صنعاء تشهد مسيرات مليونية داعمة لفلسطين        صنعاء تشهد مسيرات مليونية داعمة لفلسطين        المبعوث الاممي يدعو لعدم ربط الحل السياسي في اليمن بقضايا اخرى        تعثر خطة الرد الاسرائيلي على ايران      
    تحقيقات. /
إب.. قبل أن تندثر
مئذنة جامعها الكبير آيلة للسقوط وأبوابها العتيقة تم استبدالها وسراديبها صارت مكباً للنفايات.

13/02/2013 10:30:55


 
تحقيق - جمال عامر
مدينة إب القديمة لم تعد تمتلك غير اسمها وتأريخ يُروى في كتب التأريخ، بالإضافة إلى ما وصفه الرحالة عنها في قرون غابرة إلا أن هؤلاء فيما لو عادوا اليوم ربما لأنكروا زيارتها قبل.
إذ لا شواهد اليوم على ما دونوه إلا أحجار بنيان لدور ما زالت تقاوم ربما لتحمي الفقراء اللائذين بها من جحيم غلاء الإيجارات في مناطق أخرى بعد أن لم تعد أبوابها الأربعة تغلق مع غروب كل شمس بعد أن تهدم السور الحجري الذي كان آخر من بناه الوزير (محسن بن علي الحبيشي) (1120، 1708م) وكان يحيط بها إحاطة السور بالمعصم.
أبوابها الأربعة المسماة (الباب الكبير، وباب سنبل -الذي سُمي باسم الأمير سنبل، وكان أحد قواد الإمام، وباب الراكزة، وباب النصر) كما تم إضافة باب خامس سمي الباب الجديد جوار دور الحكومة قبل السفير محمد بن عباس الشهاري المتوفى سنة (1382، 1962م)
هذه الأبواب تم استبدالها بأبواب قبيحة ليس لها أي علاقة بتأريخ المدينة ومثلت نشازاً بشعاً، حيث استعجلت السلطة المحلية آنذاك ببنائها مع الاحتفال بعيد الوحدة السابع عشر والذي تم تكليف نجل أحد القادة العسكريين رغم عدم علاقته ببناء كهذا.
لايتم ذكر مدينة إب الا واقترن باسم محمد بن أحمد بن الحسن بن القاسم بن محمد الحسني، المعروف بـ(المهدي صاحب المواهب)؛ نسبة إلى قرية (المواهب)، التي بناها شرق مدينة ذمار، والذي عاش وتوفي فيها / 1718 م، ووزيره على إب محسن بن علي االحريبي الذي كان مهتما بتحصين المدينة، حيث بنى لها نوباً عديدة في مناطق مختلفة من السور، وقد هُدمت جميعها، حتى أسواق المدينة تم استبدال أبوابها بأخرى من الحديد، مما شوه ذلك النمط الرائع للأسواق القديمة الصغيرة.
أبناء المدينة يتحدثون عن سراديب عديدة ظلت موجودة إلى سنوات مضت حتى ردمها مؤخرا، هذه السراديب تم حفرها تحت النوب وبجانب الجامع الكبير، وتمتد إلى خارج سورها بغرض إيجاد منافذ في حالة ما تم حصار المدينة، إلا أن هذه السراديب التي كان يمكن أن تمثل مزاراً سياحياً مهما تم دفنها بالمخلفات بعد أن تم اكتشافها صدفة أثناء محاولة حفر المجاري.
ومع أن إعادتها ليس بالأمر الصعب إلا أن ذلك لا يبدو أنه وارد في ذهن السلطة المحلية.
أحد أبناء المدينة قام بالدخول إلى أحد السراديب وتمكن من قطع مسافة طويلة إلا أنه لم يتمكن من متابعة السير بسبب انقطاع الإضاءة وقام بمجهود شخصي بعمل بحث حول السراديب العديدة الموجودة داخل المدينة.
قال لنا القاضي يحيى العنسي: إن السرداب المحفور بجانب الجامع الكبير، والذي يصل إلى خارج المدينة تم حفره على أيام وزارة الحريبي، حينما كانت القبائل المغيرة تأتي لتنهب إب وكان يقوم هؤلاء بكسر الساقية الذي عبرها يصل الماء من جبل بعدان إلى المدينة، فقام ببناء خزان خارجها، ومن خلال السرداب كان يتم إحضار الماء بالإضافة إلى استخدام السراديب الأخرى التي تنفذ إلى جهات عدة من الشرق والغرب والشمال خارج المدينة، وكانت تستخدم في حالة ما تم محاصرة المدينة.
ويضيف: أن الساقية أصلها حميري، ثم تم تجديدها مرات عديدة في عهد الملكة أروى وعلى عهد السياغي.
يشار إلى أن آخر تواجد للساقية المشهورة بمدينة إب القديمة كان في العام 1963م، وقد تم تدميرها مع الوقت، إلا أنه ما زال هناك آثار تدل عليها، ما زالت معرضة لتآكل ما تبقى منها.
لا يمكن الحديث عن مدينة إب دون المرور على مساجدها التأريخية العديدة التي تضمها المدينة رغم صغرها، بالإضافة إلى العديد من الكتاتيب (المعالم)، والذي حدثنا القاضي العنسي أنها بقايا مساجد قديمة، ودلل على ذلك بمعلامة (البتول) التي كانت مسجد الصليحي.
هذه الكتاتيب التي تستخدم الألواح الخشبية ظلت تقوم بالتدريس حتى منتصف الثمانينيات إلا أن هذه الكتاتيب لم تنجُ من السطو عليها، حيث تحولت بعضها إلى منازل كما حدث مع معلامة مشرح والمسجد السلفي ومسجد الحشيش وملحقات مسجد المخلطة، وكلها تمت بتأجير من الأوقاف.
أما فيما يخص المساجد فعددهن كبير، ورغم أهميتها التاريخية إلا أن عدداً منها مهملة ومهددة بالاندثار، ومن هؤلاء المساجد مساجد الشيخ موسى بن سعيد الحضرمي (النداف).
مسجد (الأسدية)، وبناه أسد الدين بن علي رسول عم الملك المظفر.
مسجد (السنّي)، وبناه سيف السنة أحمد محمد البريهي: ويعود تاريخه إلى القرن السابع الهجري..
وكان على المذهب الحنبلي وهو مدفون بداخله.
مسجد عقيل بن عمر: ويقع في حارة عقيل ويعود تاريخه إلى القرن 11هـ.
وهو مذكور في تأريخ الجندي، وحين وصل عقيل بن عمر من حضرموت جعله مقرا للصوفية، مسجد البيحاني، مسجد الحمضي، مسجد الغفرة، ومسجد الصامت، وسميت على أسماء سدنتها، وهناك مسجد العقيم، والذي أصبح منزلاً، وهناك الكثير من المساجد.
إلا أن الجامع الكبير الذي يعرف بالجامع العمري نسبة إلى من أمر ببنائه، وهو الخليفة عمر بن الخطاب، والذي يعد من أشهر معالم المدينة والذي تم توسيعه ثلاث مرات خلال عصور متتالية.
ويقول العنسي: إن أول من بناه هو السلطان محمد السيري، وجاء الأتراك وبنو القباب، ثم جاء عامر بن عبدالوهاب وبنى الحزر والصرحة.
جامع إب الكبير يشابه في بنائه الجامع الكبير بصنعاء، وفي العقد الأخير تعرض سقفه لتشققات أدت إلى تسرب المياه، مما أدى إلى تهدم جزء منه.
وللجامع الكبير سقفان يفصل بينهما فضاء بمقدار متر وهو ذات بناء سقف الجامع الكبير بصنعاء، الذي تم اكتشاف مخطوطات قرآنية موغلة في القدم.
وقد كشفت أعمال الترميمات التي تمت من أن الجامع تعرض لعدة تجديدات وإضافات وتحسينات خلال الفترة الممتدة من (1335هـ/1916م).
وتعرضت جدرانه إلى طمس كامل للزخرفة التي كانت منقوشة عليها بعد أن تم تجديده مرات عديدة خلال العقود الماضية إلا أن أجزاءً ما زالت عليها نقوش تشابه تلك التي في مسجد العامرية برداع.
إلا أن أخطر ما يواجه الجامع هو احتمال سقوط مئذنته التي تم تجديدها في العام 621، بحسب ما كتب عليها.
عبدللطيف المعلمي مدير مكتب الأوقاف يقول إنه تم التخاطب مع وزارة الأوقاف من وقت بعيد بخصوص المئذنة إلا أنه تم الرد عليه من أن الصندوق الاجتماعي سيقوم بإعادة ترميمها.
ويضيف: إلا أن مكتب الأوقاف ونظرا لمخاوف من سقوط المئذنة قام برصد مبلغ 13 مليون ريال.
وبخصوص تحويل الكتاتيب والمساجد القديمة إلى بيوت أوضح أن ما تم لم يكن على عهده،
وتم التأجير قبل أن يتولى إدارة المكتب.
في المدينة القديمة بعد (الحزر)، وهو سكن تم وقفه للدارسين وذوي العاهات.
وحول أول من أسسه يقول القاضي: إنه تأسس بأمر السلطان عامر بن عبدالوهاب ووزيره يوسف العنسي ويرجع تسميته بـ(الحزر) إلى أن السكن تم بناؤه في مؤخرة الجامع الكبير قبل أن يتم نقله إلى منزل أوقفه الصباحي على مسافة ليست بعيدة عنه، إلا أنه ظل محافظا على التسمية التي جاءت من اللغة العربية، والحزر يعني المؤخرة، والحزر هو مؤخرة العين.. ويشير إلى أن علماء كباراً تخرجوا من الحزر ومنهم شيخ الإسلام علي بن ناجي الحداد وعلي بن صالح العنسي وصالح محمد العنسي والقاضي علي بن سعيد البصير ومحمد علي المفتي وكانوا يسمون العلاعلة على عهد السلطان عبدالحميد.
والحديث عن الحزر لا يكتمل دون اللقاء بأقدم ساكنيه وهو إمام الجامع الكبير اليوم بعد أن كان أحد دارسي الحزر.
يوضح أن له في الحزر ما يزيد عن الـ45 عاما الذي دخله طالبا قبل ثورة سبتمبر على أيام نائب الإمام في إب أحمد السياغي، ويقول عن تلك الفترة إنها أفضل مما هي عليه اليوم خاصة في معيشتهم ويضيف كنا على أيام السياغي يصرف للطلاب ست (جفان) "عصيد وزوم" للفطار ومثلها حين الغداء، وفي مناسبات مثل رمضان ورجب وشعبان يضاف إليه الخبز والسلتة وأحيانا اللحم.
وبالمقارنة يقول: اليوم ما يدفعه لنا مكتب الأوقاف لا يزيد عن 3900 ريال مع أن ما تم دفعه لدارسي ومدرسي الحزر من الجامع الكبير يزيد عن ثلاثين ألف قدح حب.
وبحسرة يضيف: لقد كنت أستلم من الأوقاف عام 72م ثلاثة أقداح طعام و25 ريالاً، وكان حينها الريال له قيمة.
إمام الجامع الكبير محمد صالح البصير والذي لم يمنع كونه كفيفاً من الدراسة، ومن ثم التدريس في مجال الفقه واللغة العربية، يوضح من أنه لم يغادر الحزر إلا حين قام بالتدريس في منطقة ميتم الريفية، وهي إحدى مديريات المحافظة وما لبث أن عاد إلى مكانه في الحزر الذي تزوج فيه وأنجب أولاداً.
غرف الحزر صغيرة جدا يسكنه اليوم خمسة وعشرين شخصاً، من هؤلاء عدد من أبنائه وزوجته الذي قال إنهم يسكنون في غرفة واحدة اقتطع منها مطبخا وحماما أيضا.
ويوضح لـ"الوسط" من أن الحزر لم يكن يضم الكفيفين فقط وإنما أيضا كل من لديه إعاقة مثلي والأعرج، والمختل، بل إن هناك العديد من الأصحاء درسوا وتخرجوا منه، ومن هؤلاء العلامة المرحوم محمد وهابي مفتي إب وغيره ممن صاروا اليوم قضاة من بيت الغزالي.
مدير مكتب أوقاف المحافظة عبداللطيف المعلمي حين طرحنا عليه قلة ما يتسلمه ساكنوا الحزر رغم الوقف الكبير لدارسيه، شكا من أن أموال الوقف مهدورة ومن الناس لم يعودوا يسددون حق الوقف، ومن هؤلاء متولين بعض أراضي الوقف، وأوضح من أن ستين ألف (قصبة) لدى جهات حكومية لم تقم بالسداد.
وتابع: أن الأوقاف تدفع مرتبات لإحدى عشر موظفاً يقومون على خدمة الجامع الكبير كما أن عائدات الوقف الخاصة بهذا الجامع يتم الصرف منها على بقية الجوامع، والذي يبلغ عددها ثمانية آلاف جامع، فيما ألفي جامع جامع فقط لديها أوقاف.
مشيرا إلى أن من يسكنون الحزر أغلبهم ليس لهم علاقة بالدراسة أو التدريس الذي لم يعد موجوداً اليوم.
الزائر للمدينة اليوم يشاهد كيف أن استحداثات عمرانية من البلك والياجور بدأت تشوه تأريخ أبنيتها القديمة بما فيها من جمال عمراني وفنيات تشهد عليها بعض الدور التي يربط بينها ممر من نفس الأحجار، وتسمى الريش حتى تترك للمارة المرور من تحتها.
عضو المجلس المحلي للمدينة .. شريف يقول بصراحة لاأستطيع أن أهدم أي استحداث أو أمنعه باعتبار أن غرفتين مستحدثتين تسكنها أسرة مكونة من ثمانية أشخاص، ولا يوجد بديل لهؤلاء وهو مايترك الأمر مفتوحا لأن تفقد المدينة تأريخيتها رغم أن محاولات تجري لإدخالها ضمن المدن التأريخية باعتبارها من التراث لعالمي، وهي تستحق ذلك ويمكن أن نعرض لقضايا هذه المدينة الصغيرة الكبيرة والعظيمة في تناولات قادمة، ولكن قبل ذلك لا يمكننا القفز على تراث فني تم تغييبه كما تم تغييب المدينة وتم التنكيل بها.
وسوء الحال الذي وصلت إليه دفع بفنان محافظة إب نبيل علوي إلى تأليف أغنية عن المدينة على نسق أغنية يقرب الله لي بالعافية والسلامة، للشاعر الكبير عبدالرحمن الآنسي.
وكانت البداية للحديث عن الفن في هذه المحافظة، وكان قال في قصيدته
وحسرتاه يامدينة إب ماذا جرى لك
خيم عليك الحزن
أين الظهار والسواقي أين الابواب وسورك
ذاك الجميل الحسن
قالت هم أعيان قد ثاروا وشنوا المعارك
ضد الجمال الأغن
ثاروا على الأرض والأوقاف وكل المسالك
وكل شي فيك فن
يشهد لك الكون والتأريخ بحسن اخضرارك
محفور بصدر الزمن
لا عاد حدائق ولا بستان أفنوا ظلالك
وحول حمام صار مجن
أين السدود والبرك يامن يامن هدمتوا الزراعة
من حين قمتم فجور
من النوايا الخبيثة الماء زاد انقطاعه
في الآنسي البجور
خنتوا الطبيعة الجميلة الساحرة والوداعة
أين القيم والشعور
يا إب ابكي زمانك ضاع بايدي رجالك
بالسر أو بالعلن
لاتحزني يامدينة إب على ذي الإضاعة
فالحزن ماعاد يفيد
ومن يقول طوروك هو شريك في العصابة
عايش والا شهيد
لايفهم العلم والتعليم غير العصابة
خلوا الظهار كالمشن
ونبيل الذي ورث الفن وجمال الصوت عن أبيه علوي محمد سالم باعلوي الذي كان نشادا صوفيا بحكم توارث النشادة عن أبيه وجده إلا أنه بدأ الغناء في الاربعينيات في السر.
نجله نبيل علوي الذي بدا الغناء في نهاية السبعينات يتميز عن الفنانين الآخرين بثقافته الفنية ومعرفته بتأريخ الغناء وبالذات ماله علاقة بالغناء في إب.
ويشكو نبيل بحسرة من وجود تهميش ممنهج على الفن والفنانين في إب رغم مايقول إن هناك مدرسة عدينية، ومن أن الغناء في المدينة بدأ في العشرينيات والثلاثينيات، وكان يمثل هذه الفترة فنانون، منهم الفنان الحاج حسين النود وغالب البوصي وعلي الجارش، وهو من تعلم والده على يديه العزف في منتصف الاربعينيات.
يضيف من أن هناك عنصرية تمارس ضد إب والدليل أنه لم يستطع اختراق أسوار التلفزيون الصنعاني المتكمة فيه المناطقية، والشللية، وأوضح أنه ليس هناك لون صنعاني وإنما كوكباني وإذا كان هناك مدرسة صنعانية فقد مثلها السنيدار والخميسي.
وكشف أن الزفة أصلها من إب والعدين تحديدا، وأن صنعاء لديها نشادون، وذكر أن زفة العريس في الشارع ليس لها أصل، وأنها بدأت صدفة في زواج الشهيد احمد الكبسي الذي تأخر وصول المنشد من صنعاء، وقام والده علوي بعمل واجب، وقام بزفة، وصارت عادة حتى اليوم.
قد يكون لنا وقفة أخرى مع إب قبل أن تتحول إلى أطلال.
"الوسط" تشكر تعاون عرفات شرف وحسين شريف الذي كان لتفاعلهم دور في إظهار جزء من الصورة عن إب.




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign