المكلا : الوسط محمد اليزيدي
رغم الأزمة التي تعيشها البلاد والتي أدت إلى تعطيل الكثير من ملامح الحياة فيها، كان ميناء المكلا ونافذتها البحرية للعالم يشهد نشاطاً ملاحياً وتجارياً غير عادي وغير معهود خلال فترة الأشهر الأربعة الماضية، حيث أمتلأت جميع أرصفته بالبواخر والسفن الخشبية، وبقي في الانتظار الكثير من البواخر الأخرى راسية في مخطاف الميناء تنتظر دورها في الدخول أمام هذا الوضع الملاحي النشط والذي طال حتى العمل التجاري العالمي والذي لم يعهده الميناء والمواطن الحضرمي منذ فترة طويلة ولا نبالغ أن قلنا أنه ومنذ رسو أول باخرة عملافة فيه عام 1977 . الأمر الذي كان له أثراً إيجابياً ليس فقط على أبناء محافظة حضرموت بل وما جاورها من المحافظات الأخرى التي كان الميناء بمثابة المنفذ الوحيد لها للحصول على المواد الغذائية والتموينات والاحتياجات خلال هذه الأزمة التي تعيشها البلاد. وكان الأثر المادي طيباً على دخل العاملين فيه كعمال الشحن والتفريغ وسائقي سيارات الشحن وغيرهم، كما استفاد منه بقدر كبير التجار والموردين خاصة وأنهم يوردون بضائعهم عبره دون أن يدفعون أية "جمارك" عليها وذلك بعد أن رفض عناصر حركة "أنصار الشريعة" المنبثقة عن تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب والتي تيُسيطر على مدن ساحل حضرموت أن يتم أخذ وفرض جمارك على السفن والبواخر ، كونها تنظر إلى ذلك الأمر إلى أنه "مكوس محرمة" لايمكن العمل بها.ميناء نشط .. وإدارة مُتغيبة
رغم النشاط الإيجابي والازدهار الذي يعشيه الميناء طول الأربعة الأشهر الماضية وحتى اليوم، إلا أن كل هذا يتم في ظل غياب كامل للرئيس التنفيذي لمؤسسة موانئ البحر العربي القبطان "أسامة البان" والذي يقول العاملون في الميناء أنه اختفى عن المشهد بشكل مفاجئ وبدون أي تواصل أو معرفة. وأن الميناء بات يُدار الآن بشكل غير إداري سليم وصحيح، و أن القائم حالياً بأعمال الرئيس التنفيذي وهو السيد " صالح القعيطي" يعمل دون أن يكون هنالك قراراً بتعيينه بهذا المنصب كما أنه ليس مؤهلاً علمياً بشكل كبير في التعامل مع الجانب الفني الملاحي ولايحمل أي شهادات في هذا الجانب كونه مختص في جانب الأمور المالية والحسابات. وإنما يقوم هو وموظفي الميناء بجهود عملاقة في تسيير عمل المؤسسة وميناء المكلا حتى لا تتوقف عجلة العمل بالميناء ويتضرر منه أبناء حضرموت وغيرها في ظل غياب رئيسه.
ويقول العاملين في الميناء أن وجود رئيس للميناء صاحب خبره ومؤهل شيء أساسي لضمان استمرار العمل وأن استمرار غيابه واختفائه وعدم تواصله مع إدارة الميناء الحالية يجعل من الضرورة مطالبة الرئيس هادي وزير النقل بدر باسلمة بأصدار قرار بتكليف شخص أخر يقوم بهذا العمل وهذه المهام أو إيجاد حلول بديلة لا تسمح ببقاء هذا الوضع غير الإداري وغير السليم لهذا المرفق الحيوي المهم.
توقف كامل متوقع
صحيح أن ميناء المكلا عاد وبصورة أكبر لممارسة مهامه ونشاطه التجاري والحيوي، إلا أن هذه العودة لا تزال مهددة بالتوقف بأي لحظة جراء تهالك بعض المعدات فيه ولعل أهمها هو "الرفاص" والذي يُهدد توقفه عن العمل بتوقف الميناء بشكل كامل. حيث يوجد في الميناء قارب إرشاد وحيد "رفاص" لا يزال يعمل، وهو قارب متهالك جداً وقد تعطلت إحدى مكائنه فيما لا تزال الأخرى تُنازع ووحيدة يعتمد عليها الميناء في عمله وهي مهددة بالتوقف بأي لحظة. حيث أنه وبدون "الرفاص" لاتستطيع أي باخرة أن تتوقف في الميناء فهو الذي يقوم بمساعدتها على الرسو بالأرصفة.
في الماضي كان يمتلك الميناء "رفاصين" 26 سبتمبر و 30 نوفمبر، لكن أحدهما قد خرج من الخدمة قبل سنوات ولم تستطع المؤسسة أن تعمل على إصلاحه لكونه يتطلب إخراجه لميناء خارجي. وما تبقى لم يعد يستطيع مواصله عمله ليبقى مصير ميناء المكلا معلقاً عليه.
وأمام هذا الوضع الذي يُثير حالة من القلق ليس فقط على مستوى العاملين في الميناء بل وحتى على مستوى سكان المحافظة والمحافظات الأخرى المجاورة المستفيدة منه، لا يجد العاملون في الميناء سبيلاً غير أن يتم مناشدة السلطات اليمنية في الرياض وقوات التحالف العربي بسرعة التدخل وتوفير "رفاص" جديد للميناء أو إصلاح ذلك العاطل... فهل يتم الاستجابة لتلك الدعوات والمناشدات؟؟
المجلس الأهلي وغموض العلاقة بالميناء
في الثلث الأول من شهر مايو الماضي، أعلن المجلس الأهلي الحضرمي والذي يعد بمثابة سلطة الأمر الواقع في مدن ساحل حضرموت، أعلن أنه تسلم بشكل كامل ميناء المكلا من تحت سيطرة مسلحي القاعدة أو من باتوا يُحبون أن يطلقوا على أنفسهم تسمية (أبناء حضرموت). وقد عمد المجلس إلى توفير حراسات أمنية من أبناء المدينة للميناء لتوفير الأمن والأمان بداخله والاستغناء عن الجهات الأمنية السابقة و التي كانت تقارب السبع جهات والتي تتحكم في عمل الميناء بكل صغيرة وكبيرة وسط تتضارب في مهامها ببعضها البعض، ناهيك عن تعاملها السيء مع المواطنين والتجار وحتى موظفي الميناء.
وبقدر ما كان هذا الاستلام يُشكل أحد أبرز العوامل الإيجابية للميناء، بقدر ما أفرز علاقة غامضة وغير واضحة بين الميناء والمجلس. فحتى الآن لا يُعرف بشكل دقيق إذا ما كان المجلس هو من يشرف على الميناء أم لا ،وهل يمكن اعتباره من مسئوليات المجلس وله الحق في الإشراف على العمل وسيره وحق التغيير . أم أن المجلس فقط تنحصر مهامه في الإشراف على توفير الحماية الأمنية للميناء دون التدخل في سير العمل بداخله. أم أن هنالك علاقة أخرى.؟؟
ما يدفعنا لقول ذلك أن هنالك أشياء غير واضحة تحصل في الميناء تؤدي إلى أن يكون العمل فيه بصورة عشوائية كبيرة، وأصبح البعض يستفيد من هذا الوضع ويجني الملايين لجيبه الخاص دون إن يتم إيرادها للميناء أو للجمارك أو المواصفات والمقاييس وغيرها من المؤسسات الحكومية العاملة في الميناء. في ظل صمت المجلس ووقوفه عاجزاً عن عمل أي تغيير في هذا المرفق. رغم أن هنالك الكثير من التصريحات المنسوبة لقيادات المجلس بأن الميناء تحت إشرافهم، فكيف يكون الميناء بهذا الوضع العشوائي والمأساوي وفي جميع مرافقه.!!
اين تذهب الإيرادات ؟
ورغم كل هذا النشاط والذي يفترض أن يحقق إيرادات قياسية، إلا أن الواقع يقول عكس هذا حيث أن الكثير من موظفي الميناء وعامليه يشكون من ضعف في استلام مستحقاتهم المالية بعد أن كان الكثير منهم يتوقع أن يؤدي كل هذا النشاط التجاري الكبير إلى زيادتها وتسريع استلامها دون أي تأخير. لكن الواقع كان مؤلماً ومحبطاً لأمال الكثيرين. حيث لا يزال هنالك من يشكو من أن هذا الوضع لم يعد بالأثر الإيجابي على الميناء وأن الإيرادات المتحققة ضعيفة جداً إذا ما تم مقارنتها بحجم العمل لعدة أسباب ومنها العراقيل التي تؤديها بعض القوانين السابقة أو المعاملات التي تتم بشكل غير قانوني. بالإضافة إلى المحسوبية التي لا تزال تُسيطر على العمل في الميناء.
ويبقى التساؤل الأبرز الذي لايبدو أن أحداً يُريد الإجابة عنه هو أين تذهب إيرادات هذا النشاط الملاحي الكبير ولماذا هي ضعيفة مقارنة بالعمل ؟؟
تجار حضرموت ومواقفهم السلبية .
يتفق جميع العاملين في المؤسسات الخيرية و مجال الأغاثة وتوزيع المساعدات في حضرموت من الانطباع المسبق لدى المنظمات الدولية والجهات المانحة والمؤسسات الخيرية الخارجية ، والذي يتمحور حول عدم المحافظة لأي مساعدات إنسانية وغذائية كون أن أبنائها التجار والذين يتم تصنيفهم أنهم من أباطرة رؤوس الأموال في المنطقة، هم من يتكفلون بعمليات توفير المساعدات الإنسانية للمحافظة وأبنائها ومن فيها من النازحين. وهو الانطباع الذي يجمع الكثيرون أنه غير صحيح ، وأن هذه الأزمة أكدت على عدم صحته إلا ما ندر.
فتجار الداخل كانوا أكثر المستفيدين من هذه الأزمة، فبضائعم تدخل الأسواق دون أن يدفعوا عليها أي رسوما جمركية، غير أنه ومع هذا هم لم يرحموا المواطن المسكين وبقيت الأسعار على حالها في بداية الأمر قبل أن يعملوا وبشكلا ً استغلالي فضيع إلى رفعوها ، دون أن يهتموا إذا ما كان ذلك سوف يدخل ذلك المواطن الغلبان في دوامة وأزمات جديدة تُضاف لأزماته السابقة.
أما تجار الخارج والذين تُشار لهم البنان بحجم تجاراتهم الكبيرة ومنافستهم لرجال المال والأعمال على مستوى العالم العربي بالكامل، فقد كان دورهم وللأسف محصوراً ولم يرتق للمأساة التي يُعاني منها أبناءهم في حضرموت. صحيح أن البعض منهم كانت لهم بعض المُساهمات إلا أنها كانت ضعيفة للغاية. فيما كانت مُساهمات البعض صفرا على الشمال، وهو أمر لم يكن ليتوقعه المواطن الحضرمي بأي حال من الأحوال وهو الذي كان يُجاهر فرحاً بأن أبناء حضرموت في الخارج لن يتخلوا يوماً عنهم وعن حضرموت الأرض والإنسان التي لطالما تغنوا بها في شاشات التلفزة وحديث الصحف والمجلات.