صنعاء تشن عمليات هجومية ضد سقناً امريكية واسرائيلية في خليح عدن والمحيط الهندي        صنعاء تنهي الجدل الدائر حول شحنات المبيدات الزراعية        واشنطن تقر حزمة مساعدات عسكرية جديدة للكيان        المدمرة الالمانية الحريية " هيسن "تغادرالبحر الأحمر بعد تعرضها لاكثر من هجوم      
    تحقيقات. /
دار الأيتام بصنعاء.. حكاية يتيم قَهَر اليأس.. قبل أن يُقهر

26/03/2013 17:10:42


 
تحقيق / زكريا السادة
دار الأيتام بصنعاء من أقدم دور الأيتام في احتضان طفل فقد والديه أو أحدهما أو فقير قصد الدار ليكون له أب وأم.. هذا كان في الستينيات إلى أن زادت أوجاع اليُتم لتختلط بفقر ليس له دار إلا الوطن، وبات الدار الملجأ الوحيد للأيتام فقط، وإن كان لا يستوعب كماً هائلاً من القادمين إليه لمحدودية سقف الدار، يبقى الباب مفتوحاً أمام تحدي اليتم نفسه لمصير صعب ورحلة شاقة لإكمال حياة اليأس أو التفاؤل في وطن خيَّم شبح البطالة على ما بعد التعليم وبات ذلك ثقافة الجميع.. التحدي المر أمام أجيال من أيتام الدار صنعت الزعماء والأطباء والمهندسين والقادة تحت سقف اليتم أو الفقر، ليس غريباً أن يصنع البؤس والحرمان وقهر المكان رحلة من الإبداع وصناعة غد مشرق، ومن غير الممكن أن يحشر العلم في جوف أبناء من يحمل والديهما شهادات عليا، ومن اليتم أيضاً أن يُخلق الإنسان تحت ظل والديه دون هدف يذكر في الحياة.. هذا ما قاله اليتيم والمعاق "مبارك" أثناء رحلة البحث عن اليتيم من رحم المعاناة .
مدير مدرسة الأيتام محمد الأسدي يقول: إن الدار اخرج العديد من الأيتام إلى المجتمع بشهادات عالية فمنهم المهندسون والأطباء والرياضيون والمبدعون في شتى المجالات خاصة وأن هنالك مؤشرات التميز تتعلق بالطلاب الأيتام، ويضيف الأسدي أن المدرسة تعاني من نواقص في توفير المعامل والمدرسين المتخصصين في بعض النشاطات والمعامل ينقصها المواد رغم قيامنا بمخاطبة جهات حكومية لم تتجاوب حتى اللحظة .
ويضيف الأسدي على ذكر مخرجات الدار في السابق أن كفاءة المدرسين اختلفت عما كان في السابق فعلى سبيل المثال كان المسرح يحصد الأول في الثمانينيات، وعن وسائل النقل التابعة للدار يقول: يوجد ثلاثة باصات من السبعينيات، باصان تعطلا وباص على وشك التوقف رغم اعتماد تحركات الدار في الأنشطة على تلك الباصات وإقامة الرحلات، كانت هنالك رحلتان لطلاب الدار إحداها للحديدة والأخرى إلى عدن ولمدة اربعة أيام هذا ما جعل الدار يستأجر باصين إلى جانب باص الدار وبأجر وصلت التكلفة الى 240000 الف ريال لعمل نشاط الرحلة الأولى ونفس المبلغ في الرحلة الثانية التي كانت قبل أسبوعين تقريباً. ويذكر الأسدي أن الوعود برفد الدار بباصات حتى اللحظة لم يصل منها شيء , ويضيف أن ميزانية الدكاكين العائدة مؤخر للدار بدأت ترفد الأنشطة التي يقوم بها الدار.
مبروك "اليتيم المعاق"
أمام أحد الشواهد العملاقة لطموح أيتام صنعوا الإبداع تحدياً وطموحا يقف مبروك يحيى حسين في الصفوف الأولى لمواجهة الحياة ككل ، "مبروك" الذي يعاني من إعاقة جسدية يقف على عكازين أحدهما العلم وآخر التفاؤل، ولم يكن معاقاً فقط بل اليُتم هو الآخر شق طريقه إلى عالم "مبروك" .
اليُتم وحده قهر والإعاقة كلها حجر عثرة أمام من لا يمتلكون الأهداف كما يقول "مبروك" الذي يدرس في مدرسة الأيتام بصفه التاسع، وبوجود أمه التي واجهت إعاقة ويتم أخوه الأكبر بصبر وتربية أولى تكللت بقبوله في احد المصانع رغم إعاقته ، كان "أحمد" الشقيق الأكبر قد تخرج من نفس الدار.. "مبروك" الذي يحضر كل صباح من أطراف صنعاء ويقطع المسافات من خلال أربع حافلات ذهاباً وإيابا وبواقع 200 ريال يوميا ليصل إلى مدرسة الأيتام لا يفارقه الهدف والطموح، ولم يقف مستواه على حالته بل يحصد سنوياً الأول على مستوى مرحلته التعليمية، يعود "مبروك" يومياً ليجدد نشاط نصف يومه بعد العودة من المدرسة بانتظار أمه وخمسة من إخوانه ، أما نهاره فيطرق معهداً خاصاً وعلى حساب جيبه اليتيم من المال، لكن الهدف ذلل الصعاب أمامه وجعله يكمل دبلوماً في الحاسوب ويقطع شوطاً كبيراً الحصول على اللغة الإنجليزية، كما أنه يحفظ عشرة أجزاء من القرآن.
الهدف واضح أمام إبداع كهذا.. "مبروك" يقول: إنه يسعى لإكمال تعليمه المدرسي ومواصلة مشواره الجامعي في مجال المحاماة ليحصل على شرف الدفاع عن المظلومين، حسب قوله، ويرجع ذلك إلى مظلومين عاش تجاربهم وسمع أنين الكثير منهم، ولم يكن قادراً على نصرتهم أو الانتفاض لحقوقهم .
الأب الذي فارق الحياة ليترك خمسة أبناء "مبروك" واحد منهم لا يزال يتذكر بعض ملامح والده قبل 11 عاما، إلا أن الحياة وتحدياتها محت الكثير من ذاكرته ولم يبق إلا فضل أمه التي حنت بعطفها وأسدلت بنصائحها على حياته، يقول إنها مصدر كل تفوقه وإبداعاته، وإنه الوحيد من يحتفل بكل أيام أمه كعيد ومصدر فخر له.

حديث اليُتم
عبدالله الحمزي، أحد الأيتام في الدار، يتلقى تعليمه الإعدادي في مدرسة دار الأيتام بصنعاء ، يعيش مع أمه وخمسة من إخوانه، بنتان وثلاثة إخوة في صنعاء، بعد أن قرر والدهم الرحيل عن الدنيا قبل عامين إثر إصابته بحالة نفسية ليقدم على الانتحار ، "عبدالله" لاتزال تلك الحادثة المروعة عالقة في ذاكرته بعد مرور قرابة العامين على تشييع جثمان والده ، بحسرة المشهد الذي تجنبنا عدم الحديث عنه، يقول: بينما كنت عائداً من مدرسة "طارق" التي كنت أدرس فيها بمنتصف عام الصف السادس الابتدائي إلى البيت، وكنت أحمل نتيجة الاختبارات بحصيلة الثاني من أوائل المدرسة على أمل أن يكون والدي الذي وعدني بجائزة أول من يطلّع على النتيجة ، وبينما كنت على مقربة من منزلنا وجدت الكثير من الناس متجمعون حول البيت ، لتبدأ التساؤلات تجوب خاطري عن سبب هذا الجمع، حينها قدم إليّ أحدهم وبدأ يأخذني بعيداً عن البيت ويحدثني بكلام لم أستوعبه حتى أتى والد نفس الشخص وامسك بيدي، وأدخلني إلى نفس الغرفة التي وجدت فيها والدي ممتداً على الأرض وقد فارق الحياة .."عبدالله" الذي عاش حالة من اليأس مزق النتيجة التي كان يحملها ، لكن الحياة جعلته يتماسك من جديد ويعلن التحاقه بمدرسة الدار ويمضي في الصفوف الأولى من بين زملائه، ويضيف أن سعيه للتفوق يأتي لرفع رأس والديه عبر أحلام رسمها ليكون الطبيب الأول في خدمة المجتمع .
"عبدالله" الذي يجد في نفسه مرارة الألم يقارن بين يتيم عاش ولم يعرف والده ويتيم عاش ليفارقه، أن الثاني حياته أصعب بكثير ممن لم يجد والديه إطلاقاً .

هايل سعيد
كأحد الأسماء لأسرة تجارية في اليمن يسكن اليتيم هايل سعيد في دار الأيتام فاقداً والديه ولم يعرف تفاصيل ضياعه سوى أنه يبحث لأكثر من سبع سنوات عن أمه التي فارقته مجرد ذهابه للعب في أحد شوارع العاصمة قبل تلك الأعوام لتجده أيادي الخير تذهب به حيث الدار ويلتحق كيتيم لا أهل له ولا قرابة سوى إسم "هايل سعيد" الذي يميزه في الدار عن غيره ، هايل يدرس في الأول الإعدادي بعد سبع سنوات ، لكن الإبداع لم يتوقف وبدأت الأحلام تهفو ليكون هايل من أبرز الرسامين في الدار وأحصفهم في تحقيق هدف الكابتن الطيار كان له خفايا لم نعرفها إلا بعد أن قالها بحسرة (هي الطريقة الوحيدة للتحليق والبحث عن أمي وأبي في هذا العالم)، ويضيف "هايل": إن رسالته التي ستكون لأمه: إن لم أستطع لقاءك في الحياة فأتمنى أن يكون لقاءنا في الجنة.
عالم فلك
السنة السابعة على وجود حسين صالح في دار الأيتام بصنعاء بعد يُتم فرق بينه وبين أمه التي تزوجت ، ليكون مصيره كأحد الأيتام في هذا الدار، يقول حسين: إن الدار بمثابة الأب والأم إلا أن الدار يبقى العائل الوحيد للآلاف من الأيتام على مر سنوات اليُتم، يقول: إنه يمضي عام كامل في الدار وأحيانا يزور أمه أثناء إجازات العام الدراسي لأن وقته الثمين يبحث عن فرص التعليم في الإجازات ويبقى لدراسة العديد من الدورات بقدر ما تسنح له فرصة الحياة ليحافظ على مكانته الأولى على مستوى مدرسة الدار في فصل السابع ، "حسين" يطمح أن يكون عالم فلك في المستقبل ويعلو أحزان اليتم خارج الكرة الضيقة من عالمنا ليكتشف ما الجديد في هذا العلم، حسب قوله، والذي طالما يشاهد القنوات العلمية في سكن الدار في الأوقات المسموح له بالمشاهدة، وعن التغذية يقول: إن الأكل تحسن على ما كان عليه بالسابق بعد قيامنا بمظاهرات ضد الوضع الذي كان يعيشه الدار، إلا أنه لا تزال بعض الأمور التي تتعلق بالفواكه التي تقدم، والتي لم نعرف سوى الموز الذي يتكرر كفاكهة وحيدة للدار، وعن الرعاية الصحية التي يقدمها الدار يقول حسين: إنه كان يعاني من حصى في الكلى وكلما كان يتم إرساله الى مستشفى الثورة بصنعاء يواجه الألم واليتم اللامبالاة من المستشفى، إلى أن تم إرساله من قبل مديرة الدار الجديدة الى مستشفى خاص.

حصاد الجائزة
رئيس جمعية الإنشاد بدار الأيتام ياسر هزاع يغرد بلحن التفاؤل وصوت شجي يولد الإبداع، يدرس في الصف الثاني الثانوي (علمي) ويحلم أن يكون إعلامياً يصدح بصوت اليتم وينشد أحلاماً شارفت على أن تتحقق ، "ياسر" يتيم الأب حاول أن يدرس في أعوامه السابقة خارج الدار إلا أنه وجد نفسه غير قادر على مواصلة تعليمه بغير الدار ليلتحق مع رفاقه من الأيتام في حالة من الإبداع والتفوق في مجال الإنشاد، ويحصد الأول على مستوى منطقة السبعين، غير أن الجائزة التي قُدمت له في حضور مسئولين كتاب إنجليزي ممزق لا يعرف مغزاه، حسب قوله، لكن إبداع "ياسر" لم يكن له دافع سوى إثبات حالة اليتيم إذا قُهر في عالم لا يشعر بأوجاعه، التلفون والذاكرة أداة "ياسر" الوحيدة لجمع الأصوات من هنا وهناك لكن يبقى أدوات التسجيل التي يفتقر إليها لم تجد مكانها أمام لحن هذا اليتيم، أما زميله اليتيم والحاصل على المرتبة الرابعة حصد جائزة دفتر 60 ورقة.

يتيم من نوع آخر
عبدالسلام الريمي يحمل قصة اليتيم في الدنيا مع خمسة إخوة له من أبوين لم يفارقا الحياة بعد، سوى "الطلاق" بينهما ، ليكون عبدالسلام أحد سكان هذا الدار لأكثر من خمس سنوات، ليحصل على احترام من قبل إدارة مدرسة الدار رغم حداثة سنه، وهو لا يزال في الخامس الابتدائي، "عبدالسلام" الذي يتميز من بين أوائل الطلاب يجد الرياضيات المادة المفضلة لديه، ليربط حلمه تعلم لغات عدة ، ويضيف أن دراسته للغات يأتي من حب لتوصيل ما يخطر في خياله الواسع والحزين أحيانا لولا أصدقاءه الذين يسكن معهم في تخفيف معاناته.

الدكتور اليتيم
زكريا سيلان، المثقف في دار الأيتام وصاحب الاطلاع الواسع ينهم لقراءة الكتب من مكتبة الدار بشكل دائم ، يحلم أن يعرف المزيد عن الكتاب لأنه يعرف نهاية اليُتم وفراق أحد الأبوين ، التحق بالدار في العام 2002م ليحصل على المرتبة الأولى من بين طلاب في مدرسة دار الأيتام ، يحلم أن يكون طبيباً في يوم ما ليخدم الوطن ، ويضيف: أنه طالما سمع الكثير ينادونه بـ(يادكتور) فهو يسعى لذلك من خلال طموحه ، "زكريا" شارك في العديد من المسابقات الثقافية خارج المدرسة وممثل في تلك المشاركات ، ويضيف "سيلان": أن اليتيم لن يركن الى أب فهو مخلوق يجب أن يتحدى هذا القدر لإثبات وجوده في هذا العالم.

اليتيم الحافظ
هلال الفلاحي البالغ من العمر 12 عاماً يسكن الدار طيلة ثمانية أعوام، ويدرس في الثاني الإعدادي بمستوى الأول على الطلاب ، يتذكر أن ثلاثة ممن تعاقبوا على إدارة الدار عبدالملك والشامي وآخرها أحلام العرشي، "هلال" حافظ على مرتبته الأولى كأحد الأيتام من الأب والأم ليرسم هدف الطبيب المتخصص في جراحة القلب عالمياً ، "هلال" الذي يحفظ عشرة أجزاء من القرآن ويمارس الرياضة، حصد عدة شهائد في حفظ القرآن .





جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign