المبعوث الاممي يدعو لعدم ربط الحل السياسي في اليمن بقضايا اخرى        تعثر خطة الرد الاسرائيلي على ايران        اعتراف امريكي بريطاني بنجاح الهجمات اليمنية البحرية والجوية        صنعاء ,, انفجار اسطوانة غاز يتسبب باندلاع حريق هائل في سوق شعبي     
    تحقيقات. /
المشردون.. مأساة إنسانية يضاعفها برد الشتاء في شوارع العاصمة وأزقة الحالمة

08/01/2013 17:39:00


 
استطلاع ـ رشيد الحداد

لم يكن وضع مشردي المدن الرئيسة في العاصمة صنعاء والعواصم الأخرى أفضل حالاً في عهد حكومة الثورة مما كانوا عليه قبل، بل ضاعفت ضربات البرد القارسة معاناة المشردين في العاصمة صنعاء ومحافظات أخرى، فظاهرة التشرد تصاعدت بفعل عوامل أخرى كاتساع نطاق الفقر واضطراد أرقام البطالة وتفاقم مشكلة الإسكان- يضع مستقبل التشرد في دائرة الاهتمام لا التجاهل كما يشير حاضر المشردين من المرضى النفسيين والعجزة والمسنين وضحايا الحروب والصراعات والعنف الاجتماعي، الذين فقدوا الأمان والعيش بسلام في مجتمع العقلاء ووطن الحقوق والمواطنة المتساوية لينتموا إلى وطن آخر ينمو داخل وطن.. مجتمع آخر يسوده الخوف والجوع والبرد ويعايش فيه الجميع المساواة في ظلم الحياة والإنسان معا.. إلى التفاصيل:
نطاق ظاهرة التشرد في اليمن غير السعيد أهله، لاتساع نطاق الظروف القاهرة التي تزداد مأساوية عاما بعد آخر كلما تفسخت قيم التكافل والتراحم في مجتمع وصفه خاتم المرسلين بالأرق قلوباً.. وكلما اشتدت قساوة أفئدته وتفككت أواصر قواه الاجتماعية في ظل التناقض المخيف بين حق المواطنة المتساوية تنظيرا في دستور مكتوب وقوانين جامدة وواقع مغاير لكل مبادئ الإنسانية، تضاعفت معاناة المشردين في عواصم المدن الرئيسة وفي أزقة أحيائها
مأساة مفتوحة وأبواب مغلقة
فالتشرد مأساة مفتوحة لا حدود لضحاياه، ولا أرقام لهم، ولا دُور رعاية، ولا حقوق في ظل سقوط العدالة الاجتماعية من أجندة الاقتصاد وإسقاط المسئولية الاجتماعية للدولة على أسس ومفاهيم ضيقة لا تتعدى الأقربين، كما يشير واقع حال المشردين في شوارع عاصمة الدولة المركزية وأزقة حاراتها وميادينها العامة وعلى أسوار مآذنها ومساجدها، التي يحرص القائمون عليها إغلاق أبوابها الداخلية والخارجية عقب كل صلاة لكي لا تأوي مشرداً أو مريضاً نفسياً في مؤخرتها، التي غالبا ما تخلو من أي أثاث، والمثير للأسف أن تغلق كل أبواب الأمان حتى بيوت الله، التي لم تُجر أولئك المشردين الذين يتقاسمون ما خرج على سيطرة قسوة القائمين عليها من مساحات ضيقة أمام أبوابها المحمية بـ"ظلة خرسانية" لحماية أجسادهم العارية والمتهالكة، والتي أكل منها الدهر وأهله وشربوا منها.. ما شربوا من شدة البرد والصقيع، ما استطاعوا خلال ساعات الليل القارس برده في الشتاء التي تنتهي قبل صلاة الفجر بقسوة الإنسانية وتأففها، والتي تفوق قسوة الطبيعة وتغير مناخها بين مطر شديد وبرد أشد.
مجتمع الرصيف
مشردو الشوارع والحارات، ظاهرة اقترن نموها باتساع نطاق الفقر والبطالة وانعكاسهما على استقرار الأسرة اليمنية، فهم ضحايا فشل السياسات الاقتصادية في تحسين دخل الفرد وضحايا فشل القطاعين العام والخاص في توفير فرص عمل تلبي تطلعات الكادحين وتأخذ بأيديهم نحو مزيد من الإنتاج والاستقرار الحياتي، يضاف إلى ذلك ضحايا العنف الاجتماعي من الأطفال والشباب، الذين غالبا ما يلجأون للبحث عن بصيص أمل في العيش بسلام فتصدهم القسوة بتوحش ليؤول مصيرهم إلى التنازل عن جل حقوقهم مقابل البقاء في مجتمع تتناغم فيه معاني الشقاء والحرمان والويل من المجهول مع البرد والجوع والمخافة، إنه مجتمع المشردين الذي ينمو عاما بعد آخر على حساب مجتمع العقلاء دون أن يبدي الأخير أدنى خشية أو تعبيراً عن قلق من الارتفاع المضطرد لأعداد المشردين المتجاهلين من قبل صندوق الرعاية أو وزارة الأوقاف، كون الغالبية العظمى يندرجون في إطار مخارج الزكاة كالمرضى النفسيين، الذين يهيجون في شوارعنا العامة ليلا ونهارا، صيفاً وشتاءً بالمئات، ورغم المعاناة إلا أن مجتمع المشردين في اليمن يتسم بالتعايش بين المشردين (المختلين عقلياً)، والذين تخلت عنهم أسرهم ومنهم ما يمكن وصفهم بالتائهين في الحياة الذين ارتضوا أن يعيشوا بعيدا عن معرفة أهاليهم بمعاناتهم وهم عقلاء، إلا أن فشلهم في الحياة دفعهم إلى العيش بعيداً عن أهاليهم، ومنهم من يحملون أسماء مستعارة، ويحرصون على تغيير ملامحهم لكي لا يعرفهم الآخرون ومنهم من وجدوا أنفسهم في مجتمع التشرد، حيث تقطعت بهم السبل وحال عليهم العوز والفقر ولم يستطيعوا التحرك، ويصنفون بالمشردين مؤقتاً، سيما وان معظم أولئك المشردين الجدد قدموا إلى العاصمة بحثاً عن عمل فلم يجدوا فأنفقوا كل ما بحوزتهم من مال، فبات الرصيف مأواهم المؤقت وجمع العلب من الشوارع وبيعها مصدرهم الوحيد لسد رمق الجوع ويتواجدون في جولات العمال في العاصمة.
ورغم ذلك فإنهم بمختلف أصنافهم يعيشون أجواء مفتوحة لا سطوح فيها ولا جدران، يتقاسمون برد الشتاء بأجسادهم العارية وأمطار الصيف، ولم يجدوا ملجأً أو داراً يأويهم فيقبلون بقهر الواقع والعيش على الرصيف في مجتمع التشرد.
ضربات الصقيع
ففي الوقت الذي شكا عدد من المزارعين في مديرية يريم - بمحافظة إب- من تعرض مزارعهم للتلف جراء موجة الصقيع التي ضربت المديرية وعدداً من المديريات المجاورة في محافظتي إب وذمار، وحذرت وزارة الزراعة والري المزارعين والقاطنين في المرتفعات الجبلية من موجة صقيع شديدة قادمة قد تضرب محاصيلهم الزراعية وتكبدهم خسائر اقتصادية كبيرة، وأهابت بالمزارعين إلى أخذ الحيطة والحذر لحماية الزروع من أضرار الصقيع "الضريب" إثر تدني درجات الحرارة وفقا لمؤشرات الأرصاد الجوي ، وأقرت وزارة التربية والتعليم فيما يخص الطلاب بتأجيل الدوام الرسمي لمدارس الجمهورية ساعة، لكي لايقع أطفال المدارس تحت ضربات الصقيع، لم تتحرك وزارة العمل والشئون الاجتماعية لحماية أولئك الآلاف من البشر، الذين يتساقطون صرعى أمام ضربات الصقيع شديدة البرودة، التي كانت أشد فتكا وضررا على المشردين في شوارع العاصمة، والتي لا يزال ضحاياها مجهولون حتى الآن، بل إن معظم الجثث المجهولة في ثلاجة الموتى بمستشفى الثورة العام معظمهم مشردين وجدوا في الشوارع جثثاً هامدة، ومن تعدى ويل الصقيع ما زال يتحمل صدمات البرد، وإن خفت أضراره، فخلال نزولنا الميداني مساء الجمعة إلى بعض شوارع صنعاء التي تحتضن العشرات من المشردين لم نجد سوى بقايا كراتين شاهدة على معاناة دائمة وبقايا حرائق أشعلها المشردون للحصول على ما افتقدوه من الدفء، فأولئك المشردون الذين تتضاعف معاناتهم في العاصمة صنعاء، التي وصلت فيها درجة الحرارة الصغرى أواخر الأسبوع الماضي ومطلع الأسبوع الجاري تحت الصفر.
تراجع أعداد المشردين في الأسواق الشعبية
كالعادة حال نزولنا إلى مجتمع التشرد والشتات اتخذنا من منطقة (باب اليمن) المحطة الأولى لنزولنا باعتبار باب اليمن والمناطق المجاورة نقطة تجمع للمشردين إلا أننا فوجئنا بتراجع أعدادهم بصورة لم نكن نتوقعها، حيث لاحظنا خلو السور الخارجي لباب اليمن مساء الأحد من تواجد المشردين، على الرغم من أن ذات المكان كان يتخذ منه المشردون ملاذا امناً لهم، إلا أن العام الجاري كان الوضع فيه مختلفاً، فأعداد المشردين تراجع في منطقة باب اليمن وضواحيها بنسبة تتجاوز الـ60%، كما أن ساحة الشهداء لم تعد تكتظ بالمشردين كسابق عهدها، بل إننا لاحظنا وجود عدد بسيط من المشردين (مختلين عقلياً)، ينامون تحت البوابة الرئيسة لمقبرة الشهداء، بالإضافة إلى عدد بسيط لايتجاوز الأصابع بجانب سور المقبرة من جانب فرزة تعز.
حاولت معرفة أسباب اختفاء المشردين فتباينت الأسباب، فالبعض عزا ذلك إلى موتهم بسبب عوامل التعرية التي يتعرضون لها على مدى العام، وآخرون قالوا: كان بعضهم (أمن سياسي) وأنهوا مهمتهم، وطرف ثالث قال: إن البلدية هجّرتهم إلى مناطق أخرى، وبحثوا عن مناطق أكثر أمانا، خصوصا المشردون غير المختليين عقلياً منهم.
فالمشردون يتخذون من العمائر المهجورة التي تعثر استكمال بنائها مواطن لهم، إلى جانب أرصفة الشوارع والساحات العامة، وبعض المشردين ينتقلون من مكان لآخر بحثا عن أمان قلما يجدوه خصوصاً في فصل الشتاء.
التشرد المؤقت
الخوف من المجهول والالتزام بالتعميمات الأمنية أحد عوامل التشرد المؤقت، ففي ظل الإجراءات الأمنية المشددة التي تعممها الجهات الأمنية صار مصير من لا يملك بطاقة شخصية أو قريباً في العاصمة -صار مصيره التشرد والنوم في الشارع أو الانتقال من قسم شرطة لآخر بحثا عن تصريح ينام بموجبه في إحدى اللوكندات الشعبية أو الفنادق العادية، والمثير للأسف أن بعض المسنين القادمين من المناطق الريفية لقضاء غرض ما والعودة، وليس لديهم أقرباء يحتضنونهم في العاصمة يؤول مصيرهم إلى التشرد المؤقت، مهما كانت لديهم وثائق إثبات هوية، فإن أصحاب الخدمات الإيوائية لا يقبلون المسنين "الأكبر سنا والأوهن عظما" بحجة الخوف من المجهول، مرضاً مباغتاً أو موتاً محتملاً، والذي قد يضعهم تحت المساءلة وربما العقوبة، بالإضافة إلى مبررات إزعاج النائمين.
ناقوس الخطر
حالما يقابل حضور المشكلة غياب الحلول تتسع المشكلة وتنتقل إلى طور الإشكالية.. فتراكم أعداد المشردين خلال عدة سنوات -في أوساط مجتمع يتسم بالفتوة وعمر الإنتاج بنسبة 75% ويعاني من أزمة سكن خانقة في الوقت الحالي- مؤشر خطير على اتساع نطاق التشرد إلى حدود ما يمكن اعتباره مستحيلا، فمستقبل التشرد في اليمن في أوساط العجزة والمسنين سيكون مهولا حسب مؤشرات الواقع الآني، بالإضافة إلى مستقبل الأمراض النفسية في ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية وتدني القوة الشرائية وانعدام فرص العمل وتفشي الفقر في أوساط المجتمع وارتفاع الضغط النفسي، وتنامي العنف الاجتماعي الصامت ضد المرأة، تعدد المشاكل دفعتنا إلى معرفة الحلول التي أكدها قانون الرعاية الاجتماعية، إلا أن واقع الحال يحمل أكثر من مشكلة، فما كان يُعرف بدار العجزة والمسنين في العاصمة في حارة التضامن بمديرية الصافية تحول إلى مستشفى للأمراض النفسية بسعة 200 سرير، 60 منها للإناث و140 للذكور.. بحثنا عن الدار البديل في أكثر من مكان فكانت النتيجة لا يوجد دار للمسنين والعجزة في العاصمة، رغم أن شوارعها تحتضن آلاف المشردين من مرضى نفسيين ومشردين أصحاء، وكل ما في الأمر أن هناك مبنى صغيراً خاصاً بالعجزة تابعاً لمنظمة أطباء بلا أطباء تقوم برعاية قاطنيه عدة راهبات من أصول هندية ويقع في المستشفى الجمهوري.
حقوق مسلوبة
قرابة ألفي مشرد في شوارع العاصمة يواجهون أقسى موجات الصقيع، منهم من مات ومنهم من ينتظر، سيما وأن بنيتهم الجسمانية غير قادرة على مقاومة الأجواء الباردة، والتي وصلت إلى 6 درجات تحت الصفر في الأيام الماضية، وثبت صحيا أن تعرُّض الإنسان لموجات البرد الشديد يؤدي إلى انخفاض درجة حرارة الجسم مما يفقده المناعة وينجم عنه تضييق في الأوعية الدموية وتقلص عضلات إنتاج الحرارة مما يؤدي إلى فقدان الوعي ومن ثم الوفاة، ويطلق على لسعة الصقيع مصطلح (الصقيع المميت)، والذي يؤدي إلى تقرحات في الجلد وتجمد الدم.. كل تلك المخاطر يعمل الجميع من أجل تفاديها باستثناء المشردين، الذين لا حول لهم ولا قوة، على الرغم من أن الدستور في المادة (56) منه ألزم الدولة بتوفير الضمانات الاجتماعية للمواطنين كافة في حالة المرض.. والمرضى النفسيون يشكلون 70% من المشردين أو حالة العجز أو البطالة أو الشيخوخة.. يضاف إلى أن القانون رقم (31) لسنة 1996م بشأن الرعاية الاجتماعية كفل لهذه الشريحة حق الرعاية وألزم وزارة الشئون الاجتماعية بإنشاء دور للعجزة والمسنين، كما ألزم القانون رقم 32 لسنة 1992م، بشأن الوقف الشرعي، وزارة الأوقاف بالاهتمام بهم ورعايتهم كونهم مساكين، ولكن في بلد انحصر الاهتمام بالإنسان وحقوقه في إطار ضيق وغير إنساني، يصبح حق المشردين في جوف حيتان الفساد.
تعز.. مبادرة شبابية تخفف معاناة مشردي المدينة

 قد يكون غياب دور الدولة في حماية هذه الشريحة المسحوقة أبرز أسباب معاناتها، ولكن لا ننسى بأننا مجتمع وصفه رسول الأكرمين بالأرق قلوبا والألين أفئدة، فمعظم المشردين في شوارعنا من مرضى نفسيين وكادحين وغيرهم لهم أسر، ونحن في مجتمع محافظ، الغريب أن غياب الأسرة لم يكن سبباً لقيام منظمات حقوق الانسان بحفظ كرامة هذه الشريحة.. ننتقل من العاصمة صنعاء إلى مدينة تعز الحالمة التي تشير التقديرات الأولية شبه المؤكدة إلى أن أعداد المشردين فيها يتجاوز المئات إلى الآلاف، فمشهد المشردين في شوارع الحالمة تعز وأزقتها، لم يكن بعيدا عن المشهد في العاصمة، وان كانت معاناة مشردي تعز أقل وطأة من مشردي العاصمة صنعاء، سيما وأن درجات الحرارة في تعز تختلف عن درجات الحرارة والبرودة في العاصمة صنعاء، التي تعد شديدة البرودة، ورغم ذلك فإن معاناة المشردين في الحالمة أثارت اهتمامات الآخرين، الذين اعتبروا بقاء تلك المجاميع البشرية تحت ضربات برد الشتاء امراً يتناقض مع مبادئ الإنسانية.
الغريب في الأمر في تعز التي تعد العاصمة الصناعية للجمهورية بأن رجال المال والأعمال ليسوا من قاموا بحفظ ماتبقى من كرامة لمشردي المدينة كمسئولية اجتماعية، بل إن من قاموا بحفظ كرامة مشردي مدينة تعز هم عدد من طلاب الجامعة، الذين تقاسموا مصروف يومهم مع تلك الشريحة، فجمعوا المال ونجحوا في التخفيف من معاناة مشردي المدينة في مشهد إنساني قلما شاهدناه.. أولئك الفتية الذين نقلوا المشاهد المحزنة في شوارع وأزقة المدينة إلى خطط قصيرة وأفعال حقيقية تمثلت في تنفيذ حملة (بطانية تنقذ إنساناً) مؤكدين بأن لا حواجز تقف أمام مساعدة الآخرين حتى وإن كان الفقر والعوز وضعف الحال، فلن يقف حائلاً أمام فعل الخير ومساعدة الآخرين إن وجدت الإرادة.
مساء الجمعة كان مشردو مدينة تعز على موعد مع شباب مشروع (بطانية تنقذ إنساناً)، فتلقى العشرات من المشردين في عدد من الشوارع البطانيات ليقوا أنفسهم شدة برد الشتاء، حيث فوجئ العشرات بأغطية تغطي أجسادهم العارية وتمدهم بالدفء وتخفف عنهم معاناة الشتاء القارس، الحملة كما أكد أصحابها استمرت في توزيع البطانيات ثلاث ساعات، إلا أنها كشفت مدى حجم مأساة تلك الشريحة المنسية.
حملة (بطانية تنقذ إنساناً) الأولى من نوعها في الجمهورية، أعد لها وخطط ونفذ كل من حمزة الهاشمي (مشرف الحملة)، والطالب يزيد البرطي (منسق الحملة)، والطالبة مها الشرعبي (أمين الصندوق)، والطالب وثيق البريهي (مسؤول المشتريات والتوزيع)، كما تولت الطالبة عائشة كامل (فريق الإعلام)، وتولى الطالب مروان العقيبي (مهمة النقل)، وشارك في الحملة عبدالسلام العزي ومفيد الشرعبي وفاروق الوجيه وأمير حسن، وكانت بداية البفكرة نتيجة المأساة، تحولت إلى مبادرة شبابية.
تقول مها الشرعبي -طالبة في كلية تربية تعز- قسم اللغة الانجليزية - إن البداية كانت نقل الأقوال إلى أفعال، وبعد ذلك تم توزيع ألف برشور تعريفي بالحملة، والهدف منها الأربعاء 2/1/2013. على طلاب كليتي التربية والتجارة، وذلك بعد أربعة أيام من مناقشة المبادرة، والتي حظيت بتجاوب كبير.
"الوسط" تواصلت مع شباب تعز والتقت مشرف الحملة حمزة الهاشمي، الذي أكد بأن المبادرة بدأت عندما شاهد امرأة مرمية على جانب الرصيف بالقرب من مدرسة ناصر وبجانبها أطفالها فأحزنني هذا المنظر، فقام بنشر منشور يتحدث عنها على جروبنا "ملتقى طلاب وطالبات كلية التربية"، فعلقت إحدى الطالبات قائلة: لماذا لا ننقل الكلام إلى أفعال ونساعد هؤلاء، ليبدأ التفاعل، وبدأت العملية بالترتيب للمبادرة من خلال دعوة الشباب والشابات إلى أن يكونوا من ضمن أعضاء الفريق المنظمين، وتم تحديد موعد نلتقي فيه بالكلية لتنظيم عمل الحملة والتخطيط لها وكانت البداية ليس بالنزول إلى تجار تعز لعرض المبادرة عليهم علّهم يساهمون في التخفيف من آلام أولئك المشردين بل تم النزول الى قاعات كليتي التربية والتجارة فقط؛ ليتم عرض المبادرة على الطلاب الذين تفاعلوا بشكل كبير، فبادر الطلاب بالمساهمة بما يستطيع من المال، وسعى طلاب آخرون إلى دعم الحملة ببطانيات نظيفة من المنازل.
وأشار الهاشمي: أما الطالبات قمن بمهمة جمع التبرعات من القاعات، وبلغ إجمالي تلك التبرعات (90210) ريال، بعد ذلك قام الشباب المشاركون في المبادرة بمسح المشردين في الشوارع قبل النزول الميداني لتوزيع البطانيات عليهم، إلا أن أعداد المشردين كان كبيرا مما اضطر الشباب إلى توزيع البطانيات على المشردين شبة العراة، الذين تواجه أجسادهم البرد القارس دون وقاية.
يتابع الهاشمي الحديث عن طريقة أماكن النزول الميداني مساء الجمعة الماضية مع زملائه الذين تولوا مهمة توزيع البطانيات على المشردين، في حين تولت الطالبات مهمة جمع التبرعات، حيث تم توزيع الشباب إلى ثلاث مجموعات ميدانية ليلية ليبدأ النزول الميداني الساعة الواحدة بعد منتصف ليل الجمعة.. المجموعة الأولى: شارع جمال، التحرير الأعلى، وسوق الجملة والمركزي وشارع المصلى وشارع محمد علي وشارع العواضي، وشارع 26 سبتمبر وباب موسى وباب الكبير والمظفر، ووجدت مايقارب 98 حالة أناساً عاقلين (ليسوا مجانين)، والمجموعة الثانية: شارع التحرير الأسفل إلى جولة سنان، ووجدت 15 حالة لقربهم من ساحة الحرية ينامون فيها كما أظن، والمجموعة الثالثة: العقبة، الحوض، مدرسة الشعب، ووجد 34 حالة، حيث تم توزيع 81 بطانية على 81 مشرداً.
وأكد حمزة الهاشمي بأن هناك أسواقاً كبيرة في تعز تحتضن المئات من المشردين كسوق عصيفرة وغيرها، الذين لم يستطيعوا تغطية المشردين فيها بالبطانيات، لعدم قدرتهم على جمع بطانيات أكثر، وأشار بأن معظم المشردين يتواجدون في التحرير الأعلى تحت مسجد السقاء، مكان واحد تحت المسجد ينام فيه أكثر من عشرين شخصا، وكذلك يتواجدون في العواضي بكثرة وسوق الجملة.
مؤكدين عدم وجود أطفال بين مشردي المدينة رغم وجود امرأة مسنة معاقة بجانب جولة حوض الإشراف مغطاة بطرّاحة فقط، موضحاً بأن معظم المشردين مابين مختلين عقلياً وشباب ومسنين بعضهم من خارج محافظة تعز، ومنهم من يعمل في الحراسة بأجر زهيد.
وأكد مشرف الحملة بأن ظاهرة التشرد في تعز تتصاعد من عام لآخر، حيث تتغير صور المشردين في شارع جمال وشوارع أخرى، وكأنهم يستبدلون بآخرين، وأكثرهم يتنقلون من مكان إلى آخر، أي غير مستقرين.
واختتم تصريحه بالقول: أتذكر موقف رجل كان ينام وفوقه كرتون يغطيه فقط، ناديناه، ففتح لنا قليلاً من سقفه الكرتوني، ولم يبدُ لنا إلا رأسه وهو يرتعش من البرد.. هذه اللحظة كانت مؤلمة جداً، وأعتقد أنها قد صوّرت البؤس بكل ما تحمله كلمة البؤس من معانٍ..
عفة مشرد
رغم البؤس والشقاء الذين يعايشونه، إلا أن العفة التي حولتهم إلى مشردين لا متسولين يسألون الناس إلحافاً دفعت بعض المشردين في مدينة تعوز إلى رفض البطانيات المقدمة من الشباب على الرغم من أنهم في العراء، ولا يجدون ما يغطون به أجسادهم من شدة البرد وقسوته، حيث أفاد شباب مبادرة (بطانية تنقذ إنساناً) بأن بعض المشردين رفضوا تلقي البطانيات، وبعد إلحاح غطوا أجسادهم المتهالكة بتلك البطانيات باستحياء بعد تدخل آخرين، وحثهم على استلامها.
أين ضمائرنا الإنسانية..؟!!
وعبّر منظمو حملة (بطانية تنقذ إنساناً) في تعز عن جام غضبهم من خلو مدينة تعز من دار للعجزة والمسنين، مشيرين إلى أن المسئولين ينامون في قصور وفلل والمئات من المشردين في الشوارع ليس لهم بطانية تدفيهم، ودعوا المحافظ شوقي هائل: أما المحافظ فندعوه إلى القيام بدوره الإنساني في إنشاء دار لرعاية المسنين في المحافظة، والعمل على تخصيص مكان مؤهل لينام فيه كل من ليس له مأوى، كما دعوه إلى دعم حملة (بطانية تنقذ انساناً) (الثانية) ليتم تغطية مشردي المدينة بالبطانيات كحل مؤقت.
وخاطبوا وزارة العمل والشئون الاجتماعي بالقول: أين أنتم من المجتمع وشؤونه؟.. الناس يباتون في العراء، وأنتم لا تحركون ساكنا، معتبرين بأن اسم الوزارة أكبر من عملها
وبعثوا عبر (الوسط) برسالة إلى كل يمني ويمنية، جاء فيها: أين ضميرنا الإنساني الحي.. أين التراحم والتآزر؟!
متسائلين: لماذا نصرف وجوهنا حين نرى هؤلاء وكأننا لا نرى سوى أحجار تنام على الأرض!! هؤلاء إخواننا فمن لهم إن لم يكن أنتم؟.. إذا التفتت كل حارة للمشردين في حاراتهم وشوارعهم صدقوني: إننا لن نجد واحداً من هؤلاء ينام في الشارع.





جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign