صحيفة امريكية ,, بايدن يدمر امريكا بانحيازة لإسرائيل        صنعاء تواصل عملياتها العسكرية ضد السفن العسكرية والتجارية المرتبطة باسرائيل        البنك المركزي اليمني بصنعاء يفي بوعده ,, ألية استبدال العملة تبدا مهامها في في الراهده وعفار       فلسطين ... مجزرة النصيرات جريمة جديدة للاحتلال ضحايها اكثر من 600 قتيل وجريح      
    كتابات /
قراءة في أقانيم الذات الواهمة
اليمنيون بين زيف الوعي وخداع الذات

26/03/2013 17:20:39


 
د.ناصر محمد ناصر
يتصرف كثير من الناس انطلاقاً من وحي المسلَّمات، وهي مسلَّمات غير مفكر فيها، تكون لها سلطة الحاكمية على سلوك البشر، فمعظم الناس ولدوا وعاشوا في قاع وفي خضم بحر ثقافة محلية غيبية تقليدية تنبذ السببية وتقدس الموروث، ولم يُتح لكثير من هؤلاء الاحتكاك بثقافة مغايرة، تحتكم إلى العقل والمنطق فتناقش وتستنطق مثل تلك المسلَّمات، وحظ اليمنيين كثير من تلك الأساطير والمسلّمات التي تُسيّر حياتهم، وسأكتفي هنا بمناقشة واحدة منها فقط، وهي أبرز تلك الأساطير على الإطلاق، والتي تتردد على ألسنة العامة والساسة، وعلى ألسنة بعض من يفترض فيهم أن يكونوا مثقفين، هذه المقولة هي مقولة العلم والحكمة، التي تصف اليمنيين بأنهم أصحاب علم وأصحاب حكمة، فيا تُرى: أين العلم منا وأين الحكمة؟.. دعونا نضع هذه المقولة على مشرحة التفكيك حتى نستبين صدقها من زيفها:
لا أجد صعوبة كبيرة في نفي ودحض مقولة إننا اليمنيون أصحاب علم، فبضربة واحدة يمكن دحض هذه المقولة وتبيان زيفها الفاضح، بالسؤال عن كم براءة اختراع نسجلها نحن اليمنيين سنوياً؟، الإجابة طبعاً صفر، إذاً المسألة واضحة طالما أن إنتاجنا في مجال العلوم صفر، فنحن لا نساوي أكثر من الصفر، فأين العلم إذاً؟.. المسألة هنا بسيطة وتتعلق بالقياسات الإجرائية وليس بالادعاءات الجوفاء والعواطف الإنسانية، إذا كان حجم إنتاجي وإبداعي عند مستوى الصفر فأنا لا أساوي أكثر من الصفر، ولا قيمة البتة لما أدعيه خلاف ذلك، وإذا أنكرت واقعي وعدميتي وادعيت بأني منبع العلم فلن أكون كذلك، ولن يصدقني أحد، ولن ينتج عن ادعائي هذا أكثر من أن أجعل من نفسي مسخرة وأضحوكة للعالم أجمع، وهذا ما تفعله الفضائيات اليمنية أمام العالم أجمع، من يشاهدها خارج اليمن وهي تروج للوهم والعدم ينظر إلينا بإشفاق، أما من يأتون إلينا إلى داخل اليمن فإنهم من فرط إصرارنا على أننا أصحاب علم يعترفون لنا بذلك، وأكثرهم تهذيباً يقر لنا بما ندعيه من علم بينما ترتسم على محياه ابتسامة عريضة؟
وبالمثل لا أراني أحتاج إلى كثير من الجهد والتفكير لنفي مقولة الحكمة، فبضربة واحدة يمكن دحض هذه المقولة الجوفاء، في عام 1926م قام الإمام يحيى حميد الدين باستيراد أول صفقة سلاح من إيطاليا، ومنذ ذلك التاريخ ونحن لا نكف عن استيراد السلاح من الشرق والغرب، ومن مختلف الأنواع والأشكال، بل إن الشعب اليمني أكثر شعوب الأرض تسلحاً إذا أخذنا بمعدل امتلاك الفرد اليمني لقطع السلاح، أين ذهبت كل تلك الصفقات من السلاح؟، ضد من استخدمناها؟، هل حفظنا بها وحدة تراب اليمن؟ هل حافظنا بها على استقلاليتنا وكرامتنا؟.. الإجابة قطعاً (لا)، كل تلك الصفقات من السلاح استخدمناها في ظهور بعضنا البعض.. إذاً هل من الحكمة أن يشتري المرء السلاح ليقتل به نفسه؟، لا أرى أننا من الحكمة في شيء، من يشتري السلاح ليقتل به نفسه ليس حكيماً على الإطلاق، ولا يستحق أن يوصف إلا بصفات هي على الضد والنقيض من الحكمة، كالسفيه والمعتوه والأخرق والأحمق، لست مبالغاً في شيء فالمقولات والادعاءات الجوفاء يكذبها الوقائع وتفضحها الوقائع، والوقائع هي شواهد عيانية لا يمكن إنكارها ولا القفز عليها، عمري الآن نيف على الخمسين عاماً، ترى كم من حروب الحكمة عاصرت؟، وكم من حروب الحكمة التي عليّ أن أتعايش معها فيما بقي لي من سني العمر؟، وكم من مقولات الحكمة المزعومة سمعت وقرأت؟، وكم عليَّ أن أسمع وأقرأ منها فيما بقي لي من عمر؟، كم من المجازر والمذابح الحكيمة التي خضناها نحن اليمنيين في ظل التشطير؟، كمجزرة 13 يناير 1986م، التي ذهب ضحيتها أكثر من عشرة آلاف نسمة في ظرف عشرة أيام فقط، والتي من فرط حكمتنا دفناها بتصالح الجلادين في ظل غياب الضحية، وكالحرب ضد الجبهة الوطنية في ثمانينيات القرن المنصرم في شمال الوطن، والتي لا حصر لضحاياها حتى اليوم، وكم من حروب حكيمة خاضها شطري اليمن ضد بعضهما البعض قبل الوحدة؟، وماذا عن حرب الحكمة والوحدة والانفصال عام 1994م التي مزقتنا شذر مذر، والتي ما زلنا ندفع ثمنها حتى يومنا هذا؟، وماذا عن ستة حروب مفعمة بالحكمة في صعدة وحدها؟، وكم من حروب الحكمة التي لا تزال في انتظارنا والتي يتوجب علينا خوضها؟، وكم ضحايا كل هذه الحروب مجتمعة؟.. لا توجد إحصائية، لماذا؟ لأن حكمتنا تقول لنا: اقتل يا بني كما شئت ولا تحصِ قتلاك وستظل حكيماً، فليس من الحكمة أن يحصي المرء قتلاه، ترى كم من الناس قتل شمشون اليهودي حتى استحق اللعنة الأبدية؟، أترونه قتل عشرة آلاف مثلاً؟، لا بالتأكيد هو لم يفعل ذلك، ألا ترون أن في داخل كل واحد منا شمشون؟، الفرق أن شمشون اليمني أكثر عسفاً ووحشية وهمجية من شمشون اليهودي؟.. لا بأس إنها الحكمة.
يالها من حكمة؟، التي لا يسعني في نهاية هذه السطور سوى تهنئة البشرية بحكمة هذا الشعب المِعطاء، وتحذيرها في الوقت نفسه من مغبة التعلم من حكمته القاتلة. أرى أن من الواقعي أن نستبدل مقولة العلم والحكمة بمقولة الجهل والطيش والفتنة، فهى ما تجسد حقيقة سلوكنا اليومي فنحن بحق وبلا مواربة لا نملك أكثر من هذه الصفات التي تجسد إفلاسنا على الصعيدين العلمي والأخلاقي، وتجسد جهلنا بكوننا نجهل حقيقة أنفسنا وحقيقة من نكون، إننا سعداء بأوهامنا الحاكمة لكنها في الواقع سعادة الرقيق.




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign