الصحافة البريطانية تكشف عن مضمون عروض امريكية مغرية لصنعاء        كهرباء عدن ....ماساة الصيف المتكرره تحت جنح الفشل والفساد الحكومي        غروندبرغ : نعمل على إطلاق الاسرى وتحسين القطاع الاقتصادي والمالي         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد      
    تحقيقات. /
صعدة مدينة خالية من الحقد والكراهية لأي طرف يمني

2011-07-13 21:39:11


 
انطباعات نفلها/عبدالملك المروني   منذ ظهور التعددية السياسية في اليمن 1990م لم تتعرض حركة وطنية أو سياسية أو دينية لذلك الظلم والتعسف والتجاهل الذي تعرضت له الحركة الشبابية الدينية التي ظهرت في صعدة وعرفت في الأوساط العامة بـ(الحوثيين) نسبة إلى زعيمها السابق السيد/ حسين بدر الدين الحوثي- ولست أعلم على وجه التحديد إن كانت كحركة قد ظهرت قبل هذا التاريخ فهذا الكيان الذي برز من خلال مجموعة من الشباب الذي أخذ على عاتقه مسئولية بعث الفكر الزيدي وتنشيط أدائه غداة أن كان عرضة للنسيان والتجاهل بسبب تقاعس الكثير من رموزه وفقهائه عن دورهم أو ذوبانهم في إطار سياسة العزل والإقصاء الموجهة مركزيا لصالح الوهابية وما أنتجته من أفكار ذات طابع راديكالي وألوان براجماتية تحمل في شكلها العام أنماط الإسلام السياسي.   هذه الحركة قذفت منذ البدء بأشد أشكال التوصيف وألصقت بها أكثر الصفات بشاعة وأشدها بطشا، فهي تارة وافد مذهبي وفكر مستورد من أقاصي المعمورة، وهي أيضا عقيدة شيعية متطرفة تتكئ على خلفية اثنا عشرية وباعث سياسي تصدره الثورة الإسلامية في إيران وترعاه الحوزات المتشددة في إيران والعراق.   وهي تارة أخرى المولود البكر لحزب الله اللبناني وذراع فكري وعسكري له في اليمن.   ولم تكن الشائعة والتوصيف السياسي لهذه الحركة التي يطلق عليها أصحابها حركة أنصار الله أو المجاهدين مصدر الظلم الأوحد الذي نالها، بل برز الشكل الآخر في هذه المظلومية في ظهور من أصغى لهذه الشائعات أو تعاطى معها كمسميات وحقائق. ومن تعامل معها بشيء من عدم الاكتراث وكنا –ونحن من رفض الاهتمام بعضا من هؤلاء- وقد قيل إن المصلي في صعدة كان يقول في سجوده (السلام على سيدي حسين) بدلا من السلام عليكم في ركن التسليم وختام الصلاة.. وبالطبع فقد كان هناك من يصدق هذه الشائعة أو يروج لها وفي هذا ظلم لا يقل عن مظلومية إطلاق الشائعة ذاتها.   وهكذا شكلت السلطة من هذه الشائعات أرضية خصبة للإجهاز على هذه الحركة وإبادتها سياسيا وعسكريا، وهكذا تعرضت هذه المحافظة لحروب غاشمة ومعارك إبادة وصلت إلى ستة حروب بدأت منذ العام 2004م لتمتد إلى ست سنوات تخللتها فترات هدنة في فواصل زمنية متفرقة كانت السلطة تعود بعدها إلى المعركة أكثر شراسة وعنفا وأكثر تصميما على الإبادة لم يسقط خلال هذه المعارك آلاف الأبرياء من الجانب الحوثي فقط بل كان هناك أعداد مضاعفة من أبرياء ومغرر بهم من الجانب الحكومي وتكبد الوطن خسائر رهيبة وقودها شباب من المؤسسة العسكرية كان يقذف بهم إلى ساحات المعارك دون مهارات عسكرية ودونما خبرات قتالية حيث كان الباعث السياسي لدى القيادات العسكرية في صنعاء يقوم على أساس تعاظم ضحايا الحرب وجعل الموت يحصد أكبر عدد ممكن من الجنود لمجرد الرغبة في خلق حالة من الحزن العام في أوساط المجتمع وجعل المأساة تحل على كل أسرة وبيت خسر أحد أفراده والغاية تصعيد حالة السخط الشعبي ورفع مستواه الموجه ضد هذا الكيان وهذه المجموعة وتهيئة الشارع لأي محاولة إبادة تقدم عليها السلطة.   وحينما فشلت السلطة في تحقيق هذه الغاية السياسية وشعرت بخطورة الموقف نتيجة تعدد مظاهر الانتصارات من طرف الحوثيين الذين كانوا قد عرفوا بـ(المجاهدين) وألحقت الهزائم بالنظام اتجه هذا الأخير إلى تطوير أدائه العسكري وتعزيز مهاراته القتالية في الساحة وأوفد إلى صعدة قوات عسكرية عالية المهارات القتالية ومزودة بأحدث الآليات والأسلحة فشلت هذه الحملات في تحقيق أهدافها وأخفقت في إنجاز مهام عسكرية محسوبة، حيث كانت وساوس الهزيمة والانكسار هي المسيطرة لدى القوات المسلحة فيما الحالة المعنوية لدى الطرف الآخر كانت في حالة تصاعد مستمر وكان اليقين بالنصر لدى المجاهدين هو الزاد الذي لا ينتهي والقوت المتنامي باستمرار.   لقد كان المقاتل من جانب النظام المركزي يدخل المعركة لمجرد الامتثال للأمر والانصياع لتوجيه عسكري مجرد فيما المقاتل من الطرف الآخر يعي طبيعة معركته ويدرك أنه يدافع عن أرض وعرض ودين وكرامة، وبالطبع فإن الفارق كبير بين الطرفين.   وكان أكثر الجنود حظا هم الذين يقعون في الأسر إذ كانوا يجدون من المعاملة وحسن التعاطي ما يجعلهم يندمون على فعلتهم وقد أدركوا عن قرب أن هؤلاء الحوثيين الذين قالوا إنهم يحملون فكرا مستوردا وأنهم روافض وأصحاب فتنة طائفية ومذهبية من مرتكزات فكرهم لعن الصحابة وذم الخلفاء الراشدين وبعض زوجات الرسول الأعظم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ليسوا في الواقع كذلك وأنهم يتمتعون بقيم دينية وأخلاقية تبعد عنهم كل شبهة ولبس، ولقد سمعت شخصيا من بعض الأسرى الذين عادوا إلى مناطقهم بعد فترات أسر متفاوتة الكثير من القصص عن أخلاق هؤلاء الناس واعتمادهم قيما عالية تشكل في مجملها هويتهم السياسية الاجتماعية من هؤلاء محمد أحمد.. وهو شاب حضرت زفافه منذ أشهر تقريبا قال عنه زملاؤه إنه أرغم والده على تزويجه وهو في ساحة المعركة فقد صادف أن هاتفه والده ليطمئن عليه وهو في ميدان القتال مع اثنين من زملائه كانوا ثلاثتهم يختبئون من الرصاص خلف صخرة كبيرة وبينما كان والده يحثه على الالتزام بأقصى درجات الحذر والحيطة حذر الموت عقب عليه محمد بالقول لديك يا والدي خياران لا ثالث لهما، فإما تعدني بالزواج فور عودتي من صعدة وإما أن أطل برأسي من خلف هذه الصخرة وأقدم رأسي هدية لإحدى بنادق الحوثيين، ولأن الأب يعرف مدى تهور ابنه وعناده وأنه قد يفعل لمجرد الانتصار لقدراته فقد وافق على الخيار الأول بل وانتزع الابن من الأب يمينا بذلك غير أن الزواج تأخر بعض الوقت نظرا لأن المقاتل محمد أسر بعد ذلك بأيام وحل ضيفاً لفترة على سجون المجاهدين، وخرج بعد ذلك بعدد من الانطباعات، قال لي محمد إنه كان يعتقد أن هؤلاء الحوثيين ليسوا يمنيين وإن كانوا كذلك فإنهم ليسوا زيودا، وأنهم كانوا زيودا فإنه لا قيم لهم غير ما حفظوه من (أسيادهم) في إيران، على حد قوله. وأدرك بعد أسره أنهم يمينين وأنهم زيود وأنهم سادات مجتمع يحبونه كما يحبون أبناءهم، وأضاف أنهم لا يكرهون شيئا قدر كراهيتهم للحرب وسفك الدماء ولكن إيمانهم بعدالة قضيتهم وطبيعة حربهم التي وصفها بالمقدسة جعلتهم يفرون إلى الموت بحماس يزيد قليلا عن حماس أولئك الذين يفرون من الموت إلى الحياة وأنهم عشاق شهادة، أما زميله (عبدالفتاح) فقد أوجز انطباعه عن من أسروه بالقول إنه لم تمض عليه سوى فترة في الأسر حتى بدأ يردد في نفسه عبارة (سيدي عبدالملك) كلما خطر في باله الحديث مع نفسه أو زملائه حول شخصية الزعيم الشاب عبدالملك الحوثي.   والواقع أن لدي الكثير من الشهادات التي سمعتها من أسرى ومقاتلين تغيرت قناعاتهم بمجرد أن عرفوا هوية هؤلاء القوم الحقيقية غير أن المساحة هنا لا تكفي لعرض هذه الشهادات جميعا.   وطن يحترق أمام وطن لا يرى لا يسمع لا يتكلم   لقد أخذت فقط ما استشهد به في سياق سرد هذه الانطباعات الصحافية التي أحرص على تسجيلها بكل حيادية ومصداقية.. وقد تتاح لنا فرصة الإشارة مجددا إلى أخلاق وقيم هؤلاء الناس في سياق آخر ضمن نقل آراء مواطنين سمعتها وعشتها معهم.. والأصل هنا هو التأكيد بأن مظلومية هؤلاء الناس الذين يمثلون قطعة من الجبين اليمني وروحه كانوا لسنوات عرضة لحروب متعددة. فبين المعارك العسكرية الضارية التي استخدمت فيها أكثر الأسلحة دمارا وإبادة وزج بخيرة رجال القوات المسلحة إلى أتونها وسياق بعض القيادات العسكرية للتنافس على كسب ود النظام وتحقيق قدر من الشعبية والجماهيرية في أوساط المجتمع لأهداف سياسية وذلك من خلال الزج بفرق وكتائب عسكرية تمثل النخبة معززة بأفضل الوسائل القتالية كل ذلك مدفوع برغبة أكيدة في إحداث أكبر الأضرار وإلحاق أبشع سبل التنكيل بهذه الساحة الجغرافية المحدودة وبأهلها إن لم يكن لغايات عنوانها النصر أو شق منه فالهدف الثأر والانتقام من انتصارات حققها هؤلاء وتلك أهداف أحرقت الأرض ووأدت البنية التحتية وأتلفت الزرع والحرث.. ولست مزوداً بأرقام وحقائق عن المعارك ونتائجها لأن ذلك لم يكن من طبيعة هذه التناولة أو يشكل بعضا من مهمتي كصحافي على الأقل في الوقت الراهن وما المرور على بعض الشواهد إلى للعبرة والتأمل. ومع ذلك فالمعركة السياسية لم تكن بأقل مستوى وبشاعة من المعركة العسكرية.   إن أبناء هذه المحافظة فقدوا خيرة شبابهم وخيرات أرضهم.. وسقط تحت نيران هذا العدوان الكثير من الضحايا الأبرياء الذين لم يكونوا ضمن المقاتلين ولم تكن لهم مواقف تستحق الموت سوى أنهم من أبناء هذه المحافظة وهي المحافظة التي كتب عليها الدمار والإبادة لأن قرارا سياسيا وعسكريا غير محسوب النتائج اتخذ أما الحروب فلم تكن متكافئة بغض النظر عن نتائجها والحقائق التي افضت إليها، فالدولة المركزية التي تستعمل كل قدراتها وإمكانياتها في هذه الحرب عززت بقوى أخرى وإمكانات جديدة ودخلت على الخط قوى خارجية وبدلا عن الدولة الواحدة كان هناك دولتان بكامل إمكاناتهما العسكرية في مواجهة هؤلاء النفر المؤمن بالله وبقضيته وشكلت هذه التطورات تطورات أوسع وأثمر التدخل السعودي في المعركة تدخلات إقليمية ودولية حيث دخلت الولايات المتحدة الأمريكية وربما إسرائيل واستعملت أحدث الأسلحة والتقنيات المتطورة في الإبادة والتطهير.   غير أن إرادة الله وطهارة القضية وإيمان أصحابها ومشروعية حربهم وعدالتها عوامل ذهبت بالمعركة بعيدا عن غايات هؤلاء جميعا فكان النصر حليف هؤلاء المجاهدين ومصدر عزهم وهي انتصارات عسكرية وسياسية أذهلت المراقبين وشكلت موازين جديدة في الداخل والخارج ثم مهدت لظهور أنماط عيش اجتماعي جديد بكل المقاييس وباتت صعدة الموقع الجغرافي الأكثر أمانا وسلامة واستقرارا ليس في اليمن فحسب ولكن على مستوى المنطقة ومن المهم الإشارة إلى قضية غريبة وعجيبة حقا، فأصدقاء الأمس والذين تحالفوا معا لضرب صعدة أرضا وإنسانا وقضية أمطرتهم السماء بوابل من العقاب وحسن الجزاء ما لبثوا بعده أن خاضوا ضد بعضهم معارك لم تشهد لها الساحة اليمنية مثيلا من حيث طبيعتها ومحاورها الجغرافية وأهدافها السياسية وحين كانت قذائف الإخوة كرامازوف تحصد الناس وتقدم بسخاء مظاهر مقاديشو جديدة كانت صعدة ترقد في أمان وتعيش أجمل مراحلها.. لقد خسرت هذه الأسرة التي قدر لها حمل هذه الرسالة ورفع راية الجهاد ضد قوى الاستكبار العالمي ومنها إسرائيل وأمريكا إلى جانب دولتين خسرت قائدا ومعلما هو الشهيد حسين بدر الدين الحوثي.   غير أن الروح القيادية والحس النضالي لهذه الأسرة جعلت من دم القائد بساطا لا تذرف عليه الدموع ولا تسكب على أرضه الآهات والنواح بل شكل سبلا للمجد وموقعاً لاستنهاض الهمم فحمل الراية مشروع شهيد لاحق وقاد المعركة أحد أنجال الراحل بدر الدين الحوثي إنه الشاب عبدالملك الحوثي الذي انتزع بتواضع العالم وفدائية القائد نصرا مؤزرا بات حديث المهتمين في العالم.   ولقد نجم عن هذه الانتصارات انتصارات أخرى هي الأكثر أهمية، انتصارات تستحق التوقف أمامها بكل إجلال وإكبار وهي التي تهمني كصحافي وتهمني كمواطن يمني ولأنها تهمكم جميعا فإنه من المناسب متابعة مضامين هذه المادة التي تحاول بكل تواضع وبساطة رصد بعض نتائجها ودلالاتها.   في هذه المحافظة مبان مدمرة وأخرى تنهض من وسط الأنقاض وشباب يضجون حيوية وحماسة وآخرون معافون وجرحى يبتسمون للحياة ويضحكون للغد لا يحزنهم إلا أنهم لم يذهبوا شهداء وقد حاولوا ذلك، والناس في صعدة بشكل عام يعملون دون كلل أو ملل والمجاهدون الشباب يكدون ليل نهار من أجل سلامة المواطن وتوفير أقصى درجات الأمن والسكينة.   إن صعدة المدينة والمحافظة تعيش حالة من الأمن والسلام والعدالة لم تكن موجودة يوما في أي محافظة يمنية وفيها الكثير مما يجب استماعه والإصغاء إليه. والأهم من ذلك أن هذه المساحة الجغرافية التي كانت حتى وقت قريب مسرحا لغضب وسخط وحمم الكثير باتت بحكمة زعيم روحي وسياسي فريد ساحة للحب والسلام الاجتماعي، هذه البقعة التي تقاطر لإذلالها الأعداء والأصدقاء، ونالت من بنادق الغدر ما نالته من بنادق المواجهة وتحالف لإبادتها أطراف وأدوات صراع عدية هي اليوم مدينة للسلام والحب. مكان يفتقر إلى وجود حقد وكراهية ضد أي طرف يمني فالكل في ثقافة هؤلاء إخوة يستحقون الصفح ويستحقون زمنا جديدا وفرصة جديدة. ومع ذلك فإنه من الصعب أن يتجاهل أحد من الناس حقيقة التحالفات الخارجية عربية وإقليمية ودولية اجتمعت كلها لهدف واحد هو الإبادة.. الإبادة بكل ما فيها من معان وأبعاد، ومع ذلك فإن النصر كان حليف هؤلاء القوم، النصر الموشح بالإيمان المؤزر بالشجاعة، النصر الذي سقطت أمامه تحالفات ما كان لها أن تصد ولا تقمع لو لم تكن في اليمن، لو لم تكن في أرض مثل صعدة، لو لم تكن بأيدي رجال لا يعرفون الانكسار ولا يعاشرون الهزائم.  أناس وجدوا من أجل النصر ولا شيء غيره اللهم ما هو أحب منه وأكرم وهو الشهادة، وتلك حقائق نعرفها فعلا ولكن ما ينبغي الشك بشأنه هو ما يمكن حصره في هذا السؤال: هل نمتلك من الشجاعة ما يجعلنا نعتذر عن أخطائنا وجرائمنا التي ارتكبناها بقصد أو بدونه نحو هذه الأرض وأهلها.. الإجابة شأن المعنيين شأن أولئك الذين فعلوا، بمعية أولئك الذين ارتكبوا بشاعة قبل وكانت الجنوب وجهتها، وأهلا بكم للجزء التالي من هذه الانطباعات.




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign