صنعاء تشن عمليات هجومية ضد سقناً امريكية واسرائيلية في خليح عدن والمحيط الهندي        صنعاء تنهي الجدل الدائر حول شحنات المبيدات الزراعية        واشنطن تقر حزمة مساعدات عسكرية جديدة للكيان        المدمرة الالمانية الحريية " هيسن "تغادرالبحر الأحمر بعد تعرضها لاكثر من هجوم      
    تحقيقات. /
المخا.. الميناء الأول الذي اقترن الحديث عنه بشبكات التهريب المنظمة

29/05/2013 10:12:00


 
تحقيق/ عبدالله فرحان:
تحدثك المخا - أو بالأحرى ما تبقى منها - بلغة يملؤها الحزن والعتب، عتب على سيل الثلاثاء الذي طمر مدينة تحت بحر من الرمال، وحزن من إهمال الحكومات المتعاقبة لحقائق التاريخ والجغرافيا، وتجاهلها المصالح الاقتصادية والاجتماعية والأمنية للبلد.
وحده مسجد الشاذلي يحتفظ بأخبار البواخر والبعثات العلمية والحربية والتجارية التي كانت هنا، وبالحركة الدؤوبة في أسواق المدينة، ليس يعادل فخره بالنهضة العمرانية والتجارية - التي شهدتها المخا عبر حقبة واسعة ومهمة من تاريخ المنطقة والتاريخ الإنساني عموما - إلا حرارة غضبه على الإهمال الذي عانته تلك المدينة..
إهمال مع سبق الإصرار
يقع ميناء المخا على خط عرض 13, 19 شمال خط الاستواء خط طول 04, 43 شرق خط جرينتش، ويبعد بمسافة 40.5 ميل بحري عن باب المندب شمالًا، فيما يقع على مسافة ستة كيلومترات عن خط الملاحة الدولي حوالى ستة كيلومترات، وهو الخط الذي تمر به نسبة كبيرة من حجم التجارة الدولية (10%) تقريبا، إضافة إلى حوالى ثلث صادرات النفط العالمي.
وتبلغ المساحة الإجمالية للميناء حوالى 466.350 متر مربع، ويضم الميناء رصيفين اثنين بطول (150م و280م) وبعرض (35م) للرصيفين، فيما تتراوح أعماق الرصيفين بين 4.5م و 8.4 ما يعني عملياً أن الميناء يعجز عن استقبال السفن الكبيرة والمتوسطة، إذ تعود آخر عمليات التحديث للميناء إلى العام 1978م.
يتبع ميناء المخا إداريًا مؤسسة موانئ البحر الأحمر (ميناء الحديدة)، لذا فإن تبعية ميناء المخا تعكس تجاهلاً حكومياً كبيراً لهذا المرفق الاستراتيجي، وهو ما يحرم المخا العديد من الفرص والموارد ومشروعات التنمية، فالبيروقراطية والرغبة في الاستئثار بالعائدات والموارد من أبرز ما يعرقل عملية تطوير الميناء.
ويفتقر ميناء المخا إلى وجود بيانات تعريفية جمركية وطابعة، كما أن مساحة الهناجر الأربعة في الميناء تعتبر صغيرة بالنسبة لاحتياجات الميناء، ما يجعل الميناء غير قادر على استقبال العديد من البضائع (خاصة السيارات)، ليتجه بعدها التجار نحو ميناء الحديدة أو عدن، واللجوء أحيانًا إلى عصابات وشبكات التهريب.
مشاريع من ضريع
أرعدت الحكومة وأزبدت، وصرح وزير النقل أكثر من مرة عن مشروع توسعة لميناء المخا بقيمة 30 مليون دولار، في الوقت الذي خصصت الحكومة مشاريع بقيمة 700 مليون دولار لمينائي عدن والحديدة، وبما يزيد عن عشرين ضعفًا عما خصصته الحكومة لميناء المخا.
يهدف مشروع التوسعة إلى زيادة عمق الميناء إلى 8 متر، وهو عمق غير كافٍ لرسو السفن الكبيرة، إضافة إلى رصيف بطول 200 متر فقط، مع أن احتياجات الميناء التطويرية تشمل أيضًا مشاريع خاصة بتموين السفن، والخدمات اللوجيستية، وخدمات المناولة للحاويات.
وأعلنت الحكومة عزمها إقامة منطقتين صناعيتين في الحديدة وحجة، دون الالتفات إلى الأهمية التي يمثلها ميناء المخا وارتباطه بالتكتل السكاني الأكبر في الجمهورية، فضلاً عن المزايا التنافسية الأخرى التي يتمتع بها ميناء المخا، ومنها المزايا النسبية المتعلقة بمصادر الطاقة الطبيعية، والقرب من خط الملاحة الدولي، ومن أسواق الخليج والقرن الإفريقي.
الحكومة لم تتذكر ميناء المخا إلا في إطار المحاصصة الحزبية، حيث تم تعيين أحد كوادر الحزب الاشتراكي اليمني مديرا لميناء المخا، وهو الذي لا يمتلك أية خبرة إدارية في إدارة الموانئ التي تتطلب لإدارتها العديد من الشروط الفنية والإدارية، على الرغم من قصر مدة تولي المدير السابق للمنصب.
للتهريب فقط
اليوم.. لا يذكر المخا إلا في إطار الحديث عن شبكات التهريب الذي تتهم برعايته وإدارة عملياته الواسعة قيادات عسكرية وأمنية، حيث تعود عمليات التهريب بالأموال الطائلة على تلك القيادات وعلى شبكات تهريب واسعة النفوذ والعلاقات.
وتسير عمليات التهريب في اتجاهين متعاكسين، حيث يتم تهريب المشتقات النفطية المختلفة من المخا إلى دول القرن الإفريقي ما يكلف الدولة اليمنية عشرات المليارات من الريالات سنويا خصصتها الحكومة لدعم المشتقات النفطية في السوق المحلي، فيما يتم تهريبها للخارج.
وتمثل عمليات التهريب في الاتجاه الآخر حالة مخيفة باتت تؤرق اليمن ودول الجوار على حد سواء، فلم تعد أعمال شبكات التهريب تقتصرعلى المواد الغذائية والأدوية والسجائر والمواد الصناعية والكمالية، بل تعدت إلى عمليات تهريب كبيرة للسلاح والمتفجرات والمخدرات وحتى البشر..
وشهدت المنطقة - مؤخرا - القبض على العديد من شحنات الأسلحة الكبيرة، وتواترت أنباء كثيرة بالقبض على شحنات من السلاح والحشيش والمخدرات على طول المنطقة، دون أن يشهد المتابعون إجراءات حكومية للتعامل مع ما يحدث بمسئولية وخصوصية كافية ومناسبة.
تشد انتباهك الحركة الكبيرة والمتزايدة للاجئين الأفارقة المتجهين نحو الحدود مع المملكة العربية السعودية، ومن جنسيات مختلفة، معظمهم يحملون الجنسية الصومالية أوالأثيوبية، وهو ما تستند إليه المملكة العربية السعودية لتبرير إجراءاتها الأخيرة القاضية بتشييد سياج أمني على طول حدودها مع الجمهورية اليمنية ولو بالمخالفة لاتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين.
وتتركز عمليات التهريب في المنطقة الممتدة من مناطق "واحدة" و"الكدحة" و"المعقر" و"الجبيب" جنوب ميناء المخا وحتى باب المندب جنوبا، وهي منطقة مياه ضحلة تشهد عمليات إنزال لا تخضع لسيطرة الدولة إنما لسيطرة عصابات وشبكات تهريب ما يكلف البلد مليارات الريالات من المستحقات الضريبية، فضلا عن الإضرار بمركز الدولة كراعية للاستثمارات والأنشطة التجارية والصناعية الملتزمة.
وحتى العام 2012م كانت المنطقة خاضعة لسيطرة اللواء 33 مدرع قبل أن يصدر القرار بتبديل مواقع السيطرة بين اللواء 33 مدرع واللواء 35 مدرع المتواجد حينها في الضالع، حيث تمتد منطقة سيطرة اللواء 35 مدرع حاليًا من موشج حسي سالم شمالا وحتى جنوب ميناء المخا جنوبا.
وينتشر اللواء 117 مشاة في المنطقة من واحدة والكدحة والمعقر والجبيب شمالا إلى باب المندب جنوبا، وهي المنطقة التي أعلن اللواء في التاسع من مايو الجاري عن ضبط شحنة سلاح كبيرة تركية الصنع فيها.
ومثل التواجد العسكري للجيش في ميناء المخا، واستخدامه لمستودعاتها الأربعة؛ مبرراً للعديد من التجار والمستوردين للجوء إلى شبكات التهريب في المنطقة والتي ترتبط - بحسب المراقبين - بعلاقات خاصة مع قادة عسكريين وأمنيين ومدنيين على حد سواء، فيما تشهد المنطقة - حاليًا - حالة صراع وتنافس محموم بين القوى السياسية المختلفة على المواقع الأمنية والعسكرية والملاحية، هذا بالإضافة إلى أنشطة الاستقطاب السياسي الكبيرة لأبناء المنطقة.
مؤخرًا زار الوزير واعد باذيب وزير النقل ميناء المخا وأعلن عن تسليم حماية الميناء إلى قوات أمنية تابعة لمصلحة خفر السواحل بدلًا عن القوات العسكرية التابعة للواء 35 مدرع، واعتبر الوزير باذيب ذلك خطوة أولى للسير في مشروع يشمل مشروع إعادة تأهيل الميناء، حيث مثل الوجود العسكري في الميناء عقبة كبيرة في وجه تطوير الميناء وممارسته لأنشطته.
****
فخامة الأخ القاضي عبدالرحمن بن يحيى الإرياني
رئيس المجلس الجمهوري
سلام الله عليك وبعد..
فقد قمت مساء أمس الثلاثاء 19 رمضان 1390 - 17 نوفمبر 1970، بزيارة قصيرة لمدينة (المخا)، ولا أكتمكم أن هذه الزيارة كانت بالنسبة لي بمثابة القشة التي تقصم ظهر البعير إذا زاد حمله.
فإن الصدمة التي أصابتني لمنظر الخراب والدمار صدمة قاسية شديدة أفقدتني صوابي، وجعلتني أشك في وجود دولة تؤمن بأن هذه المدينة جزء من اليمن، أو أن للدولة علاقة بها، أو شعور بأية مسئولية نحوها، أو اهتمام بشأنها، إذ أن الخراب الذي تحياه (المخا) في كل مرافقها الحيوية ومظاهر البؤس والفاقة والمرض على وجوه سكانها لا يمكن أن تتجاهله وتغض الطرف عنه أية دولة مهما كانت عدوة للوطن أو غريبة عنه أو مضمرة له الشر والأذى..
لأنها إن لم تكن لها مشاعر إنسانية نحو المواطنين البائسين فإنها ستحرص على زيادة المكاسب والفوائد التي تجنيها، والمصالح التي تضاعف ثروتها وأرباحها.
وها هي رغم الخراب والدمار يبلغ إيرادها من الميناء والجمرك ما يقرب من مليوني ريال شهريًا تذهب كلها إلى خزانة الدولة دون أن تستفيد (المخا) من هذا الإيراد ما يعالج مريضًا، أو يُعلم جاهلًا، أو يطعم جائعًا، أو يبني خرابًا، وقد أشرف هذا الميناء على الزوال، وأوشك أن يغلق في وجه السفن التي ترسو فيه بسبب الرمال التي تراكمت لعدم الصيانة والتطهير، وحالت دون وصول السفن التي اعتادت الوصول إلى الميناء.
إن المشاهد لهذه الحالة يتصور أن الدولة تدبر مؤامرة ضد نفسها وتخرب بيوتها بأيديها وأيدي موظفيها، ممعنة في (الجند) خراب كل عامر.. وما مطار
وقصر (صالة) وأمثالهما من الخراب ببعيد على دولة كهذه.
فخامة الأخ الرئيس:
من رسالة الأستاذ أحمد محمد نعمان للقاضي عبدالرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري
في 20 رمضان 1390
18 نوفمبر 1970

 





جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign