المبعوث الاممي يدعو لعدم ربط الحل السياسي في اليمن بقضايا اخرى        تعثر خطة الرد الاسرائيلي على ايران        اعتراف امريكي بريطاني بنجاح الهجمات اليمنية البحرية والجوية        صنعاء ,, انفجار اسطوانة غاز يتسبب باندلاع حريق هائل في سوق شعبي     
    تحقيقات. /
الجوبي: رمضان يوم الثلاثاء
هلال رمضان.. التوظيف السياسي والجدل الفقهي في تحديده

03/07/2013 18:02:23


 
أمجد خشافة:
يختفي هلال شهرٍ ويظهر آخر على مدار السنة دونما معترك بين الفلكيين والفقهاء، إلا هلال رمضان فيخضع على مدار كل سنة في نهاية شهر شعبان، للجدل النسبي بين الفقهاء والفلكيين، ولم يقتصر الخلاف في تحديد هلال رمضان كجانب علمي حتى درجت السياسة في تحديده، مما فرض جدلًا إضافيًّا بين الفقهاء، وتعتيمًا لدى علماء الفلك.
فخلال العشر السنين الماضية برزت دول عربية وإسلامية في واجهة التوظيف السياسي لدخول شهر رمضان، واعتبار أن من يقرر صيام المجتمعات نالها نصيب من التأثير السياسي على الوطن العربي والإسلامي، وقد تصدرت هذا المملكة العربية السعودية، وليبيا في عهد القذافي، وأخذ عناد الأخيرة بسبب القطيعة السياسية بينهما إلى عدم تقبل إقرار شهر رمضان وصيامه بل ومخالفتها في الصيام، في المقابل وضعت المملكة العربية السعودية من يتفق أو يختلف معها ويؤيدون رؤية هلال رمضان من بقية الدولة العربية تحت ميزان التبعية السياسية لها جزئيًّا أو كليًّا، فاقتصرت بعض الدول على الاكتفاء بما تقوله المملكة العربية السعودية مثل: اليمن، وأغلب دول الخليج، ومصر..
لكن ثمة خطًا آخر تنتهجه بعض الدول، تُخضع اختلاف مشاهدة هلال رمضان ليس لاختلاف رؤيته بل للتعبد به في خلاف الآخرين في صومهم واعتبار ذلك من صلب المذهب الديني لديهم، وهو ما تمثله دولة إيران صاحبة المذهب الشيعي الجعفري، المخالف للدول العربية السنية.

الجوبي: رمضان يوم الثلاثاء
قبل التفصيل في جدلية هذا الموضوع مع الباحث الزيدي حسن زيد، والباحثين في الشؤون الإسلامية: عبدالله القيسي وآدم الجماعي، أعلن المتخصص في علم الفلك اليمني أحمد الجوبي بأن أول أيام شهر رمضان هو يوم الثلاثاء القادم للعام 1434هـ، الموافق 9/7/2013م، وكشف المهندس - عالم الفلك اليمني - محمد إبراهيم الصغيري، أن تمام الساعة العاشرة والربع بتوقيت اليمن الإقليمي من صباح يوم الاثنين 8-7-2013 م يولد - بإذن الله - هلال شهر رمضان المبارك للعام الهجري 1434 الموافق ميلاديًّا العام 2013.
وفي يوم الاثنين ذاته يشاهد قرص الشمس غاربًا في شاطئ اليمن من مدينة الحُديدة في الساعة السادسة والدقيقة الثانية والأربعين، وسيغرب الهلال الوليد لشهر رمضان المبارك في الموقع ذاته بعد حوالى أربع دقائق من غروب الشمس.
ويقول الصغيري، وهو عضو لجنة الأهلَة والمواقيت الشرعيَة في وزارة الأوقاف والإرشاد، والنائب السابق لرئيس الاتحاد العربي لعلوم الفلك والفضاء، يقول: واستنادًا إلى تحقق الشرطين الأساسيين لولادة الشهر القمري الإسلامي الجديد، وهما: ولادة هلال الشهر القمري الجديد أو محاق قمر الشهر السابق كشرط أول، ثم يلي ذلك تحقق الشرط الثاني، وهو أنْ يغرب هلال الشهر القمري الجديد بعد غروب الشمس، يكون يوم الثلاثاء 9-7-2013م هو أول أيام شهر رمضان المبارك للعام الهجري، وفي الساعة التاسعة والدقيقة السادسة عشرة من مساء يوم الاثنين 22-7-2013م في الموقع المذكور يبلغ قمر رمضان صورة البدر التام، وسيكون عدد أيام رمضان ثلاثين يوماً، وفي فجر يوم الأربعاء 7-8 2013م في الدقيقة الثانية والخمسين بعد منتصف ليل يوم الثلاثاء يولد هلال شهر شوال، وفي مغرب يوم الأربعاء 7-8-2013 م ستغرب الشمس في الساعة السادسة والدقيقة الخامسة والثلاثين؛ وبعد ذلك بحوالى خمس عشرة دقيقة سيغرب الهلال الوليد لشهر شوال في الموقع المذكور، وبناءً على ما سبق يكون يوم الخميس 8-8-2013 م هو أول أيام عيد الفطر.

جدل الهلال
دقة الفلكيين في تحديد هلال رمضان بما يستخدمونه من رصد وعبر وسائل علمية حديثة لم يُجِز لها أن تكون المرجعية واعتمادها كمصدر أفضل من الرؤية التقليدية، وهي "الرؤية بالعين" لهلال رمضان، وبدخول المشرع السياسي لرؤية هلال رمضان زاد من الخلاف.
غير أن هذا الاختلاف بنظر السياسي والباحث الزيدي حسن زيد يرى أنه "أكثر من سبب قد تجتمع في حالة وقد تتفرق؛ بمعنى أن الاختلاف في الموقع الجغرافي يؤثر على إمكانية رؤية الهلال من بلد إلى آخر بحسب خطوط الطول والعرض والفصل، وقد تلعب السياسة دورًا في تعمد تقديم أو تأخير إعلان دخول الشهر، ويؤثر كذلك الموقف الفقهي من تحديد توقيت المغرب".
ويعتبر حسن زيد، كما يقول: إن "بعض المذاهب تعتمد الحساب الفلكي باعتبار أنه يفيد القطع بدخول الشهر وتخلق الهلال وإمكانية رؤيته، ويتعزز ذلك باستخدام المجهر الالكتروني والصور، فالاخوة الإسماعيلية - مثلًا - نتيجة لاهتمامهم بعلم الفلك والرياضيات فيما نسمع يعتمدون على الحساب الفلكي وكذلك بعض مراجع التقليد كالمرحوم اية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله، وتواجه هذا إشكالية متعلقة بشرط التكليف في الصيام، بحسب ظاهر النص، هل شرط التكليف بوجوب الصيام على المكلف هو دخول الشهر بصرف النظر عن إمكانية رؤية الهلال من عدم الرؤية أم أن التكليف مرتبط بثبوت رؤية الهلال من قبل شهود عدول، أي أن إمكانية الرؤية بالعين المجردة شرط في التكليف (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فإن غمّ عليكم فاكملوا أو أتموا العدة)".
الأمر باختلاف من يجتهدون كجانب فقهي وعملي تجريبي في دخول رمضان وعيد الفطر في نظر حسن زيد كلهم على صواب ما دام وأن المقاصد تنبني على طاعة لله، أو كما قال: "أعتقد أن من يثبتوا دخول رمضان أو العيد بالحساب الفلكي أو بالاستعانة بالمراصد الفلكية أو يشترطون ثبوت الرؤية بالعين المجردة، كلهم على حق، وأرجو من الله أن يتقبل منا - جميعًا - ما دمنا فيما نذهب إليه ونلتزم به نهدف إلى طاعة الله سبحانه وتعالى؛ والخلاف والجدل كأنه مقصد شرعي فمن خلال ذلك تتوسع معرفة المسلمين بالظاهرة الطبيعية وعظمة الكون وعظمة الخالق وأهمية الوقت؛ والأيام عند الله سواء، وإنما الأعمال بالنيات".

توظيف سياسي مع التباس فقهي
وفيما يتعلق بالتوظيف السياسي لتحديد أول أيام الصوم فقد اعتبر الباحث في الشؤون الإسلامية عبدالقيسي أنه أخذ دورا كبيرا، إذ تصدرت له ثلاث دول عربية، كما جاء بقوله: "هناك ثلاث دول تحاول قدر الإمكان مخالفة الأخرى حتى لو خرجوا إلى يوم ثالث، وهم إيران والسعودية وليبيا القذافي، وبقية الدول تدخل تحت هذه المحاور للأسف، ولقد لوحظ هذا الأمر باستمرار حتى صار مشهورًا بين العلماء والناس، وقد سمعت القاضي العمراني يقول هذا الكلام حين يسأل: لماذا لا يتفق العلماء على تحديد يوم واحد؟، ولكن مع أن هذا هو السبب الرئيس إلا أن تقليد العلماء للمذاهب والتعصب لها ساهم كذلك في هذا الاختلاف، بل وجعلوا من تقليدهم وتعصبّهم عصا يتكأ عليها الحكام، خاصة وأن هناك من العلماء من يصك فتاواه حسب طلب الحاكم، ولو أن العلماء الخارجين على سياق الحكام اجتمعوا على رأي واحد لشكلوا ضغطًا قويًّا على الحكام، ولكن - للأسف - تهاونوا في المسألة واهتموا وتوحدوا في قضايا أقل أهمية منها".

وفيما يتعلق بالاستفادة من علم الفلك واستعاضته عن الجانب الفقهي القائم على الرؤية التقليدية (بالعين المجردة) لهلال رمضان، فقد وقع بعض الفقهاء بالتباس الفقهي في أن رؤية الهلال بالعين المجردة هي الآلية الشرعية التي ثبتت في الحديث الصحيح (صوموا لرؤيته وأفطروا لرويته)، فإذا لم تره العين من قِبل من وثق بهم المجتمع حسب المحددات الشرعية، فقد جاز إتمام الشهر، وهو ما جعل هذا المسألة في محل صدام مع العلم الحديث حتى اللحظة، لذا يقول القيسي: "أنه يمكن الاستفادة من علم الفلك في تحديد رؤية الهلال وبداية الصوم، فتأمل معي قوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) البقرة 185. وقارنها بما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام من قوله: (صوموا لرؤيته) أي الهلال، ستجد الآية عامة في شهود الشهر بأية وسيلة كانت، والحديث خاص بوسيلة واحدة لشهود الشهر، وهي وسيلة الرؤية للهلال ولو تأملنا لوجدنا أنها الوسيلة الوحيدة المتاحة في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعنى أنه لو عاش إلى زمننا لاستخدم وسائل أخرى لشهود الشهر، وهذا هو السر في إطلاق الآية للشهود دون تحديد الوسائل، واليوم لدينا وسائل أكثر دقة في تحديد دخول الشهر فالتلسكوبات وعلم الفلك أكثر دقة من الرؤية البصرية للهلال من قِبل بعض الأفراد".
لذا فإن رؤية الهلال - حسب القيسي - ليست سنة تعبدية حتى يكون سببًا في رفض لعلم الفلك، فيقول: "نحن اليوم نستخدم الساعة لتحديد دخول وقت الصلوات ونكتب التقاويم للسنين القادمة، وهي تشبهها تمامًا. فكيف يجوز استخدام الحساب للصلاة ولا يجوز استخدامه في الصوم والحج؟، وهناك من الدول من تجاوز هذا المشكلة ببساطة كتركيا، فإنهم يعتمدون الحساب الفلكي، وهناك فتاوى صدرت من بعض العلماء المعاصرين سنة وشيعة تؤيد ذلك، وما لا يعرفه الناس أن هناك فقيهًا من كبار التابعين، وهو مطرف بن الشخير كان يرى تحديد الشهر بالحساب بمنازل القمر، ولو أن المسلمين اليوم اتفقوا على يوم واحد يصومون فيه ويفطرون فيه لنقلوا صورة رائعة للعالم في توحدهم، ولن يجمعنا بهذه الطريق إلا الاعتماد على علم الفلك في تحديد بداية الصوم والعيد".

لكل علَم جمهوري رؤيته
القاعدة الفقهية (لكل بلد رؤيته) حسمت رؤية هلال رمضان كجانب فقهي، وفي هذا يتحدث الباحث في الإسلامي، آدم الجماعي، عن هذه القاعدة، فيقول: "رؤية هلال رمضان والأعياد الإسلامية تضعنا أمام مسألة فقهية حسمتها القاعدة الفقهية (لكل بلد رؤيته)؛ نظرًا لاختلاف المطالع. لكن تطورت بعوامل مؤثرة إلى ظاهرة سياسية، وولاء مذهبي. وكان قد اشتهر بعض الزعماء العرب بالمخالفات المتكررة لإعلان بداية رمضان بمزاجه السياسي لمخالفة بعض الدول العربية حتى المجاورة له وذات المطلع الهلالي الواحد؛ وكان هذا محل التندر والسخرية".
الجانب المذهبي يتطرق إليه الجماعي، إذ يعتبر عاملًا بات هو من يساهم في الخلاف في تحديد هلال رمضان، فيقول: "يبدو أن الولاء المذهبي صار أكثر نُدرة وغرابة في مسألة رؤية الهلال، وكأن القاعدة تقول: (لكل مذهب رؤيته)، والغرابة عندما يصوم أهل البلد بناءً على مطلعهم المعهود وشهادة الخبراء من فقهاء البلد. وتبقى طائفة تنتظر إعلان البلد الذي تحكمه بعض المذاهب الفكرية المتطورة عقديًّا وفقهيًّا.. وإن اختلفت المطالع لاتفاقهم في المذهب الفكري".
ويعتبر الجماعي أن "هذه الإشكالية المعقدة التي غلبت عليها سلطة الفكر والمذهب بعيدًا عن المقاصد الشرعية العامة لضبط مسألة الرؤية لكل بلد. لأن الأحاديث الشريفة في رؤية الهلال تُسبغ علينا روح الوحدة المشاعرية للمؤمنين والامتثال الجماعي عند استقبال هذه الفريضة؛ فجاء الحديث بالأمر لمجموع الأمة: (صوموا لرؤيته، وافطروا لرؤيته)، فيُجسِّد التحول الجماعي لأهل البلد بصوم رمضان على وجه الاتفاق. حتى فقهاء المذاهب متفقون بأن شهادة العدل الواحد برؤية الهلال تكفي في إعلان الصوم على الراجح؛ عملاً بالأحوط، حتى لا يفوت يوم من رمضان ونحن ننتظر شهادة عدلين، لكن برز الاختلاف من الناحية العمليَّة بعوامل سياسية أو مذهبيّة خطيرة، وهذه بدورها أظهرت في المجتمعات الإسلامية ولاءات متنازعة على المسرح السياسي، وانشقاقات داخل الأفكار المذهبية والانتماءات الوطنية. وأخطر من هذا أن تتحول الشعائر التعبدية المقصودة لله تعالى إلى مجال للعبث السياسي والمذهبي، ويستفحل الخطر أكثر أن يُمرَّر هذا التوجه ليصبح سُلوكاً اعتيادياً في بداية ونهاية رمضان داخل البلد الواحد بناءً على الإعلانات المتضاربة من خارج البلد، حتى يعتاده أبناء بعض المذاهب تعبيرًا عن تميُّزهم ومذهبهم الفكري أكثر من روح التعبُّد والقُربة لله تعالى، وصار شعاراً للبراء والمنابذة في الاعتقاد، ومسلكاً لجمع الفكر المذهبي على روابط طقوسية".
في الأخير يبدو أن الاختلاف في تحديد هلال رمضان لن تكون محل توظيف سياسي فحسب - ولن ينتهي -، بل بات الجانب الفقهي والفلكي هو المشارك في الخلاف ما دام وأن الأنظمة تستخدمهم لتحديد مطالع هلال رمضان، من قبل الدول التي تتزعم إما كجانب مذهبي كإيران وإما المملكة العربية السعودية ومن عارضها من الدول الأخرى.

 





جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign