كتب/علي محسن حميد
ليس هناك أسوأ ولا أخطر من الانقسام والخلاف قبل بلوغ الهدف وتحقيق النصر.وثورة الشباب – ثورة كل اليمنيين - لاتحتاج أي شيئ الآن قدر حاجتها إلى وحدة الصف والموقف والخطاب. ومعلوم أن ثورة الشباب ضمت ألوانا وأطيافا عدة. . غير المنظم منها وغير المنتمي اندفع لكي يكون جزءاً من الانتفاضة ضد النظام العائلي ومنظومة الفساد التي استشرت وأصبحت قانون الوجود بسبب اليأس من حدوث التغيير بأي طريقة أخرى بعد أن أصبح التوريث حقيقة وليس فرضية غير قابلة للتطبيق وأصبح المستقبل في خبركان. قبل ثورة الشباب كان البعض يعيب على المشترك ضعفه ومحدودية فاعليته وبدون أن يصرح كان يفهم من كلامه أنه لو كان المشترك قويا بما فيه الكفاية لشكل البديل للنظام وأننا سنكون سندا له ولكن ضعفه يعفينا من المخاطرة. وبعد الثورة ظل موقفهم هوهو. بل زادوا عليه وهل تريدون بيت الأحمر والزنداني كبديل. بالمقابل لم يتردد شاب من أرحب من الانضمام إلى الثورة وليس في حساباته سوى النصر أو الشهادة ولايهمه إن كان المشترك قويا أو ضعيفا. قال أحد الشباب: انتظرت هذه اللحظة 15 عاما ولقد ودعت عائلتي في أرحب وأخبرتها بصراحة بأني قد لاأعود إلا شهيدا وحملت كفني معي. وهكذا حال الكثيرين . يقول عبد الرب أحمد أبو صالح الذي لايدعي أنه من الناحية العمرية من شباب الثورة ولكنه شباب في الفكر وفي الرؤية والإرادة ،يقول، لقد بدأنا الانتفاضة بأعداد قليلة بعد أن ذهبنا مرتين إلى سفارتي تونس ومصر للتعبير عن تأييدنا لثورتي البلدين بعد سقوط نظاميهما وأمام السفارتين تردد لأول مرة في اليمن هتاف مسموع لاتخطئه الأذن بسقوط النظام . ويضيف ، في ساحة الجامعة، قبل أن تسمى ساحة التغيير، كنا ننام في الأسابيع الأولى للثورة في العراء، قبل نصب الخيام ودفء الجموع، نفترش أوراق الكرتون ونقتسم كميات قليلة من بسكويت أبو ولد - علبة لكل شخصين - ولانأبه لبرد الشتاء القارس.( كتبت في 28 فبراير مقالا بعنوان شباب الثورة شباب الكدم وهو شهادة حية عن غداء الثوار المكون من زبادي وكدم فقط). وفي نفس الوقت يضيف عبد الرب كنا نواجه بإرادة وعزم لايلينان قوات الأمن المركزي بصدور عارية ولحسن حظنا لم تكن هذه القوات قد ركبتها الحماقة والطيش بإطلاق النار عليناعشوائيا . لقد كنا على قلتنا عدديا وفي غياب الإعلام نستعين على عتادها بشجاعة لاندري من أين امتلكناها وبقراءة القرآن الكريم اللذان كانا يفزعانها ويربكانها ويجبرانها على التراجع إلى الخلف والانسحاب بدون أن تطلق نحونا رصاصة واحدة. ويضيف عبدالرب في الصباح كنت أذهب إلى أصدقائي لجمع ريالات قليلة نستطيع بها مواصلة الصمود وكان لهذه الريالات دورها في تمكيننا من البقاء في الساحة إلى أن زاد العدد تدريجيا . بعد 3 فبراير،تاريخ الاجتماع الذي حضره عشرات الآلاف في ساحة الجامعة بدعوة من اللقاءالمشترك وخطب فيه الأستاذ محمد سالم باسندوة بعد اغتصاب ميدان التحرير من قبل السلطة في 2 فبراير الذي دعا المشترك إلى اجتماع جماهيري فيه في اليوم التالي - الخميس – تغيرت الساحة شكلا ومضمونا وبكل تواضع أرى أن هذا هو اليوم الذي يجب أن يؤرخ فيه للثورة والمطالبة الشعبية بتغيير النظام. أصبح المعتصمون مئات بدلا من عشرات ثم آلاف.أذكر أنه في إحدى الليالي كان مايحدث في هذه الساحة موضوع حديث د. محمد عبدالملك ود. عبد القدوس المضواحي وأنا وأن واحدا منا اقترح أن نذهب إلى الساحة قبل أن تصبح أيقونة للنضال من أجل التغيير وتسمى من قبل القوى الرجعية بساحة التغرير لنسمع السيدة توكل كرمان وهي تخطب أمام الشباب ولكننا تكاسلنا ومنحنا أنفسنا عذرا هو تأخر الوقت ولكن الأصح هو أن الشيخوخة كانت هي السبب الحقيقي في إضاعة فرصة تاريخية مثل هذه لمشاهدة ليلة من ليالي الثورة وهي في بداياتها الأولى . الزخم الثوري تنامى بانضمام عناصر قبلية لاتصدق في البداية أنها جادة في مقاومة أو في صمود من أجل التغيير وأنها تنشد هذا التغييرمع عناصر غريبة عليها تتحدث بلغة قد لاتفهمها بسهولة . وكان رد فعل البعض الامتعاض من وجود هؤلاء خشية قبيلة الثورة وحرفها عن مدنيتها ومسارها. ومع مرور الوقت تزايدت الخيام وتزاحمت ، خيام خولان وأرحب ومارب وصعدة وحاشد وريمة ونهم وبني مطر ووصاب والمسراخ وتعز والحديدة وشرعب وإب والضالع ولحج وعدن وعبس وحجة وعمران وكل مناطق اليمن ولم تخل الساحة من خيام ومن شعارات لسنحان تقف مع التغيير. وفي المقابل لم يأ ت بعض المثقفين والتكنوقراط إلى الساحة إلا بعد إلحاح برغم تعرض بعضهم للسجن والتعذيب قبل الوحدة في سجون الرئيس صالح ليأسهم المزمن من قدرة أي قوة على زحزحة نظام العائلة. وأتذكر أن البعض كان يذهب إلى الصلاة في يوم الجمعة في ساحة التغيير وهو يرتدي قبعة أو شالا لإخفاء بعض وجهه ولكن الحال وخاصة بعد مجزرة 18 مارس لم يعد كذلك. وسيتملكك الزهو عندما ترى أن زملاء في مراكز قيادية يتجمعون بدون موعد مسبق في نفس المساحة من الساحة للصلاة يوم الجمعة وحينها تدرك كم هو عظيم وشامخ ما قام به الشباب من أجل توحيد الإرادات والتغيير وكسر اليأس. هذا الفعل الثوري لابد أن يؤتي أكله. وتضحيات الشباب وهي تضحيات عمدت بالدم من أجل قضية نبيلة وليس كالدم الذي يباع في مزاد المناسبات لتأبيد عبوديتنا وتخلفنا ،وبالمرابطة وبالمعاناة التي لاينبغي أن تذهب هدرا. وهي لن تكون كذلك . لقد جمعت الساحة أصدقاء لم يلتقوا منذ سنين طويلة.
يتخوف البعض الآن من أن إطالة الاعتصام ليس في صالح الثورة والبعض يحسب حساب رمضان ولايحسب حسابات الثورة التي لاتتعارض مع طقوسه. والسلطة تراهن على حدوث وهن وانشقاقات وعلى قدرتها على شراء البعض كما اشترت من قبل مااستطاعت من مثقفين ومناضلين ينعقون اليوم ضد الثورة وضد ماكان أملهم ورجاءهم. يقال في الغرب فتش عن المرأة عند حدوث مايهدد أمن الأسرة وفي حالتنا نقول فتش عن السيارة الصالون التي قد تأتي إليك فجأة وبعدها تكبر مسبحة التنازلات والصمت والتواطؤإلى أن يصبح المتلقي واحدا من الخبرة لأن للسيارة توابع مدمرة للذات وللإرادة وللقناعات مثل الزلازل. والآن بعد ستة أشهر من الصمود لم يبق إلا القليل لبلوغ الهدف وما بقي ليس بالأمر السهل لأن صراع الإرادات باق كما هو برغم اختلال موازين القوى لصالح الثورة. ولايعني ذلك استسهال ماتبقى من مرحلة نضالية فربما تبرز عقبات غير متوقعة وخصوم كانوا يعدون من الحلفاء وأشخاص يكتفون بالقليل ولايودون مواصلة الرحلة حتى نهاية الطريق.والوحدة ، وحدة كل الساحات والميادين هي السبيل الوحيد لإفشال المراهنات على تعب الشباب حتى من قبل أولئك الذين لايجدون مايعيبون به ثورة الشباب سوى أنها تفتقر إلى الفكر والرؤية الموحدة والقيادة والشخصية الكارزمية .وكل ذلك لاينتقص من قدر الثورة وجلالها بل يثير الإعجاب ويزيد الإيمان بقدرتها على الانتصار لأن من يصمد طوال أكثر من ستة أشهر لن يخذل نفسه ويهزم حلمه ويخون نضاله.
لانريد بيضاني آخر:
أوقع الدكتور عبد الرحمن البيضاني الذي يعتبره البعض دخيلا على ثورة 26 سبتمبر برغم تبوئه لمنصب نائب رئيس الجمهورية لأشهر قليلة بعد الثورة ، أوقع اليمن في مطب لم تخرج منه إلا عام 1970 عندما زعم أن طائراتنا، التي لم نكن نمتلك واحدة منها، قادرة على دك الرياض الخ.. وبرغم القناعة بأن تصريحا أو أكثر لن يكون وحده سببا كافيا لعواقب مأساوية كالتي حدثت طيلة ثماني سنوات في صراع الإخوة الدموي يين اليمنيين المؤيدين من قبل مصر والسعودية لأن أي صراع لايقف على قدم واحدة أو عامل واحد. ومن أجل نجاح الثورة لانريد تكرار ماحدث عام 1962 برغم أن التاريخ لايعيد نفسه .لذلك وحرصا على الثورة نريد ترشيد التصريحات والخطب وحتى الأغاني الثورية ولانندفع بحسن نية أو بسوء نية لكي لاتعتبر المملكة العربية السعودية أن ثورتنا عابرة للحد ود وقابلة للتصدير.
أقول للثوار تجنبوا استفزاز السعودية وطمئنوها بكل الوسائل بأن الثورة في صالحها وفي صالح علاقات صحية و قوية بين بلدين وشعبين جارين كل منهما يريد الخير للآخر ويتجنب إيذاءه وإيذاء نظامه السياسي ويحترم خياراته ونظامه. لقد كانت علاقات البلدين ولاتزال غير سوية وقدعانت السعودية ولاتزال جراء محاولة نظام صالح تصدير بعض المتاعب إلى السعودية .والسعودية تعلم علم اليقين أن الإخفاق التنموي والسياسي لنظام صالح سبب لها كثيرا من المشاكل الأمنية وأنه جرها إلى صراع داخلي في صعدة لم تكن ترغب فيه. ولأن ثورة الشباب ثورة من أجل التنمية والعدالة الاجتماعية فإنها ستنعكس بنتائج كلها خيرا وبركة على السعودية أيضا. ومعلوم أنه كلما كانت الدولة أي دولة متعافية وغنية تبادلت مصالح أوسع واستهلكت أكثر وتكاملت اقتصاديا مع جيرانها وهذا هو مآل العلاقات مع السعودية في ظل النظام الجديد وليس لنا بديل غيره. وفي المقابل مطلوب من السعودية احترام حقنا الذي لاينازع ولاينكر في تغيير النظام الموغل في الفساد الذي يعتبر سببا في تدهور العلاقات معها في شتى المجالات. وحق الجوار والأخوة العربية يخولان لنا أن نطلب من السعودية أكثر من ذلك وأكثر من غيرها وأن نرفع سقف مطالبنا ومنها تأييد الثورة والمساعدة العاجلة للمتضرين من قمع قوات النظام وسياسة التجويع التي يتبعها لتركيع الثورة وهزيمة الثوار.ولكي لاأكون أكثر تفاؤلا أقول أن أي جريح في ساحات وميادجين التغيير من حقه أن يجد غوثا سعوديا خاصا أو حكوميا وبجانب النفط الذي تعرف السعودية كيف تصرف فيه نظام الفساد ولم يصل إلى الشعب نريد قمحا ودواء وخلافهما. والأهم من ذلك موقفا يطمئننا.