امريكا تقر بصعوبة المعركة في خليج عدن ,, وتتحدث عن اشتباك بحري واسع        انسحاب مذل لحاملة الطائرات الامريكية " ايزنهاور من البحر الأحمر        صنعاء تشن عمليات هجومية ضد سقناً امريكية واسرائيلية في خليح عدن والمحيط الهندي        صنعاء تنهي الجدل الدائر حول شحنات المبيدات الزراعية      
    تحقيقات. /
مدينة إب القديمة ..استقبلت المهاجرين باختلاف أجناسهم واحتضنت الدعاة وأقام كل منهم فيها دارا

06/02/2013 14:57:12


 
عرض / جمال عامر
مدينة إب القديمة صارت اليوم حاضنة للفقراء الذين يلوذون بدورها العتيقة كونها أقل إيجارا ويمكنها أن تتسع لأكثر من عائلة واحدة يشتركون أحيانا كثيرة بحمام واحد.
والحديث عن هذه المدينة بواقعها اليوم مع كبار السن الذين لعبوا في حواريها أطفالاً، ودرسوا في كتاتيبها يافعين، صار يمثل لهم أسى ما يلبث يرتسم على ملامح وجوههم فيما تتغافل عنك أعينهم سارحة إلى البعيد الذي لا يعرفه سواهم.
هؤلاء ممن التقت بهم "الوسط" ليسوا سعداء بما آلت إليه مدينتهم من سوء حال طال مبانيها ومساجدها وكتاتيبها وسراديبها، الذي كان من الممكن لو كان هناك أقل اهتمام بها أن تكون مزاراً للسائحين.
القاضي يحيى العنسي وهو مفتي المحافظة الذي يعد موسوعة تاريخية وثقافية مع أنه قد تجاوز الخامسة والثمانين إلا أنه ما زال يتمتع بذاكرة لم تجهدها العقود الثمانية كثيرا.
التقيناه في جامع جرافة الذي يستقبل فيه الناس الباحثين عن فتاوى لما أشكل عليهم من أمور ومسائل الدين منذ العاشرة صباحا وحتى ما بعد صلاة الظهر.
وكان لقاؤنا به يختلف عما يقصده الآخرون مع أن الهدف يعد واحداً باعتبارنا باحثين أيضاً عن إجابات يمكن الركون إليها في ماله علاقة بالمدينة التي يعتز أنه أحد أبنائها.
يؤكد القاضي العنسي أن معظم دور المدينة يرجع إلى العصر الحميري، ويدلل على ذلك (بدار البيضاء)، الذي كان سكناً لـ محمد بن إسماعيل المتوكل، وهو من أقدم الدور الموجودة و(دار الثجة)، وهو الاسم القديم لـ(إب) وكذا (دار الشجاع) و(دار الأكوع) وغيرها من دور تم تجديدها في أزمنة غابرة.
قد تكون مدينة إب صغيرة في مساحتها إلا أنها كبيرة بحجم التسامح وحبها وترحيبها بالغريب القادم الذي مايلبث أن يتحول إلى أحد ساكنيها ولا يعد من المبالغة القول إنها ضمت بين سورها، الذي قضى عليه الإهمال بشر من كل أرجاء اليمن ومنهم أسر تركية، والذي منهم محمد عثمان التركي الذي كان جده قائماً مقام (عامل القضاء) بعد مبايعته للإمام يحيى وكذلك يحيى أفندي الذي ظل يصنع الحلويات والكعك التي تسمى (غريبات)، بل إن أقدم العائلات في هذه المدينة اليوم تعود إلى محافظة حضرموت الذي تعد ُدُورهم شاهدة على مدنية هذه المدينة، ومن هذه البيوت (بيت ثعلب) و(بيت حفين) و(حويرث) و(الحضرمي) وبيت (باسلامة) الذي حافظ على (ألفه وبائه) بينما سقطت عن البيوت الثلاثة الأخرى بسب قدمهم في السكن، ومثلما استقبلت المهاجرين إليها من التواقين إلى العيش الهادئ الرغيد احتضنت أيضاً الدعاة مثل الشيخ الصوفي الحضرمي عقيل بن عمر، والتي سميت إحدى حارات المدينة باسمه وكذا مسجدها الصغير الذي دفن بجواره في ساحة تسمى (الحوطة)، وأقيم له ضريح كان يزار قبل أن يهدمه سلفيون ربما على عهد السياغي قبل الثورة إلا أن داره مازالت قائمة حتى اليوم وتوارثها نسله بيت شريف.
القاضي العنسي يؤكد ان دار عقيل هي حميرية، وجدد عقيل بناءها كما أن الجامع المسمى بجامع عقيل هو مسجد قديم جاء ذكره في تاريخ الجندي، وكان له اسم آخر قبل أن يأتي الشيخ عقيل بن عمر قبل ما يزيد عن خمسمائة سنة كداعية، وجعله مقرا للصوفية، وسكن البيت الذي كان بجواره وسمي دار عقيل.
وأوضح أن أقدم الأسر التي سكنت المدينة هي بيت البريهي، وبيت المفتي - وبيت العنسي - وبيت الصنعاني.
ويضيف العنسي بزهو التفاخر بسماحة مدينته مع أن جده الكبير صالح بن أحمد هو أيضا قدم من منطقة (خب) في برط من عنس مدان عام 1100هـ، أي ما قبل ما يزيد عن اربعة مئة عام
إن من سكن المدينة أيضاً جماعة من{ البينيان } ويطلق على المسلمين الهنود، وكانوا يقومون بتجارة الحبوب المختلفة كالقمح والذرة وقدموا من عدن وبنوا لهم دور أيضاً مازالت قائمة، والذي منها دار صفر ودار الديدبان والسيسي.
هذه المدينة كانت مزاراً للرحالة الباحثين عن الدهشة وحول هذا الموضوع يقول الدكتور عارف الرعوي استاذ مادة التأريخ في جامعة إب، والذي لديه العديد من الأبحاث حول تأريخ المدينة أن هناك العديد من الرحالة الذين وصلوا مدينة إب، ويمكن من خلالها معرفة أحوالها في فترات مختلفة.
نيبور يروى عن مشاهد لم تعد حاضرة
• نيبور الذي وصف مدينة إب في القرن الثامن عشر بأنها تقع في قمة مرتفع ، يحيط بها سور وأبراج ، وبيوتها مبنية بالحجارة ، وطرقها مرصوفة، والتي كرر نيبور الإشارة إليها ، فهي متوفرة في المدن كمدينة جبلة ومدينة إب أو في مناطق الجبال كما في الجبال بين العدين وجبلة وفي جبل سمارة وجبل كوكبان ، لكن هذه الطرق المرصوفة قد أهملت صيانتها - كما ذكر - منذ سنوات طويلة .
وإضافة إلى جانب هذه الطرق فقد صادق بعد مغادرته القاعدة ، متجهاً مع أفراد البعثة إلى إب ، جسراً قائماً فوق عقد ضخم مبني من الحجارة وذلك قرب سمسرة Mharras، ويستطيع المسافر أن يمر على ذلك الجسر، متجنباً مجرى الماء، المنحدر بقوة من الجبال ويبعد من خلال أسماء القرى التي ذكرها نيبور مثل قرية ذو شرق Duschruk وقرية دمنة Dimne ، إن ذلك الجسر يقع على سائلة السياني.
وقدر نيبور عدد بيوتها عادةً بثلاثة أرباع بيوت مدينة جبلة ، ويقول الدكتور الصايدي إنها لا تزيد عن خمسمائة بيت، أما العرب فقدروها بثمانمائة بيت .
وفي المدينة عدد من المساجد الصغيرة ، بينها مسجدان لكل واحد منها منارة في شرق المدينة ينتصب جبل مرتفعاً جداً ، وهو جبل بعدان ، الذي تنحدر منه المياه ، التي يشرب منها السكان.
وفي شرق مدينة إب يقع جبل بعدان الذي ينساب منه الماء في قناة فوق الجبل طوله 150 خطوة مزدوجة (حوالى 250 متراً) إلى جامع كبير ومنه إلى المنازل وإلى المساجد الأخرى ، ولأن الجامع الكبير يقع في مكان منخفض فإنه يتم رفع المياه من خزان الجامع إلى خزان آخر مرتفع بطريقة المسنى ، ومن الخزان المرتفع ينساب الماء إلى المدينة.
أبناء إب متدينين ومتسامحين والسياغي ذو عقلية حداثية
•وهناك لوسيل فيفرييه 1947 ، 2004 م
وهي فرنسية الأصل من مدنية "إيير" من سكان ساحل "لاكوت دازور"، وكانت رحلتها الأولى وهي في السابعة عشر من عمرها ، وكانت مع والدتها وأخويها ، وخلال هذه الرحلة تعرضوا على حين غرة لمأساة وثورة ووضع مضطرب وسفر مؤلم ، وإياب يضج بالاضطراب إلى فرنسا.
وخلال ذلك هاجت مشاعرها لزيارة هذه المدينة فقد تذكرت الذوق واللطف الأخلاقي اللذين أحاطنا بها عامل إب آنذاك القاضي أحمد السياغي، الذي كان ذا عقلية حداثية وثقافة عالية أدهشت والدها، وكان ممثلاً جديراً لهذه المدينة التي منذ أجيال عدة، وهي تتقدم على العصر الذي تعيشه، ووصفت سكان مدينة إب بأنهم متدينون وفي الوقت ذاته متسامحون جداَ ومنفتحون على الآخرين ، وذكرت بأن هذه المدينة تعتبر ببناها التحتية الحديثة بمثابة العاصمة السياحية لليمن.
الريحاني: باسلامة هادئ لا يفاخر بدينه ولا يهدد بلاد الكفار بالدمار
أما الريحاني: فقال إنهم عندما وصلوا أعلى النقيل استطاعوا رؤية جبل بعدان ومن ورائه جبل حصن حب أعلى، ورأوا أمامهم مشهداً من السهول والهضاب وفي وسطها عند منحدر من جبل بعدان مدينة إب القديمة التي تتساوى في علوها مع وادي نخلان ، وعند وصولهم إلى إب نزلوا ساحة تدعى عند أهل المدينة ساحة الاستقبال.
وهذا ما ذكره الريحاني بارتياح شديد أن للمدينة هذه الساحة، وكذلك ساحة الوداع ففي ساحة الاستقبال يترجل المسافر إذا كان معروفاً وينتظر قدوم المرحبين، ولما كان الريحاني زائراً في طريقه إلى الإمام في صنعاء ، فقد استقبله عامل إب إسماعيل باسلامة ورحب به باسم الإمام وسط عزف الأبواق والطبول والرجال والخيول والجنود والأهازيج والحشود من الناس.
ووصف دخولهم إلى المدينة دخول الفاتحين ونزلوا على الرحب والسعة في بيوت من بيوت العامل إسماعيل المشهور في بلاد اليمن أعلاها وأسفلها بكرمه وفضله وعدله .
وأعجب الريحاني كثيراً بشخصية عامل إب، فقال عنه: أن لا يخطب في ضيوفه ولا يفاخر بدينه ولا يهدد بلاد الكفار بالدمار ، وهو رجل هادئ الخاطر وديع النفس غني يحبه جميع من يشتغل في أرضه كما يحبه جميع من في حكمه.
أما وصفه لمدينة إب فيقول: إنها مدينة مسورة، وهي وسخة ومزدحمة يروق الناظر إليها من الخارج فقط بيوتها من الحجر وأكثرها ثلاث طبقات تستخدم الأولى للمواشي والدواب والثانية للخدم والثالثة لأهل البيت ، ليست في المدينة مدارس غير ما في المساجد لتعليم القرآن وليس فيها أحد من الأطباء ولا نقطة ولا حبة من الدواء.
وقال إن مدينة إب جميلة من بعيد فالقادم إليها من ماوية أو تعز يراها في السهل وحولها الروابي كأنه حفنة من اللؤلؤ على بساط أخضر مفروش في بحيرة جفت مياهها، والقادم إليها من يريم يراها قائمة على رأس الجبل كصخر في بروج أو كبرج في جزيرة ولها ساحات وداع كما لها ساحات استقبال. ويذكر أنه يكثر فيها الجدري والحمى وأكل القات.
أما عن المزروعات في إب فيذكر من الفواكه فيقول: إن العامل إسماعيل باسلامه قد جاءه في صباح اليوم التالي لوصوله مدينة إب يسلم عليه وبيده طاقة من ورد نيسان قدمها للريحاني، واصطحبه إلى بساتينه التي تزرع فيها الثمار بأنواعها ، تلك التي تصلح في الشمال وفي الجنوب وفي المناطق البادرة والمناطق الحارة فشاهد الزيتون والموز والعمب (المنجات) والمانجو المصري والعنب والتفاح والرمان وكلها زاهية زاهرة حسب وصفه.
الثعالبي إب فارسية أزلية
أما الثعالبي فقد بدأ رحلته إلى اليمن العام 1924 في 12 أغسطس، ومر بمدينة إب ذهاباً وإياباً ولقي من التكريم والتبجيل من قبل عامل إب إسماعيل باسلامة ما خلب لبه وأسر جوارحه وملك حواسه، الأمر الذي قابل ذلك بتسجيل الشكر والثناء في صحائف الخلود، وفي طريق الذهاب وصلها يوم 20 أغسطس ودخلها في الساعة التاسعة صباحاً من الباب الكبير الذي أطلق عليه اسم الباب الغربي ، ومنه مر بسوق الحبوب وسوق الصاغة ثم انتهى إلى دار الحكومة حيث نزل فيها ، وبعد نزهة قصيرة التقى بالشيخ باسلامه وفي معيته أعيان المدينة وأكابر موظفيها، وهم إسماعيل الغرباني وهو ابن حميد بن محمد بن عز الدين ينتهي نسبه إلى الإمام القاسم العياني مولده بمدينة إب ووفاته بها، والقاضي أحمد عبدالله صميرة مأمور المالية، ويحيى صميرة مأمور الأوقاف ، ويحيى بن علي الحداد كاتم أسرار العامل، والحاج محمد المنصوب وآخرون لم يتذكر أسماءهم.
وقد التقاه إسماعيل باسلامة، حيث قّدم له باقة من زهور المدينة وبعض القوارير من ماء الورد المكرر المصنوع في مدينة إب، هو تقليد اتبعه عامل إب مع ضيوفه، وألقى الثعالبي خطبة ، حثهم من حضر فيها على الاتحاد والتآخي وتوجه عامة الناس إلى التضامن والعمل على إحياء ورح العربية الإسلامية ببث المبادئ القومية بشرط أن لا تتقاطع مع الدين ، وحثهم على الاهتمام بالزراعة وإصلاح الأراضي وإعمارها باستخدام الآلات الحديثة لكي يكثر المحصول وتنمو المكاسب وتتنوع طرق العمل.
وكتب الثعالبي أن مدينة إب فارسية أزلية بناها دارا الأكبر أوداريوس الأول ملك الفرس من 522 إلى 486 قبل المسيح فهي مدينة يرجع عهدها إلى العصور القديمة ، وصوابها آب لا إب بهمزة مكسورة ، ومعناه المياه، وهي مبنية بالحجارة وأكثر دورها متشابهة، وبناؤها من عدة طبقات وطرقاتها معوجة ضيقة أشبه ما يكون بطرقات المدن الرومانية ، فالمعروف من آثار الرومان أن طرقاتهم كانت معوجة وضيقة، وعليها سور ضخم له أربعة أبواب، وهي الباب الكبير وباب النصر وباب سنبل وباب الراكزة.
ويذكر أن فيها أبنية عمومية كثيرة أغلبها غير معتنى بها، وبعضها مهمل، وفيها من المساجد 32 مسجداً منها المسجد الجامع الذي بناه أحد المحسنين من الهنود وقد أتمه الإمام المنصور الزيدي في القرن السادس من الهجرة، وهو يسع 500 نسمة.
في العدد القادم سنواصل.. إذ لا يزال الكثير مما يُحكى عن مدينة أضاعها أهلها، بحيث دمرت معالمها وردمت سراديبها، ودمر سورها ونوبها، واستبدلت أبوابها بأبشع ما يمكن أن يُرى.




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign