الصحافة البريطانية تكشف عن مضمون عروض امريكية مغرية لصنعاء        كهرباء عدن ....ماساة الصيف المتكرره تحت جنح الفشل والفساد الحكومي        غروندبرغ : نعمل على إطلاق الاسرى وتحسين القطاع الاقتصادي والمالي         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد      
    كتابات /
المزيفون!

27/06/2013 07:58:51
د. مصطفى يحيى بهران
يقول الفيروزبادي في قاموسه المحيط: إن الزيف لغة هو "التبختر في المشي، والدراهم زيوفًا، أي صارت مردودة لغش ورداءة"، والجمع زُيَّفٌ وزُيُوفٌ، قال امرؤ القيس: "ترى القوم أَشْباهاً إذا نَزَلُوا مَعاً * وفي القَوْمِ زَيْفٌ مِثلُ زَيْفِ الدَّراهم"، والزيف يعرفه الناس فيقترن بما هو من الخداع والغش والتزوير والكذب والتضليل والافتراء والتدليس والنفاق وقول الزور والنصب والتظاهر والادعاء الكاذب وغير ذلك من الموبقات، والزيف عكس الحقيقي الذي لا يتناقض مبناه مع معناه، شكله مع مضمونه، قوله مع فعله، والمزيفون موجودون في كل زمان ومكان ولكنهم كثيرون هذه الأيام، فهم يعيشون بيننا ونعرف كثيرًا منهم، وغالبًا ما نجدهم يقتاتون على عرق الناس، ويقتاتون على أعراض الناس، ويقتاتون على أوجاع الناس وآلامهم، فهم كالطفيليات في عالم النبات تتسلق الأشجار العالية وتتسلق الأشجار المثمرة وتتسلق الأشجار الوارفة، وهم كالحشرات التي لا تعيش إلا على كل ما هو خبيث، أو تغزو جسد الإنسان فتقتات عليه من الداخل، وهم موجودون في السياسة سلطة ومعارضة، وموجودون في الأحزاب، وموجودون بكثرة هذه الأيام في الإعلام بكل وسائله وخاصة الصحافة، وموجودون بين رجال الدين، وموجودون بين "المكرفتين" وأصحاب الوجوه الحليقة، وموجودون بين أصحاب الدقون والعمامات بأنواعها، وموجودون حتى في مؤساستنا التعليمية، وبالتالي لا غرابة أنهم موجودون - أيضًا - في أروقة الحوار الوطني.
قال لي صديق جميل نقي تقي: إن هذا هو زمن المزيفين، فقلت له: إن الزيف موجود دائمًا، ولكنه (وصاحبي في هذه على حق) يكثر عندما تكثر الفوضى، ويقل النظام، وتنعدم أو تنحسر المعايير وسلطة القانون، فالزيف يقل في المجتمعات المعيارية، أي تلك التي تحكمها معايير ومقاييس يحميها القانون، فلا يستطيع أي شخص - مثلًا - أن يكون نجّارًا أو سبّاكًا أو بنّاء أو ممن يعملون في المهن الهندسية أو الطبية أو القضائية أو الإعلامية، أو مديرًا أو حتى "غفيرًا"، أو غير ذلك من مجالات الاحتراف بدون الحصول على شهادة عيارية أو ترخيص معتمد من جهة اختصاص يحددها القانون، وظيفتها ضمان معايير الجودة والاختصاص في موضوع الشهادة أو الترخيص في إطار مجتمع مدني مؤسسي يتضمن مؤسسات رقابية وحسابية محايدة مستقلة ومؤهلة ذات كفاءة، ومؤسسات مهنية ونقابية صحيحة وقوية، وقضاء مستقل ونزيه وعادل، كل هذا يقلل من الزيف حتى يصبح غير ذي تأثير على حياة الناس.
يجد المزيفون في بيئة اليوم ظروفًا مثلى للعيش والنماء، بل نجدهم - أحيانًا - "يوسحون" بأقدامهم غير النظيفة أمام أوجه الشرفاء، وكثيرًا ما يلتبس الأمر على عموم الناس، فلا يدروا من يصدقوا، ومن هو الحقيقي ومن هو المزيف، ومن هو الصادق ومن هو الكاذب، ومن هو النظيف ومن هو الفاسد (تعج الصحافة بمثل هذا كثيرًا، فكم من شريف وصف بالفاسد والعكس صحيح)، ولكن لا قلق، فالزيف زيف وإن لبس قبعة زاهية، والقبح قبح وإن تغطى بمال أو تملق لسلطان، والزيف مهما فعل لا يدوم، فالناس وإن خدعوا فترة أو كذب عليهم حينًا سيعرفون الحق من الباطل في نهاية المطاف.
اللهم اهلك الزيف وأهله، وانصر الحق وأهلة إنك أنت العزيز الحكيم.
د. مصطفى يحيى بهران
استاذ الفيزياء النووية وميكانيكا الكم
qmbahran@yahoo.com




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign