الزبيدي يهدد بطرد العليمي من عدن        صنعاء تدشن العام العاشر باوسع هجوم بجري وجوي ضد اهداف امريكية واسرائيلية       صنعاء تدشن العام العاشر باوسع هجوم بجري وجوي ضد اهداف امريكية واسرائيلية       صنعاء تدشن العام العاشر باوسع هجوم بجري وجوي ضد اهداف امريكية واسرائيلية     
    تحقيقات. /
المبيدات الفتاكة.. تجارة نشطة في ظل غياب الدولة ثمنها أرواح اليمنيين
اختفاء شحنة الموت من حوش مكتب الزراعة في تعز بعد أشهر من القبض عليها

18/03/2015 17:05:37


 
تحقيق ــ رشيد الحداد
أصبح تهريب المبيدات الزراعية، المحرمة دوليًّا، مشهدًا يوميًّا، وبات تجار الموت يمارسون القتل بسمومهم الفتاكة دون خوف؛ فالدولة انهارت، والجهات الحكومية المسؤولة عن مكافحة تهريب المبيدات الخطيرة أعلنت فقدانها السيطرة، وأخلاق التجار من موردين ومسوقين انتهت، والوازع الديني اختفى - أيضًا - كاختفاء أربع قاطرات محملة بالمبيدات القاتلة في مفرق الجوف، واختفاء شحنة المبيدات السامة من حوش مكتب الزراعة والري في تعز. "الوسط" تتبعت ظاهرة تنامي نشاط تهريب المبيدات، وفضيحة شحنة نقيل الإبل التي اختفت الأسبوع الماضي، وأصبح مصيرها كمصير شحنة حي الجراف التي لم يتخذ أي إجراءات للتخلص منها، بل ما زالت محجوزة في مدفنها.. إلى التفاصيل:تصاعد تهريب المبيدات الزراعية السامة إلى أعلى المستويات في الآونة الأخيرة.. وفي ظل غياب الدولة وتصاعد الانفلات الأمني في العاصمة والمحافظات بات تهريب المبيدات الزراعية القاتلة، والمحرم استخدامها دوليًّا؛ نظرًا لخطورتها على الحرث والنسل، والتي أصبحت مشهداً يوميًّا في عدة أشهر فقط، أُعلن رسميًّا عن القبض على عشرات الأطنان من المبيدات، إلا أن تلك الإعلانات كانت ذرًّا للرماد على العيون، حيث دخلت البلد كميات تُعد الأضخم والأخطر في تاريخ اليمن خلال الفترة الماضية، ففي أسبوع واحد اختفت أربع قاطرات محملة بالمبيدات المهربة في الجوف، ولم يتم العثور عليها، وكما يبدو أنها فُرّغت إلى شاحنات صغيرة، وسلكت طرقاً متفرقة، وتم تسويقها قبل أن تصل إليها الجهات المختصة.
وقبل أسابيع أُعلن عن إحباط محاولات تهريب كميات ضخمة من المبيدات في المنافذ الجمركية، وفي عدد من المحافظات، كما تلقت الهيئة العليا لمكافحة الفساد بلاغًا بوجود 48 نوعًا من المبيدات الزراعية الفتاكة، المحرمة دولياً، دخلت البلاد، وتم حجزها.
وفي محافظة تعز، التي لا تزال تحكمها السلطات المحلية، وتتواجد الدولة فيها، التي غابت في عدد من المحافظات، تم إلقاء القبض على قاطرة محملة بمبيدات فتاكة، إلا أن الإنجاز الأمني لأمن تعز انتهى بالإفراج عن القاطرة وسائقها والحمولة القاتلة.
شحنة نقيل الإبل
أواخر ديسمبر الماضي ألقت قوات الأمن في المدخل الشرقي لمدينة تعز القبض على قاطرة محملة بمبيدات زراعية محرمة دولياً، وأُعلن ذلك رسميًّا، واعتُبر إنجازًا لإدارة أمن محافظة تعز، وبحسب ضابط المنطقة الأمنية العقيد ياسين أحمد سيف فإن القاطرة رقم (7122/12) تم احتجازها في نقطة نقبل الإبل، والتحفظ عليها، وبعد تفتيشها تبين أن الحاوية التي تحملها القاطرة مرقمة بالرقم ( 399039/ 20)، وقد تم إجراء عملية الجرد في مقر شرطة المحافظة بعد يوم من ضبطها بحضور مدير الرقابة والتفتيش في إدارة شرطة المحافظة، وضابط الأمن والنظام بالمحافظة، ومسؤولي مكتب الزراعة، وبإشراف المساعد لمدير عام الشرطة بتعز، وبحضور كذلك أحمد ضيف الله - مندوب عن مالك الشحنة، ومن خلال الجرد والمعاينة تم تدوين الأصناف.
(ه) ملايين تُخلّص السائق
كغيرها من شحنات عدة آل مصيرها إلى الأسواق بدا تخليص تاجر الشحنة مبكرًا، فالسائق - المتهم الوحيد في القضية - أُفرج عنه من قبل أمن تعز، وأفادت المصادر أن الإفراج عن السائق تم مقابل خمسة ملايين ريال، وبعد ذلك تم إحالة القضية إلى نيابة الأموال العامة في تعز، إلا أن نيابة الأموال طالبت بالغريم "السائق" المفرج عنه، فكان الرد بأنه تم الإفراج عنه، ليكون رد نيابة الأموال العامة بعدم قبول القضية المحالة من مكتب الزراعة والري؛ كون لا غريم فيها، ولم تنظر النيابة في القضية حتى الآن، ليعود مصير الشحنة إلى مكتب الزراعة.
توريد الشحنة لا تحريزها
في السابع من يناير الماضي حُوّلت شحنة المبيدات المحرمة دولياً إلى مكتب الزراعة والري من قبل مديري الأمن بمحافظة تعز، وتم فرز وتسجيل المبيدات في حوش مكتب الزراعة والري.. إلا أن مكتب عام الزراعة في تعز ورّد الشحنة إلى المخازن، ولم يتم تحريزها، واعتبر ذلك محاولة للتلاعب في مصير الشحنة كون الإجراء لا يمت بصلة لعملية التحريز، حيث أصبحت هذه المبيدات تحت تصرف مكتب الزراعة.
رفض النيابة استلام القضية
مطلع يناير الماضي تم إحالة شحنة مبيدات القاتلة إلى نيابة الأموال بتعز لاستكمال التحقيق والسير في الإجراءات القضائية، والتي تم ضبطها أواخر ديسمبر الماضي في منطقة نقيل المدخل الشرقي لمدينة تعز من قبل النقطة الأمنية.. إلا أن نيابة الأموال العامة رفضت استلام ملف القضية المرسل من مكتب الزراعة والري لعدم وجود متهم (سائق القاطرة المفرج عنه) على الرغم من أن المصادر تؤكد أن التاجر، صاحب الشحنة المهربة، معروف ومثبت اسمه في محضر التسليم لمديرية الأمن من قبل ضابط أمن نقطة نقيل الإبل.
وكان بالأحرى بنيابة الأموال العامة بتعز أن تطالب مكتب الزراعة بالمتهم، وتطالب بمحاضر التحقيقات والضبط، وتتخذ إجراءاتها، إما بالقبض على التاجر وإلزامه بالتخلص منها بطريقة لا تتسبب بأي أضرار بالبيئة والإنسان، خصوصًا وأن تكاليف إتلاف المبيدات السامة كبيرة، أو مصادرة الشحنة بحكم قضائي وتكليف الجهات الرسمية بالتخلص منها وإحراقها دون الإضرار بالمجتمع.
ولكن رفض نيابة الأموال العامة في تعز استلام قضية شحنة المبيدات ترك الأمر مفتوحاً لتخليصها والإفراج عنها.
أين الشحنة
بعد الإفراج عن سائق القاطرة التي تحمل رقم (7122/12)، حجمها 40 قدمًا وسعتها تبلغ 20 طناً، تم الإفراج عن القاطرة دون معرفة مصير الشحنة ودون أي حكم قضائي، ولكن كان الإفراج عن القاطرة التي تم احتجازها في حوش مكتب الزراعة والري في تعز،
وإطلاقها كمرحلة ثانية من تخليص مالك الشحنة المرحلة قبل الأخيرة، فالشحنة التي كانت على متن حاوية تحملها القاطرة مرقمة بالرقم( 399039/ 20) اختفت هي الأخرى، الأسبوع الماضي، وكما يبدو أن مالك شحنة المبيدات، البالغ قيمتها 400 مليون ريال، تمكن من تخليصها، وأن تلك المبيدات الفتاكة وُزعت في الأسواق، أو تم تخزينها من قبل التاجر المالك.
فضيحة إخفاء شحنة مبيدات في تعز
طالب نشطاء حقوقيون النائب العام بالتحقيق في مصير قاطرة مبيدات زراعية سامة أُلقي القبض عليها في محافظة تعز في نقيل الإبل - ديسمبر الماضي.. وقالت مصادر محلية في تعز: إن إدارة أمن تعز أطلقت سائق القاطرة المضبوطة مقابل مبلغ خمسة ملايين ريال، كما أن مكتب الزراعة والري أطلق القاطرة رقم 2217/12، والتي كانت محملة بالمبيدات المهربة والمحظورة، كما تم التلاعب بالإجراءات الخاصة بالضبط والتحريز.
وأشار محضر إثبات الحالة إلى أن أحمد ضيف الله السقاف مندوباً عن مالك المبيدات المهربة وقع نيابة عن سائق القاطرة في محضر إثبات الحالة وشحنة المبيدات تابعة لشركة عجلان الزراعية لم تدخل البلاد بطريقة رسمية، بل عن طريق التهريب.
ويتهم الناشطون مكتب الزراعة والري وأمن محافظة تعز بالتلاعب في وثائق الإجراءات، وطالب الناشطون النائب العام بسرعة التوجيه إلى الهيئة العليا لمكافحة الفساد لمحاسبة المتلاعبين بالإجراءات والتربح من ممارسة مهامهم في حماية البلد وأمنها القومي، والإضرار بصحة الإنسان والبيئة، وإحالتهم للقضاء لينالوا العقاب الرادع، وسرعة تصويب إجراءات تحريز المبيدات في مكتب الزراعة والري بتعز، إنْ لم تكن قد غزت السوق المحلية؟
خروج التهريب على سيطرة الزراعة
في فبراير الماضي أعلنت وزارة الزراعة والري خروج تهريب المبيدات الزراعية على سيطرتها تماما.. محذرًا من التداعيات.
وأوضح بيان رسمي صادر عنها أن هناك كميات كبيرة من المبيدات المضبوطة، بعضها منتهية الصلاحية، سعت الوزارة إلى التخلص منها بإلزام المتورطين بنقلها إلى خارج البلاد او إتلافها في بلد المنشأ، وأن الكميات ما تزال محتجزة في ميناء الحديدة، إلا أن مطالبها قوبلت باللا مبالاة من قبل المتورطين في استيرادها.
الأسبوع الماضي أكد مدير عام وقاية النباتات المهندس عبدالله السياني أن مشكلة تهريب المبيدات الخطرة والمقيدة بشدة ما تزال متواصلة، ولا يمكن الحد منها إلا بتضافر جهود الجميع لمواجهتها.. مشيرًا إلى أن "هناك خللاً فنيًّا ساعد على تنامي عملية تهريب المبيدات بشكل كبير في السنوات الأخيرة الماضية".
اختفاء أربع قاطرات بعد القبض عليها
وزارة الزراعة والري اعترفت رسميًّا بأن تهريب المبيدات الخطرة ما تزال متواصلة، وبشكل شبه يومي تقريبا، ولفت إلى أن أربع قاطرات محملة بكميات كبيرة من المبيدات المحظورة شديدة الخطورة ضبطت يومي السابع والتاسع من ديسمبر الماضي في مفرق الجوف، وتم إدخالها إلى البلاد عن طريق التهريب من إحدى دول الجوار، وتم ضبطها في الصحراء، وفيما كانت الفرق الفنية التابعة للوزارة تستعد للنزول الميداني لفحص محتوياتها اختفت ثلاث قاطرات فجأة، في ظروف غامضة.
واحدة من تلك المركبات الأربع تم ضبطها على طريق مأرب صنعاء من قبل اللجان الشعبية التابعة لأنصار الله "الحوثيين"، والتي قامت بتسليمها إلى إدارة أمن أمانة العاصمة.
شحنة الجراف في مدفنها
بينما كنت أتتبع مصير شحنة نقيل الإبل تفاجأت بأن شحنة الجراف التي أثارت الرأي العام، ودفعت الحكومة إلى إعلان القوة القاهرة، ودعت إلى إجلاء المواطنين من المنطقة، لا تزال في مدافنها دون إخراج ودون معالجة، ولا يزال خطرها قائمًا، وحذرت وزارة الزراعة والري في ديسمبر الماضي، في بيان صادر عنها، من استمرار تخزين مبيدات الآفات النباتية ونفايات المبيدات المنتهية، التي ضبطت في حي الجراف بأمانة العاصمة، العام الماضي، ونبهت الوزارة بخطورة تواجد المبيدات ونفاياتها في كونتيرات باعتبار ذلك قنبلة موقوتة تنذر بأضرار بيئية وصحية إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة وفورية لإخراج تلك المبيدات إلى بلد المنشأ، الذي تم استيرادها منه.
وطالبت الوزارة - في بيان لها - بضرورة تكاتف كافة الجهود والتنسيق بين الجهات المعنية للتخلص من المبيدات، وإلزام المتورطين بإخراجها إلى خارج البلاد على نفقتهم وبإشراف الجهات المعنية والمختصة في الدولة، كما أن المحكمة لا تزال تنظر في القضية، والتاجر المتهم.
1000 تاجر يعملون بدون تصريح
وفق آخر تقارير وزارة الزراعة فإن عدد وكلاء الشركات التي تتاجر بالمبيدات الزراعية في اليمن المصرح لهم رسميًّا 52 وكيلا و1800 بائع، منهم 800 مرخص لهم من قبل الوزارة، بما يؤكد أن 1000 بائع للمبيدات الزراعية العاملين في المدن الحضرية يعملون خارج نطاق الوزارة.
ووفق التقرير فإن حجم كميات المبيدات المستوردة من 30 بلداً بموجب تصاريح رسمية في اليمن يصل إلى 1200 طن سنوياً، حيث تشترط وزارة الزراعة بموجب التصريح الرسمي لاستيراد المبيدات بأن لا تتجاوز واردات كل تاجر خمسة أطنان تنفيذًا لاحتياجات اليمن، ولكي لا تزيد الكميات المستوردة من المبيدات عن حاجة اليمن المطلوبة.
كما يؤكد التقرير أن احتياجات اليمن الإجمالية من المبيدات الزراعية سنوياً مابين 2500 - 3000 طن.
قائمة الممنوعات
على الرغم من إقرار وزارة الزراعة والري قائمة بمنع قرابة 800 اسم تجاري من المبيدات الفتاكة، إلا أن تلك القائمة لم تنفذ على ارض الواقع، بل إن مصادر رسمية أفادت بوجود محاولات احتيال من قبل بعض المستوردين وتجار المبيدات على قائمة المبيدات الممنوعة، والتي تمثل 349 مادة فعالة، والتي تحتوي على ما يزيد على 800 اسم تجاري للمبيدات الخطرة، التي في معظمها مسببة للسرطانات، وأشارت المصادر إلى أن قائمة الممنوعات، والتي أُقرت، لم تفعّل بالشكل المطلوب.
المبيدات والسرطان.. علاقة وطيدة
لم تعد علاقة المبيدات الزراعية بانتشار داء السرطان الفتاك في اليمن مجرد فرضية قابلة للصحة والخطأ، بل بات مؤكدًا أن معظم مصابي السرطان، وأغلبهم من الشرائح الفقيرة، بسبب تفشي المبيدات المحرمة دولية، ونظرًا لتصاعد تهريب المبيدات السامة، تصاعدت إصابات اليمنيين بالإمراض الفتاكة كالسرطانات وفيروس الكبد البائي" "c .
ورغم المآسي التي يقف خلفها تجار المبيدات الزراعية، إلا أن النيابيات والمحاكم لم تحكم على أي تاجر مبيدات بالسجن، كما ان الجهات الرسمية لم تعلن عن قائمة سوداء بالتجار المخالفين لضوابط الاستيراد، بل إن لوبي تجارة المبيدات الفتاكة الذين تصنفهم دول الاتحاد الأوروبي بمرتكبي جرائم ضد الإنسانية يبرئهم القضاء اليمني.
الريف.. الملاذ الآمن
تنشط تجارة المبيدات المحرمة دوليا في المناطق الريفية والزراعية، ويعتمد تجارها على نقاط بيع في الأسواق الأسبوعية وأسواق الريف؛ نظراً لغياب الرقابة فيها.
ولذلك تنتقل خارطة السرطان في اليمن من محافظة إلى أخرى سنوياً، ومن خلال زيارة مركز الأورام السرطانية يتبين أن معظم المصابين بداء السرطان هم من سكان الريف.
ويكشف ارتفاع تجارة المبيدات في اليمن ارتفاع أرباحها، إلا أن ربحية التجار مقارنة بالأضرار التي تخلفها تلك المبيدات فادحة، ففرضًا إنْ كان ما يجنيه تجار المبيدات من أرباح سنوية نصف مليار دولار، فإن ما يدفعه المرضى المصابون بالسرطان فقط يفوق المليار دولار سنويًّا، بالإضافة إلى أن تلك المبيدات تحرق الحرث والنسل.

 





جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign