بعد أن رمى زعيم أنصار لله عبدالملك الحوثي بحجره التي حركت مياه الجرعة، التي اعتقدت السلطة والأحزاب أنها قد صارت راكدة يعيش قادتها ضعفًا وحرجًا على المستوى السياسي، ورعبًا وخنوعًا على المستوى الشخصي. لقد اختار هؤلاء مهاجمة موقف الحوثي الذي اعتبروه تصعيديًّا يسعى للإطاحة بالنظام الجمهوري من خلال السيطرة على صنعاء بدلا من مواجهة تساؤلات الشارع عن سبب تخليهم عنه وتعاضدهم كسلطة ضده تتغاير الأدوار ليصبح المشترك المعارض سابقًا ملاحقًا بسبب فساده، ومهددًا بالإلقاء به من سدة السلطة التي لم يحسن استخدامها لصالح مواطنيه ليغدو الحديث عن نعت الحوثيين بشتى أنواع التهم من قبل الإصلاح ليس أكثر من محاولة درء الاتهام عن فشل وفساد ظل ينعت به دون أن يملك دليلاً أو حجة تدحض مثل هذه التهم.. بالتأكيد لقد واتت الحوثي فرصة يصعب القفز عليها، تتمثل في كونه المتحدث منفردًا عن مظلومية الشعب، والمقاتل دفاعًا عن مصالحه، فيما الآخرون لم تتح لهم فرصة، وإن للمناورة في ظل تأكيدات الرئيس عن توافق القوى المشاركة بالحكم في إقرار تجريع الناس تبعة تحرير الأسعار دون أن يسبقها إجراءات تطال الفساد المعشعش داخل مفاصل الدولة والحكومة.. وفيما تنبه المشترك متاخرًا إلى بديهية كهذه فسعى لإصدار رؤية للحد من الآثار والتداعيات السلبية لما أسماها إصلاحات سعرية، كان الحوثي قد وصل صنعاء كصوت قوي عبّر عن مطالب الشعب من خلال خطاب واضح غير موارب (إسقاط الجرعة والحكومة، أو إسقاط الدولة برمتها)، ليلحقه حضورًا على الأرض تجاوز ما كان متصورًا بانتظار مهلة لم تزد عن أيام يصعب بعدها التكهن في أي نفق ستدخله البلد. القبائل صارت في العاصمة وحواليها في انتظار لإشارة السيد البدء بالانقضاض على حاكمها وحكمها المتهالك، الذي بدلا من البحث عن حلول حقيقية لورطته سعى للالتقاء بقبائل ذات المناطق التي تحاصر حاضرة حكمه، فيما يتحكم به الغضب الذي أخرجهم حلفاء لمن دعاهم للوقوف ضده, حين حاول التظاهر بالقوة والقدرة على البطش وحين لم يجد ذلك نفعا بدا مسرفًا بوعود لا يمكن تحقيقها، وموجهًا بصرف مليارات من الريالات لتنمية مساقط رؤوسهم، فيما هو وهم يعلمون كيف أن خزانة دولته فارغة، مقتنعين في الأخير بما يجود به من بدل عن وعثاء السفر ومشقة الحضور.. ليس ثمة خيارات مناسبة في معضلة كهذه لشخص استهواه الحكم واستبد به كرسيه إذ لا أمامه سوى المر، وما هو أمرّ منه، فإسقاط الجرعة أو الحكومة أو كليهما هو باب سيصل به للسقوط، وإن متأخرًا.. كما أن المكابرة واختيار المواجهة ليس له من نهاية سوى إسقاط حكمه، لكن بأشد الطرق ترويعًا وإذلالاً.. هناك طريق ثالث يتمثل في اختيار اقل الحلول فداحة وأكثرها حفاظا على ماء الوجه وربما مبادرة الحوثي تصب في هذا الخيار بعد أن صار تقديم تنازلات تمثل تراجعا عن خياره الثوري بمنحه جزءًا من السلطة بمثابة وقوعه في الشرك، واختياره السقوط الآمن ليلحق بمن سبقه، وهو ما لا يستقيم مع كل هذا الخروج الجماهيري العظيم والكبير والمشهود الذي دعا إليه، وتحقق بسبب الفراغ الذي تركته الأحزاب وملأه الحوثي.. من عجائب القدر أن الحوثيين كان كل أملهم ينحصر في علنية أمنه لممارسة فكرهم قبل أن يواجهوا بحروب ستة.. ودارت عجلة الزمن ليصير هؤلاء جزءًا من عملية تغيير وطرف في حوار يصنع مستقبل اليمن فتم مواجهة مدنييه الذين يبغضون السلاح وحمله بعملية إبادة أتت على أنقى مفكريه، ومع ذلك لم يتراجعوا؛ أملا في تحقيق إقليم له منفذ بحري، يمثّل نافذة تواصلهم مع العالم الخارجي، ولم يستمع لهم أحد لينتهي الحال بهم خيارًا لليمن بكاملها في حسبة شعبية بسيطة.