مسعد: النظرة الطوباوية تجاه ثورة التغيير انعكست سلبا على حل القضية الجنوبية
2011-07-06 09:14:14
كتب/صالح محمد مسعد (أبو أمجد)
إن الثورة في أي مجتمع هي فعل جاد ومخلص، ويمثل ذروة النشاط الإنساني وقمة الجهد البشري من أجل تغيير الواقع أو قلبه أو نفيه، ويتم من خلال طموح الإنسان وتفكيره وتدبيره مع فعله وتأثيره عبر تحليل الواقع واتخاذ الوسائل واختيار السبل التي تمكنه من الوصول إلى إخراج الفعل إلى مداه المنتج لحالة التغيير.
وحينما يكون الطموح فائضا عن قدرة الفعل ويكون التصور والخيال غير مطابق للواقع أو غير مدرك له، وعندما تصير الثورة طموحاً يتجاوز الواقع، فإن هذه الثورة ستظل تدور رحاها بين الطموح ومدفوعة به وبين الواقع المحكومة والمقيدة به وبتعقيداته.
تلك هي حال ثورة التغيير التي نظر إليها قيادات المعارضة والحراك الجنوبي وكذا قيادات الثورة الشبابية والمعارضة عموماً بأنها ملحمة التغيير للواقع، كما هي أيضا نظرة الكثير من الجنوبيين في الداخل والخارج بأنها حبل النجاة وسفينة الإنقاذ في حل القضية الجنوبية. هذه النظرة المرهونة بالطموح لم تشفع لها الاندفاعة العارمة في تحقيق إزالة النظام، لأنها انطلقت بتلقائية وعفوية لا تربطها اسس ولا مقدمات لصنع ثورة حقيقية تنطلق من الواقع وتتحرك وفقا لإيقاعاته كونها أغفلت تحليله ودراسته لإدراكه، فكانت النتيجة بقاء قضية التغيير في محل مراوحة لا يمكنها أن تتقدم أو تتراجع إلى الوراء، ولعدم استقلال القضية الجنوبية عن التغيير وجدت لدينا بالتالي قضيتان على أرض الواقع مما يزيد من تعقيدات الحلول لهما في المشكل الوطني في الوقت الذي كان يمكن أن تكون القضية الجنوبية بحاملها السياسي الحراك داعماً بشدة للتغيير وليس بديلا لحل هذه القضية، حتى لا يكون الربط المصيري والجدلي عائقا أمام حل القضية الجنوبية، لأن قضية التغيير هنا قضية ترتبط بالمتغير الاجتماعي نفسه وبتعقيد وتركيب المجتمع، بينما القضية الجنوبية قضية مفتعلة لا تدخل في تعقيدات وبنية المجتمع اليمني بشكل عام وإنما تحكمها السياسة المخلة بالشراكة، وتستطيع أن تعيد ترتيب وضبط الحلول من خلال الشعب الجنوبي نفسه الذي قدم هذه الشراكة، وذلك بالعودة إلى جذر الخلل وأس المشكلة التي أدت إلى بروزها، وإذا كانت قضية التغيير مرهونة بعلاج الداء المجتمعي خاصة الشمالي، كون التغيير في الجنوب أكثر نضجا بدليل نجاح العصيان المدني الكلي في الجنوب رغم تحفظ البعض تجاه قضيتهم، لذا فالقضية الجنوبية توجد لها كثير من وسائل الحلول إذا أخلص القائمون والمعنيون في حلها، وحلها الامثل يكون إذا توافق الجميع وسار الشعب جله أو كله نحو التغيير، وإذا كان العكس فستبرز أخطاء النظرة الطوباوية التي لم تراع خصائص الواقع اليمني وتعقيدات الحياة الاجتماعية فيه من قبل الطرفين من خلال المؤشرات التالية:
-الخلط بين حل القضية الجنوبية ومشروع ثورة التغيير باعتبار نجاح التغيير الافتراضي هو الحل الممكن لكافة قضايا المجتمع، ونؤكد بأنه بالإمكان أن ينطبق الأمر على التغيير الجذري السريع الذي يمكن أن يؤدي إلى بناء منظومة سياسية جديدة في الحكم ذات توجه حضاري ومدني يؤمن بالحقوق والمساواة والعدالة وغير ذلك، وهذا ضمان في الجانب السياسي، أما الجانب الحقوقي فإنه بحاجة إلى عقود حتى يتم الشروع في تغيير حقيقي، وبذلك تظل حياة أجيال بكاملها مصادرة، وهو ما يوجب فصل القضية الجنوبية لانعدام التغيير، ومع ارتباطها والمجتمع الآخر يرفض التغيير يكون الحراك قد تراجع خطوات كبيرة إلى الوراء في ثورته الأم ولم يحقق فائدة منها.
-إن فرضية نجاح التغيير رسمت بمعزل عن دراسة الواقع كطريقة مثالية أقرب إلى التمني وما هو مثالي لا يكون واقعياً بل يوتوبي وهو ما يتنافى مع حقائق التغيير الفعلي. وهنا فإن هذه النظرة سيلازمها القصور في نجاح التغيير، الأمر الذي ينعكس سلبا على حل القضية الجنوبية.
اختزال فترة نضال الحراك الجنوبي مع بداية قيام ثورة التغيير وهو ما يعني إسقاطاً لفترة طويلة وهامة لنضال الحراك منذ خمس سنوات، عندما اعتبرت بداية قيام ثورة التغيير هي بداية للمرحلة النضالية الجديدة مع عدم الأخذ بالاعتبار والحسبان لشهداء الحراك وجرحاه ومعاناته، في حين أن الاعتبار مقصور على شهداء التغيير والتاريخ النضالي مرتبط مع بدايته، بينما الحراك الجنوبي هو المقدمة الحقيقية لثورة التغيير إذا أردنا الإنصاف، وهنا طرأ تهميش جديد ومصادرة حقوقية ومعنوية تضاف لسابقاتها فيما يخص الجنوب.
-النظرة الطوباوية إلى الواقع اليمني هي التي اعتبرت هذا الواقع آلة ميكانيكية تتحرك بالتلقائية وفقا لقوانين فيزيائية، وبحلول التغيير تحل قضايا المجتمع جميعها، بينما المجتمع له قوانينه الخاصة التي تتحرك ببطء شديد، وربما تعارض بعض التدخلات الاجتماعية أو العوائق طريقة التوجه المستمر إلى الأمام. وهنا يكمن خطأ النظرة الجزافية لربط القضية الجنوبية بقضايا ومشكلات أخرى، بينما يفترض أن يكون الحل أو التأسيس له بوضوح في مقدمة أي مشروع جديد حتى لا يتم الدخول في المتاهات والتعقيدات المحتملة ونعود إلى دراما جديدة من النضال الشعبي والمعاناة، حتى ولو بعد قيام التغيير، لأن النظرة المجتمعية لا زالت سلبية ومشوهة وتقليدية وستظل ردحا من الزمن تحكمها ثقافة الماضي تجاه الوحدة وموجبات وأسس التعايش المجتمعي.
فكر التغيير والقضية الجنوبية ورفض تعقيل الواقع
مما سبق نستنتج أن فكرة ثورة التغيير وفكر أنصار حل القضية الجنوبية من الجنوبيين عبر التغيير يشتركان في القصور الفعلي لتنظير الأحداث والتوحيد بين الواقع والفكر أو بين المثالي والواقعي وهو مكمن النقص لدينا وكل الشعوب المتخلفة الواقعة في الثنائية بين ما هو واقعي أو مثالي وبين ما هو ديني وما هو دنيوي..الخ. وهو الذي أدى ويؤدي إلى الفكر الانعزالي أو كل فكر يطير فوق الواقع ويعلو ويتعالى عليه أو أي فكر مصمت بلا دلالة، أو أحداث متفرقة بلا معنى، ولو كان لدينا فكر رافض لكل مثل تلك النتائج السلبية ولدينا فهم للواقع وتوحيده بالفكر وتحديد أولويات مشاكلنا وأسبابها لاستطعنا مواجهة التحديات ومن أجل القضاء على الفصام الذي نقاسي منه بين طبيعة ما نفكر فيه وبين فهم طبيعة وتركيب المجتمع ومكوناته وتشابكه وتعقيداته وموروثاته ومخلفاته، عندما أيقنا أن نجاح التغيير هو الحل الأمثل الذي نخترق به الفضاء ونجتاز به كل السبل ونشق به كل الطرق بنظرة شمولية عفوية، والعكس عندما تحدثنا عن حل القضية الجنوبية على استحياء لأن الواقع أعتى وأقوى مما نستطيع أن نصوغه أو نعقله، هنا لا نستطيع تحديد ماذا نريد وبأي شيء نبدأ وما هي وسائل التفكير في تعقيل الواقع. ورفض النظرة العملية المرتبطة بالواقع لأهم المشاكل والبدء في حلها هو رفض سياسي في الأساس، لأننا نؤثر السلامة أحيانا وأخرى نتزلف من أجل الارتزاق أو الكسب أو من أجل الوصول وغيرها، وعندما يصبح طريق الثورة هو الخيار الوحيد فعلينا أن نسلكه ولا بد من مواجهة التحديات ولكن بمنهج محدد واستراتيجي ينطلق من الواقع ويرتبط بتغييره، ولتفصيل اختلافنا فيما يخص معاكسة منهج الثورة وتراجعها فإننا نشير إلى التالي:
أولا: ثورة التغيير وساحاتها:
إن الثورة التي انطلقت من الساحات تحت اسم التغيير كانت تتكئ على أسس عفوية غير مرسومة لقيامها مما أدى إلى فصام في النظرة الحقيقية للواقع كون الثورة قامت وترتبط بالآتي:
1-الثورة كانت انطلاقة عفوية ومبنية على تراكمات ليست نظرية أو فكرية عن تغيير الواقع ولكنها تراكمات منطلقة من المعاناة وفساد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية برمتها، وهنا تبتعد عن أن تكون منهجية، كونها قامت بدون تنظير سياسي وفكري عملي، ولم تقدم المعارضة ولا المفكرون أو الأكاديميون أو غيرهم أبسط إثراء نظري أو فكري أو تحريضي للفعل الثوري الذي نحتاجه للانتقال من هذا الواقع إلى واقع جديد، ربما ساعد في قيامها نسبيا ثورة التقنية للمعلومات والاتصالات، ونسبيتها لأن أقل نسبة من اليمنيين هم من يتفاعلون معها، ولذلك تراجعت الثورة.
2-هي ثورة قامت على التقليد كونها اعتمدت في فعلها وحركتها على تقليد ثورتي تونس ومصر، وهما بلدان مختلفان عن اليمن من حيث تركيبة المجتمع وبنيته التقليدية الداخلية وفي أن المجتمع اليمني بل معظمه منشد إلى الماضي وغارق في إرث وعادات وتقاليد العهود البائدة، وهذا لا يوصلنا إلى نتائج الثورات المقلدة.
3-ثورة التغيير لدينا مقيدة بسياج المحيط الجغرافي والإقليمي والنهج السياسي لكبرى دول النفط وتقاطعات مصالح الدول الكبرى التي ترعى مصالحها أكثر من مصالح الشعوب الأخرى وستكون مواقفها تبعا لمواقف دول الجوار النفطية، وسيترتب على عدم رغبة هذه الدول في إحداث نقلة نوعية في شكل وطبيعة وتركيب المنظومة السياسية لليمن الجديد تأثيره على الثورة ناهيك عن تأثير طول اليد الفاعلة والمتدخلة في شئون اليمن من قبل هذه الدول المحيطة وما يرتبط بذلك من العجز الاقتصادي ومستويات الانهيار في بلادنا فإنه حتما سيكون العامل الأقوى والمؤثر على الثورة ونجاحها.
من كل ذلك لا يمنع أن يتم التخطيط لثورة حقيقية مدروسة وممنهجة على المدى القريب إلى البعيد يحقق تغييراً حقيقياً مدروساً يرتبط بالواقع وبكل ما يتصل به من ظروف موضوعية وذاتية يتم فيها تعقيل الواقع وربطه بالفكر والتخطيط بالتنفيذ مع جدلية النظري بالعملي بعيدا عن مشروع المعارضة أو المشترك التي قدمت مشروعاً سياسياً وليس ثورياً رغم أنها اليوم ترتبط بالثوري والسياسي المرحلي في وقت واحد وهو ما يتناقض مع مبادئ الثورة لأن الثورة هي تغيير جذري وأي إصلاح سياسي لا يمكن على الإطلاق أن يكون بديلا لما هو ثوري، وما قدمه المشترك عن مسمى الهبة الشعبية التي غرق فيها إلى الآن لم يكن كذلك لأنه لم يتعاطى مع الجماهير ولكنه تعامل مع النظام في الترتيبات السياسية المتماهية مع مصالحه ليس أكثر.
ثانيا: القضية الجنوبية والتغيير
إن الانحراف عن الفعل النضالي الثوري للحراك والارتماء في أحضان التغيير والدفء بين تلابيبه وفي ثناياه قد أفقد الحراك زخمه وأوجد التراخي في حل قضيته، ليس لأن الحراك شرطا عكسيا مضادا لحركة تغيير النظام بل باعتباره جزءا منه، ولكن لأن الحراك بما هو عليه من تجربة ثورية للتغيير وسباق فيه يتم احتواؤه بالتغيير المستحدث الذي يفتقد فيه الصلابة النضالية والاستمرارية، وتوضع الفروض والأفكار البعيدة عن الواقع لصالح ساحات التغيير بدون مراعاة وأولوية مشاكل الحراك وإبهات دوره في حل قضيته ومن غير طرح حتى سؤال، ماذا يكون البديل في حالة عدم إنجاز التغيير؟ هنا يكون فكر التغيير قد خلق تبايناً في صفوف الحراك وقياداته أكثر من المحافظة على وحدة الحراك بالوعود العرقوبية.
لذا لا بد أن تكون التصورات الفضفاضة والمغالية والطامحة فوق الواقع الحالي، من قبل بعضنا قيادة أو جماعات أو أفراداً في الداخل أو الخارج من الجنوبيين، بحاجة إلى مراجعة المواقف المتعثرة تجاه الوضع الفعلي المعقد والمتشابك والذي كنا نأمل فيه الوصول للتغيير وحل قضيتنا حلا عادلا كما هو مصنف في شعارات ووعود ساحات تغيير النظام، وحتى يتم تطبيق التصورات والأفكار في نطاق الواقع المعاش وفي حدوده بعد فهمه وإدراكه والخروج بالقضية المحبوسة في فراغ اللعبة السياسية والواقع المرتبك والمعقد وهو ما يتطلب النظر في التالي:
- هناك تجربة وحدوية اندماجية بين الشمال والجنوب لم تحقق أهدافها وقد خاض الجميع غمارها وعشناها عن كثب فوجدنا أن الحقوق عندما تصادر من الصعب استردادها، والبشر تعيش وتتكافأ بالحقوق لا بالتمنيات والأوهام أو الوعود وإن حسن النية مع شبكة نظام صعب المراس خلقت وتخلق مشكلات وقضايا مثل القضية الجنوبية، فيجب إعادة النظر في وضع كهذا.
- كان المفروض وهو ما يفترض على الجميع خاصة القيادات الجنوبية بعد هذه التجربة لعقدين من الزمن أن تضع في الحسبان أن النظام الذي احتال على الوحدة وخدع شعبين بكاملهما وضللهما بشعارات قدسية الوحدة وأخافهما بالخطوط الحمراء وروج لهما بأن الوحدة فريضة من الله وهي هبة من الخالق لمن يحملون خصوصية بشرية منزلة وبفضلهم تحققت الوحدة، كان يجب إدراك وتوقع أن التغيير صعب المنال لأن جبروت وطغيان النظام يسنده التخلف السائد في المجتمع.
- من المفروض والطبيعي ان لا تتكرر وتتواتر الأخطاء طالما وجدنا أن نظرة المجتمع الذي توحدنا معه عام 1990م إلى اليوم هي نفس النظرة المتصلبة تجاه قضيتنا وحقوقنا لم تتغير إطلاقا لأن النظام لم يغير هذه النظرة بل زاد في تكريسها وأراد تسكين المجتمع وتجميده في فكره وسلوكه وحياته حتى صار عادة لديه.
- كان علينا جميعا سواء في التغيير أو الحراك الجنوبي ألا نتفاءل بتغيير المعدوم بعد معرفة أن فئات غير قليلة من الشعب تعيش بتفكير القرون الأولى تسيطر عليهم الخرافة والأوهام أشبه ما يكونون بعباد الأصنام ومنهم مقدسو ومؤلهو البشر ومبجلو الأولياء ينضمون بالتفكير في أنهم لا يستطيعون العيش إلا تحت ظلالهم وفي أكنافهم ولا يستسيغون الحرية إلا ما وهبت لهم من الأرواح العلية، مسخوا إرادتهم لتستبدل بإرادة مانحيهم في تسيير حياتهم وفي حلهم وترحالهم وفي كل شئونهم.
والله الموفق للجميع.