الصحافة البريطانية تكشف عن مضمون عروض امريكية مغرية لصنعاء        كهرباء عدن ....ماساة الصيف المتكرره تحت جنح الفشل والفساد الحكومي        غروندبرغ : نعمل على إطلاق الاسرى وتحسين القطاع الاقتصادي والمالي         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد      
    كتابات /
هي أزمة الذات النخبوية اليمنية أزمة الوحدة وفشلها

12/06/2013 15:44:54
صالح محمد مسعد (أبو أمجد)
أزمة الوحدة وفشلها
هي أزمة الذات النخبوية اليمنية
الهراء الذي لا طائل تحته هو الذي يتصنعه البعض من الشخصيات الشمالية أو الجنوبية عن تصور الحلول لمشاكل اليمن تحت مظلة وهم العظمة بالحرص على شعار النداء والفداء للوحدة وخاصة عندما تصدر من نخب مثقفة أو أكاديميين أو سياسيين متمرسين بالسياسة، ويلفقون بأن الوحدة هي الحل، كما قال لنا الإسلاميون من قبل بأن الإسلام هو الحل وسنراهم يغرقون في الفوضى مستقبلاً لأن مشكلتنا نحن العرب نخبوية في السياسة والتكفير. تلك النخب ليس لديهم الأمل للخروج بالحل لمعضلة الوحدة الفاشلة التي يجب ان يكون حلها عملياً لا شعاراتياً، وأن أملهم أن يكونوا قامات سامقة وهامات شامخة في التاريخ، لأن لديهم ما يكفيهم في لدينا من وحدة خيرها لهم، ولو لم يكونوا كذلك لتغيّر الأمر، ولا هم في ضيق من العيش ولم تجرح كرامتهم أو تدمر إنسانيتهم في هذه الوحدة، بل ازدادوا من خيرها كيل بعير، وكذلك لديهم فسحة من الأمل بأن يظلوا مرجع الذكرى ومهوى الافئدة لكل مقتدٍ ومتطلع الى الوحدة، وزيادة على هذا يتصورون أنهم يتقربون إلى الله في شعار الوحدة والدفاع عنها لأنها تمثل وحدة بخيال ومظلة دولة الخلافة، وهي بعيدة عن معاني الوحدة، بل إنها نار وجحيم لشعب الجنوب.
في اللحظة الراهنة من يرفعون تلك الشعارات ويلوذون بستار الوحدة هم الذين يهدفون إلى الاستقواء بوهم الشعارات انطلاقاً من قوتها الرمزية، كما كانت في حقبة الحماس والشعارات القومية وأيضاً كما كانت إيديولوجيا الرعونة في أن الاشتراكية العلمية ستوحد العالم، جميعها كانت سبباً لنكبة الجنوبيين للدخول في وحدة غير مدروسة.
بعد تلك التجربة من الوحدة الفاشلة لم يقف الحالمون بالوحدة على حساب عناء وتضحيات الجنوبيين من سباتهم. ليس هذا فحسب بل أصبحوا غيورين ويخافون من ضياع الوحدة، وقد ضاعت، ولا يملكون إلا الهيكل الهش لها، مع أنهم لا يعرفون من الوحدة إلا اسمها، ولا من التاريخ عنها إلا ما كان في حديث الوعظ أو المسمى لها، ولو أنهم عانوا ما عانى الإنسان الجنوبي من هذه الوحدة لأصيبوا بأمراض الفوبيا أو الخوف من ذكر اسمها لأن الوحدة انتهت فلا تكريس ولا تسييس، كون الذي يقبلها هو الشعب، ومن يرفضها هو الشعب لاعتبار رئيسي أنه عانى منها وما زال.
لذلك فلن ينفع معها وعي ولا توعية ولو كتبت ورسمت حروفها بالذهب.
وهؤلاء الذين يدعون بها يكرسون الفتنة ويخلقون إفكاً عظيماً ضد إدارة الشعب الجنوبي، والثمن هو الدماء لصالح ثلة متسلطة ومنتفعة ومغتصبة لحقوق الشعبين (الشمالي والجنوبي)، ولو أنهم يخوضون لفكر الواقع والخيارات العملية للحلول لأتوا إلى الجنوبيين متذرعين ببعض الحجة في القول، ومستندين بمنطق العصر في أن لكم الحق وستأخذونه وانتم من غُدِرَ بكم وانتُهكت حقوقكم، أتيناكم بصورة جديدة وبوجه جديد، ها قد نبذنا الأصنام وأزحنا الطغاة وألغينا النظام السابق ومن كان فيه وكل من تسبب في خراب الوحدة، وكل من مس الحصى فقد لغى، لتلغى علاقته بالسياسة والنفوذ، ونحن نعمل من أجل أن تُرد كل الحقوق ويستتاب التكفيريون، ويبدؤوا قبل كل هذا بالاعتذار.
هنا ربما ينفتح لكم ثغرة من نور أو بصيص من الامل في أن يُخاطبكم الجنوبيون ولست اقطع على احد فما بالك على شعب غير ذلك، ولا تنطقوا إلا كفراً ولا تقولوا إلا شراً، لقد قلنا إن الاختلاف التي لم تدرس ولم تردم عمليا هي التي أفشلت الوحدة، وقامت الثورة، وقال الكثيرون: إن الثورة قد سُرقت عليكم فلم يقم هؤلاء النخب والمثقفون والأكاديميون بتحريض الشعب للذود عن اهداف الثورة والانتصار لها، وأغلبهم ارتمى في حضن الإصلاح. اليوم يبدعون الشتم والسباب ضد الانفصاليين ويتجاوزون ذلك الى رموز الشعب الجنوبي الذين اخلصوا لهم ولمستقبل الجميع، قالوا: إنهم عملاء، وهم صادقون مع شعبهم، اليوم يحفظون كلمات التمزق والتشرذم والمناطقية والانفصالية لتسلق ألسنتهم بها الشعب الجنوبي.
هؤلاء خيرة الناس وعياً وربما خيرة ينكرون على من يقول بالاختلاف بين الشعبين، لكنهم مصرون بتعصب على واحدية الهوية والثقافة والسلوك وحتى واحدية الثورة والنضال، فالثورة التي قامت في الشمال خلاف الثورة التي قامت في الجنوب، اما من حيث المساندة لأية ثورة من قبل الاحرار والمناضلين والثوار في أي بلد، فهذا وارد في كل الدول، فليس أقلها ان يكون ارنستوتشي جيفارا ثائرا في كثير من بلدان أمريكا اللاتينية هو ورفاقه.
وإذا رجعنا إلى التجريبية وإلى الوضعية المنطقية فلسفة أو علماً، فستعرف ان الواقع هو الذي يؤكد صدق الحقيقة او بطلانها.
ففي الاختلاف بين الشعبين الشمالي والجنوبي بإمكان الفرد ان يختبر صدق الاختلاف، اسألوا التاجر في العاصمة صنعاء من يحب ان يكون شريكه في التجارة في حال المشاركة في تجارته، سيقول لك أًفضّل الشريك الجنوبي، ثم اسألوا المؤجر للشمالي للسكن من يُفضّل، فسيقول لك الجنوبي، ويزيد في الاختيار بأن يقول لك: إذا لم يكن جنوبياً فبدرجة ثانية يكون من أصحاب منزل (تحت) ربما صفة او تقرباً للجنوبي، وإن شئتم فاسألوا ايضًا المدير في مؤسسته أو وزارته من يُفضّل أن يكون طاقمه الوظيفي، فسيقول لك جنوبيًّا.. أليس هذا دليلاً على الاختلاف، أم أن هؤلاء يريدون بالواحدية معاندة الواقع والتجربة، فهي التي اوصلتنا الى أسباب الفشل في الوحدة، وإذا عدنا بالتجربة العكس، وسألنا التاجر أو المؤجر للسكن أو المدير الجنوبي في عدن فستجد الإجابة أنها لصالح الجنوبي مهما شعرت إجابة او حايدت أخرى فهي إجابات فردية، ولا تعني الشمولية.
كل هذا الاختلاف لا يعني فيه ان الانسان مختلف، ولكن ذلك موروث يمثل الثقافة الغالبة في المجتمع، ولهذا لم تكن هناك دولة حقيقية في الشمال ولا مؤسسات ولا جهاز حكومي فوق مسميات القبيلة وسيطرتها الى اليوم، ولا نستطيع الوصول الى دولة إلا بعد عقود مريرة وطويلة من الزمن تحصد مستقبل الأجيال كما حصدت في اكثر من عقدين من الزمن حياتنا. الأمر في الجنوب مختلف، وهناك إمكانية لإقامة دولة ونظام، وقد دلت التجربة السابقة على ذلك، ولا يعني التذرع بأحداث يناير 1986م لفشلنا في تسيير الدولة، فهذه أخطاء ارتكبها الفقيد الرئيس السابق سالمين في حادثة اغتيال الغشمي غيرة على الزعيم الوطني الحمدي، وهي التي أثمرت أحداث يناير لأنها لم تحسم او تعالج في تجربة دولة ميتة حينها. لكن اليوم قد اكتسبنا ألف تجربة بعد دمار الدولة بالوحدة. الثورة الفرنسية لم تنجح بأهدافها وشعاراتها إلا بعد مئة عام رغم أنها كانت أنموذجًا وإلهامًا، وقبلة الثائرين في العالم، فما بالنا في تجربة عقدين في الجنوب في واقع مختلف. مشكلتنا بعد فشل الوحدة انها أصبحت مركبة في الدولة والوحدة إن صلحت الدولة، وهذا امر بعيد فمن المستحيل أن تصلح الوحدة كونها لا تعتمد على آليات وتقنيات تنظمية او إدارية او فنية وتكتيكية تؤخذ من خبرات الآخرين، أو هي عبارة عن قوالب جامدة من الثقافات والتراث الإنساني تُركّب أو تؤطر في الواقع، ولا هي طرق ووسائل معرفية يرسمها المثقفون والأكاديميون بخطوط بيان أو معادلات رياضية يقوم عليها البناء، لكن الوحدة انتهت في النفوس وفي ضمير الانسان، فلا حل إلا بالعودة الى الوضع السابق، وهو شرط علمي إذا أرادت أن تعيد بناءها من جديد أو التخلص مترتبات الفشل الذي أصابها وترتب عنه دماء وضياع حقوق وانتهاك كرامة شعب، فليس من شيء يدافع عنه الإنسان باستماتة وإصرار متواصل وعزم بعد العقيدة سوى الكرامة التي يمنحها الخالق للإنسان وحده، ولا يمكن التنازل عنها، وما حصل في الجنوب لم يحصل في تاريخ أي شعب أو أمة تدعي بأنه دفاع عن الوحدة. طالما أن الوحدة سلوك وممارسة، وبالتالي تقبّل ورضا إنسانيّ بحت.. إنه واهم ألف مرة من يقول إنه يستطيع ان يثبت او يجدد ويعيد الوحدة بعد موتها بأية طريقة. ولا توجد غير طريقة واحدة لحل الفشل، الوحدة هي رد اعتبار وكرامة شعب، وهذا لا يمكن ان يكون بأقل من استعادة الدولة، الأمر الذي يجمع عليه إن لم يكن كل فجلّ الشعب الجنوبي، اما الذين يقولون إن هذا المطلب لا يوفر حل الازمة، ولا يرضي مشائخ النعمة، فهم يعانون أزمة في الذات، فتراهم يداهنون في آرائهم لأنهم يصفوننا بالأقلية أو المناطقية والقروية وأنواع التقزيم والتخلف وبأنانية باعتبارنا لم نرضخ ولم نستلم للبقاء في حضرة وإمرة الزعيم والشيخ.
هؤلاء لا يصبرون عن نفس مريضة مأزومة أزمتها ذاتية ضد الحرية والكرامة ولقد أصابهم هوس الغرام بوحدة اللئام، وهؤلاء هم المستثمرون لصنائع الكلام في التبخيس والتضليل ضد الشعب العظيم، هو الشعب الجنوبي، ويتظاهرون بالحرص على الشعب الجنوبي من الهلاك، ونقول لهم دعوا هذا الشعب في الهاوية لأن الايمان لم يملأ قلوبكم بعد حتى تحبوا لأخيكم ما تحبون لأنفسكم، وستثبت الأيام عظمة هذا الشعب. عليكم انتم وسادتكم ان تحتفظوا بفتاواكم وحرصكم ودعاواكم على هذا الشعب ذات البعد الملكي والخليجي، والذي وجدوا في الجنوب شعبا ينذل بالوحدة، ويستعبد بها لأنه يقاد بعصا المشائخ المتعرفة بإرادة الذل والعبودية والهوان. ومتى كان الاعداء التاريخيون يفضلون لنا المصلحة والعزة والكرامة في وحدة هزيمة لا قوة، لأنها وحدة تعبد فيها الأصنام، وتوأد فيها الأحلام، وإلا لما كان شبابنا وطاقات وإبداعات فلذات أكبادنا تُساق في طابور الخرفان الى سوق النخاسة لتُباع طاقاتهم وكرامتهم بأبخس الأثمان، وتُعامل آدمية الانسان اليمني بأحقر اعتبار للإنسان. يريدوننا ان نردد: "ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النوّمُ ... إن قيل هذا نهاركم ليل فقولوا مظلم، وإن قيل هذا شهدكم مرّ فقولوا علقم.
ولله الأمر من قبل ومن بعد..
صالح محمد مسعد (أبوامجد)




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign