الزبيدي يهدد بطرد العليمي من عدن        صنعاء تدشن العام العاشر باوسع هجوم بجري وجوي ضد اهداف امريكية واسرائيلية       صنعاء تدشن العام العاشر باوسع هجوم بجري وجوي ضد اهداف امريكية واسرائيلية       صنعاء تدشن العام العاشر باوسع هجوم بجري وجوي ضد اهداف امريكية واسرائيلية     
    مقابلات /
الحكيمي لـ"الوسط": المبادرة الخليجية ليست حلا أمثل وآمن للأزمة اليمنية بقدر ما هي أرضية مبنية على حقل ألغام ينذر بانفجار هائل

2011-12-28 16:38:16


 
في هذه المقابلة حاولت "الوسط" استطلاع رأي الأستاذ والمعارض السياسي الأبرز في الخارج عبدالله سلام الحكيمي حول رؤيته عما يمكن أن يمثله التوقيع على المبادرة الخليجية وما إن كان ذلك مخرجا للأزمة ومدى تعارض ذلك من عدمه مع أهداف ثورة الشباب. *وبدأنا بسؤاله عن تقييمه لنتائج المبادرة الخليجية ومدى نجاحها وبالذات بعد أن صارت المعارضة شريكا في الحكم.    أولا أرجو أن تسمح لي بالتعبير عن سعادتي وامتناني العميق لهذه الفرصة التي تكرمت صحيفة "الوسط" الغراء بإتاحتها أمامي للإطلال على قرائها الكرم في ظل الظروف الاستثنائية والخطيرة التي تمر بها بلادنا وثورتها.   إن أكثر ما يبعث على الأسى والألم العميقين أن الثورة الشعبية السلمية الهادرة في اليمن، من بين كل ثورات ما أطلق عليها الربيع العربي، وجهت لها ضربة قوية، بل طعنة عميقة، حين قبلت قيادات أحزاب اللقاء المشترك المعارضة بالانخراط في مفاوضات وتفاهمات واتفاقات مع السلطة العائلية الحاكمة في ذروة ثورة الشعب العارمة والسلمية ضدها على امتداد أرض الوطن كله، وهو وضع لم يحدث على الإطلاق، لا في تونس ولا في مصر ولا في ليبيا، وتجسد الأثر السلبي البالغ الخطورة لهكذا موقف أن المحيط الإقليمي والدولي اعتبر ما يجري في اليمن مجرد أزمة سياسية بين الحكم والمعارضة وليس ثورة شعبية شارك ويشارك في أحداثها ووقائعها الملايين من الشعب اليمني، رجالا ونساء ومن كافة الفئات والشرائح الاجتماعية والعمرية، وشملت البلاد من أقصاها إلى اقصاها، في حين وقف هذا المحيط من ثورات الشعوب العربية الأخرى موقفا أكثر إيجابية معتبرا إياها ثورة شعوب مشروعة! والأخطر من ذلك أن تلك القيادات امتطت صهوة الثورة وركبت موجتها ونصبت نفسها، على غير وجه حق، ممثلا سياسيا وحيدا للثورة ومرجعيتها المشروعة، في حين تؤكد الحقائق المعاشة على الأرض أنها لم تكن صانعة أو محركا لها، وإن كان واضحا وملموسا أن قواعد وكوادر أحزاب اللقاء المشترك قد ساهمت وشاركت في صنع الثورة وتفجيرها وأصبحت مكونا أساسيا ومهما وبارزا من مكوناتها بموقف وقرار ذاتي وليس تنفيذا لقرار حزبي قيادي كما هي العادة في آليات العمل الحزبي، وهكذا فإن إقدام قيادات أحزاب المشترك على إجراء حوارات وعقد اتفاقيات مع السلطة الحاكمة التي يثور الشعب ضدها عمل وضعها في حالة تنافر مع قواعدها وكوادرها الحزبية من ناحية، وفي وضع تصادم ومواجهة مع الجماهير الملايينية الثائرة من جهة أخرى، وخاصة بعد قبولها وتوقيعها للصيغة الأخيرة للمبادرة الخليجية والتي فرض عليها -أي تلك القيادات- عدم تعديل ولو حرف واحد فيها في الوقت الذي خضعت لتعديلات عديدة استجابة وتلبية لشروط ومطالب السلطة الحاكمة الفاسدة ثم جاء ما سميت (الآلية التنفيذية) للمبادرة التي صيغت برعاية (الأمم المتحدة) من خلال مبعوث أمينها العام الشيخ جمال بن عمر، لتنسف وتلغي المحتوى الإيجابي المتواضع والمحدود جدا للمبادرة الخليجية وتحويلها إلى جثة هامدة، والواقع أن المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية الأممية والتي لم تكن تنفيذية للمبادرة بحسب الوصف اللغوي لها، انصب اهتمامها وتمحورها حول هدف الإبقاء على مؤسسات وهياكل ومراكز قوى السلطة الحاكمة العائلية الفاسدة وإعادة إنتاجها على نحو أقوى وأعمق من خلال إضفاء طابع الشرعية الإقليمية والدولية ومباركتها والتي كانت في السابق مفتقرة إليها، ولم تعر اهتماما لمطالب الشعب الثائر الهادفة إلى التغيير الشامل وإرساء قيم العدالة والمساواة والديمقراطية ووضع حد للفساد والتسيب والاختلالات والفوضى المتفشية في كل أوصال ومفاصل الدولة والمجتمع!! وبدا واضحا أن المبادرة مع الآلية كانت معنية بمعالجة أزمة علي عبدالله صالح وأسرته وإيصاله إلى بر الأمان وليس لمعالجة أزمة الشعب اليمني وتلبية مطالبه المشروعة.. ولهذا كان رأيي وموقفي واضحا ومحددا، منذ البداية، ولا يزال بأن المبادرة الخليجية وقاتلتها (الآلية التنفيذية) لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن تمثل الحل الآمن أو الحل الأمثل للأزمة اليمنية، بل إنها عبارة عن أرضية سياسية مبنية على حقل ألغام متشابك ومعقد ينذر بانفجار هائل ومخيف للأوضاع العامة في اليمن، في حالة تضافر الضغوط الإقليمية والدولية لفرضها قسرا بفعل ما سوف ينتج عن ذلك من ردود أفعال عميقة ونشوء حالة من الإحساس الشعبي بالإحباط واليأس وخيبة الأمل واسع النطاق وبعيد المدى سوف تفرز صيغا وأساليب وأدوات عمل ومناهج رؤية راديكالية مدمرة وبالغة التطرف والعدمية.. وأستطيع أن أجزم بأن إمكانية وفرض نجاح المبادرة والآلية تبدو منعدمة تماما، فبالإضافة إلى حقيقة أن الثورة الشعبية السلمية -وقد مضى على انطلاقتها عام كامل- لا تزال محافظة على زخمها وعنفوانها وقوة اندفاعها، فإن النقلة الثورية النوعية التي دشنتها محافظة تعز الاستراتيجية بانطلاق عشرات الآلاف من أبنائها في (مسيرة الحياة) سيرا على الأقدام من تعز إلى صنعاء لحوالى 280 كيلومتر مرورا بمحافظتي إب وذمار الهامتين اللتين استقبلتا المسيرة استقبالات شعبية تغمرها الأحاسيس والمشاعر الملتهبة، وخروج صنعاء رجالا ونساء شبابا وشيوخا وأطفالا، التاريخي غير المسبوق لاستقبال المسيرة، وما أحدثته هذه النقلة الثورية النوعية من تحفيز وتحريك جماهير محافظات عديدة لتنظيم مسيرات شعبية مماثلة صوب صنعاء، وقد بدأت محافظة ذمار بالفعل في تنظيم مسيرتها واستعداد محافظات أخرى لنفس العمل، كل ذلك وغيره من الفعاليات الشعبية التي ستلحق قد عزز وصعد من عزم وتصميم الشعب وإصراره العنيد على إنجاز انتصار ثورته مهما كلفه ذلك من تضحيات، واضعا المبادرة وآليتها وراء ظهره.. والواقع أن هذه النقلة النوعية والتصعيد الواسع والكبير للثورة الشعبية السلمية الهادرة والرافضة للمبادرة والآلية لا تقتصر على الشباب المستقل بل تمتد لتشمل قواعد وكوادر أحزاب اللقاء المشترك والقبائل والعسكريين والتجار والشباب ومنظمات المجتمع المدني.     س*إذا هل الثورة حتى الآن ناجحة؟   -نعم سيدي وبالتأكيد فالثورة ناجحة بكل المعايير والمقاييس رغم أن قيادات أحزاب المشترك المعارضة قد أصبحت اليوم جزءاً من السلطة العائلية الفاسدة الحاكمة وتخلت عن دورها في المعارضة.. ألا ترى بأن التصعيد النوعي والكمي والغليان الشعبي يحدث بعد أن حددت قيادات المشترك شريكة سلطة حاكمة فاسدة؟ ذلك أن الثورة الشعبية اليمنية، بحسب تقييمات المراقبين والدارسين للثورات العربية، تعد الثورة الأعظم والأقوى والأعمق أثرا وتأثيرا وجذورا، لقد استطاعت هذه الثورة خلال عام مضى حتى الآن منذ انطلاقتها الأولى، أن تقوم بعمليتي هدم وبناء متكاملتين ومتزامنتين، هدم وإلغاء لكل من مناهج وأساليب وعقليات إدارة الدولة العقيمة والمتخلفة والفاسدة والضيقة الأفق، وكامل منظومة القيم والمبادئ والمثل والأخلاقيات والممارسات والثقافات والعقليات السلبية والمعوقة والعاجزة عن التفاعل ومواكبة التطورات والتجديد والتجدد الخلاق والمبدع وشملت عملية الهدم والإلغاء منظومة العادات والتقاليد السلبية المتخلفة والسائدة في المجتمع إضافة إلى مناهج وصيغ وآليات وعلاقات وفلسفة أداء الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني البالية والعاجزة عن القيام بمهامها وأدوارها، وعملية بناء منظومات قيم ومثل وأخلاق وعادات وفلسفات وثقافات الثورة الحديثة والجديدة والمتطورة في كافة مناحي ومجالات حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية والتربوية وغيرها، وعلى ضوء هذه الصورة فإن مفاعيل الثورة ونتائجها ومعطياتها بقدر ما تستهدف إسقاط وتصفية كامل السلطة الحاكمة القائمة، فإنها خلقت حالة من الحراك الإيجابي والحيوية الفاعلة داخل منظومة الكيانات الحزبية والمدنية برمتها، ولا تستغرب إذا ما رأيت عما قريب انتفاضات ورفض وتمردات قواعد وكوادر الأحزاب السياسية ضد قياداتها العليا التي شاخت وهرمت وقبلت بفتات الموائد وأدمنت أسلوب المساومات والصفقات والتنازلات المهينة والبائسة ولم تعد صالحة لإدارة وقيادة مرحلة الثورة وما بعدها.     س* هل تمثل حكومة الوفاق أنموذجاً مختلفاً عن الحكومات الائتلافية السابقة حكومة المؤتمر, الاشتراكي ,الإصلاح أو حكومة بعد الحرب المؤتمر والإصلاح؟   - تشكيل حكومة ما سمي بالوفاق الوطني ليست سوى مظهر من المظاهر الهزيلة البائسة لحوار واتفاق قيادات أحزاب اللقاء المشترك والسلطة العائلية الفاسدة الحاكمة الذي طعن الثورة في الظهر والتف على أهدافها الشعبية الواضحة وحاول إجهاض مسيرتها، فهذه القيادات، شأنها شأن السلطة الحاكمة، شعرت أن الثورة تشكل خطرا على مكانتها ومصالحها في اتجاه يخدم صالح القيادات والكوادر الشابة الثورية والمتحمسة داخل أحزابها، وكل ذلك خلق وسط الوقائع المتصاعدة للثورة وإيقاعاتها المتسارعة وحركتها المتدفقة، حالة من التصنيف والفرز التاريخي داخل المجتمع بمنظوماته السياسية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية بين قوى التجديد والتجدد الثوري من جهة وقوى الجمود والرتابة والتقوقع التقليدية، ولسوف تبلغ عملية التصنيف والفرز التاريخي هذه مداها الكامل في المستقبل القريب.   ولا أعتقد أن هذه الحكومة "المؤتلفة" تمثل نموذجا مختلفا عن الائتلافات السابقة الثنائية بعد الوحدة (اشتراكي- مؤتمر) أو الثلاثية بعد انتخابات 1993 (اشتراكي – مؤتمر- إصلاح) بل يمكن القول إن (ائتلاف الحكومة) الجديد أشد ضعفا وأكثر هشاشة من سابقيه بالنظر إلى موازين القوى العسكرية والمالية الراجحة لغير صالح قيادات المعارضة التي صارت (حاكمة)، ولا يبدو أن هناك مستقبلاً لهذه الحكومة على الإطلاق، فمن حيث هي قائمة على محاصصة فستظل حكومة تعطيل وأزمة، وباعتبار كونها مؤسسة على اتفاقيات دولية وإقليمية نصت على إلغاء دور المعارضة بإلحاقها بالسلطة، واستبدلت بالانتخابات التعددية استفتاء على مرشح رئاسي واحد أو ركزت السلطة النهائية والمطلقة بيد شخص واحد فقط، وضمنت بقاء واستمرار هياكل ومواقع ومراكز قوى السلطة العائلية الحاكمة، كل ذلك والثورة الشعبية لا تزال هادرة ومتوسعة ومتصاعدة ومصممة تماما على الانتصار!.     س*ألا تخشى من أن الائتلاف الذي قام فقط لإسقاط النظام أن يتشظى الآن خاصة بعد أن بدأت بوادر ذلك بين الحوثيين والإصلاح؟   - أعتقد، انطلاقا من رؤيتي الشخصية، أن الثورة الشعبية العارمة الساعية إلى إسقاط السلطة العائلية الحاكمة، لم تأت بناء على صيغة ائتلافية بين أحزاب وقوى سياسية واجتماعية وعسكرية، حسب ما نعرفه ومتعارف عليه سياسيا لمفهوم الائتلاف، بل يمكن اعتبارها حركة شعبية واسعة اتسمت على وجه العموم بالعفوية والتلقائية، والتحقت بها وانضمت إليها خلال مسيرتها، قوى وجماعات سياسية واجتماعية وعسكرية مختلفة، وفقا لحسابات ورؤى خاصة بكل منها على حدة، وإن كانت قد توافقت على قاسم مشترك واحد يتمثل في إسقاط السلطة الحاكمة وإقامة ما سمي بالدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية الحديثة، ومن هناك فإنك تجد، مثلا، أن قيادات أحزاب المشترك اختارت الالتحاق بالسلطة الحاكمة، بينما ظلت مجاميع كبيرة من كوادرها وقواعدها فاعلة في مسيرة الثورة المستمرة والمتصاعدة، وقيادات الجيش المؤيدة للثورة، وإلى حد ما بعضا من كبار مشائخ القبائل، وإن أعلنوا تأييدهم للمبادرة والآلية وحكومة الوفاق الوطني لكنهم بالمقابل لم يعلنوا موقفا مضادا للثورة المستمرة على الأقل حتى الآن، وكذا قوى الحوثيين التي أعلنت انضمامها للثورة منذ البداية وتفاعلت معها وشاركت في مسيرتها، فإنها لا تزال على نفس موقفها هذا رغم اختلافها في الرؤية ووجهة النظر مع بعض مكونات الثورة وحدوث إشكالات ومواجهات بينها وبين بعض من مكونات الثورة، على خلفية أحداث ومواقف سابقة للثورة.. وبناء على هذه الرؤية العامة فإني أعتقد استنادا إلى مؤثرات ووقائع على الأرض، بأن الثورة بالصيغة والصورة والكيفية التي هي عليها الآن، سوف تستمر وتتصاعد حتى تحقيق كامل أهدافها، يؤكد ذلك ما تراه من تصعيد وتوسيع لحجم وفعاليات الثورة والنقلات النوعية الهامة التي شهدتها مؤخرا.. ولو نظرت إلى تاريخ الثورات الإنسانية العظيمة التي أسهمت في تغيير مسار التاريخ الإنساني فستجد أن كل الثورات شهدت خلال مسيرتها خلافات وتباينات بل وانشقاقات لكنها لم تؤثر على حركة الثورة ومسيرتها أو فضت إلى إفشالها.     س*هل تعتقد أن الرئيس قد وصل أخيرا إلى قناعة بالتخلي عن السلطة وهل يمثل ذلك انتصارا له أم للمعارضة وهل بهذا حققت الثورة أهدافها؟   - أعتقد بأن علي عبدالله صالح كان لزاما عليه أن يصل إلى قناعة بضرورة مغادرة السلطة منذ سنوات عديدة مضت، ورغم أنه نجح في البقاء على رأس السلطة لأكثر من 33 عاما متواصلة، إلا أن مشكلته تمثلت في أنه لم يكن يملك أو يؤمن بمشروع وطني لبناء دولة حديثة على أسس صحيحة، بل عمل بدأب ونشاط ممنهج لتدمير أسس ومقومات الدولة الوطنية ونشر الفساد والتسيب إلى أوسع نطاق وحارب وأزاح كل الكفاءات الوطنية النزيهية، ظنا منه -وقد كان مخطئا في ظنه خطأ قاتلا- أن ذلك هو الطريق الفعال ليقيم مشروعه الخاص المتمثل ببناء "دولة عائلية" صرفة، يتوارث حكمها أفراد أسرته من بعده، ولقد كان واضحا وجليا للباحث الدارس، أن سلطته هذه وإن ظلت مسيطرة على الدولة فترة زمنية طويلة، إلا أن مصيرها السقوط الحتمي والمؤكد ولكن عبر كارثة مدمرة، وهو ما حصل مؤخرا.. ومع ذلك فإن كل الدلائل تشير إلى أن علي عبدالله صالح، برغم كل المصائب والمآسي التي حدثت ولا تزال، لم يصل بعد إلى قناعة بوجوب مغادرته السلطة مع عائلته، بل لا يزال معلقا أو متعلقا بأمل أو بوهم وجود فرصة أمامه للاستمرار في السلطة، معتمدا في ذلك على وقوف الإدارة الأمريكية معه ودعمها الكبير له ولعائلته، لأسباب ودوافع خفية ليس هنا مجال التطرق لها، ولا يكاد يصدق حقيقة أن كل ما بناه وأرساه وأقامه على صعيد الدولة والمجتمع طوال فترة حكمه الطويل وأيقن أنه صرح متين غير قابل للسقوط لضمان استمرار "دولة العائلة" قد انهار فجأة وهوى، إنه تعلق الغريق بخيط عنكبوت!   ومما لا شك فيه أن ذلك يمثل أحد انتصارات الثورة الشعبية التي يبدو أنها تسير بخطى ثابتة واثقة لتحقيق كامل أهدافها، أما فيما يتعلق بركوب بعض من كانوا أركانا لسلطته موجة الثورة، فالمؤكد أنهم لن يكونوا بديلا له على كل حال، فلا هدير الثورة يسمح بذلك ولا هم يسعون إلى ذلك، فالمرحلة مختلفة والظروف متغيرة جذريا.       س*على ضوء المتغيرات الحاصلة كيف تنظر إلى مستقبل الجنوب وبالذات مع انقسام قياداته بين داع للانفصال وآخر للفيدرالية؟   - بالنسبة لموضوع الجنوب فإن على جميع الأطراف والقوى الفاعلة في الساحة أن تدرك وتعي تماما بأن قضية الجنوب بالغة الحساسية والخطورة بالنسبة لحاضر ومستقبل اليمن كله وينبغي معالجتها بواقعية وموضوعية وبشجاعة ومسئولية عالية، وهي باختصار نتاج سياسات ورؤى خاطئة ومدمرة واكبت الكيفية الارتجالية والعشوائية وسيادة العقلية التآمرية في إقامة الوحدة ثم حرب 1994م وما أعقبها من سياسات هوجاء تتسم بالتخلف والهمجية في تعامل السلطات مع الجنوب ولا داعي للتعرض لها هنا فالجميع عايشها ويعرفها تمام المعرفة.   ومن وجهة نظري وموقفي الذي أعلنته قبل سنوات ولا زلت مصمما عليه، أعتقد أن الحل الآمن والصحيح والإيجابي للمشكلة الجنوبية يبدأ وينتهي بالعودة إلى شعب الجنوب نفسه باعتباره صاحب الشرعية والقرار وحده دون سواه والذي لم يعد إليه أحد سواء من قادته أو من قادة الشمال، لا في مسألة الوحدة ولا في مسألة الانفصال، نحن نحتاج بإلحاح إلى استفتاء شعب الجنوب أولا لنعرف رأيه وقراره وخياره بين البقاء في إطار دولة يمنية اتحادية فيدرالية واحدة، أو الانفصال والعودة مجددا لدولته المستقلة؟ وعلينا أن نحترم خياره وننفذه دون التفاف، وللأسف الشديد إن أكثر ما تسبب في تعقيد واستفحال المشكلة الجنوبية اختلاف قياداته، التاريخية منها والحديثة، وتباين رؤاها واتجاهاتها وأهدافها، فكل واحد منهم أو جماعة يدعي لنفسه وحده صفة التمثيل الشرعي لشعب الجنوب. رغم أن شعب الجنوب لم يقل رأيه بعد، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى فإن حل المشكلة الجنوبية لا يتم بتقديم الرشاوى والإغراءات بالمناصب وغيرها، وحتى لو أصبح رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان والوزراء..الخ من الجنوب فلن يكون ذلك الحل الأمثل والصحيح للمشكلة وإنما يتم الحل من أقصر الطرق وأسلمها بالعودة إلى شعب الجنوب واستفتائه ماذا يريد؟ دولة يمنية اتحادية فيدرالية على أسس صحيحة وسليمة.. أم الانفصال مجددا؟ بعيدا عن العواطف الجياشة والشعارات الرنانة.. وما لم يتم حل المشكلة الجنوبية وفقا لهذا الأسلوب الإيجابي والحضاري فستظل هذه المشكلة تؤرق الضمير الوطني وتستنزف القوى والطاقات الوطنية وتشتت وتعرقل عملية البناء الوطني والانطلاق الحضاري الشامل وستترك جروحا غائرة وعميقة تتوارثها الأجيال القادمة جيلا بعد جيل.     س*ما هو مستقبل الحكم المدني بعد أن غاب الحاملين لمشروعه بسبب الحضور الطاغي للقبيلة؟   - أعتقد بأن شعار "الحكم المدني" أو "الدولة المدنية الحديثة"، يطلقه ويردده الكثيرون بسهولة وبعفوية غالبا، وهو بطبيعته شعار فضفاض ومطاط وغير محدد المعالم والملامح والمضمون، والواقع أن أخطر ما تواجهه الشعارات الكبيرة أن تصبح مستهلكة من الإفراط في ترديدها دون استيعاب ووعي بطبيعتها ومضامينها ومعالمها وأهدافها ووسائل تحقيقها..الخ.   لقد كان الأستاذ الكبير أحمد محمد نعمان ونجله الشهيد محمد أحمد نعمان رائدي التحديث في اليمن في ظل ظروف وأوضاع زمانهما والتي كانت تتسم بالانغلاق والتقليدية الشديدة ومقاومة كل محاولة أو سعي للتحديث مهما كان تواضعها، لكنهما لم يتوانيا عن التبشير بالتحديث والحداثة، ووجدت شخصيات كثيرة من مثقفي التحديث والحكم المدني والتطوير يستحضرني منهم يحيى جغمان والمحني ومحمد أنعم غالب ومحمد سعيد العطار ومحسن العيني وحسين العمري ومحمد الرعدي وآخرون بذلوا جهدهم في ذلك السياق، إضافة إلى الدور المهم الذي قامت به منظمات إبداعية كاتحاد الأدباء والكتاب ونقابة الصحفيين وغيرها، لكن ضرب مشروع الدولة الوطنية الحديثة باغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي عام 1977م وانتكاسته، نتج عنه وقوع الدولة والحكم تحت سيطرة أشخاص لا يفهمون شيئا عن مسألة اسمها المشروع الوطني للتحديث ولا يفقهون أي شيء حول رسالة الحكم وفلسفته ووظيفته السامية، واعتبروا سيطرتهم على الدولة والحكم وكأنها مجرد غنيمة شخصية مكنتهم الصدفة من الاستيلاء عليها واعتبروها ملكا شخصيا لهم وللمحيطين بهم! وعلى امتداد 33 عاما مارست السلطة الحاكمة أبشع وأخطر أساليب التخريب والتدمير ليس فقط لبنى ومقومات وهياكل وأسس الدولة الوطنية وإنما لمنظومات القيم والمبادئ والأخلاق عبر نشر وتشجيع وحماية الفساد والإفساد بمختلف صوره وأشكاله وأفسدت الضمائر واشترت الذمم وخلخلت العلاقات الإنسانية والاجتماعية ومزقت الأحزاب والمنظمات وأشاعت الفوضى والصراع داخلها وصارت البلاد تدار من قبل مسئولين يفتقدون أبسط معايير الشرف والنزاهة والاستقامة والأمانة وكل همهم الإثراء والكسب الشخصي غير المشروع، وانسدت آفاق الأمل والطموح والحماسة والإبداع، وقتل الحافز والدافع والحماس في صفوف طلائع المفكرين والمثقفين والمبدعين وهم المفترض بأن يقودوا مشروع التحديث والحكم المدني والدولة المدنية وزرعوا الفتن والحروب والصراعات والشكوك بين الناس وأصبحت صفات وألقاب مثل (أستاذ) (مفكر) (مثقف) و(دكتور) محلا للاستهزاء والسخرية والتندر وكأنها سباب وتهم وليس مصدر اعتزاز وفخر..   وحتى القبيلة لم تنج من التدمير وبث الفتن والصراعات والقتل والثأر والمنازعات، أما تعز فكان نصيبها تحويلها إلى قرية كبيرة بائسة ومهملة شأنها شأن الحديدة وصعدة والبيضاء وغيرها.. وتم تجنيد وتوظيف أعداد كبيرة من الدعاة الشباب وتلقينهم مناهج تمجد الحكم وترفعه إلى مصاف العصمة والتقديس وتحرم انتقاده ومواجهته على أي حال ووضع كان عليه الحاكم برا كان أو فاسقا، ودعمت ومولت جماعات دينية ظلامية مغلقة الفكر وجامدة التفكير لحماية الحاكم والدفاع عنه، كل ذلك وغيره أدى إلى اختفاء وتواري الأفكار التحديثية والحكم والدولة المدنية وأفكار الحرية والعدالة والمساواة، خاصة وأن كثيرا من المثقفين والمفكرين قبلوا على أنفسهم بأن يكونوا أبواقا للسلطة الحاكمة ومسوقين لها مقابل مصالح مادية أو وجاهية تافهة.




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign