ائد آيزنهاور: هجمات الحوثيين تحاصرنا في البحر الاحمر       مقتل مغترب يمني في أمريكا         إسرائيل تسرق آثار يمنية        العملة الوطنية تواصل الانهيار في مدينة عدن رغم ارتفاع العرض      
    خارج الحدود /
الانتخابات البريطانية.. عندما يكون للسياسة معنى

2010-05-12 14:59:02


 
 كتب/ علي محسن حميد انتهت الانتخابات البرلمانية البريطانية في 6 مايو بنتيجة غير حاسمة، فلا العمال حافظوا على أغلبيتهم التي تمكنهم من الاستمرار في الحكم ولا المحافظون حققوا أغلبية تعيدهم إلى السلطة بعد معارضة استمرت 13 عاما، ولا الديمقراطيون الأحرار أحرزوا مقاعد أكثرتؤكد للحزبين الكبيرين اللذين يتداولان السلطة بعيدا عنهم  منذ قرن من الزمان أن البريطانيين ملّوهما ويشتاقون لتغيير قواعد اللعبة الانتخابية . الكل خابت توقعاته وفشلت حساباته.  والنكسة  الكبرى كانت للديمقراطيين الأحرار الذين بزغ نجم قائد حزبهم نك كلج في المناظرات التلفزيونية الثلاث الأسبوعية  التي سبقت الانتخابات بين زعماء الأحزاب الثلاثة، في عملية إعلامية غير مسبوقة في تاريخ  بريطانيا السياسي أتيحت فيها الفرصة لكل حزب لمخاطبة الناخب وعرض سياساته الداخلية والخارجية وللجمهور ليحكم على مصداقية كل زعيم  وعلى كفاءته في إدارة البلد من خلال شرح برنامجه الانتخابي ومقارنته ببرنامجي الحزبين المنافسين  وتفاعله مع نظيريه وإقناع الجمهور بأفضليته وواقعية سياساته  والرد على أسئلة الحضور من الجمهور الذي مثل بريطانيا المتعددة الأعراق والديانات.   هذه المناظرات التي تفوق فيها نك كلج زعيم الديمقراطيين الأحرار رفعت سقف توقعات حزبه  بالفوز بما يزيد على مائة مقعد وأدت إلى أن تحول جريدة الجارديان ولاءها وتأييدها من حزب العمال إلى حزب الأحرار تعبيرا عن خيبتها من سياسات حزب العمال وثقتها بأن تحولا ما سيحدث لصالح الحزب تريد أن تكون من المساهمين  في تحقيقه وقد أظهرت السيد كلج  في أحد أعدادها كزعيم سياسي في صور ثلاث، لثلاث شخصيات عالمية  هي  المهاتما غاندي  ومارتن لوثر كنج  وأرنستو جيفارا . التنبؤات التي سادت قبيل الانتخابات نتيجة ارتفاع شعبية كلج في  كل الاستطلاعات ولم تكن تتجنب الحديث عن برلمان معلق صدقت على عكس  تنبؤات الاستطلاعات بحصول الديمقراطيين الأحرار على أكثر من 100 مقعد. والبرلمان المعلق رغم سلبياته على الاستقرار السياسي و الاقتصادي لكنه  تحول لامفر منه في بريطانيا حيث يسيطر حزبان على الحياة السياسية  منذ  قرن.  وفي  العقدين الأخيرين انكمشت  الفوارق الإيديولوجية بينهما ولم يعد حزب العمال هو حزب الطبقة العاملة أو حزب يسار الوسط  الذي يسترشد بمصالح هذه الطبقة مما دفع المحافظين للقول عندما كان بلير رئيسا للوزراء 1997-2007 أنه لم يترك لهم شيئاً وعلى حد قول مايكل هوارد زعيم الحزب السابق لقد سرق منا  بلير كل شيء حتى ملابسنا".  القلق من البرلمان المعلق  الناتج عن ضعف الحزبين الكبيرين لم يعد فكرة منبوذة لأنه لا يضير الديمقراطية وهو علامة صحة يجعل الأحزاب لاتركن إلى أن  الناخب في جيبها وتحكم برشادة وشفافية أفضل حتى تفوز بثقته. ولاعجب  أن  كثيرا من  الدول النامية  لاتعرف البرلمانات المعلقة  وتعتاد فقط على الأغلبية الكاسحة في انتخابات تشوبها كثير من العيوب والفجور السياسي. والبرلمان المعلق فرصة تاريخية للديمقراطيين الأحرار لتحقيق  حلمهم العتيد في إحداث إصلاح انتخابي يجبر الحزبين الكبيرين العمال والمحافظين على الانتقال إلى نظام التمثيل النسبي وإنهاء وضع غير واقعي  يبقي الديمقراطيين الأحرار على هامش الحياة السياسية البريطانية رغم تأييد أكثر من خمس الناخبين لهم. وهذا النظام  الذي لاتأخذ به إلا دولا قليلة  هو الأكثر إنصافا لأنه يعطي الأحزاب مقاعد برلمانية وفقا لإجمالي عدد الأصوات التي تحصل عليها في الانتخابات. وفي الانتخابات التي انتهت في الأسبوع الماضي حصل حزب الأحرار على 23% من الأصوات - أكثر من 10 ملايين صوت من مجموع 45 مليون صوت - بينما لم يحصل الحزب سوى على 58 مقعدا، ولو طبق نظام التمثيل النسبي لحصل الحزب على حوالي 175 مقعدا من مجموع 650 هي مجموع أعضاء  مجلس العموم. التمثيل النسبي هو نظام أكثر ديمقراطية  ويجسد فعلا مقولة "رجل واحد صوت واحد" حيث  لايضيع فيه صوت أي مواطن ويكون لكل صوت قيمته.  ومع هذا كان  العمال والمحافظون على وفاق لرفض النظام النسبي لأنه يخصم من رصيدهما العددي في البرلمان ومن  دوام احتكارهما للسلطة  المتداولة  بينهما سلميا التي ستكون بعد الإصلاحات الانتخابية مقسومة على ثلاثة وليس على اثنين فقط.  ومما يشجع على قبول مطلب الأحرار تحت ضغط الضرورات السياسية الحالية  أن 62%  من البريطانيين يؤيدون حسب آخر استطلاع نظام التمثيل النسبي. في الانتخابات الأخيرة  ظهر الاصطفاف المناطقي أكثر من أي وقت مضى، إذ  خسر حزب العمال في انجلترا أكثر من مائة مقعد وحصل حزب المحافظين على معظم مقاعده في انجلترا نفسها وأكد الحزب بذلك أنه حزب الانجليز أولا وأن الإنجليزغير راضين عن سيطرة الاسكتلنديين على الحكم منذ عام 1997. وتاريخيا فإن نفوذ المحافظين ضعيف جدا في اسكتلندا وويلز مقارنة بحزب العمال لأسباب اقتصادية وسياسية. اقتصادا هاتان المقاطعتان أقل نموا من الاقتصاد الانجليزي وهما لم تحققا قفزات اقتصادية ضخمة إلا بعد إقرار نظام الـ devolution   أي  تحويل ونقل بعض سلطات المركز إليهما وإنشاء برلمانين وحكومتين فيهما يرأسهما كبير الوزراء  وتتمتعان بسلطة إبرام عقود وصفقات اقتصادية مع  شركات أجنبية بدون العودة إلى المركز أي ممارسة سيادة أو استقلال اقتصادي وحكم محلي حقيقي يقوده مواطنو المقاطعتين بدون تدخل مهما يكن من المركز. والعمال هم من حقق هذا الإنجاز بعد فوزهم في 1997 وهو إنجاز قد يحبط نزعة انفصالية  في اسكتلندا  يعبر عنها علنا  الحزب الو طني الاسكتلندي الذي يحظى  بتأييد كتلة كبيرة من الناخبين الاسكتلنديين و يتفوق في بعض الانتخابات  على حزب  العمال.  وفي ظل برلمان معلق سيكون الوقت مناسباً للتحول إلى النظام النسبي الذي قال السيد منزيس كامبيل الناطق باسم الشئون الخارجية وزعيم الحزب بعد استقالة زعيمه تشارلز كنيدي في لقاء له مع السفراء العرب في لندن بأن توني بلير وعدهم عام 1997 بتبني هذا النظام ولكنه خلف وعده بعدما حصل في انتخابات ذلك العام على أغلبية برلمانية لم يكن يتوقعها. موزاين القوى تغيرت الآن ليس من ناحية زيادة حصة الأحرار في البرلمان لأنهم حصلوا على مقاعد أقل مما كان لهم في البرلمان السابق وهم يستثمرون فرصة فشل حزبي المحافظين والعمال في الحصول على أغلبية تمكن أياً منهما من تشكيل الحكومة وكونهم  وحدهم القادرين  على إخراج بريطانيا من الانسداد السياسي فإنهم  يريدون الطرق على الحديد قبل أن يبرد بالإصرار على تبني النظام النسبي كشرط لتأييدهم لأي من الحزبين ولسياساته في البرلمان كما حدث عام 1974 أو المشاركة معه في تشكيل حكومة  جديدة  والمشاركة هي المرجحة هذه المرة. الأحرار هم صانعو الاستقرار  والحكومة في نفس الوقت وبدون جزرة سياسية تقدم لهم  ستجرى انتخابات مبكرة وهو مالايريده الحزبان الكبيران ولاالناخبون.  والمناخ السياسي الآن مهيأ لهذا التحول، فكل من العمال والمحافظين اعلن عن تأييده للإصلاح الانتخابي ولكنهما لم يقولا بوضوح أنهما يقصدان فعلا إدخال نظام التمثيل النسبي في الحياة السياسية  برغم أن جورج براون صرح عقب هزيمته بأنه مع نظام تصويت أكثر إنصافا  يقره تشريع سريع. أما  بيتر مندلسون وبيتر هين وهما  وزيران ومن قادة الحزب البارزين فقد عبرا عن قبولهما بإجراء إصلاحات تقدمية وشراكة تقدمية تفرضها أجندة مشتركة وتجانس سياسي بين العمال والديمقراطيين الأحرار وليس هناك من جائزة ترضي الديمقراطيين الأحرار مثل إقرار نظام التمثيل النسبي في البرلمان. الآن تذكر العمال هذه المشتركات لأنهم لايريدون ترك السلطة التي لن يمسكوا بزمامها إلا بالتحالف مع الأحراروأحزاب الأقليات الأسكتلندية والويلزية وبعض المستقلين وهؤلاء أمرهم سهل.ومما ييسر ذلك أن  الفجوة التي تفصل المحافظين عن الديمقراطيين الأحرار أكبر، سواء  نحو  اوروبا  أوالهجرة أو السياسة الاقتصادية أو العلاقة مع الولايات المتحدة  التي لم تعد تلك العلاقة الخاصة في عهد الرئيس اوباما الذي  أمر بإخراج تمثال ونستون تشرشل من المكان الذي وضعه فيه جورج بوش الإبن في  البيت الأبيض كتعبير عن التعامل معها كماض . وعن الهجرة فإن موقف المحافظين التقليدي هو عدم الترحيب بهجرة الملونين . ويعزو محللون بريطانيون عدم تحقيق الأحرار لتوقعاتهم الانتخابية بعد المناظرات الثلاث  إلى تبني كلج  لسياسة  التسامح نحو المهاجرين غير الشرعيين وهم بمئات الآلاف وجلهم من دول اوروبا الوسطى والشرقية ( 80%) وهؤلاء لم يتأذ المحافظون من وجودهم  غير الشرعي إلا بعد شكوى البريطانيين من استيلائهم على فرص عمل هم الأولى بها والقيام بأعمال بأجور أقل مما يقبل بها البريطاني.  الانتخابات الأخيرة  كانت حول الهموم الداخلية من اقتصاد وعجز مالي وبطالة  واستقرار اقتصادي والعلاقة مع اوروبا وخفت فيها نسبيا موضوع غزو العراق  ولوم حزب العمال على المشاركة فيه . هذا الموضوع أصبح في خلفية اهتمامات  معظم الناخبين ولم يكن فشل النائب جورج جلاوي في شرق لندن وفي دائرة انتخابية يقطنها كثير من المسلمين الآسيويين سوى تعبير عميق عن هذا التطور وبذلك أثبت الناخب المسلم وغير المسلم  أنه لن يظل  أسير ماض يكبله  بعد أن استطاع أن يضغط  على حكومته لكي تنسحب من العراق برغم ترتيبات لاتزال سارية في البصرة  لاتعيد أي  بريطاني  جثة هامدة  في كفن إلى بلاده . وتبقى كلمة عن حزبي   المحافظين والأحرار وعن الأول قد يعتقد البعض أنه حزب متزمت أو منغلق أو يعيش خارج الزمان والمكان. هذا الحزب يؤمن بالحريات وبالديمقراطية وبالتطور وبفصل الدين عن الدولة وعدم تسييس الدين وقد قام هذا الحزب على أسس ثلاث هي الحماية والديمقراطية والاستعمار وللإرث الاستعماري  تأثير على رؤيته للهجرة وللمهاجرين رغم استقطابه مؤخرا  لعدد منهم بين صفوفه. و لهذا الحزب دورتاريخي وتقدمي في إرساء  التطور الديمقراطي والتعددية السياسية والقبول بالرأي الآخر الذي وجد له مكانا في البرلمان في وقت مبكر عندما كانت الممارسة الديمقراطية مرتبطة بالثروة والجاه. لقد كان دوره مركزيا  في تطور ديمقراطية وستمنستر التي أصبحت كالماركة المسجلة  وفي القبول العالمي بأن البرلمان البريطاني هو أبو البرلمانات. أما حزب الديمقراطيين الأحرار الذي كان يتبادل الحكم مع المحافظين حتى العشرينيات من القرن الماضي فإنه يعامل كشريك كامل  في العملية الديمقراطية و يحظي رئيسه بواجب الحماية الأمنية الحكومية قبل الانتخابات وبعدها وعندما غادر شيفيلد بعد فوزه فيها نقلته طائرة حكومية إلى لندن وحمته من الجو طيارة أخرى حتى  وصوله إلى مكتبه .




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign