الصحافة البريطانية تكشف عن مضمون عروض امريكية مغرية لصنعاء        كهرباء عدن ....ماساة الصيف المتكرره تحت جنح الفشل والفساد الحكومي        غروندبرغ : نعمل على إطلاق الاسرى وتحسين القطاع الاقتصادي والمالي         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد      
    تحقيقات. /
نيران القذائف أشعلت الأحياء والأزقة الغارقة في العتمة والفقر..الحصبة التي سُلخت من العاصمة واصبحت مجرد ثكنات عسكرية ومتارس للقبائل

2011-06-15 15:31:14


 
ملف أعده/ محمد غالب غزوان   رغم مرور ما يقارب عشرة أيام على توقف الحرب الثالثة في منطقة الحصبة إلا أن زيارة واحدة لمنطقة الحصبة تكفي لكشف حقد دفين على وطن تدمره آلات الحروب العبثية وعلى حساب كد وعرق جبين شعب مقهور ومغدور.. زيارة واحدة تكفي لتكرس اليقين بأننا في زمن ما قبل الدولة وأن تلك المنظومة التي تدعي أنها دولة هي مجرد شلل تعددت تبعياتها واتفقت على تدمير أمة ووطن اجتماعيا وأمنيا وسياسيا وثقافيا واقتصاديا إضافة إلى سلب الكرامة والعبث بالإنسانية اليمانية.. كافة المواطنين من سكان الحصبة والأحياء الفقيرة المترامية الأطراف يدركون أنهم ضحايا ثأر سياسي وخلاف بين أطراف نهابة الوطن الذين اختطفوا قوات الجيش من مواقعها الرئيسية والمفترضة في أطراف الحدود إلى قلب المدن لتصفية الحسابات واستباحوا مخازن القوة وإرهاب العدو ليرهب ويقتل بها الشعب عدوهم الأول.. خمسون عاما تكاد أن تكتمل حلقاتها منذ قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر اللتين اغتالتهما أسر الخيانة وارتدوا ثوباً مزيفاً باسميهما وتعلقت الآمال بثورة الشباب برد الاعتبار لثورات اليمنية وأن تتعظ ثورتهم وتحرص أن لا يمكر بهم مثل ما مكر بثورتي سبتمبر وأكتوبر.   اليوم وفي ظل الثورة الشبابية التي تبحر سفينتها ببطء وهي تقاوم أمواج الدسائس والمؤامرات كثيرة هي الحقائق التي أخذت تكشف عن نفسها بقصد أو غير قصد وكل تلك الحقائق تبين لنا كم نحن في اليمن بحاجة إلى دولة مدنية وقوة وهيبة النظام والقانون وكذلك تكشف هذه الحقائق صعوبة تحقيق أمنية قيام الدولة المدنية بسبب تزييف الوعي ولوي عنق الحقائق.. كثيرة هي التحديات التي تحاصر حاضر الشباب الثوار وتسعى إلى خنق مستقبلهم وعليهم أن يتعظوا من ما أصاب ثورات الرعيل الأول من مكر وأن لا تغرهم الأفاعي بنعومة ملمسها، فسقوط النظام بكافة رموزه وأعوانه السابقين واللاحقين وكافة من تورطوا بسفك الدماء أصبح فرضاً واجباً بقوة المفهوم الثوري وقوة الشرع وأمر الرب والقيم الإنسانية وكافة القوانين، فلا تخذلوا ثورتكم فتخذلوا وتمسكم النار.. فإلى حي الحصبة عزيزي القارئ.   توتر   صباح السبت 11 يونيو شقت صحيفة الوسط طريقها نحو منطقة الحصبة التي توقفت فيها الحرب منذ ثمانية أيام حسب ما تم الإعلان عنه الساعة الآن تشير إلى العاشرة والنصف صباحا استقلينا أحد الباصات والذي كان مزدحما جدا وبعضهم متعلق على باب الباص بسبب عدم توفر وسائل المواصلات كنا نظن أنه لا مبرر لغياب وسائل المواصلات سوى الخوف المضاعف لدى السائقين ولكن حين تعدى بنا الباص بضعة أمتار من جولة الحباري توقف وأخذ السائق يسأل من يرغب بالعودة عبر شارع (مازدا) وعند نزولنا كانت المفاجأة حيث ساحة الميدان الخاصة بحافلات الركاب خاوية تماما فكل الحافلات مجرد أن تصل سرعان ما تغادر.. ترجلنا وأخذنا نتجه نحو تلك الرقعة التي كانت تحاذي مدرسة الرماح والتي تعج بالباعة المتجولين فلم نجد غير عربات وبسطات مدمرة وطرابيل مبعثرة ومسلحين يرتدون زي قوات النجدة يمنعون أي شخص من الاقتراب وبالذات (الصحفيين) حسب إفادتهم، فوسائل المواصلات أيضا تمنع من العبور وعليك أن تقفل عائداً أو تترجل على قدميك وعبر الأزقة والحواري عليك أن تشق طريقك إلى خلف وزارة الداخلية حتى تصل إلى شارع المطار أو أمام حديقة الثورة التي تقع أمام الداخلية، لم يكن أمامنا سوى الترجل والاتجاه نحو الأزقة والحواري طالما رغبتنا الجامحة تصر على مشاهدة حجم الدمار، كان هناك قلة من الأشخاص الذين يشقون طريقهم في تلك الأزمة أغلبهم -إذ لم يكن جميعهم من سكان تلك الأزقة والمنازل المحيطة بوزارة الداخلية من الجهة الشرقية- جاءوا من أجل تفقد منازلهم وأخذ بعض الحاجيات منها، شاهدنا من يخرجون من تلك المنازل وبحوزتهم شنط وبعضهم يحملون أكياساً فيها بعض القمح أو الدقيق وبعضهم يرافقهم أطفالهم الذين كانوا يحملون أوان منزلية فوق رؤوسهم وقد حذرني المواطنون من استخدام الكاميرا والتقاط الصور لأن الأزقة مليئة بجنود الدوريات الراجلة التابعة لقوات النجدة وكذلك الأمن العام وكانت آثار قذائف مدافع عيار 23 واضحة على جدران وزارة الداخلية وشاهدنا سيارات خصوصي كانت تقف أمام منازل أصحابها داستها العربات المجنزرة وحطمتها تماما وقت اندلاع المعارك، هذه الأسر غادرت المنازل في لحظات شعرت بأن هناك هدوءاً في إطلاق القذائف والرصاص بعد أن تركت وراءها سيارات مدمرة ومنازل يتربص بها الموت أو الحريق بقذائف النيران التي لا ترحم، كنا أحيانا نصل إلى أحد الأزقة ونجد مجموعة من الجنود يأمروننا بتغيير خط سيرنا إلى زقاق آخر وهكذا أخذنا نتخبط من زقاق إلى زقاق ونحن نشاهد مذهولين من قوة القذائف التي نالت من المنازل وكمية البارود التي تم ضخها في حواري الحصبة في تلك الحرب المفجعة.   تربص   الشعور بالأمان لم يعد متوفراً وإنما الحنين إلى المساكن كان الدافع وراء تواجد بعض السكان منهم من يقوم بإصلاح عمود الكهرباء المجاور لمنزله وبعضهم يعيد ربط الأسلاك الكهربائية لإعادة التيار الكهربائي المعدوم أصلا وآخر يصلح شبكة المياه التي دمرت وآخر يتفقد خزان المياه الذي أصبح عدد الثقوب فيه جراء الرصاص المنهمر لا يعد ولا يحصى.. مشاهد جميعها تحرك الشفقة والرحمة تجاه هؤلاء المواطنين الذين لا ناقة ولا جمل لهم في صراع (حمران العيون) وشاهدنا منازل بعض غرفها خصصت لبعض الجنود كنقاط أمنية واستعداد لخوض القتال (الشوارعي) كذلك على بعض أسطح المنازل شاهدنا جنوداً يتمركزون فيها من أجل مؤازرة المقاتلين في الشوارع ومع هذا كنا نظن أن هذا الاستنفار الأمني مبالغ فيه بحكم أننا كنا نظن أيضا أن المنطقة بكاملها تحت قبضة السلطة ولكن ليس كل الظن إثم.   الضفة الغربية وغيرها   ومن زقاق إلى زقاق وحسب (القذافي) زنكة.. زنكة.. تمكنا من الخروج إلى شارع المطار ومن قرب وزارة الكهرباء وعليك هنا أن تسير بشكل مستقيم في الشارع إما باتجاه الشمال إلى اتجاه المطار أو جنوبا باتجاه جولة الساعة وأمام وزارة الداخلية وعندما وصلنا قرب الوزارة أوقفنا الجنود للتفتيش وعندما عثروا على الكاميرا وآلة التسجيل أبلغوا قائدهم والذي كان يقف في وسط الشارع وهو شاب صغير يبلغ من العمر 17 عاما تقريبا ولكن الغريب أنه كان يرتدي رتبة مقدم، رتب تم توزيعها لبعض أبناء العقال والمشائخ لكسب الولاء وإعادة كرت البلاء في تدمير الأمن والأمان وكان هذا الأفندم لطيفاً وهو يشاهد علامات الذهول على وجوهنا والضحكات الساخرة من الجنود الذين تحت إمرته والذين لهم عمراً طويلاً في الخدمة العسكرية ولم يحصلوا على أي رتبة، الأفندم الصغير سألني (انت من الخبرة) وهو يغمز بعينيه يقصد الشيخ الأحمر فأجبته بالنفي فرد قائلا (أين عتسير؟ الجامعة؟) فأجبته بالنفي فسمح لنا بالعبور بعد أن قال له جنوده (خليه يرحله يا فندم) وتمكنا بعد ذلك من تعدي وزارة الداخلية.. أخذنا نتجه إلى الشارع بالاتجاه الأيسر وهنا تبين لنا أننا سنعود إلى نقطة البداية وسيتم منعنا من الاتجاه إلى أي زقاق سوى العودة إلى جولة الحباري فملنا قليلا إلى اليمين من خلف عمارة التويتي التي تقع فيها عيادة الخزان والتي كانت محترقة تماما ومجرد أن دخلنا ذلك الزقاق والذي يبعد عن وزارة الداخلية بمساحة عرض الشارع الذي يتكون من خطين كانت المفاجأة أننا أصبحنا في زقاق يقع في قبضة سلطة أخرى ألا وهي سلطة الشيخ الأحمر وأخذت مشاهد القوى التي تتمركز في متارس الأزقة تتغير أشكالها من قوى مسرولة وبزي عسكري ورتب إلى قوى قبلية مدججة بسلاحها، فالجهة الجنوبية والغربية الجنوبية حواري تحت قبضة الشيخ ورجاله والجهة الشمالية والشرقية الجنوبية تحت قبضة السلطة يفصل بينهما الشارع الرئيسي الملاصق للداخلية كحدود مشتركة وأخذنا نجول في أزقة هذا الحي الذي يسمى حي (صدر الشمس)، رجال الشيخ لا يعترضون أحداً وأكثر لطفا في التعامل في حالات السلم ومع أشخاص يرتدون البنطلونات المدنية وأخذنا نتجول في أزقة حي صدر الشمس وقمنا بالتصوير لبعض المنازل المحروقة وأخرى مدمرة حتى خرجنا إلى قرب مدرسة الرماح أساس الخلاف وشرارة إشعال فتيل الحرب، كانت خالية لا أحد يتمركز عليها، فمن الجهة الأمامية هي تحت سلطة الشيخ ومن الجهة الخلفية هي تحت سلطة النجدة ولكن لا أحد يقترب منها. آثار دمار المحلات المجاورة والبسطات الخاصة بالباعة المتجولين قد عبثت بها نيران الحرب، اتجهنا إلى اليمين كي نصل إلى شارع الجامعة العربية الشارع الذي تقع على جانبه الأيمن وأنت متجه غربا وزارة الصناعة والتجارة وهيئة الأراضي وعقارات الدولة وشمالا وكالة سبأ التي بدت لنا مدمرة تماما جراء ما نالها من القذائف أما وزارة الصناعة والتجارة فلا يوجد حجر واحد من أحجارها إلا وأصابته القذائف والرصاص غير أن آثار الحرائق التي اشتعلت بداخلها كانت بادية بوضوح، هذه المنشآت الحكومية كانت تحت حراسات أمنية من طلاب الكليات العسكرية باستثناء هيئة الأراضي كانت الحراسات تتبع الشرطة العسكرية وذلك الشارع المعروف باسم شارع الجامعة العربية يعتبر باللغة العسكرية الحربية (خط النار) أو من خطوط التماس حيث جانبه الأيمن من جهة وزارة الصناعة يعتبر بداية حدود سلطة الشيخ والجانب الأيسر سلطة الدولة إذا فرضنا سلامة التسمية من أي مطاعن.. متارس الدفاع الأمامية لقوات الشيخ باقية كما هي وكذلك متارس الطرف الثاني كما هي أن التجول في منطقة الحصبة يعتبر من عجائب البلاء الذي حل بمدن اليمن فخطوات معدودة تنقلك بين السلطة وسلطة أخرى وتنقلك من قمع محقق إلى الأمان وحرية التصوير في سلطة أخرى بخطوات معدودة بقدمك تضمن ذلك الانتقال.   أوجاع المواطنين   من أبشع الأوجاع التي يتكبدها أي شخص هي أن يجد منزله مدمراً أو قد التهمته النيران أو مكان عمله أو متجره أو معمله الذي بناه من كد عرقه في أفضل أيام شبابه أو منذ صغره ويجده وقد تدمرت جنباته وأتلفت بضاعته وانتقلت حياته ومستقبل أولاده إلى تحت خط الفقر ولا يجد من يخاطب أو من يعوضه أو من حتى يواسيه في الوقت الذي يشاهد بأم عينيه طرفي النزاع اللذين دمرا شقا عمره في لحظات صراع انتقامي يتجولان أمامه وكل طرف غير آسف على ما لحق به.   صحيفة الوسط تمكنت من اللقاء بأحد أصحاب المحلات التجارية التي تعرضت للقصف والدمار وذلك المحل هو عبارة عن معمل بداخله معدات متعددة من مكائن طحن وتغليف وكذلك مخازن للبضاعة والمعمل هذا يقوم بطحن البن والبهارات وتغليفها وكذلك تغليف وتنقية الزبيب واللوز وباقي المكسرات.. التقينا بصاحبه صدفة والذي يقع محله على الجانب الأيمن لشارع الجامعة العربية والذي يعتبر الموقع بداية حدود سلطة الشيخ الأحمر ويعتبر كذلك إحدى خطوط النار والمواجهات وعلى طرفي أركان المعمل من الخارج نصبت المتارس الدفاعية لصد الهجوم لقوات الأحمر بينما هناك كانت متارس أخرى مواجهة لها كان صاحب المحل يتفقد محله وينظر إلى حجم الدمار الذي لحق بشقا عمره ويتبرم ويشكو إلى الله أمره وسمح لنا بالدخول إلى داخل معمله حتى نشاهد حجم الدمار من الداخل بعد أن شهدنا حجم الدمار من الخارج وكان ما لحق به من دمار أبشع وأفظع، حيث القذائف أصابت كافة المعدات الآلية التي تقوم بالطحن والتغليف وكذلك الأجهزة الإلكترونية التي تستخدم في ضبط الوزن وتقنية التعبئة، فقذائف الـ(آر بي جي) تمكنت من خرق الجدران وتدمير العديد من الأسوار الحديدية لتلك المكائن إضافة إلى تحطم الديكور الخاص بقسم عرض البضاعة والبيع، يحمل المحل اسم (المتميزون)، فتميز أيضا بالدمار والخراب الذي لحق به وقال صاحب المعمل لصحيفة "الوسط" لا نعرف من نخاطب ومن نسأل عما لحقنا من خسران فأنتم أعلم بأمر الحكومة في بلادنا لا تعوض أحداً ونحن في بلد يفاجأ الإنسان بشقاء عمره وجهده يهدر في لحظات ويتحول إلى شخص فقير ومديون بعد أن كان تعدى هذه المرحلة فالمعمل كان يشغل عدداً من الأيادي العاملة وكذلك يعمل على تسويق منتجات وطنية وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد ولكن كما ترى كل شيء متوقف في سوق الحصبة التي أصبحت شبه مهجورة ولم يعد إليها الاطمئنان التام.. بلاء وخسارة حلت علينا نحمد الله على كل حال.   إن الوضع ما زال متوتراً بالحصبة فالسلطات الحكومية ما زالت تنصب النقاط في مداخل العديد من الأزقة، كذلك المتاريس القتالية والتي هي عبارة عن أكياس يتم تعبئتها بالأتربة ثم يتم رصفها بشكل يمكن المتمركزين من توجيه قذائفهم المدفعية ما زالت قائمة في مكانها من كلا الطرفين المتصارعين وبقاء استمرارها يعني أن احتمال اندلاع القتال مرة أخرى وارد، خاصة وأن القضية قد تشعبت وألحقت خسائر فادحة في أوساط المواطنين غير المعنيين بالصراع سواء في الأنفس أو الأموال والعقارات إضافة إلى ما لحق بالمقرات الحكومية وكذلك ما لحق بأسرة الشيخ من خسائر في الأرواح.   المنازل   كثيرة هي المنازل الخاصة بالمواطنين التي تعرضت للدمار بعضها كان موقعها الاستراتيجي سبباً لينالها الدمار غصبا ورغم أنف ملاكها بعد أن تمركزت إحدى قوى الصراع فوق أسطحها أو اختارت أماكن فيها لممارسة إرسال القذائف إلى الطرف الآخر الذي استهدفها ومنازل أخرى موقعها مجاور لتلك الأهداف فكانت ضحية القذائف التي أخطأت أهدافها ومنازل دار الصراع في الأزقة التي تقع فيها فلم تسلم نوافذها وخزانات مياه وكذلك بعض ساكنيها من أن تنال منهم الشظايا الجارحة أو القاتلة كما نال اللوكندات الشعبية دمار وحرائق وأيضا المطاعم التي أحرق العديد منها ولكن الذين يشكلون حالة حزن أكبر هم أصحاب المنازل الذين غادروا منازلهم وهم يحملون قليلا من أطمارهم من ملبوسات أو بعض الزاد عندما اشتدت حمم النيران خوفا من شظايا قاتلة ولكن عند عودتهم فجعوا بمنظر منازلهم التي أكلتها النيران من الداخل فقضت على كل أثاثهم ومقتنياتهم وخراب المنزل الذي أصبح غير مؤهل للسكن والعيش بعد أن اسودت الجدران وحرقت النوافذ والأبواب وحرقت شبكة الكهرباء ومجاري المياه.   وقد التقت الصحيفة بأحد هؤلاء المفجوعين في مساكنهم وعن طريق الصدفة قرب مدرسة الرماح التي تعتبر منطلق الشرارة الأولى للحرب كان رجلا في العقد السابع من عمره يسير باتجاه شارع الجامعة العربية وهو يمسك مفاتيح بيده وكنا نحن نسأل المارة عن من يتواجد داخل مدرسة الرماح وشهدنا هذا الرجل تسيل الدموع من عينيه بغزارة ولكن بدون صوت ويسير بهمة والحزن بادي على وجهه حاولنا سؤاله بلطف واستعطاف أن يجيب قال إن اسمه صالح حدبة واكتفى بهذا التوضيح عن اسمه موضحا أنه خرج مع أسرته المتكونة من زوجته وثلاث بنات واثنتين من زوجات ولديه المغتربين خارج الوطن عند اشتداد المعارك ولجأوا إلى أقاربهم للعيش حتى تهدأ المعارك وعندما وصل لتفقد منزله وجده قد أصيب بالعديد من القذائف التي خرقت الجدران وسببت شقوقاً في المنزل إضافة إلى احتراق الأثاث وباقي المعدات مثل الثلاجة والغسالة والتلفزيون وغيرها من احتياجات المنازل التي يتم تجميعها أحيانا على مدى سنوات عديدة، قال الحاج صالح أصبح منزله خراب موضحا أن هذا المنزل كلف شقاء لمدة أكثر من خمسة عشر عاما كان أبناؤه المغتربون في السعودية يرسلون له رواتبهم وهو يتولى عملية البناء وكان أيضا يعمل بيديه معهم مثل أي عامل فالمنزل المذكور كان يعتبر رأس مال الأسرة بكاملها، فولداه المغتربان في السعودية كان كل طموحهما بناء المنزل بشكل يستوعبهم جميعا ويسترهم من ذل الاستئجار والشتات ولكن في أسبوع واحد فقد ضاعت كل جهودهما وشقائهما في الغربة وأضاف الحاج صالح إن أكثر ما يحز في نفسه كيف يوصل هذا الخبر لولديه المغتربين في السعودية، موضحا أنهم حتى الآن لا يعلمون أي جهة سيخاطبون لتعويضهم مؤكدا على يأسه من صرف أية تعويضات للمتضررين قائلا: ضحايا حرب صعدة حتى الآن لم يحصلوا على أي تعويض حتى اليوم، فالمسئولون عملاء للسعودية وأمريكا حسب قوله وأضاف: الحكومة سارقة والذي بايجوا هم أسرق فوضنا أمرنا إلى الله هو المنتقم.. وتركنا دون أن يسمح لنا بتصويره.   عجائب التدمير   أحد الضحايا الذين دمرت منازلهم قال للصحيفة وهو مبد استغرابه: ما تدمرت إلا منازل المواطنين والفقراء والدوائر الحكومية أما المتصارعين فإن بيت الشيخ لم ينل القصف إلا جزء من الطابق العلوي وما زال البيت كما هو.. موضحا أنه لا يعادي الشيخ الأحمر وأخذ يترحم عليه وأضاف أن أولاده طيبون لم يؤذونا ولكن هم من كانوا مستهدفين في الحرب وكذلك هم استهدفوا بيت الرئيس في قرية الدجاج ولكن بيت الرئيس سليم ولم يقع به أي أذى وبيت الشيخ أصيب بدمار طفيف بينما منازلنا أكثر دماراً ونالها الخراب وكذلك المنشآت الحكومية، موضحا أنهما يتصارعان لكن لا أحد يخرب حق الآخر وإنما يتم تخريب وتدمير حق المواطن الغلبان والمنشآت الحكومية التي هم أنفسهم المتصارعين سيقومون بأخذ مقاولات إعادة تأهيلها وبنائها وهم دائما يربحون مرتين يتم تعويضهم من السعودية ويقاولون لبناء المنشآت ويحكمون ونحن نموت جوعا وقهرا وكمدا.   وعندما كانت الصحيفة تتجول في الحصبة لمحت حقيقة ما طرحه الرجل، حيث الخراب والدمار نال بشكل أكبر منازل المواطنين البسطاء والمنشآت الحكومية والمحلات التجارية ذات رأس المال المتوسط بينما منزل الرئيس في قرية الدجاج لم يصب بأي دمار كذلك منزل الشيخ أصيب بدمار طفيف لا يساوي شيئا مقارنة بما لحق المواطنين الفقراء.   الجثث المتعفنة   الجثث المتعفنة التي انتشرت في العديد من الأزقة والحواري والتي تم إجلاؤها الأسبوع المنصرم أوضحت مصادر مطلعة أنها كانت أغلبها لمقاتلين يتبعون الشيخ الذين كانوا أحيانا يحاولون التجاوز والعبور لتعزيز جماعات منهم حوصرت في مكان ما وبحكم أنهم يلبسون الزي المدني كقبائل حاولوا استغلال هذه الميزة ولكن لم تعط قوات السلطة أي اعتبار لهذا الجانب فلقوا حتفهم في أماكن يصعب انتشالهم منها خاصة يومي الخميس والجمعة 2-3 يونيو والتي شهدت الحصبة فيها معارك شديدة وبحكم أننا في فصل الصيف، فالجثث التي قتلت بعد منتصف ليلة الخميس أصيبت بالعفن بعد مغرب يوم الجمعة من شدة حرارة الشمس التي تسلطت عليها طوال النهار إضافة إلى أن هناك من جرح جرحا بالغا وتمكن من الزحف إلى مكان آمن حشر نفسه فيه خوفا من إصابة أخرى ولكن نتيجة نزيف إصابته وعدم إسعافه مات في المكان الذي حشر نفسه فيه وعن بعض الجثث التي تعفنت في بعض المنازل أوضحت تلك المصادر بأن عدد تلك الجثث قليل وليس كما يروج له وهي لبعض الأشخاص من سكان المنازل قاموا بتهريب أسرهم وأصروا على البقاء داخل منازلهم لحراستها بعضهم من أصابته شظية ومات بدون أن يعلم به أحد حتى اكتشف أمره بعد عودة أسرته أو تسرب رائحة جثته إلى المجاورين لسكنه إن وجدوا وبعض الجثث كانت لأشخاص مثلا تمكنوا من التسلل إلى بعض الأسطح حتى يؤمنوا أنفسهم ويتمكنوا من تحقيق أهدافهم فيفاجأون بسطوح قريبة لهم من المناوئين فتم قتلهم وتركوا حتى وصل أصحاب المنزل واكتشفوا أمرهم وأوضحت تلك المصادر أن كافة الجثث قد تم إجلاؤها حتى عصر يوم الأحد قبل الماضي لكن حسب إفادة المفوضية السامية للأمم المتحدة فإن فرقاً مشتركة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر اليمني تعمل في صنعاء والمناطق المحيطة بها قد انتشلت نحو 20 جثة منذ 4 يونيو وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان لها إنه قد تم انتشال سبع جثث من الحصبة يوم الثلاثاء 7 يونيو في الأسبوع المنصرم.   التكلفة الإنسانية   أكدت الإحصائيات للمنظمات الدولية أن هناك أكثر من أربعة آلاف نازح من سكان الحصبة جميعهم يبحثون عن الحماية بسبب القتال الذي دار في الحصبة أواخر شهر مايو المنصرم وثلاثة أيام من شهر يونيو الحالي وقالت تلك المنظمات الإنسانية إنها على علم بوجود مجموعات صغيرة من النازحين داخليا في صنعاء وكذلك الوقائع من خلال الزيارة الميدانية التي قامت بها صحيفة الوسط أوحت أن هناك أعدادا كبيرة من السكان في منطقة الحصبة والأحياء المجاورة لها لحقت بهم أضرار كبيرة جراء تدمير منازلهم وأفادت مصادر محلية من السكان أن أكثر من 400 منزل لحقت بها الأضرار منها ما يقارب ست عمارات حرقت تماما وخمسون منزلاً ما بين مدمر ومحترق وباقي المنازل تضررت أضرارا متنوعة وأن ما يقدر ال13 ألف شخص هم النازحون تقريبا حسب هذه المصادر المحلية التي أوضحت أيضا أن أكثر من عشرة آلاف شخص فقدوا مصادر أعمالهم سواء من باعة متجولين وعمال مطاعم وبوفيات وفنادق ولوكندات شعبية وبائعي قات وعمال محلات تجارية وغيرهم كانوا يعملون في نطاق حي الحصبة والسوق الذي يتوسط وزارة الداخلية ومنزل الشيخ الأحمر وكذلك علمت الصحيفة أن هناك أسراً أخرى تسكن في أحياء مجاورة لمنطقة الحصبة مثل السكان بجوار وزارة التربية وجولة الصياح وقرب معسكر الشرطة العسكرية في منازل شعبية اضطروا إلى ترك منازلهم خوفا من فجائع الحرب بعد أن توسع نطاقها إلى تلك الأحياء وقد تكبدوا خسائر مالية جراء انتقالهم إلى أحياء أخرى أو سفرهم إلى القرى وأوضحت مصادر محلية مطلعة أن خسائر الحرب من الجانب المالي للمواطنين فقط تصل إلى المليارات، حيث هناك منازل دمرت ومحلات تجارية أحرقت وتكاليف مالية تكبدها المواطنون جراء تأمين فرارهم من جحيم النيران غير التكاليف المالية التي ستتكبدها خزينة الدولة سواء الجديدة أو القديمة إن استمرت جراء ما لحق بالمنشآت الحكومية إضافة إلى خسائر وتكاليف إدارة الحرب التي تكبدها الشيخ الأحمر كطرف والدولة كطرف ثان.   ركود   وعند نزول الصحيفة للحصبة شاهدت ركوداً اقتصادياً واضحاً في منطقة الحصبة التي كانت أسواقها تعج بالزحام الشديد ابتداء من موقف الحافلات مرورا بسوق الحراج ثم مجمع سوق الخضار بالجملة وسوق القات وسوق الجملة للمواد الغذائية إضافة إلى الشوارع التجارية الحية الأخرى التي تقع في الشارع الرئيسي وشارع مازدا وحي وزارة الصحة والسوق الذي يقع في شارع التلفزيون وغيرها كل هذه الأماكن أصبحت خاوية على عروشها وتعاني من الكساد وهذا سبب مضاعفات أخرى لمن عادوا إلى مساكنهم وفوجئوا أن الخدمات السابقة التي كانت متوفرة أصبحت بحكم المعدوم إضافة إلى أن فترة المساء في منطقة الحصبة لها مراسيم أخرى حيث نقاط التفتيش يتضاعف عددها ما سبب مضايقات للمواطنين والتجار على حد سواء وهذا الوضع بالتأكيد يلحق خسائر بمن كانوا مستفيدين تجاريا ومعيشيا في السابق مما يعني أن الحياة لم تعد بعد إلى طبيعتها في الحصبة وما زال الوضع متوترا.   ضريبة الصراع   تلك الحرب التي دارت رحاها بين أسرتين متصارعتين في الأساس على الحكم وإحكام القبضة على الوضع الاقتصادي في البلاد وتصنف تلك الحرب من ضمن العنف السياسي والتي فرضت على كافة سكان صنعاء دفع ضريبة صراعهم وليس فقط على سكان منطقة الحصبة التي فرض على الآلاف من سكانها النزوح والتشرد والشتات وإنما شكلت تلك الحرب حالة من الاستنفار الأمني والفوضى وتفشي الخوف والهلع في أوساط المواطنين وشكلت كذلك زيادة في الأسعار بمقدار ثلاثة أضعاف وخاصة في أسعار الغذاء والماء وانعدام الوقود مما انعكس على كافة المتطلبات اليومية للمواطن وشكلت عليه ضغطا لعدم قدرة الأسر مواجهة تلك الضغوط في ظل ركود اقتصادي عام إضافة إلى انعدام مادة الغاز المنزلي والتي شكلت ثنائي ضغط مع الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي الذي أصبح في حكم المعدوم بعد أن أصبحت الكهرباء تزور كل حي ومنطقة لمدة تصل ما بين ساعتين إلى ثلاث ساعات في النهار وأقل منها في الليل وأصبحت الأسر تواجه مصاعب حفظ الغذاء والبقوليات في الثلاجات إضافة إلى انعدام الغاز.   وقد أشارت العديد من المنظمات الدولية غير الحكومية إلى أن العنف السياسي الذي يجتاح العديد من المحافظات اليمنية أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمياه إلى ثلاثة أضعاف في المناطق الحضرية بما في ذلك العاصمة صنعاء كما يواصل نقص الوقود في جميع أنحاء البلاد تعطيل الأسواق وإعاقة القدرة على ضخ وتوزيع المياه ومنع السيارات من التحرك في الشوارع وحذرت تلك المنظمات من خطورة استمرار الوضع الحالي الذي سيؤدي إلى نتائج متعبة في بلد الكثير من مواطنيه يعيشون تحت خط الفقر.   وقد لاحظت الصحيفة أن نسبة شكاوى المواطنين تضاعفت أكثر من خمس مرات تقريبا عما كانت عليه في السابق جراء الوضع الاقتصادي المتردي والانفلات الأمني المخيف وانعدام الخدمات العامة من مياه وكهرباء ووقود إضافة إلى عدم الشعور بالأمان والاطمئنان وضبابية الوضع السياسي في البلاد كل هذه المخاوف مجتمعة تعد كارثة خطيرة ومكلفة تتربص باليمن ما لم يتم حسم هذا الانهيار بسرعة.




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign