صنعاء تشهد مسيرات مليونية داعمة لفلسطين        صنعاء تشهد مسيرات مليونية داعمة لفلسطين        المبعوث الاممي يدعو لعدم ربط الحل السياسي في اليمن بقضايا اخرى        تعثر خطة الرد الاسرائيلي على ايران      
    خارج الحدود /
الأهمية التاريخية والعربية والعالمية لثورتي تونس ومصر

2011-03-23 16:06:51


 
 كتب/ د. عبد الرزاق مسعد سلام  تشهد البلدان العربية تطورات متسارعة ومذهلة بل وخارقة للعادة الوطنية والقومية والإنسانية، بدءاً بثورة ديسمبر من العام الماضي ثورة الياسمين في تونس وثورة الخامس والعشرين من يناير المصرية اللتين أسقطتا أهم نظامين استبداديين والأكثر استبدادا في التاريخ الحديث والمعاصر في الوطن العربي وأسقطتا "نظامي العائلتين الجمهوريتين الملكيتين" في تونس ومصر العربية في ثورتين شعبيتين هادرتين مزمجرتين, غاضبتين, بخصائصهما الشعبية والوطنية والعربية والإسلامية والإنسانية، اشترك فيها عدد من الملايين في تونس وأكثر من عشرين مليوناً في مصر وكان ((البوعزيزي)) الشهيد الأول في الثورة التونسية وكانت مدينته ((سيدي بوزيد)) الأولى المدافعة عن كرامة الشعب التونسي وحقه في العيش الكريم وهي من أشعل أوار الثورة  التونسية والعربية المعاصرة وقادها شباب تونس الأقوياء في جميع أنحاء البلاد وسقط فيها على درب الحرية والعيش الكريم والعدل والمساواة ما يقارب من مائتين وخمسين شهيداً والآلاف من الجرحى وفي مصر سقط أكثر من ثلاث مائة وستين شهيداً والآلاف من الجرحى. ثورتان متحدتان بقواهما وأهدافهما.. مختلفتان بخصائصهما وجذورهما..! كانت ثورتا تونس ومصر ثورتين موحدتين في أهدافهما وبقواهما وأسباب نجاحهما مع اختلافهما الوطني والشعبي ومع اختلاف خصائصهما المستمدة من واقع أراضيهما وشعبهما وتاريخهما النضالي ضد استعمارين مختلفين بأساليب حكمهما وسلطانهما القديم وثقافتيهما المتقاربتين في نظامهما المعاصرين المستبدين، حيث تم استبدال نظام الملكية فيهما بنظامين جمهوريين بالاسم لكنهما كانا أكثر من نظامين ملكيين مستبدين عائليين مطلقي العنان في الفساد والإفساد وقمع الشعب.. وتلخص أهم أهدافهما وقواهما ومضامينهما وأسباب نجاحهما وخصائصهما الوطنية والشعبية بالتالي:-  كان هدف الثورتين إسقاط الدكتاتورين ونظام الدكتاتورية والقضاء على الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي ورموزه في البلدين مصر وتونس وإقامة نظام ديمقراطي حقيقي لا شكلي تحقق فيه العدالة والمساواة على أساس دستور جديد يضمن المشاركة الفعلية لكل أبناء الشعبين المصري والتونسي دون استثناء وخلق نظام التعددية والديمقراطية البرلمانية والمحلية الحقيقية في البلدين لأول مرة دون تمييز طبقي أو سياسي أو اجتماعي أو ديني وتحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية تحقق للشعبين العيش الكريم... وقبل ذلك التغيير الجذري لأساليب الحكم القمعية الأمنية الداخلية القائمة على عقيدة غير إنسانية وعلى خدمة حكم الفرد الدكتاتور والمستبد والحزب الأوحد وخدمة أعوانهما وأتباعهما الفاسدين والمستبدين.  لقد كانت أهم قوة ووسيلة للثورتين المصرية والتونسية هي:-  ((الوحدة الصلدة الشعبية والوطنية في تونس ومصر وفي مقدمتها قيادة وشباب تونس ومصر وعمالها ونسائها وفلاحيها وطلابها في الجامعات وتلاميذ التعليم العام والثانوي وأساتذتها من كل مختلف الكليات والمعاهد المتخصصة، وجميع القوى والأحزاب والتنظيمات السياسية والشعبية والوطنية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان التونسية والمصرية وتقريباً الأغلبية الكبيرة للأدباء والكتاب والفنانين والسينمائيين والممثلين والاتحادات الصحفية والإعلامية ومنهم الشخصيات الإعلامية الشهيرة والمخرجون والممثلون السينمائيون وفنانو الموسيقى والغناء الكبار والصغار والملفت للنظر هو الدور أللإيجابي الكبير لجميع الطبقات الوسطى بكافة شرائحها وتقريباً كل علماء الدين الإسلامي وشيوخ وطلاب الأزهر الشريف في مصر. وفي مصر تمت وحدة إسلامية مسيحية  نادرة وتاريخية بالرغم من تأييد البابا شنودة للنظام القديم وسجلت ثورة تونس مساهمة جميع المنفيين السياسيين منذ عقدين وأكثر في أوروبا الغربية كفرنسا وبريطانيا بمختلف اتجاهاتهم السياسية والدينية والقومية والثقافية ولعبت القنوات الفضائية العالمية والعربية الضاربة في وجدان الشعوب العربية كقناة الجريرة القطرية الرائدة والعربية، والبيبي سي وقنوات أخرى والإنترنت ثورة العلم الخارقة لحدود الأرض وكلها سخرها الله سبحانه وتعالى لأيامنا المشهودة في تونس ومصر العربية، وما يتبعها في ليبيا واليمن والأردن والبحرين والعراق...الخ.  لأول مرة في الحياة السياسة في الوطن العربي شهدنا جيوشاً جبارة تقف باستقلالية لصالح الثوار والشعب وبحكمة قيادتها التي لم تسمح باستخدامه لقمع الشعب وأوصلت تلك الثورتين إلى بر الأمان. مع تميز قديم وحديث للجيش المصري العظيم في وقوفه الدائم والرائد للقيام بأهم ثورة قومية في العالم العربي في يوليو عام 1952م في مصر ووقوفه وتضحياته الوطنية والقومية للدفاع عن قضايا الوطن العربي القومية وقضية فلسطين ودعم تحرير البلدان العربية من الاستعمار الغربي في النصف الثاني من القرن العشرين الماضي.... وما تميزه به من أعمال دقيقة وأكثر تنظيماً في إدارة محطات وأيام الثورة المصرية والسلمية, وما تمتع به من عقيدة عسكرية إيمانية نادرة كان ولاؤها الأول والأخير لله سبحانه وتعالى وللشعب المصري وبرزت ثقافة وقوة الجيش وقاداته المدافعين عن العدل والحق بالصورة الرفيعة والمثالية العظيمة التي رأيناها سواءً في مصر أو تونس. لقد شكل الشباب القوة الفولاذية الأولى الفاعلة في الثورتين المصرية والتونسية وبمشاركة فاعلة من شيوخ وشباب ونساء وحتى الأطفال في مصر وتونس، ولم ترهبهم وسائل القتل والقمع الوحشية المعدة إعداداً أمنياً طويلاً وحُدثّت بما يتلاءم وتطور شروط وظروف وزمان القمع الاستبدادية الدنيئة تم فيه التدريب على استخدام قوة الآلة الأمنية ((الانكشارية)) وتم فيه إعداد عشرات الآلاف من الرجال على أساس وحشي وبربري لليوم الذي يتم فيه مواجهة ثورات شعب مصر وتونس وتم إعداد الجيوش السرية المنتشرة في مربعات المدن والأحياء والعمارات والشوارع والمؤسسات التعليمية العامة والثانوية والجامعات والاتحادات الإعلامية والصحفية والمنظمات النقابية والمهنية والفلاحية والاتحادات الإعلامية والصحافية, والاتحادات الاقتصادية والصناعية والتجارية والثقافية وفي الوحدات السكانية... مع تعويل ((خاب)) على القوات المسلحة الحديثة القائمة على أحدث وأرفع الوسائل والآليات العالمية الحربية والعسكرية المعتمدة على أحدث وسائل العلم والتكنولوجيا وثورة الاتصالات. ومع ذلك فقد كان لشباب وشعب مصر وتونس ما أرادوه فأسقطوا الدكتاتوريتين والدكتاتورين الصنمين بن علي ومبارك وسلطتيهما العائليتين والتي سرعان ما فاضت روائحهما الكريهة من فساد فاحش وثروات مسروقة من عرق ودم الشعب التونسي بصورة أكثر قبحاً وأقل قبحاً عند قيادة النظام المصري المخلوع على مدى ثلاثة عقود من الحكم (الجمهوري المطلق) لبن علي ولحسني مبارك.. واستطاعا هذان الحاكمان أن يجعلا من مصر وتونس أرضاً وثروة وتجارة واقتصاد وخزينة للعائلة وشلة من الفاسدين وحولا الحزب الدستوري والحزب الوطني في مصر من حزبين للتحرير والعدالة إلى حزبين للاستعباد للشعبين وللإثراء الغير مشروع وهو ما جعل السلطات الدولية بأن تتحرك بسرعة فائقة للتحري عن أموال مبارك وعائلته والحجز على أموال بن علي وأسرته في البنوك العالمية وفي البنوك الداخلية والخارجية. وتم إيقاف التصرف بأموال الرئيس حسني مبارك وأسرته من قبل النائب العام المصري حتى الآن ومنعه وأسرته من السفر خارج مصر.  كان لنجاح الثورتين الشعبيتين التونسية والمصرية العظيمتين الريادة التاريخية العربية والعالمية كثورتين سلميتين إتسمتا بنموذجهما العربي والإسلامي العالمي الفريد ومثلتا بحق ثورتي القرن الواحد والعشرين على الساحة العالمية وتعتبران أهم سماته اليوم.. حيث أصبح اليوم بمقدور الشعوب التواقة للحرية من نظم الاستبداد والحكام الفاسدين وبوسائل إتصالات سهلة ولكن بوحدة شعبية تتحكم بها ثقافة الحياة المشتركة والعيش المشترك والحق والعدل للجميع ومن أجل الجميع بعيداًً عن النزعات الضيقة والذاتية والعصيبة والعنصرية والمذهبية والدينية الرافضة للفساد الخاص والعام على أساس من دولة النظام والقانون والتطور والازدهار للشعوب والأمم وتنظيم ثروتها وإمكانياتها خدمة لأهلها. باختلافهم وتنوعاتهم العرقية والدينية والثقافية دون استثناء..  لقد ألهمت ثورتا مصر وتونس شعوبنا العربية المغلوبة على أمرها "وعلى الفور" الخاضعة لما يزيد على أربعة عقود على دكتاتوريات ليبيا واليمن والأنظمة الغير عادلة في البحرين، والمغرب والجزائر وسلطنة عمان.. الخ وستلقيان بظلالهما دون شك على بلدان القارة الأفريقية وبلدان آسيوية ولاتينية أمريكية وربما دول وبلدان غنية وكبيرة في عالم أوروبا الغربية والشرقية والولايات المتحدة الأمريكية. لقد تميزت ثورتا مصر وتونس بخصائصهما الوطنية والقومية والعلمية وكان لهما حجمهما وقوة تأثيرهما داخلياً ودرجة تنظيمهما وحجم المشاركة الجماهيرية والشعبية فيها حسب كثافة سكانها ودرجة تطورها المادي والمعرفي والحضاري.. حيث الفوارق الثقافية والتنظيمية لا تختلف كثيراً إلا أن ثورة مصر مثلت قمة الإبداع والكثافة السكانية في الإعتصامات والاحتجاجات اليومية والانتقال التصاعدي للفعاليات بشكل رأسي وأفقي في ميدان التحرير في العاصمة المصرية القاهرة، وفي ألإسكندرية، والإسماعيلية، وسيناء..الخ حتى تجاوز ذلك عشرات الملايين وقد قال فيها بارك أوباما بأنها ثورة شعبية يجب أن تدرس في كل أنحاء العالم وقال فيها الشيخ الجليل القرضاوي رئيس اتحاد المسلمين.. إن على العالم إذا أراد أن يتعلم معنى الحق عليه أن يتعلم من تجربة ميدان التحرير في القاهرة : لقد أثبتت حركة الإخوان المسلمين في مصر وحركة النهضة الإسلامية في تونس أنهما قوتان أخلاقيتان حضاريتان وبأن لا مكان للتطرف في صفوفهما بعد اليوم وكجزء من المنظومة السياسية والاجتماعية لشعبي مصر وتونس، فقد نالهما الاضطهاد السياسي  والوطني لزمان يزيد عن ثمانين عاماً ويسجل التاريخ منذ أوائل القرن العشرين في مصر بأنهم خاضوا حروب التحرير الوطني والحركات الفدائية والتي تكللت بخروج المستعمر.. والمهم الآن أن على هذه الجماعات التغيير في برامجها وتسمياتها والاتجاه نحو الالتحام بالوطن وطبقاته وشرائحه وفئاته وأديانه ومذاهبه والعمل على العون لتحقيق ديمقراطية حقيقية لكل أبناء الشعبين.




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign