صنعاء تشهد مسيرات مليونية داعمة لفلسطين        صنعاء تشهد مسيرات مليونية داعمة لفلسطين        المبعوث الاممي يدعو لعدم ربط الحل السياسي في اليمن بقضايا اخرى        تعثر خطة الرد الاسرائيلي على ايران      
    تحقيقات. /
الإسلاميون بعد الثورات العربية تحول أم انقلاب..؟

27/02/2013 07:12:54


 
تحقيق- أمجد خشافة
لم تغير حكاما فحسب، بل تعدت إلى إعادة النظر في المنظومة الفكرية والمسار الحركي لدى صانعيها؛ وبدون توطئة متحسبة اندلعت ثورات الربيع العربي في خمس دول عربية وامتدت إلى دول هزت موجتها قواعد بعض الأنظمة ولفحت بحرارتها وجه أنظمة أخرى، هذه الموجة من العنفوان العربي بدت عليها العفوية غير منتظمة في فكرتها وشكلها الثوري، اُستلهمت من التعبئة الفكرية المستمرة لاسيما في نظام الحركات الإسلامية طيلة العقود الماضية، والتنشئة الحقوقية المتأثرة بالبيئة الأوروبية عن طريق الأحزاب والمنظمات المدنية بالنسبة لبقية التيارات المتمدنة، ولكنها لم تخط ذلك المسار الذي ما فتئت الشعوب تنشده في التغيير وهو طريق المسار الديمقراطي والسلمي في آن، بل خرجت بصورة ثورية على الأنظمة مما أدى إلى إرباك منظري جماعات (سلمية التغيير) عبر الطريقة الديمقراطية، على الرغم من تفاوت الظروف من الحالة الثورية في ليبيا وسوريا النموذج المسلح، وتونس ومصر النموذج السلمي، واليمن النموذج المختلط.
هذا التغيير الذي طرأ على الجماعات الإسلامية في الدول التي طالها التغيير ضرب في عمق التفكير الحركي والمنظومة المنهجية لديها، مثل التيار السلفي أو المدرسة العلمية الحركية - على وجه التخصيص- ، أدى إلى تشظي الرؤية وتفاوت الرأي لديهم في تأييد المد الثوري، كون ما يحكم ذهنية هذا التيار هي المقاربة النصية التي تستند على الكتاب والسنة أولاَ، وليس الفكر أو التنظيم، فحين أدركت الثورة التونسية من إبداء موقف حاسم لدى سلفيي تونس؛ أدرك سلفيو مصر زخم نشوة الثورة قبل انفراط عقد ملك مبارك، واندفع نظراؤهم في ليبيا على سابقة من الكبت الذي نفست عنهم شرارة التغيير في ليبيا، سوى جناح من الطيف السلفي المتمثل بـ(المدرسة الماضوية) المعروف في موقفه المتمترس وراء حجة (حرمة الخروج، وطاعة ولي الأمر) كما في بقية الدول العربية...، أما في اليمن فكان التحديق لديهم متعسراً في الرؤية والتقعيد للمشهد اليمني، كون حالة التعبئة في إطاره العام لديهم يمانع من الانخراط في العمل الديمقراطي كأصل من أصول أدبيات العقيدة والفكر السفلي، فرأوا مبدئياَ ما رآها جَمعٌ من علماء اليمن في شرعية الفعل الثوري - في بيانهم الأول- ما دام ذلك في ( دائرة السلمية)، فلم تحتمل تلك الدائرة تقلب الظروف التي انقلبت الى عمل مسلح في بعض المدن تحت غطاء "سلمية"، وحرب في مناطق باسم "الدفاع عن النفس"، فحدثت لها خرق كما يعتبرها التيار السلفي في اليمن فأحجم البعض عن استمرار تأييده كالشيخ "محمد المهدي " أحد الأقطاب السلفية الفاعلين في اليمن و"عبد العزيز الدبعي" المهندس الفعلي لجمعية الحكمة السلفية.. واستبقى آخرون في مضمار الثورة دون قيد، حسب منتقديهم...،
أما الإخوان المسلمون بحكم توغلهم في العمق السياسي في العالم العربي والإسلامي -حسب الباحث في الجماعات الإسلامية "آدم الجماعي"- فقد تجاوزوا مرحلة الخلاف في مثل التفكير في العملية السياسية والأطر التنظيمية، فكان لحركة التغيير الملاذ المخلّص والأخير لهم للخلاص من السجن المستدام كمصر، والنفي في تونس، والتنكيل في ليبيا، والكبت في سوريا، فمثلت هذه الفسحة المغرية غير المتوقعة؛ وثبة ذهبية للوصول للحكم، إلا أنها كانت وثبة تجاوزت ما بنى عليها الفكر التربوي وأدبيات الرعيل الأول من جماعة الإخوان المسلمين، ولكي تتمكن جماعة الإخوان المسلمين من التخلص من الأنظمة لا بد من إيجاد الساعد التي لها القدرة على تسريح الحكام فاستفادت من الغرب ومدت يدها له، والممثّل بالولايات المتحدة الأمريكية، واستفادت هي أيضا - أي أمريكا- منهم في احتواء إسلام معتدل حسب توصيف تقرير(راند) التابع لوزارة الدفاع الأمريكي عام 2007م، مما عده بعض الباحثين في هذا الملف تغييرا وتأثيرا على المسار العملي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وتونس واليمن..، أما في ليبيا لم تظهر جماعة الإخوان المسلمين بشكل فعلي مقارنة بمصر بسبب التركيبة الديمغرافية للشعب الليبي، وإن كانت هناك رموز كانت فاعلة مثل الدكتور علي الصلابي وغيره، إلا أنه لم يشاهد بشكل ملاحظ كما في الثورة المصرية.

* تأصيل للتحول
في البداية قبل أن تأتي موجة التغيير كان التيار السلفي في منأى عن صراع السياسية، حيث يرجع الباحث في الفكر الإسلامي والسياسي "عبدالغني الماوري" أنه على مستوى تاريخ طويل في العالم العربي ظل التيار السلفي مجافيا للسياسة والديمقراطية باعتبارهما من الأعمال التي تُغضب الله وتنقص من الإيمان، بل وتُخرج من يؤمن بهما من دائرة الإسلام، إذ ترى السلفية على اختلاف مراجعاتها أن الاشتغال في السياسة عمل يناقض جوهر الدين، وعلى الرغم من مراجعات عديدة قام بها بعض المنتمين لهذا إزاء كثير من الأحكام التي تتناول موضوعات ومجالات سياسية مثل الديمقراطية والانتخابات والمعارضة السياسية، إلا أن تغيراً حيوياً لم يطرأ في صلب تفكير هذا التيار، الذي ظل كما هو معاديا لأية صيغة حكم تتناقض مع الصيغة القديمة والمتمثلة في وجود حاكم واحد يحكم حتى وفاته، مستعيناَ بمن يريد من المستشارين والفقهاء ووجهاء القوم لمعاونتهم وتطبيق مبادئ الشريعة.
ولكن مع بزوغ عصر الثورات العربية يرى "الماوري" أن كثيراً من السلفيين قرروا خوض غمار السياسية واستثمار مناخات الحرية غير المسبوقة والناشئة بعد تهاوي الأنظمة السلطوية للتعبير عن أفكارهم وحجز موقع لهم في المشهد السياسي، بعد أن ظلوا لعقود طويلة غير مبالين بالحضور فيه، سواء كان ذلك بإرادتهم أم بإرادة غيرهم.
والواقع أن هذا الظهور الملحوظ والمكثف للسلفيين في السياسة في عدة أماكن في العالم العربي، بقدر ما أثار فزع القوى المدنية التي تناضل من أجل إقامة دول حديثة منفتحة على العالم وحضارته، فقد أثار شكوكا حول الدور الذي يمكن أن يؤدونه في إعاقة التحول الديمقراطي وإمكانية أن يكونوا جزءا من مشكلة يريد إعادة الأوضاع الى ما كانت عليه قبل الثورات العربية".
*إغراء السياسة
وفيما إذا كانت السياسة قد مكنت السلفيين في دول الربيع العربي من الجمع بين ما يؤمنون به والسياسة، فقد أتاحت لهم فرصة مغرية، حيث يقول الماوري: "يبدو أن السلفيين يفكرون في الطريقة المناسبة التي تجعلهم مؤمنين وسياسيين في نفس الوقت ورغم صعوبة تحقيق ذلك إلا أن مزيداَ من الانخراط في اللعبة السياسية سيؤدي احتمالات معرفة مدة نجاح هذا الخيار وباستثناء السلفيين في تونس.. من جهة أخرى فإن الأبواب تبدو مشرعة أمام كثير من التيارات والحركات السلفية في الدول العربية، خصوصاً تلك التي شهدت إطاحة بالأنظمة الحاكمة..، وفي سياق صعود نجم التيار السلفي في المنطقة يمكن القول إن السلفيين السوريين قد حجزوا موقعهم كقوة مهمة في سوريا في حال حدوث تغير واسع نتيجة دورهم المتعاظم في الاحتجاجات الشعبية المتواصلة، المطالبة بإسقاط نظام "بشار الاسد"، أما في اليمن فإن المراجعات في أوساط الجماعات السلفية المختلفة حول المسألة السياسية والتي بدأت منذ عدة سنوات أفرزت اتجاهين، التوجه الذي يقوده كل من الشيخ أحمد المعلم والدكتور عقيل المقطري وعبدالله الحميري ومراد القدسي، وهم أصحاب القاعدة الشعبية التي تؤيد هذا التوجه الحزبي والنظرة إزاء العمل السياسي، والتوجه الثاني الذي يقوده الشيخ يحيى الحجوري، الذي يرى في العمل السياسي مخالفة صريحة للشريعة، وهو التيار الذي يمثل السلفية التقليدية..
وبعيدا عن الصيغة التي سيتم الاتفاق عليها بين السلفيين في اليمن للمشاركة في الحياة السياسية فإن من الواضح أن الجزء الغالب من التيار السلفي قد بدأ التمهيد لهذا القرار فعليا من خلال الاعتراف بحدوث قصور في فهم كثير من القضايا كالانتماء الحزبي الذي يعد أهم ركائز الديمقراطية، فبعد أن كانت الفكرة السائدة لدى معظم السلفيين تعتبر الحزبية من المحرمات وتدعو إلى مقاطعة وهجر الحزبيين تكريسا لمبدأ الولاء والبراء أبدى العديد من رموز التيار السفلي، وفي مقدمتهم الشيخ "أبو الحسن المأربي" شجاعة في الاعتراف بأن نظرتهم تلك كانت تحوي جوانب قصور كثيرة وسوء فهم.
ويختم "الماوري" رؤيته: إن فرصة دخول السلفيين في العمل السياسي ستكون قواسم مشتركة تمكنهم من عدم العزلة مع الآخرين، فيقول: "لا شك أن تخلي كثير من السلفيين عن معتقداتهم المتشددة تجاه العمل السياسي والديمقراطي بعد حركة التغيير يعد من الأخبار السارة إذ يمكن الحديث معهم من الآن وصاعداً بلغة مشتركة، وفي كل الأحوال يمكن الركون الى أن مجرد تفكير السلفيين في ممارسة السياسة يعد حدثاً كبيراً وخطوة ستسهم إيجابا في مسيرة التحول الديمقراطي في الدول العربية، ولكن المشكلة ستظل في المواصفات التي يجب أن تتمتع بها السياسة لكي تكون من الأعمال المقبولة، من وجهة نظرهم، فكثير من أدبيات الجماعات الأصولية والسلفية تجنح الى اعتبار التوحيد أساساَ للنظرية السياسية، وعليه فالخضوع لله لا يتوقف على الناحية العقائدية، بل هو خضوع سياسي في نفس الوقت وبالدرجة الأولى، وعليه يصطبغ مفهوم التوحيد بصبغة سياسية مما يؤدي على قياس الممارسة السياسية، كما يشير الى ذلك الدكتور "موصللي" في كتابه (قراءة نظرية تأسيسية في الخطاب الإسلامي الأصولي) ربما من المبكر التكهن بالتداعيات التي ستتركها مشاركة السلفيين في العلم السياسي سواء على التجارب الديمقراطية حديثة النشوء في أكثر من دولة عربية، أو على السلفيين أنفسهم ورؤيتهم تجاه كثير من المسلّمات التي طالما استبسلوا في الذود عنها، لكن الخوف يتركز الآن حول الوقت الذي يمكن أن يُمنح لمعرفة نتائج هذه المغامرة السلفية، فثمة من ينتظر الفرصة ليقول بأن الديمقراطية ليست في كل الأوقات خياراَ جيدا لمعرفة ماذا يريد الناس، وعندئذ يمكن استبدال السياسة والديمقراطية بأي شيء لا يزعجهم .





جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign