كتب/صالح محمد سعد (أبو أمجد)
في يوم 7/7 تحددت المعالم وتميزت الفواصل ووضعت خطوط العرض والطول بتقسيمات فاصلة بين الشمال والجنوب بعد أن رسمت بلون الدم وغرست بجنازير الدبابات وسيجت بنيران البارود وخططت بالأحمر القاني ثم جللت بمسحة الأحمر الداكن، بعد حرب ضروس اعتبرت الجنوب دار حرب وغنيمة وغزو.
تحت وطأة المشهد المرسوم من قبل سلطة 7/7 غدا هذا اليوم يومين والنظرة نظرتين من قبل الشعب الذي أصبح شعبين كما ننظر فيه إلى كأس الماء (هل نصف هذا الكأس ملآن؟) أم أن نصفه فارغ؟ والجواب يعتمد على الزاوية التي ننظر فيها إلى الكأس، هكذا أرادوها بفعلهم، إلا أن الوحدة لم تكن بهذا المقياس بل هي مقومات وأسس تسري على الأرض والإنسان وتبدأ به، لكنهم أرادوا القوة معيار كل شيء كما نظر الفلاسفة القدماء من أن الإنسان أو العقل هو معيار كل شيء أو الأرض مركز الكون، وعند السلطة والنظام مركز القوة وسيادتها هي الوحدة التي لا تقبل الجدال حتى لو أثبت الواقع عكس هذه الحقيقة. فالوحدة ليست هي النظرة المنغلقة التي قلنا عليها كما نرى الكأس من أعلى أو من أسفل لكنها في الأصل هي السلوك والممارسة وهي الفعل الذي تقوم عليه نتائجها وتتحقق شروط التوحد فيها.
إن الوحدة التي ولدت نظرتين ليست هي الوحدة الحقيقية، لان من يعيشها في الواقع أتراحاً ليس كمن يعيشها أفراحاً، كونها خلقت متضادين، وكما يقول المثل من يده في الماء ليس كمن يده في النار. أو إن أردنا بالقانون الفيزيائي، المتضادان لا يلتقيان وإن تلاقيا تنافرا، هذا هو المعمل التجريبي للواقع، الذي أثبت أن الوحدة هي الائتلاف والتلاقي، وما يتبعهما من مفردات المواطنة المتساوية، العدالة، الحقوق المتساوية وغيرها، والوحدة ليست شعبين أحدهما يعيش الشقاء والآخر السعادة، أو الحزن والآخر البهجة أو النصر والآخر الهزيمة، ويدعون أنه شعب واحد، وإلا فإن التضاد في هذه الحالة هو في اللاوحدة بين شعبين، إن الحالة التي فرضها يوم 7/7 كان بالنسبة للجنوبيين على أرضهم أشبه ما يكون بيوم الزلزلة، يوم الصاخة، يوم الراجفة تتبعها الرادفة، يوم بلغت فيه القلوب الحناجر، اليوم الذي نهبت فيه الأرض وهتك فيه العرض، يوم يتم فيه الأطفال ورملت فيه النساء بلا مأثرة تذكر لهم ولا قريب يحميهم أو مجيب يسمع نداءهم، هل يستويان مثلا مع من كان حالهم ذاك في ذلك اليوم وبين الذين كان لهم يوم مشهود، يوم الفتح والزحف، يوم الشهادة والتعويض يوم الفيد الأكبر حين سلبت الأرض لهم ونهبت المؤسسات وغيرها ملكا وفيدا وغنيمة، فكيف بحال من دمرت المنازل على رؤوسهم في سبيل القضاء على الشيوعيين وإخضاع وتطويع الباقين من المستضعفين، حتى صار هذا اليوم رمزا للبطولة على شريك الوحدة، رمزا للنصر على من ألغيت شراكته، نصرا للوحدة على من لا وحدة له تقيم أوده أو صلبه أو تروي ظمأه أو تشبع جوعه أو تكسو عريه، إنها وحدة تصنع الاغتراب والخوف والعذاب والمعاناة في أبناء الجنوب على أرضهم وفي سكناهم، لا نقول هذا تعبيرا عن القلة القليلة التي كانت في الصف الآخر المستفيد من تدمير الوحدة، ولكن المعاناة التي يعيشها معظم الجنوبيين، وتعبيرا صادقا عن كل مشاعرهم بسبب هذا اليوم المشئوم في ذاكرتهم وخلدهم، ومن يقول عن هذا اليوم بأنه تخليد وتأييد للوحدة فهو أعمى البصيرة ولا يعرف من حقوق وكرامة الإنسان إلا ما تبثه وتدعيه أبواق السلطة.
اعتبار 7/7 يوم للنصر هو تحد لمشاعر الجنوبيين.
إن الذين يتبجحون بهذا اليوم بأنه يوم الانتصار العظيم أو أنه المأثرة أو هو الملحمة التاريخية لدحر عناصر الانفصال إنما هو سلوك متأزم وموقف انتقامي من الآخر لأنه يثبت بأن سلوك الطرف الذي فرض مسمى النصر ضد الطرف الآخر الذي سمي بالمهزوم إنما هو سلوك لا وحدوي يعتمد على اسس القوة، الوحدة لا تقبل القوة ولكنها تقوم على معايير وشروط إنسانية للعيش والتعايش والمقومات المختلفة للحقوق ومزايا الحياة الكريمة بأبعادها الإنسانية التي تحقق أهداف الوحدة والأغراض التي قامت من أجلها لكن حينما تفرض شروطاً ومعايير غير التي تأسست عليها الوحدة والتي يجب أن تكون هي كذلك حتى نسمي ذلك بالوحدة. لذا فإن السياسة أو السلوك الممنهج ضد المعايير الحقيقية لها إنما يصب في إطار المصلحة الشخصية أو المنافع الآنية التي تدمر الوحدة مهما كان التذرع والتبرير تحت شعار حمايتها، وعندما يخلد مثل هذا اليوم بأنه انتصار للوحدة إنما هو أسلوب إلغائي وناف للجزء المكمل والمتمم لهذه الوحدة وبالتالي فإنه يعبر بوضوح على ما يلي:
- أن هناك هزيمة وانتصاراً والوحدة لا تقبل منتصراً أو مهزوماً طالما تردد عبارة شعب واحد إلا إذا كان الشعب شعبين، والمنتصر هو المستفيد والمهزوم هو الخاسر وكيف يكون الربح والخسارة في ظل ادعاء المواطنة المتساوية التي هي أحد شروط الوحدة؟
- أن هذا اليوم خلق وضعا آخر وفرض القوة على الأرض وعلى الإنسان الجنوبي، وحينما تستخدم القوة لفرض الحلول وحسم الخلافات فإن القوة عبر التاريخ تفرض شروطها للمنتصر في الحرب على المهزوم فيها وهنا تنهدم أسس وشروط الوحدة طالما كانت بين الطرفين اللذين أقاما بنيانها وليس في جزء محدد من أحدهما.
- أن هذا اليوم كذكرى للحرب وما نتج عنه من عنف ومآس وظلم وقهر وسيطرة واستحواذ وسلب ونهب وغيره لا بد أن يخلق وقد خلق انعكاسات نفسية وسلبية في الشريك الجنوبي وبرزت معالمه في كل مناحي حياة أبناء الجنوب وأصبح الاستفزاز لمشاعرهم وإنسانيتهم وكرامتهم يكرس في منافسة كهذه بالتالي ما هي إلا استمرار للخطأ والإصرار عنوة على ذلك بما يعني الاستمرار في الوحدة الخطأ الناتجة عن ممارسة السلطة.
- بدلا من أن يعتبر النظام هذا اليوم منطلقاً لمراجعة الأخطاء وتلافي العيوب بدلا من استمرارها يكون العكس باعتباره تثبيتاً للوحدة والأيام والواقع يثبتان دحض ذلك الاعتبار الحائد عن الصواب، وبدلا من تعويض المظلومين وإعادة ومراجعة الخلل يتم التشفي والتدمير والتجاهل والاستغفال واستغلال هذا اليوم لمآرب سياسية تفرض استمرار القوة وإلغاء الوحدة.
- إذا كانت هناك نية صادقة وحسنة لاستمرار الوحدة كان لزاما على النظام أن يلغي ذكرى هذا اليوم من ذاكرة الشعب شماله وجنوبه، ولكن يتضح أن المعنى المبطن للنظام ليس إلا الاستفادة من رمزية هذا اليوم لاستغلال مكاسب الوطن لصالح شلة من البشر وقلة من الطامحين على حساب حقوق الشعب وزيادة في تمزيق وحدة الروح الوطنية.
- إن الاستهلاك السياسي لشعار الوحدة بدلا من معالجة السلبيات التي صنعها النظام ما هو إلا رفض الاعتراف بحقوق الجنوبيين ورفض لقضيتهم وتأسيس واقع جديد يقوم على الإخضاع والاستعباد والتهميش وهو ما يؤكده عدم اعتراف النظام بالقضية الجنوبية إلى هذه اللحظة.
إن شروط وأسس ومبادئ قيام الوحدة ومواثيقها واتفاقياتها ثابتة ومحددة والخروج أو النكوص عن أي من هذه المسميات هو إخلال وعيب وفشل لها وهو ما يترتب عليه إخلال وتشوه وتقصير في حقوق الإنسان وتعد على أسس حياته والأفظع منها أن تدمر وتمحى بالحرب فهي هنا ذروة الإرغام وقمة الإذلال ومنتهى الإجحاف في حق المجتمع والإنسان المستهدف فيها (الجنوب) باعتبار الوحدة التي خلقت واقعا مغايرا لما هو مأمور منها وشاذا عن أهدافها وأبعادها بغض النظر عن من تسبب في ذلك فإنه لا يولد إلا الرفض والجحود والمقاومة، مهما كان الوعي بقيمة وأهمية هذه الوحدة في حال تعارضها مع مصالح الإنسان. فأنت قد تغضب وتستاء من الشمس إذا سببت لك حروقاً في بشرتك أو حين يخطرك طبيب ماهر بأن هذه الشمس بأشعتها الفوق بنفسجية قد ولدت في جسدك ورما خبيثا فإنك تعتبرها حتما ألد أعداء حياتك، حتى أنك قد تنسى أنها مصدر الحياة كلها. لذا فالمصيبة كلها أن تستمر المعاناة وتستمر معها سياسة النظام في التعامل مع شركاء الوحدة بالاستفزاز وجرح المشاعر وقلب وتصوير الواقع بغير حقيقته تحت غطاء الشعارات الوحدوية البراقة مستغلا شكليتها الأخلاقية وموهما الجماهير بصواب موقفه وسمو قيمه الوطنية لكسب المزيد في الساحة الشعبية. لكن أشكال وصور التضليل لن تنطلي على كثير من أنصار الحرية والعدالة والتغيير في الشعب اليمني وخاصة الجنوبي طالما هناك قضية باسم الجنوب لا يكاد النظام وأنصاره الغارقون في التخلف والإدمان على العبودية والاستبداد منهم من لا يعترفون بها ولا بمبدأ الشراكة والحقوق والعدالة والمساواة ولا يعرفون مبادئ وأسس التعايش المجتمعي.
لذا فإن معطيات الواقع تفرض علينا الأخذ بالاعتبار والعمل بالآتي:
- إن السياسة القائمة للنظام تقوم على الإصرار والتمادي في انتهاك الحقوق وعدم الاعتراف بالقضية الجنوبية.
- إن هذه السياسة غير المتوازنة واللاوحدوية هي التي تفرز كل يوم مشاكل جديدة وتعقيدات جديدة في الساحة والسلطة تفرضها لمواجهة قضية الجنوب ومقاومة أي تغيير في الواقع للخروج من هذه الأزمات.
- على كل أبناء اليمن المتطلعين إلى المستقبل والتغيير شمالا وجنوبا أن يعدوا عدتهم لمواجهة ما بعد الأزمة وتحلل أجهزة الدولة والقيام بتشكيل لجان شعبية لحماية أنفسهم وما تبقى من مقومات الحياة التي تحمي الممتلكات ومواجهة الفوضى.
- على أبناء الجنوب خاصة إعداد أنفسهم لمواجهة الأزمة التي خلقها النظام وانتشار عناصر القاعدة، عليهم تشكيل لجان شعبية لحماية أحيائهم ومناطقهم ومدنهم وتأسيس مجالس هرمية تؤسس لسد الفراغ الإداري والأمني لمواجهة زرع الفوضى والاختلالات.
- على أبناء الجنوب خاصة توحيد صفوفهم وترك الخلافات الأنانية على من يدعون (البعض منهم) أنهم قيادات الحراك حتى لا تضيع فترة نضالهم السابقة هدرا أو تصادر منهم، وهو ما يعتبر تفريطاً بحق الشهداء والجرحى وما قدموه من معاناة وبالتالي ضياع قضيتهم وعليهم تمثل القيم النبيلة التي بواسطتها وغيرها فقط تتحقق مطالبهم المشروعة.
والله الموفق