الصحافة البريطانية تكشف عن مضمون عروض امريكية مغرية لصنعاء        كهرباء عدن ....ماساة الصيف المتكرره تحت جنح الفشل والفساد الحكومي        غروندبرغ : نعمل على إطلاق الاسرى وتحسين القطاع الاقتصادي والمالي         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد      
    كتابات /
متى تذوب الطموحات في طموح واحد مشترك؟

04/02/2015 15:44:23


 
د. أحمد قايد الصايدي

"إن العرب لم يصلوا بعد إلى تلك الدرجة من الرقيّ، حيث العواطف والطموحات تذوب في طموح واحد مشترك هو خلاص البلد.
إن ثمّة كبرياء هائلة جداً هي الخط المميز للأخلاق العربية تدفع كل واحد منهم إلى اعتبار نفسه متفوقًا على أقرانه، وتجعل كل تحرك مشترك أمرًا مستحيلاً".. هذه فقرة من تقرير طويل، قدمه أحد مستشاري وزارة الخارجية الفرنسية لوزارته، في شهر يونيو من العام 1913م، أي قبل الحرب العالمية الأولى، بعد أن أنهى مهمة استطلاعية في بلاد الشام (سوريا - لبنان - فلسطين)، التي كانت موضع اهتمام فرنسي خاص، وساحة تنافس اقتصادي - سياسي، بين أقوى دولتين استعماريتين في ذلك الحين (بريطانيا وفرنسا).
ويذكرني هذا التوصيف لإحدى ملامح الشخصية العربية، بقول أبي فراس الحمداني:
ونحن أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر
وهو قول ينمّ عن حالة من التطرف في الشخصية العربية، رغم انتماء صاحبه إلى الثقافة الإسلامية، التي تعظّم الاعتدال وتُعلي من شأن الوسطية، تأسيسًا على قوله تعالى: "وكذلك جعلناكم أمة وسطًا"، وقول الرسول الأكرم: "خير الأمور أوسطها". وقد يدل هذا على أن الثقافة الإسلامية شيء وطبيعة الشخصية العربية شيء آخر.. وهي طبيعة، إذا صح هذا الاستنتاج، تُشكّل تربة ملائمة للتطرف الديني والدنيوي، الذي يًُخرج صاحبه من إطار هذه الثقافة، رغم انتسابه الشكلي إليها.
وتتبدّى سيئات هذا الملمح في الشخصية العربية، تتبدى في أيامنا هذه وفي بلدنا هذا، في الإصرار على عدم التقارب والتفاهم، وعدم تغليب المصلحة العليا للوطن.. فمَن امتلك القوة بالأمس، منح نفسه من الحقوق، ما ظن أنها تناسب قوته، حتى وإن أضرت بالآخرين.. ومَنْ يمتلكها اليوم ينهج النهج نفسه، وإن اختلفت المظاهر وتباينت الصور.. وما لم يدركه أقوياء الأمس وأقوياء اليوم أن الزمن دوَّار، وأن بقاء الحال من المحال.. أما الأقل قوة فلا يرى في من هو أقوى منه سوى سلبياته، وينكر عليه كل إيجابية فيه، تصلح لمد جسور التفاهم والتراضي وحشد الجهود المشتركة، لتجاوز ما نحن فيه، وفتح آفاق رحبة لمستقبل يشارك الجميع في بنائه.. والنتيجة التي ستفرض نفسها علينا جميعًا، إذا واصلنا نهجنا هذا في التفكير والممارسة، هي القبر فحسب، أي (القبر دون العالمين أو القبر). ولكنه سيكون، في حالتنا اليمنية، قبرًا جماعيًّا للوطن كله.
إن من يتابع القنوات الفضائية، الممولة عربيًّا أودوليًّا، يصدمه حجم الشحن المريع ونشر الكراهية بين أبناء اليمن، بافتعال أخبار ملفقة، أو تضخيم أخبار قد تستند إلى أساس صحيح، لكنه أساس يتم نفخه إلى درجه تفقده صحته.. وذلك بهدف توجيه المشاهد وجهة لا تخدم اليمن ولا اليمنيين.. وقد تخدم الخارج، الذي لا نستطيع أن نسبر أعماقه، أو نقف على حقيقة نواياه.. وهذا الشحن المتعمد - في حد ذاته - يوجب على اليمنيين أن يصحوا ويتبينوا مصالحهم المشتركة، التي تفرض عليهم أن يتجاوزوا خلافاتهم ويبنوا جسور التفاهم فيما بينهم، ويمضوا معًا في مسيرة بناء بلدهم، وهي مسيرة صعبة، تتطلب تضافر جهود اليمنيين جميعهم، بمختلف مشاربهم وتياراتهم وتكويناتهم السياسية.
إنني أتفق مع أحد أصدقائي، الذي ذهب، في حديث له، إلى أننا لا يجب أن نشيطن الخارج.. أتفق معه من زاوية واحدة، وهي أن الخارج شيطان بما فيه الكفاية، بحيث لم يعد يحتاج إلى مزيد من الشيطنة، ولكنه شيطان يعرف مصالحه ويعمل على استخدامنا ضمن أجنداته المرسومة، لخدمة تلك المصالح.. ولا لوم على من يسعى إلى خدمة مصالحه، حتى وإن استخدم أساليب غير نظيفة، فهذه ثقافته، منذ عصر ميكافيلي وحتى اليوم.
إن اللوم كله يقع علينا، نحن الذين لا نعرف مصالحنا، ولا ندرك بأننا نُستخدم لتأمين مصالح الآخرين، ونضحّي بمصالحنا، بل وببلدنا، دون أن يرمش لنا جفن.. فالعدو الأكبر لنا هو نحن.. إننا نجتهد في البحث عن أسبابٍ للخلاف، وإذا لم نجدها نخترعها، وإذا وجدناها ضخمناها، حتى لا نترك منفذًا للتواصل والتفاهم والتعاون.. ونعمد إلى تجاهل موجبات الاتفاق، وهي كثيرة، إمعانًا في تأكيد ثقافة (الصدر أو القبر)، كما أبرزها أبو فراس، ولا نبذل جهدًا لتذويب عواطفنا وطموحاتنا "في طموح واحد مشترك هو خلاص البلد"، كما ذهب إلى ذلك المستشار الفرنسي.
إن الوطن والوطنية مشروع مشترك ينهض به الجميع مجتمعين، ولن يبنيه أحد بمفرده، ولن يفلح أحد وحده في أن يؤدي دوره المطلوب نحوه، دون شراكة حقيقية صادقة مع إخوته الآخرين.. وليس أمام اليمنيين من خيار آخر سوى هذا الخيار.. وأي تأخُّر في الأخذ به، لن يزيد الأوضاع إلا سوءًا، والنفوس احتقانًا، والفرص المتاحة ضياعًا.. فهل يصحو العقل وتذوب العواطف والطموحات في طموح واحد مشترك، هو خلاص اليمن ونهضته؟.. وهل بمقدورنا أن نتحلل مما دُمغت به شخصيتنا العربية، من إحساس كل منا بتفوقه على أقرانه؟، وهو إحساس إذا تخلصنا منه، فسيصبح التحرك المشترك أمرًا ممكنًا، لا "أمرًا مستحيلاً"، كما وقر في أذهان بعض الدارسين لأحوال العرب.




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign