الصحافة البريطانية تكشف عن مضمون عروض امريكية مغرية لصنعاء        كهرباء عدن ....ماساة الصيف المتكرره تحت جنح الفشل والفساد الحكومي        غروندبرغ : نعمل على إطلاق الاسرى وتحسين القطاع الاقتصادي والمالي         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد      
    تحقيقات. /
بوابتان متناقضتان جغرافيا واجتماعيا وثوريا تدفعان ثمن أهمية موقعهما..الجوف الصحراوية وتعز الساحلية الجبلية

2011-08-03 18:41:46


 
كتب/محمد غالب غزوان   محافظة الجوف تعتبر بوابة اليمن من جهة الشمال الصحراوي على الحدود السعودية فالحدود السعودية اليمنية تبدأ من منطقة الموسم الساحلية التي تقابل منطقة ميدي الساحلية شمال غرب اليمن، ويسير الشريط الحدودي بشكل متعرج إلى جهة الشرق وسرعان ما يتحول إلى شريط حدودي جبلي بمجرد الاقتراب من منطقة (الملاحيظ) التابعة لمحافظة صعدة ويستمر تمدد الشريط الحدودي الجبلي حتى يصل إلى أطراف محافظة صعدة من جهة الشمال الشرقي قرب مضارب قبيلة وائلة ومن بعدها يبدأ الشريط الحدودي الصحراوي من منطقة وادي اليتمة التابعة لمحافظة الجوف البوابة الشمالية الصحراوية لليمن من جهة المملكة السعودية.. موقعها الجغرافي الهام من جهة الصحراء يكسبها أهمية قصوى عندما تحل الصراعات التكتيكية التي تتخذ من المواقع الجغرافية هدفاً من أهداف تحقيق النصر وزعزعة السلطة المتربعة على كرسي الحكم في صنعاء، لذلك الجوف اليوم تعاني من حرب ضروس مقابل أهمية الجغرافية حيث تتطلب تلك الأهمية عملية حسم تحدد من جدارة من سيقبض على زمام أمرها ولهذا اليوم الجوف تعاني جراء أهميتها الحدودية ليس بسبب أهميتها الحدودية فقط ولكن أيضا جراء عوامل أخرى ساعدت على أن تتحول هذه المحافظة إلى بؤرة صراع.. وبعد شهر وبضعة أيام من إعلان الثوار على بدء اعتصاماتهم الثورية أمام جامعة صنعاء والتي ما زالت منذ سبعة أشهر.   أما محافظة تعز والتي تعتبر بوابة ذات أهمية قصوى لليمن شمالا وجنوبا فهي تقع في الركن الجنوبي الغربي للجزيرة العربية يعني بوابة لجزيرة العرب وليس لليمن فقط وتعز يقع في نطاقها مضيق باب المندب المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وهو مضيق يوازي في أهميته قناة السويس في جمهورية مصر الذي يعتبر المدخل الشمالي للبحر الأحمر والذي يربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط ويمتد ساحلها إلى ساحل منطقة عمران في محافظة عدن وتمتد أراضي تعز في تضاريس متنوعة جبلية وصحراوية متداخلة مع محافظة لحج من جهة الجنوب ويتواصل ذلك الامتداد حتى يشارف جبال ردفان وحتى جبال الضالع من جهة الجنوب الشرقي وكانت تعز تعتبر في زمن التشطير المحور الذي تتحصن وتنطلق منه حكومة الشمال لمواجهة أي خطر تتوقع قدومه من حكومة الجنوب التي كانت تتبع المعسكر الاشتراكي بحكم أنها تعتبر عمقاً جنوبياً بالنسبة للشمال الذي يدرك تماما أنها جنوبية بقوة موقعها الجغرافي وكانت حكومة الجنوب تركز في استقطابها أبناء تعز بصفة خاصة من إدراكها أنها ستكون أكثر إخلاصا لطبيعتها الجغرافية وخاصة أن الشمال يتمتع بجلافة الطابع ومتشبع بفوضى الإرث الهمجي الذي فرض عليه كموروث ثقافي جراء نظام الحكم الفاسد الذي يسيطر على قمة هرم السلطة ولهذا تكتسب تعز أهمية خاصة عندما تندلع الصراعات السياسية التي تسعى إلى الوصول إلى قمة السلطة لأن السيطرة على تعز يكسبها قوة محورية تمكنها من السيطرة على العديد من المحافظات اليمنية إضافة إلى مميزات متعددة تحظى بها تعز في الجانب الاجتماعي سنورد بعضها في تفاصيل التقرير تباعا، وقد كانت تعز المحافظة الأولى التي أطلقت شرارة الثورة وضربت خيام الاعتصام قبل العاصمة صنعاء وهذا السبق صب عليها نقمة السلطة الحاكمة التي لم تتورع في معاقبة تعز إضافة إلى التعامل معها بقسوة مفرطة حتى لا تنسلخ تعز من قبضتها.. فإلى المحافظتين اللتين تدفعان ثمن أهمية موقعهما الجغرافي الجوف وتعز.   الجوف انتعاش تسرب السلاح وانهيار السلطة   من عام 1979م والجوف تشهد حربا سياسية بغطاء قبلي اندلعت بين قبيلة همدان الجوفية بقيادة الشيخ عبدالله العراقي وقبيلة الشولان بقيادة الشيخ المرحوم علي العكيمي، كانت تلك الحرب ذات الغطاء القبلي من أجل عرقلة شق الطريق الأسفلتي الذي يبدأ من مفرق الجوف مأرب ويتفرع عن الخط الرئيسي الذي يربط مأرب بصنعاء، ذلك الخط بدأ الترتيب لعملية شقه في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي، لكنه تعرقل بعد تنفيذ مؤامرة اغتياله ثم استؤنف العمل في شقه في عهد صالح، كان الشيخ العكيمي معارضا لشق أي طريق إلى الجوف بعد أن بدأت الخلافات تستعر بينه وبين قبيلة همدان على بئر ماء كانوا جميعا من قبل يرتوون منه واستمرت الحرب بينهم سنوات، كانت قبيلة همدان مدعومة من الدولة ومن علي عبدالله صالح شخصيا لمواجهة العكيمي وقبيلة الشولان بينما كانت قبيلة الشولان مدعومة من السعودية ومن الجنرال علي محسن وأصبحت كلا القبيلتين تتقاتلان بسلاح يصرف من داخل المخازن الحكومية، استمرت تلك الحرب تسير وفق ما يراد لها من عرقلة شق طريق الجوف لسنوات طوال ولم تهدأ إلا بعد تحقيق الوحدة اليمنية عام 90 ولكن استمرت الخلافات وعملية الاستقطاب من قبل الأطراف السياسية التي ظهرت على الساحة بفعل نظام التعددية السياسية ولكن لم تتتمكن الأحزاب من أن تفرض لها أي تواجد في الجوف بسبب التركيبة الاجتماعية القبلية التي تعيش في صحارى قاحلة ومحرومة من كافة الخدمات الإنسانية والمشاريع التنموية مما صعب على الأحزاب السياسية أن تفرض تواجداً حتى الحزب الاشتراكي الذي كان شريكا في الحكم لم يتمكن من فرض التواجد الذي يتناسب مع حجمه وتاريخه وحصر التواجد الحزبي على المؤتمر الشعبي بقوة تواجده الحكومي وحزب الإصلاح الحزب الذي كان ما زال وليدا في ذلك الزمن حيث تمكن من فرض تواجده بحكم نشأته التي تغذت تغذية تامة من السعودية صاحبة الفضل واليد الطولى داخل الجوف، فأصبح التواجد السياسي محصوراً على كلا الحزبين المتحالفين سابقا المتناحرين حاليا أما المسميات الحزبية الأخرى فمعدومة تماما باستثناء الحزب الاشتراكي الذي أعضاؤه المؤدلجون لا يتعدون خمسة أشخاص وقاعدتهم الجماهيرية ربما تصل إلى مائة شخص في أحسن الأحوال، فمثلا حزب اتحاد القوى الشعبية يتمثل في شخصين هما رئيس الفرع ونائبه بينما اشارت بعض المصادر إلى أن نائب اتحاد القوى الشعبية مخلص لحزب الإصلاح ويؤيد ايديولوجيته ولهذا فإن الجوف يتحكم بها من الجانب السياسي حزبا المؤتمر والإصلاح ومن الجانب العقائدي الإصلاح والحوثيون حتى في عملية التحاق الجوف بالثورة الشبابية فقد خضعت لتناهب أيديولوجي وعقائدي ويدور الصراع وفق محاور أيديولوجية تتحكم بالقبائل.   فوضى مستدامة   لم تنته الفوضى في الجوف المحافظة التي منذ بداية الثورة وهي في التقسيم الإداري بدرجة محافظة وميزانية محافظة ولكن بقيت الجوف بائسة من الداخل ومعزولة حتى حين تم ربطها بالطريق المعبد بسبب التوجه السياسي للدولة وكذلك لرغبة السعودية التي تفرض رغباتها وأيديولوجياتها عبر مجموعة من حلفائها في أوساط القبائل والحكومة على حد سواء فاستمرت الجوف متخلفة تنمويا ولم تقم فيها أي مشاريع تنموية على الإطلاق ولم يتسن لأي مستثمر أن يفكر مجرد تفكير بأن يستثمر في الجوف ليس بسبب انعدام المشاريع الاستثمارية المربحة وإنما كانت وما زالت هناك خطوط حمراء تقف كعائق أمام أي استثمار ومن تلك الخطوط عدم توفر الخدمات الرئيسية الهامة من الدولة وعدم استقرار الجوف من الجانب الاجتماعي، فالحكومة عملت على تشجيع الفوضى داخل المحافظة ومكنت المشائخ من الخوض في عملية تسيير الأعمال الإدارية فيها، فتم عرقلة كافة المشاريع النهضوية للمحافظة التي بقيت كما هي رغم مرور ما يقارب خمسين عاما من عمر الثورة وحتى اليوم فالطرق الفرعية التي يجب أن تربط العديد من القرى المتناثرة حول مدينة الحزم عاصمة المحافظة التي هي عبارة عن مجموعة مبان طينية لم يتم تنفيذها رغم أن ميزانيتها تصرف أكثر من مرة بل لم يتم حتى بناء المدينة بالقدر الذي يمكنها من أن تكون عاصمة متواضعة للمحافظة بل ايضا تم إجهاض مشاريع قام بها بعض الأهالي من سكان مدينة الحزم التي ينحدر كافة سكانها من شريحة (القرو) وهي شريحة أدنى من شريحة القبائل حسب التصنيف القبلي في الجوف فمثلا منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما قام أحد تجار الحزم والذي لقبه (الميو) وهو تاجر مشهور ببناء فندق متواضع ولكن بإمكانه أن يستقبل السواح سواء سواح الداخل من أبناء اليمن الذين يرغبون بالتعرف بإحدى محافظات بلادهم أو السواح الأجانب الذين إن أمنوا لوجدوا في الجوف العديد من المعالم السياحية التي ستشدهم لشد الرحال إليها والمكوث فيها لأيام عديدة ولكن تم إجهاض مشروع ذلك المبنى والذي تحول إلى مساكن وبعض الشقق أصبحت خالية لأن الجانب العمراني والنهضة الاقتصادية تسير في الجوف ببطء وأقل من سرعة (السلحفاة) ولهذا بقيت الجوف كما هي وكانت تجربة الحكم المحلي تعلق عليها الآمال إلا أنها تبخرت بعد أن تحولت تجربة الحكم المحلي إلى سرقة وعبث بالمشاريع والدفع بكادر إداري جاهل ومتخلف ليدير مشاريع محافظة بائسة ووسطها الاجتماعي رغم طيبته إلا أنه لا يستطيع أن يميز مصلحته بسبب الجهل الذي خيم على أبنائها جراء حروب قبلية وتناحر دموي يفتك بشبابها ويفقدهم الشعور بالأمان ويضبب أمام أعينهم المستقبل، وجراء الفوضى المفروضة عليهم أصبحوا ميالين إلى العنف خاصة وأن عملية حمل السلاح بشكل دائم والاستعداد للقتال والموت في أية لحظة أصبح أمراً مفروضاً عليهم بشكل دائم أفقدهم الثقة بالسلطة المركزية والحكومة كرمز للوطن وتعمل من أجل مصلحته فدامت الفوضى بل أخذت تترسخ جذورها وتضرب مداميكها في أوساطهم بقوة.   الانهيار الأخطر   تعيش اليوم محافظة الجوف حالة انهيار أمني هو الأخطر من نوعه بعد أن انهارت المعسكرات التابعة للجيش وسقطت معداتها الثقيلة في أيدي القبائل وتم تقاسمها بين قبائل مؤيدة للحوثيين وقبائل تتبع حزب الإصلاح وكلا الفريقين من القبائل يدعون أنهم مؤيدون للثورة بل وثوريون بينما ما يسيرون عليه من نهج ثوري حسب رؤيتهم يخالف كليا توجهات ثورة الشباب السلمية التي لا تسعى إلى امتلاك السلاح وإنما تسعى لإسقاط النظام وإقامة دولة مدنية وما يجري في الجوف ليس له صلة بالدولة المدنية المنشودة ولا بثورة الشباب.   فالمعدات الثقيلة من دبابات ومصفحات ومدافع وقاذفات صواريخ كاتيوشا وغيرها أصبحت بأيادي قبلية تتحكم بها والمصيبة الكبرى ليس فقط في هذه المعدات الثقيلة التي وقعت في أياد قبلية معترفة بأن هذه الأسلحة تحت قبضتها وإنما في تلك الأسلحة الثقيلة والمتنوعة التي تم نهبها من معسكر الأمن المركزي الذي نهبت كافة خزائنه ومعداته الثقيلة والمتوسطة وذهبت لصالح قبائل من الجوف ولكن غير معروفة وغير محددة وأصبحت تقوم بعرضها وبيعها في الأسواق بدون أن يحدد من المسئول عنها ولمن سوف يتم بيعها وهذا الأمر دفع إلى تحويل محافظة الجوف إلى منطقة مفتوحة ومأوى لكل من يعشق اقتناء السلاح ويرغب في سفك الدماء سواء في المشاركة في الحرب الدائرة هناك بين الثوار حسب ما يدعون المتمثل بطرفي الصراع حزب الإصلاح والحوثيين التي تستخدم في حروبهما كافة المعدات الثقيلة من دبابات وقذائف المدفعية وغيرها من أسلحة اللواء 115 التابع للجيش والذي تم تقاسمه بينهما بينما المعدات الثقيلة التي نهبت من الأمن المركزي مع جهات قبلية غير معروفة يتم بيعها لقوى أخرى تصل إلى الجوف لشرائها بغض النظر عن القوى التي تصل للجوف من أجل الشراء سواء كانت تتبع مشائخ يرغبون بامتلاك سلاح ثقيل أو مشائخ قبائل تم دفعهم لشراء أسلحة ثقيلة ليتم نقلها إلى مضارب قبيلتهم التي تقع في محافظات أخرى وعبر طرق يعرفونها هم وحدهم تضمن لهم إيصال سلاحهم الثقيل الذي تم شراؤه بدون أي اعتراض أو قوى إرهابية ترغب بامتلاك اسلحة ومعدات ثقيلة تستخدمها في أعمال إرهابية كي تدخل اليمن في دائرة الإرهاب والدول المغضوب عليها والتي يجب محاربتها وتعطيل التنمية فيها وإنشاء المشاريع الناهضة بها كدولة، فالجوف اليوم هي في قمة انهيارها الأمني، فأقسام الشرطة أصبحت مبان خالية والمجمع الحكومي تتقاسمه القبائل والأودية والسهول والجبال تشهد حربا ضروسا بين الحوثيين والإصلاح والمحاربين لكلا الطرفين من قبائل الجوف في انقسام عقائدي وتوافق في تسمية كل طرف نفسه بأنصار الثورة الشبابية التي لا ناقة لها ولا جمل في صراع يفرض على الجوف تجذير الفوضى ويحولها إلى بؤرة نزاع يعرقل نهضتها التنموية حتى وإن نجحت الثورة الشبابية ستبقى الجوف معضلة تهدد الثورة نفسها.   العمالة للغير   الجوف المحافظة الغنية بالثروات النفطية التي تؤكدها العديد من تقارير المسوحات الجيولوجية وشركات التنقيب عن النفط والغنية بالثروات المعدنية إضافة إلى الثروة القومية الثقافية في الحضارة التاريخية بما تملك من مخزون تراثي وأثري في باطن أراضيها يجعلها محافظة لا تحتاج إلى دعم كبير حتى يتم النهوض بها بقدر حاجتها إلى استقرار واهتمام إداري يمكنها من النهوض بنفسها بسرعة البرق وانتشال سكانها من الفقر ومخاطر الموت جراء قذائف الباروت إلى وضع اقتصادي يوازي سكان الخليج خاصة وأن عدد سكانها لا يتعدون نصف مليون نسمة يعيشون على مساحة أرض تساوي ثلث مساحة المحافظات الشمالية مجتمعة ولكن موقعها الجغرافي الذي أصبح عبارة عن مثلث يرتبط بمحافظة صعدة الزيدية ومدينة نجران ذات الغالبية الشيعية الإسماعيلية ومحافظة مأرب النفطية والعاصمة صنعاء وبحكم أن الجوف زيدية المذهب فقد غزتها الوهابية السعودية لكنها لم تحقق فيها قبولا روحيا وإنما قبولا ماديا فسرعان الرجل الجوفي ما ينسلخ من الوهابية ويعود إلى زيديته لأنها لا توافقه ولهذا ما زالت القوى الوهابية تكرس الفقر والفوضى في الجوف حتى لا يتحسن الوضع الاقتصادي للسكان فيصعب على الوهابية كسب أبنائها من المشائخ أو غيرهم لمناصرة الفكر الوهابي المتمثل في السلفية وحزب الإصلاح وستجد الزيدية إقبالاً أكبر بحكم أنها تمثل الأصل وهذا سيؤدي إلى تهديد الحدود الجنوبية للدولة السعودية إضافة إلى الحدود الجنوبية الغربية للسعودية التي أصبحت في قبضة الحوثيين الذين تبغضهم السعودية ولهذا مجرد أن تحركت الجوف في مناصرة الثورة غرقت في حرب عقائدية تمون وتقاد من حزب الإصلاح الذي أصبح يدعي أنه يمثل الثورة الشبابية، فالجوف محافظة هامة لليمن جغرافيا واقتصاديا باعتبارها تمتلك مخزوناً من الثروات المتنوعة وكانت السعودية تسعى لضمها من خلال موجة الزحف التي تنفذها على الأراضي اليمنية ولكن مذهبها الزيدي هو الذي أعاق الزحف السعودي.   الجدير بالإشارة هنا إلى أن في صحراء جزيرة العرب هناك مدينتين تسمى الجوف الأولى في السعودية والثانية في اليمن وتعني كلمة جوف وسط الحجاز ونجد وجوف اليمن وسط بلاد اليمن وبسبب الزحف السعودي على اليمن أصبحت جوف اليمن طرف الحدود اليمنية.   تعز مفتاح اليمن وبوابة الجنوب والشمال   محافظة تعز عنوان الثورة الشبابية واللبنة الأولى لثورة الشبابية والواجهة المدنية لليمن وكذلك الكثافة الثقافية والسكانية ميزها موقعها الجغرافي في الركن الجنوبي الغربي للجزيرة العربية على ساحل باب المندب والبحر الأحمر وامتدادها الشرقي في اتجاه ساحل عمران في عدن وسهول أراضي الصبيحة في لحج وسلسلة جبلية تربطها بردفان وتمكنها من أن تشارف على جبال الضالع جعلها هذا الموقع دوما تحت مجهر الرقابة السياسية لدولتين شطريتين كل دولة كانت حريصة على أن تكون تعز تحت قبضتها السياسية إلا أن نسيجها الاجتماعي المتماهي مع الجنوب وغير المنسجم مع النسيج الاجتماعي في الجبال الشمالية ذات الطباع الجلفة غير المتقبل للمدنية والتي كانت تقع تعز تحت قبضة إدارته السياسية التي خضعت له سياسيةاً بطبيعة نفسها المدني بينما كانت أكثر ميلاً في الجانب الاجتماعي والإخلاص للجنوب والمجتمع الجنوبي وهذا أمر كان واضحاً في زمن التشطير وقبل الوحدة وقد دفعت ثمن ذلك الإخلاص لنسيجها الاجتماعي وتم التركيز عليها من خلال فرض جحافل عسكرية في سواحلها وجبالها وكانت السعودية تنفق ميزانية خاصة لدولة الشمال حتى تبقى محافظة تعز خاضعة لسلطاتها بحكم أن مشائخها يصعب على السعودية التعامل معهم بأسلوب الارتزاق الذي يتم به التعامل مع مشائخ المحافظات الأخرى إضافة إلى أن الإنسان التعزي لا يخضع خضوعاً أبلهاً لسطوة الشيخ مهما حاول فرض الهيمنة على أفراد القبيلة ويعود السبب أن المجتمع التعزي اهتم كثيرا في عملية تعليم أبنائه سواء في الشمال أو من كان يرسلهم إلى الجنوب من أجل التحصيل العلمي إخلاصا للتعليم والتنوير وبعد تحقيق الوحدة اليمنية تنفست تعز الصعداء على أمل أن يتوقف عنها التركيز الأهوج الذي كان مفروضا على أبنائه المتعلمين أو المرشحين لمنح دراسية للخارج الذين كان يتم إحالة ملفاتهم إلى الأمن الوطني (الجهاز الاستخباري قبل الوحدة) حتى يتم فحص توجه منطقتهم ومن يزكيهم في عدم قناعتهم للفكر الاشتراكي أو الميول الليبرالية وخاصة أولئك الذين كانوا يحصلون على منح إلى دول اشتراكية حتى وإن كانت منحها الدراسية في مجال الطب والهندسة وغيرها من الدراسات التي ليست لها علاقة بالسياسة والعمل الإداري الحكومي ولكن حتى بعد الوحدة لم يتوقف التركيز عليها لأن موقعها الهام من الجانب الدولي كبوابة للجزيرة العربية واليمن قائم إضافة إلى ما تفرضه الأيديولوجية السياسية من جانب حشد المناصرين لمحافظة تشكل كثافة سكانية ودوائر انتخابية يقارب عددها سدس قوام مجلس النواب بنقص دائرتين أو ثلاثة دوائر إضافة إلى أنها تزخر بغالبية تتمتع بالتحصيل العلمي حتى أن الطبقة العاملة منها والتي حرمت من التعليم تكون على وعي ثقافي أفضل بحكم أنها تكتسب ذلك الوعي من خلال احتكاكها في المقايل والجلسات العامة مع المتعلمين منهم مما يكسب تلك الطبقة ثقافة تميزها عن الطبقة العاملة من المحافظات الأخرى التي تكون منغلقة تماما ولا تجيد النقاش ولاتدرك ما يدور حولها من تكتيكات سياسية هذه العوامل كلها تجعل دوما أي حاكم يضرب حساب محافظة تعز ويجعلها من أولويات أحكام القبضة عليها حتى عند قيام ثورة سبتمبر اعتبرت محافظة تعز رديفاً للعاصمة صنعاء وكانت الإذاعة حين تعرف بنفسها تقول (هنا إذاعة الجمهورية العربية اليمنية من صنعاء وتعز) خوفا من أن يتم ضم تعز للجنوب وكان هذا في الأعوام الأولى لثورة سبتمبر بعدها تم إنشاء إذاعة خاصة بتعز.   الثورة الشبابية   كانت محافظة تعز المحافظة السباقة في حسم مكان الاعتصام من خلال مسيراتها اليومية وواجهت عدواناً بشعاً تصدت له وتمكنت من إجبار جحافل القوى العسكرية على إعلان عجزها التام من منع الهيجان الثوري الشبابي من حسم الموقف لصالحه في نصب الخيام وإعلان الاعتصام بينما كانت العاصمة صنعاء لم تتمكن من تحديد مكان اعتصامها وتذبذب حالها وسرعان ما تم الاستعانة بأبناء تعز وأرسلت العديد من الأحزاب مجاميع من شباب تعز إلى العاصمة صنعاء حتى يتم حسم الموقف لصالح شباب الثورة وبالفعل وصل العديد من الشباب التعزي إلى صنعاء والتحقوا بشباب العاصمة وشدوا أزرهم حتى تمكنوا من تحديد مكان الاعتصام أمام جامعة صنعاء وبعد أسبوع من إتمام مهمتهم عادوا إلى صنعاء وهؤلاء الشباب قادرون أن نذكرهم بالاسم إضافة إلى أنه تم إرسال مجموعة من شباب تعز إلى محافظة ذمار ليشدوا أزر شباب ذمار في مسيراتهم التي من خلالها تم تحديد مكان الاعتصام ومثل ذلك حصل في الحديدة.. إن عملية الاعتماد على شباب تعز في أن يصبحوا قادة ومعلمين وطلائع في المحافظات الأخرى لفت أنظار عامة الناس إلى تواجدهم الثوري حتى أنهم رددوا جملة عنصرية تقول (البراغلة وراء الثورة) و(البراغلة هم من حرضوا الشباب) حتى أن العديد من أبناء الطبقة العاملة من أبناء تعز تم تهديدهم حتى يتم إثناء الشباب التعزي من أن يكون في الريادة الثورية وقد تسببت تلك الريادة الثورية لشباب تعز بإحراج من يدعون أنهم كبارؤهم ممن يناصرون السلطة ويتبوأون مناصب هامة في الحكومة والذين تم استنفارهم للتحرك إلى تعز من أجل إجهاض الثورة الشبابية وبالفعل تحركوا جميعهم إلى تعز ولكنهم فوجئوا بأن شباب تعز قد لفظوهم وألحقوا بهم الخزي والعار من خلال سلميتهم التي أفشلت محاولاتهم التي استخدموا من خلالها كافة أساليب القمع والقسوة فلم ينلهم سوى لعنات وغضب أبناء تعز منهم وخسران حتى محيطهم الاجتماعي المتمازج معهم والمستفيد منهم مما سبب خوفاً وهلعاً للحكام من شباب تعز وليس الحكام فقط حتى ممن ركبوا موجة الثورة والمتطهرين من رجس النظام هم أيضا أخافتهم سلمية شباب تعز وصلابة موقفهم الثوري وإصرارهم على انتصار الثورة بنفس ليبرالي وطموح إلى إنشاء دولة مدنية في اليمن.   القسوة المفرطة   ودوناً عن أي محافظة أخرى يقاد فيها الجانب الأمني عبر السلطة المحلية كانت يقاد الجانب الأمني لتعز عبر عمليات الرئاسة وهيئة الأركان للجيش بقيادة علي صلاح وتم نقل القاتل (قيران) من محافظة عدن ليصبح مدير أمن في محافظة تعز وتم مواجهة شباب تعز بقسوة وصلف وعنف فريد حيث تم إطلاق الرصاص الحي عليهم ورصاص من نوع خاص كان يتفجر داخل أجساد الشباب فيسبب الفجوات العميقة في أجسادهم الطاهرة وأغلب تلك الرصاصات البشعة كانت تحقق الموت أما من لم يفقد حياته فتسبب له إصابة بالغة تؤدي إلى إعاقته ثم دهسهم بالسيارات العسكرية والمصفحات ولكن بقيت سلميتهم هي الأقوى وهتافاتهم هي التي تبهر العالم وتتقدم بثورتهم إلى الأمام بل يضاف لها رسم أهداف الثورة بأهداف تعتبر مطلباً عاماً لكافة أبناء الشعب اليمني برمته مما مكن الشباب من إلحاق هزيمة بشعة بالسلطة والنظام وحتى أعيانهم المناصرين للسلطة الذين اسودت وجوههم أمام رئيس الدولة الذي كانوا يطمئنوه أنهم على إخضاع أبناء تعز قادرون ومتمكنون، ولهذا مرارة الهزيمة دفعتهم إلى مضاعفة الجبروت والصلف نحو شباب تعز حتى وصل الأمر إلى قصفهم بالأسلحة الثقيلة والمدفعية واجتياح مكان الاعتصام وإحراقهم داخل الخيم ثم مهاجمة الجرحى في داخل الخيام الطبية والمستشفيات وقتلهم وبعضهم تم نزع المغذيات الوريدية عنهم وهم فاقدون للوعي وفي سرير المرض بين الحياة والموت في سابقة مفجعة لممارسة القسوة البشعة والتي لم يسبقهم أحد من العالمين إلى ممارستها ضد أي جماعة مهما كانت نوعيتها.   ومع هذا استمر أبناء تعز يواصلون نضالهم ابتداء من الصفر بعد أن تم تشتيتهم وتفريقهم وملاحقتهم في أزقة الحواري والشوارع والمدارس التي لجأوا إليها جراء الحرائق التي اندلعت في خيامهم بفعل السلطة والتي سكبت براميل من المواد المشتعلة من أجل حرقهم وهم أحياء ولكن عزيمتهم التي غذت عزائم الشباب في كافة محافظات الجمهورية استمرت تتدفق وتواصل نضالها الثوري السلمي لتستعيد ساحاتها وتواصل اعتصامها.   ذهول عالمي   ثورية أبناء تعز دفعت العديد من الصحفيين العالمين في الصحف العالمية الشهيرة إلى التسابق لزيارة تعز وتوثيق ثورية شبابها وتوثيق نضالهم الثوري الفريد وبالفعل وصل العديد من الباحثين والصحفيين إلى تعز للقاء بشبابها والتحدث معهم والذين غادروا تعز وهم منبهرون وعكسوا انبهارهم بثورية شباب تعز من خلال تقاريرهم التي نشرت في العديد من الصحف العالمية والتي لم تخل من إعجابهم بشباب تعز وبثورية أبنائها الرواد للثورة في اليمن.   الاستهداف   ذلك التصلب الثوري لشباب تعز دفع السلطة العسكرية إلى أن تستهدف الرموز الشبابية في تعز بل دفع حتى بعض القوى الثورية ذات النفس الرجعي التي خشيت من المشروع السياسي الحضاري الذي يحمله شباب تعز أن يقف عائقا أمام ركوبهم لموجة الثورة وحفاظهم على النظام عندما يحلون بدلا عن رموزه الذين يسعون لإسقاطهم ولهذا ازدوج الاستهداف للرموز الشبابية الثائرة وبدأت روائحه تفوح من خلال إفشال جهود الشباب من جانب وإرهابهم من جانب آخر حتى وجد الشباب أنفسهم أمام مأزق يستلزم منهم التضحية وسرعة إنجاز ثورتهم التي تعطلها الثورة البطيئة في العاصمة صنعاء وبذلوا أقصى ما في وسعهم من أجل تطويق مبنى المحافظة وتعطيل العمل في المنشآت الحكومية الأخرى التي تقع مبانيها خارج المحافظة ولكن تم مواجهتهم من قبل الحرس الجمهوري بعنف بينما أخذت مجاميع قبلية مسلحة تتوافد إلى تعز من ريف تعز للدفاع عنهم في الوقت الذي أخذ المدعو قيران يجلب مجاميع مسلحة من منطقته ومحافظات أخرى من أجل قتلهم وهنا شعروا أن الدفاع عن أنفسهم أصبح واجبا مقدسا ولكنهم اكتفوا بمن قدموا من ريف تعز للدفاع عنهم واستمروا في التصعيد الثوري السلمي.   ضرب مدينة تعز   ولكن استمرت عملية قصف تعز بالقذائف الثقيلة وبالدبابات ومضاد الطيران التي استهدفت الأحياء حتى كثر عدد المسلحين وانتشر السلاح في داخل المحافظة المدنية السلمية وتم لوي عنق الثورة الشبابية السلمية عن طابعها المدني فأصبحت اليوم تعز تقصف حتى بالطيران الحربي الذي أصبح ينفذ طلعات جوية تقذف بالمتفجرات على أحياء تعز وشباب تعز إضافة إلى المجنزرات التابعة للحرس الجمهوري التي خرجت في أرجاء شوارع تعز في استهداف واضح لمدنيتها ولوي عنقها وتصفية أبنائها وتدمير منشآتها والعبث بمشاريعها وهذا ما يتم، فقد نفذ الطيران الحربي في فجر أول يوم من رمضان قصف شارع الستين وخرجت المصفحات إلى الشوارع وهناك من يقاوم هذا العدوان بالسلاح ولكن ما زال الشباب الثائر يخرجون في مسيراتهم السلمية يواجهون قذائف المدفعية بصدور عارية مصرين على إنجاح ثورتهم ومشروعهم السياسي الحضاري وتأكيدهم على محافظتهم للوحة الحضارية والمدنية لتعز التي أغرقت وانجرت إلى المقاومة المسلحة دفاعا عن النفس رغم أنفها وبعد صبر طويل وقافلة من الشهداء من أبناء تعز سقطوا في كافة عموم ساحات اليمن فإن موقع تعز وأهميتها الجغرافية والسياسية تدفع بالكثير من أجل تطويع أبنائها بأساليب متعددة وإلباسها ثوباً غير ثوبها ولكن بقيت تؤكد على مدنيتها مما يستلزم إيقاف العدوان المسلح عليها فورا لأنها ستبقى عصية على أي متآمر على ثوريتها الصادقة.




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign