المبعوث الاممي يدعو لعدم ربط الحل السياسي في اليمن بقضايا اخرى        تعثر خطة الرد الاسرائيلي على ايران        اعتراف امريكي بريطاني بنجاح الهجمات اليمنية البحرية والجوية        صنعاء ,, انفجار اسطوانة غاز يتسبب باندلاع حريق هائل في سوق شعبي     
    تحقيقات. /
النزوح الإنساني.. العنف يصنع المأساة

26/11/2014 08:28:10


 
تقرير / رشيد الحداد

تجاوزت اليمن مأساة النزوح الإنسانية التي تسببت بها دائرة العنف المتواصلة في الاتساع إلى الكارثة، كما اتسعت خارطة النزوح الإنساني من العشرات إلى المئات إلى الألوف ولم تتوقف عند أي رقم لعدم توقف الصراعات المسلحة.
وفي ظل كارثة نزوح إنسانية تعايشها الآلاف من الأسر في عدد من المحافظات، ومنها مديرية رداع بمحافظة البيضاء التزمت الدولة الصمت وغضت الطرف عن الملف الإنساني، كما أربك الارتفاع المهول للنزوح الإنساني المؤقت أو الدائم عمل المنظمات الإنسانية، فالخطط الاستجابية للمنظمات الدولية فشلت في السيطرة على كارثة النزوح الإنساني.. تبادل نازحو اليمن في الآونة الأخيرة الأدوار، فنازحو الأمس استقبلوا نازحي اليوم، ونازحو اليوم يهيئون لاستقبال نازحي الغد، ففي اليمن كل شيء بات غير ممكن كالعيش بسلام والممكنات فقط تصنعها لعلعات الرصاص، ودوي المدافع التي صنعت المأساة الإنسانية خلال السنوات الماضية من مران حتى العدين، ومن مستبأ حتى زنجبار لتصنع خارطة الويل تحت مختلف المبررات التي كان ضحيتها الأمن الاجتماعي والسكينة العامة.
ومع تفاقم الملف الإنساني إلا أن اهتمامات المنظمات الدولية والمحلية العاملة في المجال الإنساني استثنت عشرات الآلاف من الإغاثة وتركتهم عرضة للجوع والعطش والمرض وبرد الشتاء..
ورغم صمت الجهات الإنسانية وتجاهلها لمعاناة عشرات الآلاف من النازحين في المناطق الملتهبة بالعنف إلا أن الأرقام تتحدث عن المأساة وتكشف حجم الكارثة الإنسانية ابتداء من حروب صعدة الستة، التي بلغ إجمالي النازحين فيها 340 ألف نازح، وصولا إلى عمران التي نزح منها 120 ألف نازح منهم أكثر من 60 ألف نازح نزحوا من حرف سفيان ومناطق حاشد، بالإضافة إلى 42 ألف نازح نزحوا خلال رمضان الماضي من مدينة عمران، وفق تقارير الأمم المتحدة، وقرابة المليون نازح نزحوا من العاصمة صنعاء في سبتمبر الماضي نزوح مؤقت،
وأكثر من 7 آلاف نازح نزحوا من الجوف، ومع تصاعد واتساع أعمال العنف تتصاعد موجة نزوح من رداع محافظة البيضاء، ووفق آخر التقارير فإن قرابة الـ 2000 أسرة نزحت من منازلها في قيفة وخبزة ورداع هربا من الحرب.
إعادة برمجة المساعدات
مأساة الحرب التي لم تتوقف بعد في تصاعد يقابله غياب كامل للمساعدات الإنسانية والإبقاء على المساعدات التي المعتمدة من قبل المنظمات الإنسانية العالمية للنازحين القدامى في عمران وصعدة وحجة على الرغم من عودة الآلاف إلى منازلهم واستقرار مناطقهم، ولكون النازحين القدامى قد عادوا إلى وضعهم الطبيعي فإن معظم تلك المساعدات تتجه الأسواق المحلية، وتباع بأسعار مخفضة وبكميات تجارية بينما الآلاف يموتون جوعاً في قيفة وخبزة، بل وفي العاصمة صنعاء نتيجة افتقاد المئات من الأسر لمصادر دخلهم منذ اجتياح العاصمة في الواحد والعشرين من سبتمبر الماضي، وهو ما يتطلب إعادة النظر في صرف تلك المساعدات وتحويلها للنازحين الجدد.
غياب العمل الإنساني
ارتفاع موجات النزوح أصاب المنظمات الإنسانية بنوع من الإرباك وفقدان السيطرة من قبلها، كما أن الجمعيات والمؤسسات التي عملت على أساس خيري "مسيس" خلال السنوات الماضية، واهتمت بمساعدات الفقراء والمحتاجين خلال مواسم محددة في كل عام كشهر رمضان غابت عن المشهد تماما، وهو ما فاقم من معاناة النازحين.. فلم نشاهد لا جمعية الإصلاح الخيرية ولا مؤسسة الصالح التنموية ولا مؤسسات وجمعيات أخرى ولا الهلال الأحمر الإماراتي ولا الهلال الأحمر القطري ولا الجمعيات الخيرية الإسلامية ولا الإغاثة الإسلامية تقف إلى جانب الفقراء والمشردين من منازلهم في رداع، كما وقفت إلى جانب المشردين الذين عاشوا وما يزالون يواجهون حياة في غاية الصعوبة.
مأساة نازحي رداع
الأسبوع الماضي ناشد الشيخ القبلي علي بن علي النصيري الحكومة اليمنية وكافة المنظمات المحلية والدولية سرعة تقديم مساعدات عاجلة لـ 400 أسرة نزحت في منطقة خبزة التي تقع في رداع وتحادد محافظة مأرب، وأكد النصيري أن هناك أكثر من 2000 نازح في مديرية القرشية قيفة رداع يعيشون ظروفا قاسية وبأمسّ الحاجة إلى مساعدات غذائية والمساعدات الأساسية الأخرى.
وأوضح النصيري أن أكثر من 50 أسرة تعيش الآن ظروفا صعبة وقاسية في الكهوف والجبال البعيدة نسبياً من منطقة الصراع، فيما توزعت بقية الأسر على القرى المجاورة الآمنة مثل الزوب وبقرات والعجمة والمتار ودار النجد والقاهر ومدينة رداع.
وفي سياق متصل كشف وفد صحفي وحقوقي، زار رداع الأسبوع الماضي، عن تردي الأوضاع الإنسانية في مناطق قيفة بمديرية رداع بمحافظة البيضاء، وقال: إن الوضع الإنساني بات لا يطاق لعدم توفر المواد الغذائية الأساسية ومستلزمات مواجهة البرد لدى النازحين.
ووصف سليم علاو - منسق الوفد - أحوال النازحين بالصعبة جدا، وقال: إن عددًا من الأسر اضطرت لمغادرة كهوف الجبال التي نزحت إليها إثر تعرضها للقصف من قبل الحوثيين ما أدى إلى مقتل امرأة وإصابة ثلاث أخريات.
وأشار إلى أن بقية الأسر تتوزع على بعض مدارس القرى المجاورة مثل قرية "النجد", وقرية "بقرات", وعند أقاربها، وجميعها تحتاج للمواد الغذائية وحليب الأطفال والبطانيات ومستلزمات مواجهة فصل الشتاء الأخرى.
ونقل الوفد شكاوى النازحين من غياب المساعدة الحكومية والمنظمات الإنسانية الأخرى.. مناشدين السلطات الرسمية والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان التحرك العاجل لإنقاذهم.
الصراعات القبلية
لم تكن المواجهات التي تخوضها جماعة الحوثي مع تنظيم القاعدة أو مع الجيش هي السبب في نزوح المدنيين، بل إن المواجهات التي تخوضها القبائل والثأرات القبلية كان لها دور في نزوح مئات الأسر، وآخر عملية نزوح تمت مطلع الأسبوع الجاري على خلفية حرب قبلية تتمثل بنزوح 12 أسرة من قبيلة آل هصيص بمحافظة البيضاء، ووفق مصدر مؤكد فإن قرابة الـ 120 نسمة من قبيلة وصلوا صنعاء مساء السبت هربا من جحيم الحرب الدائرة بمحافظة البيضاء بعد أربعة أشهر من الحصار بسبب نزاعات قبلية.
وقال أحد المشردين - محمد أحمد: إن الشيخ ناجي الهصيصي ومجاميع مسلحة تابعين له قاموا بحصارهم وشن حرب عشوائية على خلفية قضية مقتل والده على يد شخص هارب رغم التحكيم القبلي بالقضية، وطالب المشردون الدولة القيام بواجبها وحمايتهم من المتنفذين بالمنطقة، وناشدوا المنظمات الحقوقية والإنسانية القيام بدورها تجاه المشردين والضحايا.
خارطة النزوح
مع تصاعد أعمال العنف في شمال الشمال محافظة صعدة أواخر العام 2004 من بين القوات الحكومية وجماعة الحوثي بدأت خارطة النزوح بالتشكل، إلا أنها لم تلبث حتى اتسعت لترتفع أرقام النازحين من مئات الأسر خلال الحرب الأولى بين الدولة والحوثيين التي شهدتها مران أواخر العام ذاته إلى الآلاف خلال الحربين الثانية والثالثة، وبفعل تواصل أعمال العنف بين القوات الحكومية وجماعة الحوثي في صعدة واتساعها إلى حرف سفيان وبني حشيش في الحرب الخامسة ارتفعت أعداد النازحين إلى عشرات الآلاف، إلا أنها اكبر موجة نزوح خلال الحروب الستة كانت خلال الحرب السادسة التي بلغ إجمالي النازحين فيها إلى مئات الآلاف.. ووفق تقارير الأمم المتحدة فقد بلغ إجمالي النازحين خلال الحروب الستة قرابة الـ 500 ألف نازح، واستطاعت المنظمات الأجنبية العاملة في المجال الإنساني فتج عدد من المخيمات الأجوائية الإنسانية وفتحت جسور جوية لإغاثة المشردين جراء الحرب حيث بلغ إجمالي النازحين الذين لجأوا إلى العاصمة صنعاء ومدينة عمران قبل أن تصل إليها كرة العنف المتدرجة 100 ألف نازح نجحت المنظمات الإنسانية في تخفيف معاناتهم خلال السنوات الماضية كما افتتحت مخيمات المزرق ومخيمات أخرى قريبة من الجوف وأخرى في حجة ومخيمات بعمران.
ورغم ارتفاع النازحين إلى نصف مليون نازح خلال الحروب الستة، إلا أن تواصل أعمال العنف واتساعها منذ بداية العام 2012 ابتداء في مديريات كشر ومستبأ في محافظة حجة، والتي دفعت الآلاف من المدنيين إلى الفرار من منازلهم، وتمكنت حينها منظمات إنسانية عالمية ومحلية من تخفيف معاناتهم وتوفير الإيواء والطعام لهم.
إلا أن مواجهات العام الماضي بين الحوثيين والسلفيين في دماج، والتي تسببت بتهجير 12 ألف سلفي من منطقة دماج كان بداية لأمواج عنف ونزوح تلاطمت بحياة ما يزيد عن مليون مواطن يمني وجدوا أنفسهم مجبرين على النزوح من مناطقهم بفعل اتساع نطاق المواجهات.
وفي بلد تكاد الأرقام تتحدث عن نكبات العنف وانتشار السلاح وفقدان الدولة للسيطرة فإن التقارير تشير إلى أن المواجهات التي اندلعت العام الماضي في حاشد، وانتهت بسيطرة الحوثيين على مدينة عمران دفعت 120 ألفًا للنزوح قسريًّا، منهم 42 ألف نازح نزحوا خلال شهر رمضان الماضي.
وفي محافظة الجوف نزح قرابة 7 آلاف نازح من منازلهم نتيجة المواجهات التي دارت بين الحوثيين والقبائل خلال النصف الثاني من العام الجاري، وكان العدد مرشحًا للارتفاع إلى أكثر من 22 ألفًا نزحوا من مناطق الصراع في الجوف، والتي امتدت إلى محافظة مأرب نزوح مؤقت.
العاصمة صنعاء التي نزح نصف سكانها في سبتمبر الماضي، ونصف سكان العاصمة يتجاوزون المليون، وكان نتيجة المواجهات التي دارت بين قوات اللواء علي محسن الأحمر والحوثيين، وانتهت باجتياح العاصمة صنعاء، إلا أن معظم سكان العاصمة عادوا إلى منازلهم، فيما آخرين فقدوا مصادر أرزاقهم، وتردت أوضاعهم المعيشية.. ومع ذلك فإن الجهات الحكومية والمنظمات العاملة في المجال الإنساني لم تسعَ لإيجاد أي حلول لمن تضرروا من أحداث صنعاء الأخيرة.
النزوح لم يتوقف في العاصمة صنعاء، بل نزح الآلاف من السكان في محافظة إب، ومدينة العدين تحديدا، التي سقطت بيد تنظيم القاعدة قبل أن تسقط بيد الحوثيين، أما في مديرية رداع فإن نزوح السكان لا يزال مستمرًا حتى الآن بفعل استمرار المواجهات، ولا توجد إحصائية نهائية لعدد النازحين، إلا أن الأرقام الأولية تكشف عن مأساة إنسانية حقيقية يواجهها السكان المحليون في عدد من مناطق رداع.
بالعودة إلى ما قبل عامين فإن قرابة الـ 200 ألف نازح نزحوا من محافظة أبين، منهم 30 ألف نازح فروا من جحيم الحرب خلال النصف الأول من العام الجاري بسبب تصاعد المواجهات بين الدولة والقاعدة.

 





جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign