال الآثار السلبية للتنسيق الأمني في ظل استمرار الاحتلال والاستيطان وعدم تقديم أي شيء للجانب الفلسطيني لأن المعروف أن التنسيق الأمني يفترض أن لا يكون إلا بين طرفين أو أطراف متفقين على مختلف جوانب الحياة وقضاياها الأخرى ولا توجد شفافية فيما تم بين السلطة والكيان تمكن المتابع من الإطلاع على كل الاتفاقات !!؛ وأعود إلى قضية حوار المشترك مع السلطة لأقول : من المؤسف حقاً أنه رغم ما حققه المشترك من انجازات على مستوى الحوار بين الأحزاب المنضوية فيه وفي تشكيل لجنة الحوار الوطني .
إلا أن أداءه فيما يتعلق بالحوار مع السلطة كان في غالبه يخدم هوى السلطة ويديم بقاءها رغم كل ما ارتكبت من أخطاء بل جرائم بحق الشعب وهذا الانطباع أي كون المشترك قد ساهم في تزيين صورة الحاكم من خلال استمرار الحوارات مدة طويلة أكثر مما يجب هو انطباع عام لدى كثير من المتابعين بل ولدى الغالبية من أبناء المجتمع .
ولعل المشترك أراد من خلال الاستمرار في الحوار مع النظام على ذلك النحو أن يكشفه على حقيقته لكن ذلك لم يكن مصحوباً بتغطية إعلامية كافية لمواجهة بعض الحملات الدعائية والتشويه التي كان النظام يقوم بها خلال كل دورة حوار .
2- دور المشترك في ثورة الشباب :
حينما بدأت هذه الثورة كان غالبية الشعب مشوشاً في مواقفه من السلطة والمعارضة بما في ذلك كثير من المنتمين إلى أحزاب اللقاء المشترك بفعل عدة عوامل منها أسلوب الحوار الذي طال بين المشترك والسلطة دون أن يصل إلى نتيجة إيجابية لإنهاء الأزمة قبل اندلاع الثورة ولذلك ورغم أن كثيراً من أفراد نواة الثورة ينتمون إلى تلك الأحزاب إلا أنهم قد أعلنوا أن الثورة ثورة شباب وليست ثورة أحزاب وذلك يعكس يأسهم من الحوار العقيم الذي دار بين السلطة المستشرسة في محاولة تخليد بقائها كسلطة وبين أحزاب اللقاء المشترك الذي دخل معها الحوار بقدر كبير من التراخي وكأن عنوان الثورة كما كان يطرح هو وضع حد لمهزلة ذلك الحوار الذي دام مدة طويلة ربما منذ الوحدة التي تحولت إلى غنيمة للحاكم وعصابته وتفاوتت حدة التجاذبات والحملات الإعلامية التي صاحبت المراحل التي أراد فيها النظام بكل وضوح أن يجعلها محطات في طريق الاستحواذ الكلي على الحكم بل وتوريثه وبرزت مؤشرات ذلك من خلال تخليد الأشخاص في مناصبهم وزيادة نسبة شاغلي المناصب العليا في الوظيفة العامة من بين أقارب الرئيس وأصهاره في مؤشر خطير ليتحول النظام الجمهوري إلى نظام عائلي يفوق كثيراً أنظمة الحكم الملكية والإمبراطورية مع استمرار حدة التضليل الإعلامي والحديث عن الثورة والديمقراطية في العهد الميمون !
أعلن الشباب أن الثورة ثورتهم ودافعو عنها بصلابة وزاد زخم الثورة في الساحات التي بدأت في تعز التي أرى أنها تستحق أن يطلق عليها عاصمة الثورة بحق وقدم الشباب في كل الساحات تضحيات جسيمة كان أبرزها مجزرة جمعة الكرامة في صنعاء والمجازر التي ارتكبت في تعز قبل وبعد تلك المجزرة البشعة التي ارتكبها النظام باجتياح ساحة الحرية وكذا في عدن والحديدة والبيضاء والمكلاء ولحج ومختلف المناطق والمحافظات .
لم يرد المشترك أن ينضم رسمياً إلى الثورة لعله كان يهدف إلى دعم الثورة سياسياً من خارجها وكان هذا موقفاً ذكياً أتاح له المجال للمناورة والحوار للوصول إلى أي مبادرة تضمن رحيل النظام بصورة سلمية وكان يصرح باستمرار أنه لن يقبل مطلقاً بأي مبادرة لا تضمن رحيلاً فورياً للنظام وتسليم السلطة وكان هذا الموقف من وجهة نظري سليماً جداً إلى حين إعلان المشترك رسمياً انضمامه إلى ثورة الشباب وكذلك أعلن اللواء على محسن الأحمر انضمامه وانضمام الفرقة إلى ثورة الشباب وتتالت إعلانات الانضمام من القيادات المدنية والعسكرية إلى الساحة واختلط الحابل بالنابل لدرجة أن قناة سهيل كانت تجري لقاءات مع عناصر كانوا من عناصر النظام بل ومن أفسد عناصر النظام ليقدموا التحليلات تلو التحليلات وباستخدام ألفاظ غير لائقة أحياناً ولذلك فرغم أن النظام له ماله من الصفات التي أشرنا إلى بعضها إلا أن ذلك كان يؤدي إلى مردودات عكسية خاصة ممن عرفوا بمشاركتهم الفاعلة في مسيرة الفساد وقبل أن يعتذروا أو يعترفوا ليعلنوا بداية صفحة جديدة !
هذا المسلك ساهم في خلط الأوراق داخل الساحات وأوجد الكثير من البلبلة وسوء الظن والتوجس وفقدان الثقة بمستقبل الثورة لدى كثير من الشرفاء ؛ ولا شك أن الثورة يفترض أن تفتح صدرها لكل من يريد الانضمام لكن علينا أن ندرك ما معنى الانضمام وما مقتضياته، إذ من غير المعقول وغير المنطقي أن يتحول المنضم من قائد ورمز من رموز الفساد إلى قائد ورمز من رموز الثورة !!
كما أن من غير المعقول وغير المنطقي أن يعلن المشترك مثلاً أنه انضم إلى ثورة الشباب ثم يكون له بعد الانضمام ذلك التحرك الغريب في المبادرة الخليجية ( السعودية ) التي جاءت ليس فقط لإنقاذ النظام بل ولسن سُنة سيئة على مستوى العالم من خلال منح رموز النظام حصانة ضد المحاكمة والمساءلة .
أي مبادرة هذه أيها الأخوة قيادة أعضاء اللقاء المشترك أنا أعلم أنكم تفهمون في السياسة مالا يفهمه مثلي لكني أتحدث من خلال منطق بسيط وبسيط جداً وهو أني أعتقد أن مفهوم نظرية ( السياسة ) فن الممكن ليست بالضرورة مجافية تماماً للمنطق .
ومن خلال هذا المنطق البسيط وتوضيحاً له أسألكم أيها الأعزاء هل يحق لكم بعد انضمامكم إلى ثورة الشباب رسمياً أن تتصدروا المواقف وتوقعوا على مثل هذه المبادرة المجافية لكل المنطق
ولكل القيم الحقوقية والإنسانية أو تعلنوا تأييدكم لها ؟! أنا أعرف أنكم تعرضتم لضغوط وإحراجات متتالية من الأمريكيين والسعوديين بالذات ولكن ليس من حق أي إنسان أن يستجيب لأي ضغوط إلا فيما يملك وإلا فأي موقف يحسب للإنسان أو عليه وهذا موقف يحسب عليكم بكل تأكيد لأنه يعبر عن حق لا تملكونه بل هو ملك الشعب اليمني إن لم يكن ملك الإنسانية أقصد الحق في محاكمة من أجرم بحق شعبه فانتهك أموالهم ودماءهم وأعراضهم !!
أيها المبادرون الأعزاء لم يكن أحد من الشرفاء يتوقع منكم هذا وكان مخرجكم من الإحراج بسيط جداً وهو أن تقولوا لآكلي لحوم البشر المبادرين معذرة سادتنا نحن أعلنا انضمامنا إلى ثورة الشباب بعد أن فشلنا في كل دورات الحوار العقيم والسخيف مع كل الاحترام !!
وهذا الخطاب الذي وجهته إلى قادة أحزاب اللقاء المشترك موجه كذلك إلى الأخ اللواء علي محسن الذي كان انضمامه إلى ثورة الشباب عملاً عظيماً يمكن أن يكون مؤشراً على الذكاء في اختيار اللحظة لدخول بوابة حسن الختام وهذا ما قلته منذ انضمامه وما زلت أقوله .
لأن الثورة قامت ومازالت قائمة ! وستبقى كذلك حتى تحقق أهدافها النبيلة .
3- دور المشترك في تشكيل المجلس الوطني الانتقالي :
المجلس الوطني الانتقالي يفترض أنه مجلس للقيادة الموحدة للثورة والعضوية فيه يفترض أنها مغرم وليس مغنماً ووحدة الثورة يفترض أن تكون أول أساس تقوم عليه خاصة في بلد مثل اليمن لم تقم الثورة على النظام إلا بعد أن أصبحت اليمن على حافة الهاوية فالوحدة التي يتغنى النظام بأنه محققها لم يعد لها وجود إلا من خلال بعض الحملات العسكرية التي تؤدي وظيفة القتل على مستوى اليمن الموحد أو الذي غرقت وحدته في بحر الدماء منذ حرب 1994م التي كانت حرب القضاء على الوحدة !
لقد نادى الجنوبيون منذ حرب 1994م بضرورة تصحيح مسار الوحدة ونادوا بمطالبهم الحقوقية وإنهاء آثار تلك الحرب التي أخذت عنواناً مقدساً باسم الوحدة وهي في حقيقتها لا تختلف عن الحروب الأشد قذارة ! ثم وبعد أن وصلوا إلى طريق مسدود مع النظام نشأ الحراك المطالب بالانفصال أو بحق تقرير المصير ومع إيماني القوي بالوحدة وأملي في أن يراجع الإخوة أنفسهم من المطالبة بالانفصال إلى المساهمة الفاعلة في إنجاح الثورة ومن ثم إعادة صياغة الدولة اليمنية الموحدة وفق ما يحقق مصلحة كل اليمنيين إلا أنني أؤمن بحقهم باتخاذ أي موقف يعبر عن رغبة أبناء الجنوب الذين استغلت عاطفتهم الجامحة نحو الوحدة فتحولت إلى عاطفة مضادة للوحدة والمفترض أن يحاكم السياسي أو السياسيون الذي أساءوا للوحدة من خلال جموحهم المتهور نحو الاندماج مع أسوأ نظام مما أدى لأن تحسب سيئات النظام على الوحدة وهي من ذلك براء لأن الوحدة السياسية الحقيقية لم تحقق بالطريقة التي تحقق أهداف المجتمع بل تحولت إلى غنيمة لأشخاص هم أقرب للعصابات منهم لرجال دولة!
كذلك الحال في صعدة التي شنت فيها ست حروب من هذا النوع قتل وتشرد وأصيب بسببها مئات الآلاف من أهالي صعدة ولم يكتف النظام الفاشل من شن الغارات الجوية على القرى الآمنة وقتل المدنيين بل استعان بجارتنا المعروف دورها التاريخي ضد ثورة سبتمبر وهذه الحرب كان من أبرز مبرراتها أن الحوثيين يهدفون إلى العودة إلى النظام الإمامي والقضاء على النظام الجمهوري جداً جداً !!
وليست الأوضاع في بقية أنحاء اليمن سواء الأمنية أو السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية بأحسن حالاً من الجنوب وصعدة أي أن الثورة الشبابية التي أراها تحت الحصار ! لم تقم هذه الثورة إلا واليمن شبه ممزق من الداخل وان بدا موحداً في مظهره الخارجي وذلك بسبب فساد النظام ! وفساد من يساعده بوعي أو بلا وعي !
وكان المفترض -وأعود إلى المجلس الوطني الانتقالي- كان المفترض أن يكون تشكيل القيادة الموحدة للثورة ضمن الأولويات التي تصاحب البدايات الأولى للثورة على الأقل إن لم تكن سابقة لها ! لتجنب الاختلافات التي نشأت حول تشكيل مثل هذا المجلس فقد سبقه كما نعلم قيام أحد مكونات الثورة بتشكيل مجلس انتقالي وكأن من قام بتشكيله نخبة عسكرية من الثوار مع فارق أن النخبة العسكرية يكون لديها آلية لتنفيذ ما تريد وما تهدف إليه وهي آلية العنف الثوري أما أن ينبري أحد مكونات الثورة التي صارت بالمئات ليشكل ذلك المجلس فإن هذا كان من الغرائب !
والمجلس الجديد مع أنه قد جاء متأخراً مما يفترض أن يكون قد تلافى أخطاء المتقافزين الثوريين جداً فإنني أجده مع الأسف لم يوفق على الأقل من بعض الجوانب :
الجانب الأول : لا يبدو أنه كان نتيجة حوار جاد وبالذات مع الجنوبيين والحوثيين بدليل رفضه من غالبية الحراك الجنوبي والتحفظ عليه من الحوثيين.
الجانب الثاني : أن أحزاب اللقاء المشترك وبقية المنضمين إلى الثورة الشبابية قد تصدروا مقاعد هذا المجلس الذي يفترض أن العمل فيه مغرم لا مغنم كما أسلفنا وبهذا كرر ونفس الخطأ السابق وهو خطأ موقفهم من المبادرات الخليجية ( السعودية ) ؛
الجانب الثالث : أن جزءاً كبيراً من المنضمين كانوا ضمن قادة الفساد في النظام ومتورطين في قضايا فساد معلنة وغير معلنة والبعض الآخر ممن لم يعد لديهم طاقة للعمل الوطني وإن كانوا من رموز المناضلين والمفترض في مثل هذا المجلس أن يكون غالبية أعضائه من المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والقدرة على العطاء ، وواضح أن المتحكم في تقسيم الأسماء خضع إجمالا للنظرة الحزبية وللمصالح الذاتية وهذا أمر مؤسف ومخجل ومخيف لأن المجلس قد رسم ملامح دولة فاسدة جديدة قديمة تحل محل دولة أهم منجزاتها بناء مؤسسة الفساد وهي المؤسسة الوحيدة في هذا البلد السعيد !
والخروج من هذا المأزق في تصوري يمكن أن يكون من خلال :
1- أن يعلن هذا المجلس حل نفسه أو تقوم الجمعية العمومية التي قيل أنه انبثق عنها تقوم بحله.
2- أن تقوم مكونات الثورة بتشكيل لجنة مصغرة لإجراء حوار جاد مع الحراك الجنوبي والحوثيين للوصول إلى صيغة توافقية مقبولة في تشكيل المجلس .
3- أن توضع معايير تتمشى مع مقتضيات الثورة فيمن يكون ضمن هذا المجلس .
4- من أهم هذه المعايير عدم مشاركة من كانوا ضمن رموز النظام وعليهم جرائم أو ملاحظات أو حتى تحفظات لأن الانضمام يعني أن المنضم يؤيد الثورة ولا يحل محل الثوار !.
5- أن يقوم المجلس الذي سيتم التوافق عليه بالتوقيع على ميثاق شرف من ضمن ما يتضمنه عدم أحقية أعضائه في تولي أي منصب تنفيذي أو قضائي وعدم الترشح لأي انتخابات في الفترة التي تلي المرحلة الانتقالية سواء الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية.
6- أن لا يكون ضمن أعضاء المجلس من تورط في قضايا فساد مالي أو إداري أو سياسي .
خاتمة :
الثورة إذًا قامت وستأخذ مداها بمقدار التفاف المخلصين من جميع أبناء الشعب منتمين إلى أحزاب ومستقلين ولأنها ثورة شعبية فإن بدايتها الحقيقية هي يوم سقوط النظام ولا يمكن لعاقل عند سقوط النظام القول : لقد نجحت الثورة ولكن لقد بدأت الثورة باعتبار الثورة مسيرة نضال لتحقيق أهداف ترتبط بالحياة وديمومتها من ديمومة الحياة أما الشعارات والخطابات الرنانة والقول الفاحش فإنما وجدت لإجهاض الثورات أو حرفها عن مسارها الذي يفترض أن يقوم على الصدق والتضحية والنضال المستمر.. وليكن هدف الثوار الأول إسقاط النظام.